غرضي من هذه الكتابة هو دعوة وزارة التعليم ومدراء المدارس ، لاعتماد التدوين في برنامجهم التعليمي لكافة المراحل. مبرر الفكرة هو اعتقادي بأن التدوين عامل أساسي في انتشار العلم وتطوره في المجتمعات المتقدمة.
وقد لاحظت بكل أسف ان عامتنا وعامة أبنائنا لا يمارسون الكتابة ، لا في مجال الأدب ولا العلم والتقنية ولا حتى في المراسلة وتبادل الأفكار ، بل حتى في حاجاتهم الحياتية اليومية ، مثل تسجيل مواعيدهم وتدوين مداخيلهم ومصروفاتهم ، فضلا عن شوارد الأفكار التي تراود كلا منا ، ثم تتبخر لقلة الاكتراث ، وفضلا عن التجارب التي تمر بنا والاسئلة التي تدور في أذهاننا ، وهذه كلها تشكل المادة الخام للمعرفة والعلم.
الذين درسوا في مجتمع غربي او عاشوا
فيه ، لاحظوا بالتأكيد ان الكتابة نشاط شبه يومي لدى غالبية الناس ، حتى المراهقين
والشباب. ولا أعني الكتابة الرصينة ، بل التدوين بشكل عام. هذا ليس مبالغة. ان
أردت ان تتحقق من صحة هذا الكلام ، فاسأل نفسك ومن حولك: ماذا تفعلون اذا احتجتم لمعلومة
عن بلد أو مسألة تاريخية ، أو واجهتم مشكلة في الكمبيوتر او السيارة او كهرباء
البيت او الحديقة.. الخ؟. أليس مقصدكم الأول هو محركات البحث على الانترنت
مثل غوغل وأخوته؟.
-
ما الذي يبحث عنه
غوغل والى اين يأخذكم ، وما الذي يدور في بالكم وانتم تبحثون؟. اليس الاعتقاد بأن
شخصا ما ، واجه نفس السؤال من قبل ، فبحث عن اجابته ، فدونها ونشرها على الانترنت.
وهكذا ساهم في نشر العلم الذي استفيد منه أنا ، وتستفيد منه أنت ، ويستفيد منه
ملايين الناس الآخرين؟.
تخيل الآن لو ان الذي واجه ذلك
السؤال ، اكتفى بما حصل عليه من معرفة ولم ينشره ، فهل كانت هذه المعرفة ستصل اليك
أو الي او الى الالاف غيرنا؟.
أردت بهذا الكلام الذي يعرفه جميعكم ،
التمهيد لمعاتبة الزملاء المؤهلين تماما للكتابة ، أي خريجي الدراسات العليا ، من
العاملين والمتقاعدين ، والذين يعلمون أهمية الكتابة ، لكنهم لا يساهمون الا بالقليل جدا في نشر المعرفة ،
من خلال الكتابة اليومية او الكتابة العلمية المركزة. في سنة 2019 مثلا كان عدد أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الحكومية في المملكة 79.6 ألفا ، بينهم 33 ألفا يحملون
شهادة الدكتوراه. فهل لدينا 79 ألف مقالة علمية سنويا ، او حتى 33 ألفا ، أي ما
يعادل مقالة علمية واحدة سنويا لكل
أستاذ؟.
حسنا. لا يقع اللوم على الأساتذة
وحدهم. اظن ان المشكلة ابعد من هذا. دعنا نعود الى تجربة المجتمعات الغربية ، التي
تهتم بتعويد الأطفال منذ السنوات الأولى للتعليم على القراءة والتدوين ، ثم تسجيل
اليوميات ، حتى تحولت القراءة والكتابة الى عادة يومية مثل الأكل واللهو. اعلم أيضا
ان كافة طلاب المدارس الثانوية يكلفون بالبحث وتدوين النتائج. نعلم ويعلم الأساتذة
ان هذه لن تكون بحوثا متقنة ، لكن المراد هو تدريب الطلبة على البحث وتنظيم
الأفكار وتدوينها. اما البحوث المتقنة والكتابات المؤثرة فسوف يأتي وقتها ، في
الجامعة أو بعدها.
اريد الانتهاء بملاحظة شخصية على السلوك
الوظيفي لخريجي الجامعات المحلية والأجنبية. تتلخص هذه الملاحظة في استعداد الثاني
للبحث والقراءة ، حتى يتوصل الى حلول لما يواجه من مشكلات. اما خريج الجامعة
المحلية فهو يفضل السؤال من هذا وذاك حتى يطمئن الى أحد الأجوبة. هل ترون هذا
دليلا على الميل للثقافة الشفهية .. وهل له علاقة بالميل للقراءة والكتابة؟.
هل نطمع ان تهتم وزارة التعليم بهذا
الأمر ، الذي له علاقة جوهرية بمستوى العلم في نظامنا التعليمي خاصة ، وفي مجتمعنا
بشكل عام.. هل يتقبل الزملاء الاكاديميون ذلك العتاب ويتجهون للمساهمة المطلوبة؟.
الشرق الاوسط
لأربعاء - 13 شعبان 1443 هـ -
16 مارس 2022 مـ رقم العدد
[15814]
https://aawsat.com/node/3533961/