السجال
الذي شهدته المملكة قبل وبعد قرار السماح للنساء بقيادة السيارات ، يؤكد حاجتنا
لحسم سؤال ، أظنه اكثر الاسئلة أهمية في الجدل الطويل حول دور الدين في المجال
العام.
يمكن
صياغة السؤال على النحو التالي: هل يريد الاسلام تثبيت الأعراف والقيم الاجتماعية
التي ورثناها ، ام يعتبرها واقعا قائما ، لا ينكره ، لكنه يسعى لاصلاحه أو ربما
تغييره الى مستوى أرقىى وأقرب للقيم العليا؟.
يحتمل
السؤال جوابا من اثنين ، يعبر كل منهما عن رؤية أوسع في فلسفة الدين وأغراضه. وهما
رؤيتان متعارضتان لا يمكن الجمع بينهما. تنظر الرؤية الأولى الى الدين كقوة تواصل
روحي/قيمي مع الماضي ، ومن هنا فهو يهتم بتثبيت وترسيخ الواقع الاجتماعي الموروث ،
بما فيه من قيم وأعراف وعلائق ، وتسليمه كاملا الى الأجيال التالية.
أما
الرؤية الثانية فترى في الدين قوة تغيير ، يتبنى في الأساس نماذج قيمية وسلوكية
رفيعة ، لكنه لا يفرضها على الناس قبل ان يصبحوا جاهزين لتطبيق مقتضياتها. ومن هنا
فهو يتعامل مع الوقائع والقيم والاعراف والنظم الاجتماعية القائمة ، باعتبارها
ظروفا تاريخية ، ويلقي عليها قيمة مؤقتة او انتقالية. لكنه في الوقت نفسه يدعو
المجتمع لتجاوزها الى الظرف الأعلى ، اي الاقرب للمثال والنموذج.
المثال
المناسب للجدل السابق الذكر هو مبدأ المساواة ، وهو جوهر قيمة العدالة ، التي نعلم
ان الرسالات السماوية نزلت من أجل إقامتها واقرارها أساسا للحياة والتعامل بين
الناس. الحوادث والسجالات التي شهدناها في السنوات الاخيرة ، تؤكد ان مبدأ المساواة
ليس راسخا في ثقافة المجتمعات المسلمة ولا سيما العربية. التفاوت في الحقوق
والمكانة بين الرجل والمرأة هو أحد الأمثلة. وثمة امثلة كثيرة من قصة تكافؤ النسب
بين القبائل ، الى عدم المساواة بين اتباع الاديان والمذاهب ، الى التمييز العرقي
والعنصري. ولكل من هذه شواهد وتطبيقات عديدة في المجتمع ، وبعضها مدعوم بأعراف
اجتماعية أو آراء فقهية.
الاخذ
بالجواب الأول ، أي القول بأن الدين قوة تواصل وتثبيت للواقع ، يعني اعتبار الحالة
القائمة سليمة ومشروعة. وهذا يستدعي بالضرورة القول بان الاسلام ضد مبدأ المساواة
، أو ان لديه مفهوما للمساواة يخالف ما نعرفه من أن بني آدم جميعا سواسية في
القيمة والمكانة والحقوق.
اما
الاخذ بالجواب الثاني ، أي اعتبار الدين قوة تغيير للواقع ، فهو يعني ان الظرف
القائم أمامنا مؤقت ، وأن السعي لتغييره هو الأصل الصحيح وهو الأقرب الى روح
الدين. وفحوى هذا الخيار ان وضع المرأة في مجتمعنا لايزال دون الصورة المثلى التي
يريدها الدين. ولذا فان السعي لتغييرها باتجاه نموذج المساواة الكاملة في الحقوق
والواجبات ، هو العمل الاقرب الى مرادات الشريعة وأهدافها.
من
المناسب هنا الاشارة الى ان سر نهضة اوروبا يكمن في تخلي المفكرين منذ القرن
السابع عشر عن النظريات السكونية ، سيما نظرية ارسطو حول النظام الطبيعي ، وفحواها
ان النظام الكوني هو النموذج الأمثل لتنظيم وادارة المجتمع. تخلى الاوروبيون عن
هذه الرؤية الى أخرى جديدة ، فحواها أن النظام
الاجتماعي ليس وضعية سكونية او نهائية ، بل هو نتاج لفعل البشر وتعبير عن مستواهم
الثقافي وحاجاتهم في زمن محدد ، ولهذا يستطيعون تغييره بما يستجيب لتحديات
مستقبلهم ويتلاءم مع القيم العليا.
لو
سألت عامة المسلمين عن الرؤية التي يعتقدونها أليق بروح الدين الحنيف ، فهل
سيختارون الأولى؟.
الشرق
الاوسط الأربعاء - 14 محرم 1439 هـ - 04 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14190]
http://aawsat.com/node/1041786
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق