المواطنة
ليست مجرد بطاقة تحمل اسمك او رقمك المدني . بل هي وصف مختصر للعلاقة التي تجمع
بين ابناء وطن واحد ، وتضم خصوصا حقوق الفرد على المجتمع السياسي الذي ينتمي اليه
، وواجباته تجاهه. مجموع اعضاء المجتمع السياسي يشكلون ما يعرف اليوم باسم
"الامة" او "الشعب".
هذه
علاقة مستحدثة تاسست على ارضية القانون الاعلى لهذا المجتمع ، الذي نطلق عليه في
المملكة اسم "النظام الاساسي للحكم" ، ويطلق عليه في البلدان الاخرى اسم
القانون الاساسي او الدستور. لان العلاقة بين المواطنين قائمة على ارضية القانون ،
فان اختلافهم في الدين او المذهب او العرق او الجنس لا يعني شيئا.
ليس
لهذه العلاقة المستحدثة جذور في تاريخنا الثقافي. ولهذا كانت مورد خلط وجدل ، بين
اولئك الذين يقفون على ارضية التراث القديم وهؤلاء الذين ينظرون الى الموضوع من
زاوية معاصرة. واذكر ان الاستاذ احمد بن باز قد تعرض قبل عامين لبواعث الجدل بين
الطرفين ، ولخصها في ثلاثة ، هي أ) الارضية المعرفية التي قام عليها المفهوم الجديد
للوطن والمواطنة ، ب) القلق من التزاحم بين الانتماء الوطني ونظيره الديني. ج)
الرفض المسبق للمفاهيم التي تعتبر "وافدة" ، اي تلك التي تبلورت في
الاطار الثقافي او التاريخي الغربي. |
أحمد بن عبد العزيز بن باز |
ايا
كان الامر ، فان مبدأ المواطنة ، والعلاقات القائمة على ارضيتها ، تمثل اليوم
الرابطة الوحيدة او الرئيسية بين الافراد
وبين وطنهم. في هذا الزمان لم يبعد ثمة قيمة سياسية للقبيلة او المذهب او الاقليم.
هذه الانتماءات تصنف الان كهويات فرعية او هويات ما قبل الدولة. وهي قائمة في
المعنى الثقافي والاجتماعي ، لكنها مجردة من المضمون السياسي.
لا
نقر طبعا بالتعارض بين الهوية الفرعية والهوية الوطنية الجامعة. وحين يشهد المجتمع
تعارضا فعليا بين الاثنين، فيجب على النخبة ان تقرع اجراس الخطر ، فهو يشير الى
خطأ ما ، في مكان ما ، يجب تداركه ، والا تحول الى خط انكسار في المجتمع السياسي.
لا
يمكن تجريد الفرد من هوياته الصغرى او الفرعية ، فهي تمثل خلاصة تاريخه ، وهي
الخيط الذي يربطه بمحيطه الاجتماعي . ولو حاولنا قسره على التنكر لاي من هذه
الهويات ، فسوف نخرج بشخصية ممزقة او "نفس مبتورة" كما وصفها المفكر الراحل داريوش شايغان.
الحل
الصحيح هو ترتيب العلاقة بين هذه الهويات على قاعدة الفصل بين وظائفها. تتركز
الوظيفة السياسية في الهوية الوطنية التي تربط بين جميع اعضاء الوطن الواحد .
بينما ينشط المضمون الثقافي والروحي كمحتوى رئيس للهويات الفرعية التي تجمع بين
الفرد ومحيطه القريب ، سواء كان جماعة دينية او قبيلة او قرية او عرقا .. الخ.
هكذا
فعلت المجتمعات المتقدمة التي واجهت اشكالية الهوية ، وهكذا نجحت في تلافي خطوط
الانكسار. نحن لسنا بدعا من الامم ، ولا نحتاج لاعادة اختراع العجلة. في القديم
والحديث ، كان اعقل الناس من قرأ تجارب غيره واتعظ بنتائجها.
الاقتصادية
4 سبتمبر 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق