لفتت نظري هذا الأسبوع قصة صغيرة ، احتمل ان كثيرا من القراء قد مروا بها أيضا. فحوى هذه القصة ان (سي. ان. ان). قناة الاخبار الأمريكية الشهيرة ، استغلت اهتمام العالم بالسفينة ايفرغيفن Evergiven التي جنحت وأغلقت قناة السويس في الأسبوع الماضي ، فاجرت تحقيقا على شكل أسئلة وجهتها للأطفال ، حول كيفية انقاذ السفينة. احتمل ان غرض القناة كان ترفيهيا في المقام الأول. لكنه اثار في ذهني سؤالا جديا ، فحواه: هل يمكن لتحد كهذا ان يساعد في توجيه الأطفال الى نوعية الاهتمامات التي نريد ان يهتموا بها في مستقبل أيامهم؟.
دعني أوضح نقطة ضرورية هنا: اني لست من أنصار الرؤية القائلة ، بأن
علينا تلقين الأطفال ما هو صحيح وما هو خطأ. لكني أيضا لا أؤيد ترك الطفل من دون
توجيه. الصحيح في رأيي هو الخط الواقع بين الرؤيتين: دورنا ليس تحويل أبنائنا الى نسخ
مكررة من اشخاصنا او عقولنا ، بل نكتفي بمساعدتهم على تكوين نقطة انطلاق لحياتهم.
ان الغفلة عن توجيههم الى نقطة بداية سليمة ، قد تؤدي الى ضياعهم ، او ضياع سنوات من عمرهم ، قبل العثور
على الجادة الأفضل.
بعد هذا الاستطراد اعود لموضوع السفينة. فهو يشكل مثالا على هذا
النوع من المواضيع ، الذي تتداخل فيه حقول معرفية عديدة interdisciplinary فوق انه ينطوي على نقاط اثارة وامتاع. ومن هنا
فمن الممكن استثماره كموضوع تعليمي ، مع التركيز على المساءلة والبحث. نحن نعلم
بانه أثار اهتمام مئات الالاف من الناس ، من واقع عدد قراءات الاخبار ومشاهدات
الفيديوهات الخاصة بالحدث على شبكة الانترنت. اما كونه موضوعا تعليميا ذا حقول متداخلة
، فلأنه يستدعي الحديث (ومعه التفكير) في التجارة العالمية ، وتكريسها لمفهوم الاعتماد
المتبادل بين المصدر (الصين) والمستورد (اوربا) والطريق (مصر) وكذلك بين أنواع
الصناعة والخدمات. كما يستدعي الحديث عن صناعة السفن ، والعلاقة بين قوانين
الفيزياء والميكانيكا ، وعن الشحن البحري وتاثير
الطقس. ولا بد أيضا من المرور على تاريخ قناة السويس ، التي عبرتها ملايين السفن
منذ افتتاحها في 1869 ، ومنها الى تاريخ مصر وتحولاتها ، وحصة القناة في الاقتصاد
المصري.. الخ.
الغرض من هذا العرض ، هو تقديم مثال على نوع التعليم ذي الحقول المتداخلة
، الذي اعتقد انه يمثل مادة خصبة للتفكير واثارة الاذهان. ومن هنا فهو يوفر دائرة
واسعة نسبيا ، من القضايا والموضوعات التي تساعد الجيل الجديد ، على استشراف
مستقبلهم ، وتكوين اهتمامات علمية تنمو معهم وتتعمق مع تقدمهم في العمر. ان تكوين
اهتمامات علمية في وقت مبكر ، سوف يجعل الميل الى احد العلوم نوعا من الهواية ، واذا
اجتمعت الهواية مع الدراسة العلمية في المستقبل ، فسوف يتعاضدان في دعم القابلية
للابداع عند الشاب. وقد رأينا ان الشباب الذين اجتذبهم الكمبيوتر في مقتبل العمر
(حتى على مستوى الألعاب) تحولوا لاحقا الى مطورين لامعين وخبراء متقدمين في حقل
المعلوماتية. واحتمل ان معظمنا قد سمع عن شخص او اكثر من هذا النوع.
نفس التجربة قابلة للتكرار في علوم أخرى. وقد حاولت في هذه المقالة
اصطياد مثال عن "نقطة بداية" ممكنة. وأعلم اننا نمر بين حين وآخر
بالعديد من نقاط البداية المماثلة ، التي يمكن استثمارها في توجيه الجيل الجديد
نحو مستقبل مليء بالفرص والتحديات التي تمد حبلا قويا بين الاذهان والواقع ، بين
الهواية والاحتراف.
الشرق الاوسط الأربعاء
- 17 شعبان 1442 هـ - 31 مارس 2021 مـ رقم العدد [15464]
https://aawsat.com/node/2890951
مقالات ذات صلة
تعريب
العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا
تدريس
العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟
شكوك
في العلاقة بين الثقافة والتقدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق