يمكن للمدرسة ان تسهم في تفكيك ظاهرة
الارهاب ، من خلال تكوين أجيال منفتحة ذهنيا ومرنة روحيا ، قادرة على البحث بين
البدائل ، وميالة الى المشاركة بدل المغالبة ، والتعاون مع الآخرين بدل الانعزال ،
والمصالحة مع الذات والعالم بدل الارتياب فيه او الرغبة في قهره. جيل يحمل هذه
الصفات سوف يكون عصيا على محاولات التغرير مهما لبست من عباءات.
طرحت الدعوة الى اصلاح مناهج التعليم بالتوازي
مع اولى خطط التنمية (1971) كجزء من استراتيجية اعداد المجتمع لاستيعاب حاجات
ومخرجات الاقتصاد الجديد. وخلال العقدين الماضيين ، تطورت الفكرة الى تطوير النظام
التعليمي ككل ، فلسفته ومناهجة واستهدافاته. فيما يلي ثلاث من ابرز الاغراض التي
تنطوي عليها هذه الدعوة:
اولا: تعزيز النشاط الذهني ، وجعل الطالب أليفا
للقراءة والبحث والتفكير. ومفتاح هذا هو تحبيب البيئة المدرسية الى نفسه ، وجعله
تواقا للانخراط في النشاطات العلمية. يركز هذا المحور على تحسين المباني وعلاقة
الادارة والمعلمين بالطلبة ، وربط التعلم بالمتعة والمرح. ويتوقع ان يثمر عن كسر هيبة
العلم وتخفيف الانفعال الشخصي بقضاياه ، وصولا الى جعله موضوعا اعتياديا من
موضوعات الحياة ، التي يشعر الطالب انه مسيطر عليها متحكم فيها ، وليس العكس.
ثانيا: تعديل الهدف المحوري للتعليم الى
بناء العقل النقدي بدل العقل الحافظ. وهو
جزء من اتجاه جديد يرى أن حفظ المعلومات لم يعد ضروريا ، لان الوصول اليها بات
ميسرا لكل الناس. بل ان كثرة المعلومات والميل الشديد الى التخصص ، يجعل الاستفادة
الكاملة من محفوظاتها مستحيلا. البديل الصحيح هو توجيه الطلاب للبحث في مصادر
المعلومات ، وتمكينهم من نقدها ومجادلتها واعادة انتاجها بانفسهم. وفي نهاية
المطاف تحويل الطالب من مستهلك صرف للمعلومات ، الى شريك في اعادة بنائها واغنائها
بالمزيد من الاحتمالات أو التطبيقات.
يميل العقل الناقد الى التأمل في المعلومات
ومجادلتها والتفكير في دليلها ، بل ويجادل ما يعتبر مسلما وبديهيا ، ويسعى وراء ما
يخفيه من أسئلة واحتمالات. خلافا للمنهج القديم القائم على حفظ المتون والاحتفاء
بأراء مؤلفيها وانطباعاتهم. الغرض النهائي من هذا المحور هو تخفيف الميل للأدلجة
والقسر الذهني ، واحلال التفكير العلمي
الذي يهتم بالوصف والفهم والنقد والتفسير واعادة انتاج الافكار.
ثالثا: ترسيخ فكرة الشراكة في عمران
العالم. تحقق مفهوم "القرية الكونية" وانفتاح العالم على بعضه اثار
إشكالا عميقا ، حول علاقة كل منا مع البشر المختلفين عنا بثقافاتهم وتقنياتهم
ودياناتهم. وكذلك موقعنا في العالم الجديد: هل نحن مهددون في ديننا وتراثنا
ومعيشتنا ، ام شركاء مع المختلفين عنا ، في بناء العلم والتقانة وصيانة البيئة
والطبيعة على المستوى الكوني. هل نعظم ثقافة التشارك مع الغير ام اعتزالهم. لاحظ
الباحثون ان فلسفة التعليم في العالم العربي ككل ، تؤكد على الخصوصية والتمايز. ان
تعظيم الماضي الزاهر واستسهال الحكم على الآخر المختلف بدلا من محاولة فهمه ، يؤدي
غالبا الى ترسيخ الميل الانعزالي المخاصم للعالم او المرتاب فيه.
هذا يتطلب بالضرورة اصلاحا لمناهج العلوم الانسانية ، واهتماما
بالنشاطات اللاصفية التي تؤكد على قيمة العصر والعلم الجديد وتشجع على معرفة
العالم.
هذه الافكار مفيدة ليس فقط في تعزيز ميول
المسالمة والتفاعل الايجابي عند الشباب ، وبالتالي تحييد النزعات الصدامية
والعنفية. انها تساعد – اضافة الى هذا – في تعزيز الميل للانتاج والابداع ، وصناعة
جيل اكثر احتراما لذاته ووطنه وأقوى رغبة في الاسهام في بنائه.
الشرق الاوسط 27 يوليو 2016 http://aawsat.com/node/699156
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق