01/02/2017

ترمب على خطى يلتسن



أحتمل ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسرور جدا بسياسات نظيره الامريكي دونالد ترمب. ليس فقط لأن ترمب يحاول ردم الفجوة التي اتسعت بين البلدين منذ استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم أوائل 2014. بل أيضا ، وربما بدرجة أكبر ، لأن تلك السياسات ستؤدي - موضوعيا - الى تراجع الحضور الأمريكي في السياسات الدولية ، مما يوسع الطريق امام بوتين ، الساعي لاحياء مكانة روسيا كقطب ثان في النظام العالمي.
الرئيس الروسي بوريس يلتسن (يسار) مع الرئيس الامريكي كلينتون (يمين)

المقارنة بين التوجهات الحالية للرئيسين تذكر بمقارنة عكسية بين الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن ونظيره الامريكي جورج بوش ثم بيل كلينتون خلال الفترة من 1991 حتى 1999. تولى يلتسن الحكم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وتبنى في ولايته الاولى سياسة انكماشية محورها الاهتمام بالداخل الروسي ، واغفال دورها التقليدي في الساحة الدولية. لكنه سرعان ما اكتشف الثمن الفادح للانكماش. فقد أمست روسيا دولة ثانوية مثقلة بالديون ، تلهث وراء السياسات الامريكية ، بعدما كانت منافسها الرئيس في العالم.
في المقابل تبنى الرئيس بوش الأب ومن بعده كلينتون ، سياسة دولية نشطة ، حولت واشنطن الى موجه شبه وحيد لسياسات العالم. وأثمرت عن تصفية النفوذ الروسي في اوربا وافريقيا ، واضعافه بشكل ملموس في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
حين انتبه يلتسن الى هذه الحقيقة في ولايته الثانية ، وجد الوقت قد فات ، ولم يعد بالمستطاع بعث الموتى. والحقيقة انه بذل جهدا خارقا لاقناع الصين بالتعاون معه لاعادة احياء القطبية الثنائية. لكن الصينيين لم يثقوا في جديته. في ديسمبر 1999 ، قبل اسبوع واحد من انتهاء ولايته ، كان يلتسن قد خرج للتو من المستشفى ، حين تحامل على أوجاعه وقام بزيارته الاخيرة للعاصمة الصينية ، في محاولة أخيرة لاقناع زعمائها بجدوى التحالف مع موسكو.  لكن الصينيين المولعين بالتخطيط الاستراتيجي ، لم يروا في الرجل سوى مغامر شعبوي ، تثيره المشكلات الآنية ، ولا يلقي بالا للاستراتيجيات طويلة الامد.
يبدو ان بوتين تعلم الدرس جيدا اثناء عمله مع يلتسن. منذ توليه السلطة في مايو 2000 ، ركز بوتين على استعادة موقع روسيا في الساحة الدولية عبر تخطيط صبور وطويل الأمد. ولعل مبادراتها الاخيرة في سوريا تعكس احد الوجوه البارزة لهذا الدور الجديد.
تذكرت المقارنة بين شخصية ترمب ويلتسن خلال قراءتي لمقال يدعي ان سيد البيت الأبيض يتفاعل مع أخبار التلفزيون ، أكثر من تقارير الاجهزة المتخصصة كالاستخبارات ووزارة الخارجية وغيرهما. انه رجل مؤمن بشخصه أكثر من ثقته بالمؤسسة التي يديرها. ولهذا يعول على انطباعاته الآنية في تكوين الاراء والمواقف. ولعله يبادر لكتابة تغريدة على حسابه في تويتر ردا على ما سمعه في التلفزيون ، بدلا من تحويل المسألة الى وزارة الخارجية او مكتب الناطق الرسمي للبيت الأبيض ، الأكثر احترافا في هذا الشأن. وقيل ان هذا بالضبط ما حصل في الجدل المعروف حول لقائه مع الرئيس المكسيكي ، الذي الغي بتغريدة على تويتر.
من المحتمل ان يعيد ترامب مراجعة سياساته ، سيما مع ما يبديه الحلفاء الاوروبيون من رفض صريح او ضمني ، فضلا عن تململ النخبة في امريكا نفسها. من المحتمل ايضا ان يصر على منهجه. وفي هذه الحالة فهو يوفر الفرصة الذهبية التي تمناها نظيره الروسي الطامح لتقليم أظافر واشنطن في العالم ، مثلما فعلت هي بموسكو في عهد سلفه. 
الشرق الاوسط 1 فبراير 2017 
http://aawsat.com/node/843781

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...