القضاء على الفساد الاداري
يتوقف على التخلص كليا ونهائيا من نظام الادارة الشخصية التي تربط كل عمل ومعاملة
وقرار بموافقة شخص المدير. هذا النظام يوفر بيئة خصبة لظهور الفساد الاداري في
معناه الاوسع اي ذلك الذي يشمل الرشوة والمحسوبية ، كما يشمل تعطيل الاعمال وزيادة
كلف الاستثمار ، كما يشمل الانفراد بالراي في تقرير المصالح العامة .
في هذا النظام تشيع
المحسوبية . اذا كنت صديقا للمدير او جارا لاخيه او قريبا لزوجته فحقك محفوظ . فان
لم تكن كذلك فسوف تضطر للبحث عن وسيط او شفيع يقنع المدير الهمام ، بالشيمة او
بالقيمة كما يقول قومنا . في حادثة من الحوادث دفع احدهم عشرين الف ريال لسائق
المدير كي يضمن لابنته كرسيا في الجامعة . وفي حادثة اخرى حاول رجل اعمال دفع بضعة
ملايين للحصول على ترخيص تجاري استثنائي . وهذه وغيرها من الامثلة تنشرها الجرائد
ويعرفها عامة الناس. والسبب فيها جميعا ان "راي" سعادة المدير هو قفل
العمل ومفتاحه معا
.
تأخير المعاملات هو صورة
اخرى من صور الفساد الاداري المعتادة في ظل نظام الادارة الشخصية. بعض المعاملات
تستغرق خمس دقائق على ابعد تقدير ، لكن انتظار توقيع المدير يجمدها شهرا او شهرين
او ربما اكثر . بعض المعاملات يستدعي دفع غرامات على التاخير ، لكنهم لا يهتمون
بهذا. الادارة ليست مسؤولة عن وقت الناس ، وهي اساسا لا تعتبر ان للزمن قيمة حتى
تستعجل الامور ، فكل شيء قابل للانتظار حتى تنتهي اجتماعات المدير او حتى يعود من
الاجازة .. الخ.
الوقت له ثمن اقتصادي يعرفه
جميع المحترفين ورجال الاعمال ، الساعة لها قيمة والدقيقة لها قيمة ، يمكن
استثمارها في زيادة الانتاج او انفاقها في تعبئة اوراق مكررة والجري وراء هذا
الموظف او ذاك او انتظار فراغ المدير او او .. الخ. اذا كنت ستبدأ استثمارا في وقت
معين ثم تاخرت البداية سنة او اقل او اكثر فانت تخسر بما يعادل الدخل المتوقع خلال
هذه الفترة . لو كنت ستربح في هذا العام مئة الف ، فان المئة الف هي خسارة سببها
الوحيد هو تعطيل المعاملة.
المدير الذي رايه محور
الادارة ، يرضى ويغضب ، فاذا رضي سهل معاملات الناس ، وخفف من الاجراءات اللازمة
للموافقة عليها . واذا صادف ان غاضب زوجته او عاكسه صبي بسيارته او علم بخسارته في
سوق الاسهم ، فياويل الناس ويا سواد ليلهم . سوف يقرر المدير في هذا اليوم وضع
العشرات من القيود والتعليمات والاجراءت كي لا تمر معاملة الا بعد ان يلج الجمل في
سم الخياط.
اخيرا فان الادارة الشخصية
توفر بيئة للتمييز بين الناس في الفرص والتكاليف . فالقريب او المقرب يحصل على حقه
وزيادة ، والبعيد لا يحصل على حقه الا بعد ان يدفع مالا او وقتا او كرامة من خلال
التوسل بهذا وذاك او التملق لهذا وذاك.
اذا شاع الفساد في اي
من صوره ، رشوة كان او تعطيلا ، او ارهاقا للجسم والكرامة ، فان ضحيته الاولى
ستكون هيبة القانون وهيبة السلطة ، ورضى العامة الذي هو اساس الاستقرار والتقدم .
نحن لا نستطيع وضع رقيب على كل موظف ، لكننا نستطيع اقرار قانون يلغي الحاجة الى راي
المدير وتوقيعه . نستطيع اقرار قانون ينظم تظلم الناس من تصرفات المدراء والموظفين
، نستطيع اقرار قانون يفرض على الدائرة الحكومية دفع المقابل المادي لتعطيل العمل
. عندئذ سنجد اشكال الفساد هذه تتراجع الى حدها الادنى.
هذا ما يسمونه في علم
السياسة بالمسؤولية او المحاسبة. القانون
هو الاطار الصحيح للعلاقة بين المجتمع والادارة الرسمية ، وسيادة القانون تعني
توفير اليات للتظلم ومحاسبة الاشخاص الذين يحولون الادارة الرسمية من وعاء لتطبيق
القانون الى مجلس لانفاذ ارائهم الشخصية والتعبير عن ميولهم ونزعاتهم الخاصة او الحكم
كما يحلو لهم.
مقالات ذات علاقة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق