يعتقد الاستاذ جبير المليحان
وعدد من مثقفي المنطقة الشرقية ان الوقت قد حان لقيام جمعية للادباء السعوديين ،
اسوة بجمعية الاقتصاديين والجيولوجيين والاطباء وغيرها . والحق اننا متاخرون جدا
في هذا الصدد .
جبير المليحان |
ما الذي تضيفه جمعية ادباء
الى المشهد الثقافي؟. سأل احد الزملاء ، ثم اجاب نفسه : ما الذي اضافته هيئة
الصحفيين في دورتها الاولى والثانية غير افتتاح مبناها الفاخر؟. حسنا.. لقد اضافت
مبنى واضافت اسما . هذا منجز بسيط جدا . لكنها اضافت منجزا آخر غير منظور: لقد
فتحت بابا للحديث عن اشكال اخرى من العمل الاهلي المؤسسي. في ماضي الزمن كنا نعتبر
كل تشكيل اهلي باعثا على الفرقة. لكننا اليوم نتحدث عنه كاداة لتحقيق الشراكة
الاجتماعية في التنمية. ربما لم يلتفت كثير منا الى هذا التحول الذهني ، لكنه حصل
فعلا .
لن ينكر احد ان فكرة المجتمع المدني قد اصبحت متداولة ومألوفة في بلادنا ،
ولن ينكر احد ايضا ان تحولها من فكرة الى واقع يتم ببطء اكبر من المتوقع. يؤمن
معظمنا بالحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني. لكننا جميعا نبحث عمن يعلق الجرس او
ربما نبحث عن الجرس المقصود . حتى الان يكتفي معظمنا بالحديث عن هذه الضرورة دون
السعي لفك مغاليقها.
هناك بطبيعة الحال اقلية
تتشكك في فائدة هذا النوع من المؤسسات ، وهناك من يريدها جزء من البيروقراطية
الرسمية او تحت اشرافها المباشر. ولعل اقرب الامثلة الى ذلك هو الاقتراح الذي قدمه
وزير التجارة بتقليص نسبة الاعضاء المنتخبين في مجالس الغرف التجارية وزيادة عدد
الاعضاء الذين يعينهم الوزير . لدى الوزير بالتاكيد بعض المبررات ، لكننا نعلم ان
الاتجاه السائد في الغرف التجارية يميل الى الخروج من عباءة الوزارة وليس العكس.
من المهم على اي حال اقناع
البيروقراطيين بان التوسع الافقي والكمي لمؤسسات المجتمع المدني لن ينهي دور
البيروقراطية الرسمية. هناك دائما مهمات جديدة وادوار جديدة ، موجودة لكنها محجوبة
او مهملة او مختلطة . نعرف مثلا ان ظهور مبدأ "تقسيم العمل" يعد واحدا
من اهم التطورات في تاريخ البشرية . تقسيم العمل قاد الى استقلال التخصصات
والادوار وحقول الاهتمام والهموم ايضا . في الجانب الثقافي كمثل ، ثمة دور هام
تلعبه الادارة الرسمية . لكن "الحياة الثقافية" هي مسار اجتماعي متمايز
عن التجارة والسياسة والصحافة والحرف الاخرى ، وهي ايضا عمل اهلي ينبغي ان يتحول من انشغال فردي الى علاقة
مؤسسية بين الافراد الذين يحملون الهم الثقافي والذين يشاركون في الجدل الثقافي
والذين يهمهم تطور مستوى الثقافة وانتاجها في المجتمع ككل.
للعمل الثقافي سمات هي جزء
من طبيعته ولا يكون حقيقيا الا معها ، وابرزها كونه عفويا ، اختياريا ، تطوعيا ،
منبعثا من دافع شخصي ، ربما يكون عاطفيا وربما يكون مصلحيا او ايديولوجيا او غيره
. العفوية والاختيارية يستحيل تاطيرها في القوالب البيروقراطية ، او اخضاعها لحدود
القانون واوقات الدوام وما اشبه. لدينا في المملكة الاف من الاشخاص الذين تستهويهم
الثقافة في شتى فروعها ، واظن ان كلا منهم يرغب في مساهمة اوسع واعمق من تلك التي
يقدمها الان .
هؤلاء جميعا هم السكان المتوقعون للبيت الذي نسميه بالحياة الثقافية
. واذا نجحنا في اقامة الروابط التي تجمع هؤلاء مع اندادهم واشباههم فسوف نبدأ في
رؤية ما ستكون عليه "الحياة الثقافية" في بلدنا. ا
لاندية الادبية هي
مثال حي على العلاقة العكسية بين الثقافة والبيروقرطية . تعقد النوادي مناسبات
ثقافية هامة جدا ، لكن حضورها محدود وقد لا يتجاوز بضع عشرات . في المقابل نجد
المنتديات الاهلية البحتة تستقطب اضعاف هذا العدد ، ليس فقط بين الجمهور العام ،
بل حتى من المهتمين والمشتغلين بالشان الثقافي. لا اشك ابدا ان كون الاخيرة اهلية
بحتة هو سبب رئيسي . في الحقيقة فان هذه المنتديات ترفد النشاط الثقافي في بلدنا
بقدر يتجاوز كثيرا المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مثل النوادي الادبية وامثالها .
هذا المثال ليس محصورا في مجتمعنا. في كل مجتمعات العالم الاخرى تتفوق المؤسسات
الاهلية البحتة في استقطاب واطلاق النشاط التطوعي على نظيرتها الرسمية او المنضوية
تحت عباءة البيروقراطية.
اذا اردنا تحويل المبادرات
الثقافية القائمة الى حياة ثقافية ، فان جمعيات المثقفين هي الخطوة الاولى في هذا
الطريق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق