يمكن
للدين ان يبرر الكراهية مثلما يبرر المحبة. لكن خطاب الكراهية بذاته خطاب مستقل ،
يظهر في هذا الظرف او ذاك ، فيحتاج الى تبرير ايديولوجي كي يمسي مقبولا بين الناس.
في العراق مثلا لم يرجع حزب البعث الى مبررات دينية قبل قصف القرى الكردية بالسلاح
الكيمياوي خلال حملة الانفال. وفي المانيا استند خطاب الكراهية النازي على
ايديولوجيا قومية وليس مبررات دينية. مثلما استند خطاب الكراهية في مجموعات
الكوكلوكس كلان الامريكية الى دعاوى عنصرية ، اعتبرها اصحابها ايديولوجيا قائمة
بذاتها. وجرى مثل هذا في جنوب افريقيا وغيرها.
الكراهية
كسلوك او كمشاعر تشكل منظومة مستقلة ، تستعين بالمبرر المناسب في كل ظرف. نعلم ان
اتجاهات الرأي العام تتباين من ظرف لآخر. لكن ما يهم دعاة الكراهية ومستثمروها هو
اقناع عامة الناس بان هذا السلوك غير المقبول ، طبيعي او ربما ضروري.
على
اي حال فان المشكلة التي نواجهها اليوم هي الجماعات التي تربط بين الكراهية
والدين. ولهذا نحتاج الى التركيز على العوامل الدينية التي يمكن ان تبرر او تغذي
مشاعر الكراهية او تحمي المصالح المرتبطة بنشر الكراهية.
في
هذه المساحة الصغيرة سوف اقترح نوعين من العلاج ، هما تعزيز قيمة التسامح وفتح
المجال الديني:
أ)
نقصد بقيمة التسامح معناها الفلسفي ، اي اعتبار تعددية الحق ، وحق الانسان في
اختيار المعتقد ونمط الحياة الذي يريد. ومحاربة الفكرة القائلة بان طريق الحق واحد
، او ان احدا من البشر مخول بجبر الآخرين على هذا الطريق. يجب تحويل هذا المفهوم
الى عنصر رئيس في التربية المدرسية ، وفي التوجيه العام. هذا لا يعالج – بالضرورة –
المشكلة الراهنة ، لكنه يساعد على تفكيك الذهنية التي تسمح بولادة خطاب الكراهية
او تفاقمه. نحن – بعبارة اخرى – نوفر وقاية للاجيال الجديدة التي نخشى ان يجرفها
تيار الكراهية والعنف.
ب)
شهدت العقود الثلاثة الماضية ما يمكن اعتباره افراطا في توحيد المجال الديني ، ادى
الى انقسامات مركزية. نحن اليوم نتحدث عن خمسة او ستة تيارات دينية تقتسم معظم
الساحات. وجميع هذه التيارات تستثمر الموروث التاريخي في تعزيز مشروعيتها. ولهذا
فهي تزداد انغلاقا مع مرور الزمن. وزاد في الوضع سوءا ان هذا العدد القليل من
التيارات ، نجح – لاسباب مختلفة – في الاستيلاء على المجال السياسي الأهلي ،
فاختلط الديني الذي طبيعته الثبات والاستمرار بالسياسي الذي طبيعته التحول
والتنوع. ونتيجة لهذا اصبح الفضاء السياسي العام في اكثر من دولة عربية ، مغلقا او
ضيقا على كل من يبحث عن خيارات بديلة او مختلفة.
في
معظم الدول العربية ، ثمة صراع ظاهر او مكتوم بين فريقين: الدولة والتيار الديني ،
الذي يتبنى في الغالب المقولات التقليدية الموروثة. هذا تعارض لا يمكن حله بادماج
المجالين ، الرسمي والاهلي ، ولا بتحالف الدولة مع التيار الديني التقليدي، فهما
عالمان متناقضان جوهريا.
الحل
الصحيح هو فتح المجال امام حياة سياسية اعتيادية ، تساعد على ظهور خيارات بديلة
للجمهور ، ومن بينها خصوصا خيارات دينية بديلة. اعتقد ان التعددية السياسية الحرة
(اي غير التوافقية او المضبوطة بضوابط حكومية او دينية) يمكن ان تشكل أداة فعالة
لاحتواء الطامحين والباحثين عن أدوار ، وهو المقدمة الضرورية لاصلاح خطوط الانكسار
الاجتماعي والسياسي ، او على الاقل تلافي انعكاساتها الخطرة ، سيما تفاقم حالات
الاحباط بين الاجيال الجديدة ، وهي الارضية التي تسمح بظهور الاتجاهات الراديكالية
او تبرير الكراهية والعنف.
"القبس" الكويتية 20/09/2015
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1091015&CatID=323
مقالات ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق