أبدأ
بما كتبه د. صالح زياد ، وفحواه ان مشروع التجديد الاقتصادي والاجتماعي الذي
تتبناه المملكة العربية السعودية حاليا ، يحتاج حاجة ماسة الى إطار ثقافي يعيد
صياغة الوعي الشعبي ، على نحو متناغم مع الاستهدافات الفورية والبعيدة المدى
لمشروع التجديد (الوطن 8 اكتوبر). وفي يونيو الماضي تحدث الشاعر المعروف محمد زايد
الألمعي عن الحاجة الى مشروع سياسي جديد يخدم ذات الهدف.
حديث
الرجلين ، وهما من الوجوه البارزة في المشهد الفكري السعودي ، يشير الى نقاش يتسع
بالتدريج ، حول الانعكاسات المتوقعة لبرنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة
2030.
تضمنت
رؤية المملكة 2030 حقيبة مشروعات ، سيؤدي تطبيقها الى تحول عميق في النظام
الاقتصادي للمملكة وانماط المعيشة لمعظم سكانها. سنغض الطرف هنا عن تشكك
المتشائمين في قدرة المجتمع السعودي على انجاز تحول بذلك الحجم ، لأن عدد ونوعية
المشروعات التي دخلت طور التنفيد أو انتقلت من مرحلة القرار الى التصميم ، برهان
على اننا لن نعجز عما قدر عليه الآخرون. في كل الأحول فان انجاز نسبة كبيرة من
مشروعات الرؤية ، سوف يقود دون شك الى التحول المشار اليه.
معروف
بين دارسي التنمية ان التحولات الواسعة في الاقتصاد ونظم المعيشة ، تفرز –
بالضرورة – تحولات موازية في الثقافة والقيم الناظمة للحراك الاجتماعي ، إضافة الى
التراتب الاجتماعي وأدوار الأفراد.
سنبدا
بطبيعة الحال بتجربتنا الخاصة ، سيما خطط التنمية السابقة ، التي قدمت دروسا كثيرة
وجديرة بالتأمل ، في طبيعة الحراك الاجتماعي ومساراته. خلال الفترة من 1971 حتى 1985
تبنت المملكة ثلاث خطط للتنمية الاقتصادية ، أثمرت عن تحول عميق في الاقتصاد
ومصادر المعيشة ، فضلا عن الثقافة العامة. ونستطيع اليوم معرفة الجانب الاعظم مما
جرى على الجبهة الاقتصادية ، نستطيع معرفة الانجازات والاخفاقات ، لأن التركيز على
الاقتصاد حوله من موضوع مبهم وعفوي ، الى منظومة معطيات رقمية قابلة للدراسة
والتقييم.
لكننا
لا نعلم على وجه الدقة ماجرى على حاشية التنمية الاقتصادية الباهرة ، من تحولات
اجتماعية وثقافية. بمعنى اننا لا نملك معطيات رقمية واحصائية مناسبة ، تساعدنا على
تفسير العلاقة بين التحول الاقتصادي والظواهر الثقافية – الاجتماعية التي شهدتها
البلاد في تلك الفترة وما بعدها. لا نعلم – على سبيل المثال – لماذا تضاعف عدد
طلبة التخصصات الأدبية والدينية في تلك المرحلة ، بشكل يتجاوز كثيرا التخصصات
العلمية ، التي يفترض ان تكون محور التنمية. ولا نستطيع تفسير العلاقة بين تراجع
الاقتصاد في النصف الثاني من الثمانينات ، وبين الانتشار المفاجيء للتشدد الديني.
ولا نعرف لماذا لم يستطع المجتمع السعودي استنباط حلول فعالة لمشكلاته المعيشية ،
عدا تلك التي تقوم بها الدولة.
هذه التساؤلات
وأمثالها تسلط الضوء على حقيقة اننا ، في التجربة السابقة ، وضعنا كل الثقل في
الجانب الاقتصادي ، وأهملنا ما ينتج عنه من تحولات غير اقتصادية. بديهي ان المقصود
هنا ليس "أدوات عرض الثقافة" كالمدرسة والكتاب والمنبر والتلفزيون ، بل
جوهر الخطاب الثقافي ، اي فلسفته واستهدافاته ، ومنظومات القيم والتقاليد الجديدة
التي تدعم مشروع الاصلاح واهدافه ، وتحميه من التحوير والاختطاف ، او تستثمره في
أهداف ايديولوجية خاصة. الخطاب الذي يجعل المجتمع كله شريكا في مشروع الاصلاح
وحاميا له وقائما عليه.
نعرف
من تجربة البشرية ان الاقتصاد محرك عظيم للتطور. ونعرف أيضا ان استدامة التطور
يعتمد كليا على تفاعل المجتمع ومشاركته.
الشرق
الاوسط الأربعاء - 28 محرم 1439 هـ - 18 أكتوبر 2017 مـ رقم العدد [14204]
http://aawsat.com/node/1055646
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق