19/11/2013

ظرف الانتقال العسير


الاضطراب السياسي الذي شهده العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية ، كشف عن عيوب جوهرية في بنية النظام العربي ، ابرزها هو انحدار مستوى الاجماع الوطني ، اي توافق الجمهور والقوى الاجتماعية النخبة السياسية ، على طبيعة النظام القائم واستهدافاته ومصادر شرعيته وفلسفة عمله والطرق القانونية التي يلجأ اليها الفرقاء لادارة التعارض بين مصالحهم وحل اختلافاتهم.
يعتقد ديفيد هيلد ان تيار التحديث يقود غالبا الى تغيير في توزيع مصادر القوة ، قيمة الفاعلين السياسيين ، منظومات القيم ، والثقافة السياسية ، وتبعا لذلك تدهور مقومات الاجماع الموروث. وفي المرحلة الانتقالية ، تتبلور هذه التحولات على شكل انقسامات جديدة ، او اكتساب الانقسامات التقليدية مضمونا سياسيا. هذا يستدعي بذل جهد استثنائي لاعادة توليد الاجماع ضمن مدى زمني ملائم ، بالاعتماد على الطبقات الحديثة.  تتسم المرحلة الانتقالية بكثرة الالتباسات والتحولات الحياتية والقيمية ، التي تجعل النظام السياسي والاجتماعي برمته على المحك . ويتماثل هذا الاستنتاج مع راي ليونارد بيندر الذي رأى ان قلة اهتمام دول العالم الثالث باستيعاب القوى الجديدة وتطوير اطر العمل السياسي الديمقراطي ، قد ادى غالبا الى تباين قيمي وسلوكي ، انكماش وسائط التفاهم بين الشرائح الاجتماعية المختلفة ، واتساع الفاصل الطبقي ، اضافة الى تفارق تقنيات العمل السياسي بين الطبقات الحديثة والتقليدية .
ليس مهما الان التساؤل عن العوامل الاكثر تاثيرا في توليد تلك الفوضى. الواقع الذي امامنا يقول ان جانبا مهما من اخفاقات الدولة العربية خلال الحقبة الاخيرة  ، سواء في مجال التنمية الاقتصادية او السياسية ، يرجع الى انكسار الاجماع القديم ، وعجز المجتمع السياسي عن توليد عقد اجتماعي جديد ، اي اجماع جديد على طبيعة النظام واستهدافاته والقيم الكبرى الناظمة لحركته.
في ظل الانقسام فان كلا من المجتمع والدولة ينطلق في مواقفه وعمله من مبررات متفاوتة واحيانا متعارضة . النظام السياسي الذي يفتقر الى الاجماع  سوف يكون – بالضرورة - فوضويا ، باهت السمات وعديم الاستقرار.  ما يميز الانظمة السياسية المتقدمة – حسب راي ليونارد بيندر – هو قيامها على اجماع ثقافي تاريخي يضمن الاستقرار والتواصل. اعادة بناء الاجماع الوطني المستقر والفعال ، يتوقف على تفاهمات اولية تؤكد على مفهوم المواطنة وسيادة القانون كمرجع اعلى للعلاقة بين اطراف المجتمع الوطني. تفاهمات كهذه يمكن ان تمثل منطلقا ، لكن الوصول الى الغاية النهائية ، يحتاج الى استراتيجية متعددة الابعاد ، تبدأ من التعليم ، لكنها تتناول ايضا تقريب مستويات التنمية وتعزيز التواصل بين اطراف البلد ، فضلا عن ايجاد صيغة مناسبة للتشابك بين الهويات المحلية والهوية الوطنية الجامعة.
http://www.aleqt.com/2013/11/19/article_800863.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...