زبدة القول ان الاستقرار السياسي رهن بواحد من ثلاثة نماذج في ادارة المجتمع: أ) القمع العشوائي الذي يكسر نفوس الناس وأحلامهم. ب) توافق جمعي على تصور واحد عن المستقبل. ج) سعة الخيارات المتاحة في المجال العام ، كي يحقق الناس ذواتهم وتطلعاتهم بانفسهم.
علاقة المجتمع بالدولة قد تكون علاقة تغلب مطلق ، تعتمد
استعمال مصادر القوة العامة في إخضاع الناس لمشيئة النخبة الحاكمة دون مساءلة او
حساب. او تكون علاقة مغالبة بين المجتمع والدولة وهو ظرف اختلال توازن القوى بين
الطرفين وانعدام التراضي بينهما. وهذا هو الحال الذي يغذي عوامل الاضطراب السياسي.
او تكون علاقة مبنية على نموذج توافقي للحياة العامة وعمل الدولة.
لا توجد حكومة في العالم كله تتبنى علنا النموذج الاول.
ولا يوجد مجتمع في العالم كله يرضى بهذا النموذج. لأنه ببساطة لا يليق بانسانية
الانسان. لكنه قد يوجد كمضمون واقعي للعلاقة ، مغطى بعباءات مختلفة ، من أهمها
ربما "وهم" الهدف المشترك الذي تدعي الدولة انها تحققه للناس.
تتضح حقيقة هذا الوهم من مقارنة النموذج السوفيتي قبل انهيار
الاتحاد في 1991 بنموذج اقتصاد
السوق الشائع في الدول الصناعية. معظم مواطني الاتحاد السوفيتي كانوا يشعرون
بالامان المعيشي ، نظرا لالتزام الدولة بتوفير حاجاتهم الاساسية ، وابرزها التعليم
والصحة والسكن والعمل.
لكن هؤلاء المواطنين انفسهم قرروا التخلي عن النموذج
السوفيتي. وفي الانتخابات التالية ، لم يحقق الشيوعيون نجاحات تذكر رغم تركيزهم
على الصعوبات الحياتية التي واجهها الروس بعد تخلي الدولة عن نظام التخطيط
المركزي. فقد صوت غالبية الناخبين لصالح الاحزاب التي تعد بنموذج اكثر ليبرالية او
تتبني تحرير الاقتصاد. ويبدو ان هذا هو الاتجاه العام في العالم كله هذه الايام.
السبب بساطة هو ايمان الناس بقدرتهم على صناعة حياتهم
بأنفسهم ، ورغبتهم في ان تتركهم الدولة وشأنهم ، بدل ان تجعل نفسها رقيبا عليهم
وأبا وأما لهم. لا يريد الناس العيش في ثياب آبائهم ولا يريدون البقاء في أحضان
أمهاتهم ، بل يريدون تحقيق ذواتهم وتطلعاتهم بأنفسهم.
نحن إذن نتحدث عن نموذج للحكم يتيح خيارات واسعة ومتنوعة
للناس ، مع تقليص التدخل الحكومي الى ادنى الحدود الممكنة.
ليس هذا سهلا في المجتمعات الشرقية ، التي تقدس العيش في
عباءة السلطان او تحت ظلاله. لكنه يبدو الخيار الاسلم في مثل هذه الأوقات. لا يمكن
لأي دولة ان تلبي حاجات الناس جميعا ، ولا يمكن لأي دولة ان تقمع الناس جميعا.
ولدى العالم العربي ما يكفي من التجارب في هذين السياقين.
تجربتنا وتجربة العالم تؤكد انه كلما زاد تدخل الدولة في
حياة الناس درجة ، انتج بالضرورة عامل احتكاك جديد بينهم وبينها. ومع تزايد هذه
العوامل تتحول العلاقة الى مغالبة وتتحرك عوامل الانشقاق السياسي والاضطراب.
والبديل عن هذا البؤس لا يستدعي زيادة في البيان.
مقالات ذات علاقة
التنمية على الطريقة الصينية : حريات اجتماعية من دون سياسة\
حول جاهزية المجتمع للمشاركة السياسية
"شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية
عباءة السلطان
العدالة الاجتماعية كهدف للتنمية
العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص
عن العدالة الاجتماعية ومبدأ المواطنة المتساوية
مجتمعات متحولة
معالجة الفقر على الطريقة الصينية
الوطن شراكة في المغانم والمغارم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق