تنطلق التحولات الاجتماعية بتأثير عوامل مختلفة ، سياسية واقتصادية. بعض العوامل يطلق مسار التغيير ، وبعضها يحدد وجهته او يؤثر في سرعته. ويقال في العادة ان سياسات الدولة محرك قوي للتغيير. كما ان تحولات الاقتصاد والسوق تعجل الحراك بين الطبقات الاجتماعية ، وتسهم في تغيير الثقافة السائدة. تحولات السياسة في النطاق العالمي مؤثرة هي الأخرى ، ولا سيما تلك التي تحدث في المجتمعات الأقوى اتصالا او الأكثر تاثيرا. نعلم - على سبيل المثال - ان تحولات المجتمع الامريكي ، تنتقل سريعا الى الساحة الدولية فتغدو ظاهرة كونية. لكن التأثير ليس حكرا على هذه البلاد ، وانما نضرب بها المثل لسعة تأثيرها في النطاق العالمي.
ابراهام ماسلو (1908-1970) |
هذا ليس من نوع الكلام العام الذي يقال في سياق
"السوالف" ، فهو نتاج لدراسات علمية معمقة وميدانية ، على تحولات جرت تكرارا
في أكثر من بلد. زبدة القول ان التغيير حقيقة من حقائق الحياة التي لا يمكن منعها
، وانه يحدث بتأثير عوامل عديدة. ولذا لا يحسن بالعاقل ان يتصدى للتحول الاجتماعي
او يقاومه او يتخيل امكانية وقفه.
-
ما الذي يحدث حين يبدأ
المجتمع في التحول؟.
دعنا نضرب مثالا عن شاب ينتمي لعائلة ريفية فقيرة ، انضم
للمدرسة ثم الجامعة وتخرج بشهادة عالية ، فحصل على وظيفة مرموقة: ماهو تصنيفه
الاجتماعي الآن (في اي طبقة). وكيف سيعامله الناس وكيف سينظر هو الى نفسه والى
معاملة الناس له؟.
لعل بعض
القراء يتذكرون "هرم
ماسلو" الذي يقرر ان الانسان في حالة الفقر المطلق ، سيكون مشغول الذهن
تماما بما يمكنه من مواصلة العيش. فاذا حقق كفايته من هذا ، سينشغل بتحقيق الامان كحاجة
نفسية ذات علاقة مباشرة بالعيش والكرامة. ومع نجاحه في هذه المرحلة ، سيتجه الى ما
اسماه ابراهام ماسلو بالحاجات الاجتماعية ، وأبرزها الحاجة للتماثل مع الغير ، أي
اقرار المحيطين بأنه مساو لهم وليس أدنى منهم ، وانه جدير بنفس المكانة التي
يتيحها النظام الاجتماعي القائم لكل اعضائه. بعد ذلك تأتي مرحلة البحث عن التقدير
ثم تحقيق الذات.
هذا مثال عن فرد ، أظن ان كثيرا منا قد لاحظه يوما ما.
لكن ثمة مراحل زمنية تشهد تحولات واسعة النطاق ، في المجتمع كله ، تنعكس على
سلوكيات كافة الافراد او غالبيتهم. وأظن ان كثيرا من السعوديين الذين تتراوح
اعمارهم بين الاربعين والستين قد مروا بهذا التحول ، او شهدوه في اشخاص من جيرانهم
او معارفهم ، في سبعينات القرن العشرين ، حين تعرض المجتمع السعودي لتحولات عميقة
، بتأثير خطط التنمية الاقتصادية
الاولى والثانية (1971-1980). ومثله ما حدث بعد الاجتياح
العراقي للكويت أواخر 1990.
حين تستعرض طيفا واسعا من ابناء المجتمع ، سترى ان كثيرا
من الشخصيات الرفيعة اليوم ، جاءت من عائلات متواضعة اقتصاديا او اجتماعيا. لكن
مكانتهم ارتفعت نتيجة تعليمهم او ارتفاع مداخيلهم او أدوارهم الاجتماعية او
مراكزهم الوظيفية. وهنا لا نتحدث عن عدد من الافراد ، بل عن ظاهرة عامة نستطيع –
من دون تحفظ – اعتبارها صورة نموذجية للتحول الاجتماعي.
مجتمع ما بعد التغيير ، بكافة افراده او غالبيتهم ، يحمل
مشاعر مختلفة عن تلك التي كانت في الماضي. وهذا يولد ردود فعل قد لا تكون مواتية
في جميع الأحيان. ان رغبة الأفراد ، ولا سيما من الجيل الجديد ، في التساوي مع
الغير ، قد ينظر اليها من جانب الجيل الاكبر سنا كتمرد على نظام القيم السائد. وقد
يميل بعض هؤلاء للتشدد في التعامل مع تعبيرات الشباب عن انفسهم ومراداتهم. وعلى
الطرف المقابل فان الشباب ربما يواجهون هذا الموقف بردود فعل غاضبة. هذا الموقف
وذاك ، هو التجلي الأبرز لما يسمى صراع الاجيال ، وهو – في الاساس - صراع ثقافي
وتعبير عن تحول ثقافي.
https://aawsat.com/node/5036864/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق