يسعى عدد من الناشطين في
المنطقة لعقد مؤتمر شعبي مواز للقمة الخليجية التي ستلتئم في الكويت منتصف الشهر
الجاري. تستهدف الفكرة توجيه رسالة لحكومات المنطقة تتضمن المطالب الرئيسية
للاهالي ، وهي مطالب لا تبتعد عن الوعود التي اطلقتها مؤتمرات سابقة لزعماء
الخليج. وتدور بشكل رئيسي حول محورين :
تعزيز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية
وتسريع الخطوات الوحدوية بين الدول. جربت فكرة المؤتمر الاهلي الموازي لمؤتمرات
القمة الرسمية في اوربا ، كوسيلة لاظهار قوة المجتمع المدني وحضوره على المستوى
القاري . لا يزال المجتمع المدني في الخليج ضعيف التاثير على المستوى السياسي
لكونه تجربة جديدة ولان الميدان السياسي ضيق ومحتكر من جانب النخب العليا.
الانفتاح السياسي وضمان الحريات العامة هي شروط ضرورية لتحول المجتمع الاهلي الى
قوة مؤثرة في الحياة العامة ، وهو ما نفتقر اليه في الخليج ، رغم التفاوت بين
البلدان في مستوى الانفتاح ومؤدياته.
ليس سرا ان مجلس التعاون
الخليجي قد خسر الكثير من بريقه وشعبيته في السنوات الاخيرة. بعيد تاسيسه في 1981
اعتقد اهالي الخليج ان المجلس قد ارسى اساسا قويا لتجربة وحدوية جديدة في العالم
العربي . ورغم معرفة الجميع بالطبيعة المحافظة لحكومات المنطقة ، ورغم شكوك
المتشائمين ، الا ان مجموع ما قيل في البيانات الرسمية وعلى هامش اجتماعات المجلس
قد اوقد امالا بان وحدة الخليج اصبحت على الطريق. معظم هذه الامال تبخر الان ، ولم
يعد الخليجيون يحتفلون بالقمم السنوية للمجلس كما كان الامر في البداية .
ليس فقط
لان الامر اصبح مكررا ومعتادا كما يقول بعض المراقبين ، بل لان السنوات العشر
الماضية كشفت عن ميول معاكسة. نعرف على سبيل المثال ان موعد اطلاق العملة الخليجية
قد تأجل فعلا ولم يبق سوى الاعلان الرسمي عن تاجيله ، بعدما كان مقررا ان يبدأ
العمل الفعلي بها في اول الشهر القادم. ونعرف ايضا ان انتقال الرساميل بين دول
الخليج ما زال مقيدا . كان المفترض ان يستطيع اي مواطن خليجي او شركة مسجلة في
دولة خليجية العمل في الدول الاخرى كما لو كانت شركة محلية. لكن هذا الامر لا زال
بعيد المنال ، اي ان فكرة السوق الخليجية الموحدة لم تتحقق رغم الاعلان الرسمي عن
قيامها في يناير 2008.
اذا مررت باي منفذ حدودي بين دول الخليج فستواجهك المئات من
الشاحنات التي تنتظر اياما قبل انهاء المعاملات الجمركية المعقدة بين بلدين يفترض
– نظريا – ان لا حواجز جمركية بينهما. على مستوى تنقل الاشخاص لم تحدث تطورات مهمة
فتنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية لم يطبق بالكامل ، ولازال المواطن مضطرا
للانتظار في كل منفذ ، خلافا للنموذج الاوربي الذي كان مأخوذا بعين الاعتبار ، حيث
يتنقل المواطن والاجنبي المقيم من دون تفتيش او توقف بين الدول الاعضاء في الاتحاد
الاوربي.
على مستوى الاصلاح السياسي
ثمة تفاوت ملحوظ ، يشبه تماما ما كان عليه الحال قبل قيام المجلس . في قمم سابقة
تحدث كل من الملك عبد الله وامير الكويت السابق الشيخ جابر الاحمد وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة عن ضرورة توسيع المشاركة
الشعبية في العمل السياسي ، وكان ثمة اتجاه الى تشكيل ما يشبه البرلمان الاهلي في
اطار المجلس ، لكن هذه الدعوات لم تقترن بوضع التزامات محددة او برنامج زمني . من
المفهوم ان مثل هذا الموضوع يدخل في الاطار المحلي الذي لا يناقش في مؤتمرات القمة
، لكن كان الامل ان تسهم تلك الدعوات ، ولا سيما بسبب صدورها في اجتماعات القمة في
اطلاق روحية جديدة تؤدي الى نوع من
الالتزام الادبي تجاه شعوب المنطقة.
هذه التراجعات احبطت الامال
القديمة ، فهل يستطيع المؤتمر الموازي اعادة تدوير العجلة ؟.
اشرت الى ان المجتمع الاهلي
ليس قويا بما يكفي لتوليد ضغط يتناسب مع حجم المهمة المطروحة ، لكن المبادرة
بذاتها تستحق التقدير . انه في اقل الاحوال تحرك يستهدف اثبات وجود المجتمع الاهلي
واعلان تطلعاته . واذا لم يستطع المبادرون تحقيق اهدافهم المعلنة اليوم ، فان لكل
شيء بداية ، وقد تكون هذه المحاولة هي البداية المنتظرة لشيء اكبر ياتي في قادم
الايام . من المهم على اي حال ان يقوم الاهالي بما يستطيعون ولو اقتصر على اعلان
موقف او توجيه رسالة
.
ديسمبر 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق