كان الاحتجاج على الفقر وضيق العيش أبرز
المبررات المطروحة لتظاهرات مصر وتونس وبقية البلدان العربية التي شهدت أحداثا
مماثلة خلال الأسابيع الماضية.
لكنا نعلم أيضا أن معظم الذين شاركوا في
هذه الأحداث لم يكونوا أفقر أهل البلاد. في مصر على الأقل، تركزت الاحتجاجات في
المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والمحلة وبور سعيد والسويس. ولم نسمع كثيرا
عن تظاهرات ذات شأن في الريف المصري. ومعظم أهل تلك المدن من الطبقة الوسطى. نعلم
أيضا أن الشباب هم الذين حملوا راية الاحتجاجات وبادروا بها، وأنهم تواصلوا مع
بعضهم من خلال الإنترنت. بطبيعة الحال فإن امتلاك جهاز كمبيوتر والدخول على
الإنترنت هو من سمات الحياة المدنية وخصوصا طبقتها الوسطى. زبدة القول إن الأكثر
فقرا لم يبادروا بالتظاهر، والذين قادوا المسيرة، بل والكثير ممن شارك فيها لاحقا،
كان غنيا أو متوسط الحال.
بعض الناس يرى في الأمر نوعا من
التناقض، وبعضهم يتجاوز المسألة للتأكيد على حاجة العالم العربي للتعجيل في معالجة
الفقر والبطالة ومشكلات المعيشة الأخرى، وهو يرى في ذلك وقاية لازمة من احتمالات
الانهيار السياسي الذي نرى اليوم بعض تجلياته. لكن هذا ليس حلا في نظري.
يكشف تاريخ الحركات الشعبية في العديد
من دول العالم أن الطبقة الوسطى كانت على الدوام بؤرة التوتر وصانعة التغيير. تتسم
الطبقة الوسطى بالقلق وعدم الاستقرار، ليس لأسباب اقتصادية دائما، بل لأسباب
سياسية وثقافية في معظم الأحيان. الطبقة الوسطى هي الظرف الاجتماعي الذي تجري في
وسطه التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما تدهور القيم والأعراف
والتقاليد القديمة.
يتحدث أهل الطبقة الوسطى عن الفقر في إطار
المقارنة بالأكثر ثراء وليس بالأكثر فقرا، ويتحدثون عن البطالة وهم ينظرون إلى
مستوى الوظيفة وعائدها، وليس مجرد لقمة العيش. الطبقة الوسطى هي مكان التطلع
والطموح والبحث عن الذات، ولهذه الأسباب فهي أيضا موقع الصدمات والإحباطات. على
الجانب الثاني فإن الطبقة الوسطى تملك وسائل فهم الذات والتعبير عنها، وتملك أدوات
التواصل الجمعي التي تحول الهموم الشخصية إلى قضايا عامة..
لهذه الأسباب، يقول الباحثون في التنمية
إن حل المشكلات الاقتصادية قد يؤجل انفجار الغضب أو ربما ينقل نقاط تركيزه، لكنه
لا ينهي التوتر ولا يطفئ مصادره. أحد الحلول التي جربت في أكثر من بلد هو فتح
الأبواب للتعبير الحر عن الرأي الفردي والجمعي، وتمكين الناس من البحث عن حلولهم
الخاصة لمشكلاتهم. الحوار العلني والصريح بين الجمهور ولا سيما الجيل الجديد وبين
رجال الدولة هو بالتأكيد وسيلة لفتح الأبواب وتجديد الأمل في نفوس الناس، وهو قد
يكشف بعض مسارات الحل. يجب أن يشارك الناس في صناعة الحلول كي ترضى أنفسهم. فرض
الحلول ــ حتى الجيدة منها ــ قد يشعر الناس بالمزيد من الاغتراب والإحباط.
« صحيفة عكاظ » - 14 / 2 / 2011م https://www.okaz.com.sa/article/637605