سوف اكرس هذه المساحة للحديث عن الدكتورة ماريلين وايمر ومنهجها في التعليم ، الذي اسمته "استراتيجية التدريس المتمركز حول المتعلم". هذا بالطبع نص ثقيل ، لانه ترجمة حرفية ، وقد آثرت ابقاءه كما هو ، لانه أوضح دلالة على المقصود ، ولأنه عنوان الترجمة العربية لأبرز كتب الدكتورة وايمر.
لا انسى الاشارة هنا الى ان المادة التي كانت تدرسها د. وايمر للطلاب ، تحمل عنوان "التواصل اللفظي" وغرضها ببساطة ، هو تمكين التلاميذ من اجادة الحديث امام الناس ، وخوض مناقشة مثمرة واكتساب مهارات الاقناع. وقد آثرت ذكر هذه التفاصيل لأنني لا أرى هذه المادة محل اهتمام في مدارسنا ، على رغم اعتقادي العميق بضرورتها ، لتمكين الطالب من التفكير النقدي وتعزيز ميوله للارتقاء الاجتماعي ، وكلاهما من العوامل الحيوية في عملية التعليم.
تقول د.
ماريلين انها شعرت بان افتقاد طلبتها المستجدين للثقة في أنفسهم ، قد منعهم من التقدم
بقوة في مقررات مادة التواصل اللفظي. وكان عليها ان تعينهم على التحرر من هذا
الشعور القاتل ، ومن الارتباك والخوف من الفشل ، حتى يصلوا إلى مرحلة طرح الأسئلة في
الصف ، والمشاركة في مجموعات النقاش ، والتحدث بشكل بليغ ومؤثر امام الزملاء.
وقد خطر في
بالها ان تلك المشكلة قد تعالج بمنح الطلاب إحساسًا أكبر بالسيطرة والتحكم. السبيل
الى ذلك في اعتقادها ، كان تمكينهم من اختيار الطريقة التي يريدون اتباعها في
التعلم. سيرون خيارات عديدة ، سيتخذون القرار ويتحملون مسؤوليته: "خلال أول
يومين ، كان الطلاب مرتبكين". قال لي احدهم "يجب أن تكون الاختبارات إلزامية.
إذا كانت اختيارية ، فلن يخضع لها أحد" فأجبت: بالتأكيد سيفعلون ، فهم بحاجة
إلى درجات لاجتياز المادة". فرد قائلًا: ماذا لو لم أخضع للاختبار؟. قلت "حسنا
، عليك بحل الواجبات الدراسية الأخرى ، كي تحصل على درجاتك". فسأل: وماذا
سأفعل في أيام الاختبارات؟ ، فاجبته بوسعك ان تبقى نائما.
طلاب آخرون
قالوا انهم "لا يستطيعون اختيار الواجبات الدراسية التي يجب عليهم اداءها ،
وطلبوا مني أن أتخذ القرار نيابة عنهم ، البعض الاخر أرادوا مني الموافقة على خياراتهم
قبل المضي فيها ، لكني لم افعل وتركت الامر لهم".
الامر بدأ
فوضويا ، لكن بعد ايام من الارتباك والفوضى ، تحول صفي الى صف مثالي: اقل عدد من
الغياب رغم اني لا اسجل الغياب والحضور ، وكان الطلاب يشاركون بحماسة في الاسئلة
والمناقشات.
هكذا بدأت
المسالة. لكن دعني اكرر جوهر هذه الفكرة ، وهي نقل مركز الاهتمام من الكتاب والمعلم
الى التلميذ ، والتحول من فكرة "تعليم التلاميذ ما يجب ان يتعلموه" الى
"تعليمهم كيف يعلمون انفسهم او يتعلموا بانفسهم". لقد تركت هذه النقطة الى السطر الاخير ، كي
اذكر القاريء العزيز بانها جوهر عملية التعليم الحديث. وسنعود اليها لاحقا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 4
شهر ربيع الأول 1442 هـ - 21 أكتوبر 2020 مـ رقم العدد [15303]
https://aawsat.com/node/2576281/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق