النزوح الجماعي باتجاه الاراضي الاوربية خلف
الكثير من المآسي الانسانية التي شغلت العالم في الايام الماضية. لكنه أثار ايضا
حاجة للتفكير في بعض القضايا التي لم تكن شديدة الالحاح. بين تلك القضايا يبرز
سؤال عما اذا كان "اجتياح الحدود" سيتحول الى ظاهرة متكررة في ظروف
التأزم الدولي والحروب الأهلية.
الاهتمام الاستثنائي بقضية اللجوء ليس سببه
الوحيد هو العدد الكبير نسبيا الذي سجل خلال فترة قصيرة. بل يرجع في ظني الى خروج
سيناريو الهجرة عن مساراته المعتادة ، حيث ينتهي اللاجيء في مخيم تسيطر عليه دولة
مجاورة ، كما جرى للاجئين السوريين ، الذي تم استيعاب ثلاثة ملايين منهم في مخيمات
، اقامتها الدول المحيطة على حدود بلادهم.
شهد الاسبوع الماضي وضعا مختلفا. لسبب ما ،
غادر الاف اللاجئين مخيماتهم باتجاه الاراضي الاوربية. وفي الوقت نفسه قرر الاف من
الباحثين عن عمل ، وهم ليسوا لاجئين او لم يهربوا من حروب أهلية ، قرروا عبور
البحر في نفس الاتجاه.
هل كان هذا عملا منظما ، ام كان مجرد فكرة
انتشرت سريعا عن "فرصة سانحة" لتغيير الحال من خلال الهجرة؟. ثمة مؤشرات
توحي بأن جهة ما أرادت خلق ظرف سياسي جديد. هذا هو المبرر المعقول لتواجد عشرات
الالاف خلال فترة تقل عن ثلاثة اسابيع ،
في عدد محدد من المواقع ، ثم نقل معظمهم على قوارب ، توفرت فجأة ، وكانت جاهزة
للمغامرة.
جاء اكثرية المهاجرين من السواحل الليبية
والسورية والتركية. فهل كانت هذه المواقع مفتوحة وآمنة كي يمر من خلالها ستون الف
مهاجر خلال اقل من أربعة أسابيع ، ام كان ثمة اتفاق على "غض النظر" عما
يجري وترك الامور تسير الى نهاياتها؟.
على اي حال ، فقد اصبح العالم امام ظاهرة جديدة
هي "اجتياح الحدود". ليس باتجاه مخيمات معدة سلفا ، بل هربا من المخيمات
الخاضعة لسلطة الدولة. لا يمكن ايقاف حركة جمعية من هذا النوع بزيادة حرس الحدود
او بناء سدود أو موانع. وكما حدثت اليوم باتجاه اوربا ، فقد تحدث غدا بأي اتجاه.
لو اتجه عشرات الالاف الى بيروت او عمان مثلا ، فقد ينهار النظام العام وتتحول
البلد الى فوضى عارمة.
رغم شعوري بشيء من الشك في عفوية هذه الظاهرة ،
الا ان الأولى – في ظني – هو تجاوز الانشغال بالمسألة نفسها الى الدعوة لمعالجة أبرز
أسبابها ، اي تدهورسلطة الدولة في بلد مثل سوريا وليبيا ، واستمرار النزاعات
الاهلية في بلد مثل الصومال وجنوب السودان.
عدم الاستقرار هو المحرك الأول للهجرات
الجماعية. واذا كان العالم قلقا من عواقب هذه الهجرات ، أو غير راغب في تحمل
اعبائها ، فان عليه معالجة الاسباب ، بدل الانشغال بالنتائج. اعتقد ان النزاع
الداخلي في سوريا والعراق وليبيا يتطلب اهتماما اكبر من جانب العالم العربي
وأوربا. هذا ليس مطلبا اخلاقيا فقط ، بل هو مصلحة مادية وأمنية لدول المنطقة
واوربا على وجه التحديد.
لا توجد دولة جاهزة لاستقبال ملايين البشر
الهاربين من جحيم الحرب. هذا أمر منطقي تماما. لكن المنطق يقول ايضا ان هذه الدول
ذاتها قادرة على التعاون لحل مشكلة اللجوء من الاساس ، اعني العمل على اعادة السلم
الاهلي في البلدان المضطربة.
ربما يفضل بعض السياسيين المثل الشامي المشهور
"فخار يكسر بعضه" كرد على تعثر المحاولات السابقة لوقف الحرب. لكن هذا
المثل ، وما ينطوي وراءه من احباط او ربما قلة اكتراث ، لن يفيد كثيرا حين يعبر
مئات الالاف حدود بلدك من دون استئذان ، كما حدث الاسبوع الماضي في هنغاريا
واليونان وايطاليا والنمسا.
الشرق الاوسط 9-9-2015
http://aawsat.com/node/448546
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق