عرض المشاركات المصنفة بحسب التاريخ لطلب البحث فتاوى. تصنيف بحسب مدى الصلة بالموضوع عرض جميع المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب التاريخ لطلب البحث فتاوى. تصنيف بحسب مدى الصلة بالموضوع عرض جميع المشاركات

11/04/2024

هل تذكرون قصة المغامسي؟

 

لماذا ننتقد الخلط بين الدين/الايمان وبين الهوية.. اليس يقال دائما ان الاسلام دين وهوية ، او دين ووطن أو دين فوق الوطن؟.

 حسنا. هذه اقوال شائعة ، يظنها أكثر الناس بديهية. ولذا لا يتوقفون عندها مسائلين او مجادلين. في حقيقة الامر فان موقع الهوية في التكوين الذهني لأي فرد ، وانعكاسها على سلوكه ، مسألة قابلة للنقاش وليست مسلمة مغلقة. وأنا من القائلين بتعالي الدين على الانتماءات الاجتماعية والقومية ، فلا يصنف كهوية اجتماعية ، ولا يزاحم الهويات الأخرى التي يتبناها الانسان في مسار حياته.

الشيخ صالح المغامسي

في أوقات سابقة ، كنت اتأمل في قول شائع أيضا فحواه انه اذا كان ثمة عيب ، فهو في المسلمين وليس في الاسلام. ويقال عادة حين يجري الجدل في سلوكيات بعض المسلمين ، فتنسب للدين الحنيف ، نظير الاعمال التي تشير لميول عنيفة او تمييزية ، وكذا الدعاوى التي تبرر الابتعاد عن سبل التقدم العلمي والتقني. كما يستذكر بعضنا قول الشيخ محمد عبده  بعد عودته من باريس في 1881م ، وخلاصته انه رأى هناك اسلاما بلا مسلمين ، ورأى عكسه في مصر. وقال مثل هذا الشيخ عايض القرني ، الواعظ السعودي المعروف ، بعد رحلته الباريسية سنة 2008 ونشره في هذه الصحيفة.

هذه الأقوال وأمثالها ، تشير لمسألة يقبلها غالبية الناس فيما أظن ، وهي ان هناك فاصلة بين الصورة المثالية للدين وبين الممارسات اليومية لاتباعه ، فاصلة تضيق حينا وتتسع أحيانا.

وأميل للاعتقاد بأن هذا أمر طبيعي في العلاقة بين أي جماعة بشرية والمنهاج الايديولوجي الذي تتبناه ، سواء كان ربانيا او بشريا. وفيما يخص الاسلام ، فان قولنا بصلاحيته لمختلف الأزمان والأمكنة ، يعني على وجه الدقة ان تطبيقه في أي مجتمع او زمان ، سيكون – بالضرورة - ناقصا او مختلفا عن التصور المثالي ، او مفارقا لواقع الحياة. ولولا هذا ماظهرت حاجة للاجتهاد والتجديد. كل فكرة جديدة ، او لنقل - على سبيل التحفظ – غالبية الافكار الجديدة ، هي في الاصل سؤال لم يجد جوابه في المنظومات الفكرية والسلوكية السائدة ، مما دفع بعض الاشخاص لاعمال فكرهم بحثا عن جواب. وهكذا كل جديد ، في كل حقل ، من الدين الى العلم والتكنولوجيا والأدب ، وغيره.

هذه أمور احسبها محل اتفاق بين جميع المسلمين. مع ذلك فان دعاة الاصلاح والتنوير ، بل كل صاحب رأي جديد ، يواجه عنتا إذا أعلن رأيه. ولعلنا نذكر رد الفعل الخشن الذي قوبلت به دعوة الشيخ صالح المغامسي ، الفقيه السعودي المعروف ، حين تحدث في رمضان من العام الماضي ، عن فتح باب الاجتهاد ولو أدى لقيام مذاهب جديدة.

قصة المغامسي وقصص كثيرة مثلها ، تكشف ان رد الفعل الخشن على دعوات التجديد ، لم تنبعث من خوف على الاسلام كدين قائم بذاته ، بل هي في الغالب نوع من الدفاع عن الذات ، اي عن الهوية الاجتماعية التي تلبس رداء الدين. نعرف هذا لأن الذين يعارضون الدعوات الجديدة ، لا يقولون ان الدين يمنع الاجتهاد ، بل يقولون: ماذا ترك السابقون للاحقين ، وكيف نتخلى عما ورثناه وألفناه.

لا يدعي معارضو الراي الجديد ان الكلام في الدين ممنوع ، لأن الاسلاف قد فعلوا. لكنهم ينكرون على القادمين الجدد مخالفة الأسلاف ، لأنهم جزء من نظام اجتماعي- ثقافي مستقر.

للمناسبة ، فان هذا الموقف الخشن تجاه الآراء الجديدة ، ليس حكرا على مذهب بعينه ، بل هو المسلك السائد في جميع المذاهب الاسلامية بلا استثناء ، وقد تبعتها في هذا الطريق الاحزاب والجماعات التي تدعي انها قامت على اساس ديني.

ويهمني هنا التأكيد على ان نقد الهوية والنظام الاجتماعي الذي يتصف بالاسلام ، لا يساوي نقد الدين. كما ان نقده او نقد الدين ليس مضرا بأي منهما ، بل هو ضروري لتجديد الفكرة الدينية.

 الشرق الاوسط الخميس - 02 شوّال 1445 هـ - 11 أبريل 2024 م   https://aawsat.com/node/4959621

مقالات ذات علاقة

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

التجديد القديم واخوه العصراني

ثوب فقهي لمعركة سياسية

الحداثة باعتبارها حاجة دينيّة وواجباً أخلاقياً "عرض لكتاب "الحداثة كحاجة دينية"

الحداثة تجديد الحياة

الحداثة كحاجة دينية

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

طريق التجديد: الحوار النقدي مع النص

طريق الشوك

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

قراءة أهـل الشك

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

19/10/2023

الناس شركاء في صياغة الحياة الدينية


ذكرت في مقال سابق انني مؤمن بان كل جيل من أجيال المسلمين ، له الحق في صياغة النموذج الذي يراه مناسبا للايمان والتدين في عصره. وان هذه القناعة تعني امكانية ان يكون لكل عصر نموذج في الحياة الدينية ، مختلف عن العصور السابقة.

وكنت قد طرحت هذه الفكرة قبل سنوات على أستاذ لي ، فأجابني بالقاعدة المعروفة في الفلسفة اليونانية "لكل سؤال صحيح ، جواب واحد صحيح ، ولا يمكن ان يكون اكثر من واحد". وتطبيق هذه الفكرة ان الشريعة مجموع اجوبة الدين على أسئلة الحياة ، لكل مسألة حكم واحد هو ما قاله الله او الرسول.

أظن ان معظم من يسمع هذا الكلام ، سيأخذه كأمر بديهي. لأنه يبدو معقولا ومطابقا لما تعلمناه منذ الصغر.

رغم ذلك ، فهو لا يمنع تساؤلات جدية ، أولها: من قال انه بديهي. واذا كانت الشريعة كاملة ناجزة منذ حياة النبي ، فلماذا اجتهد القضاة والائمة والفقهاء على امتداد القرون التالية حتى يومنا ، فابدعوا آلاف الاحكام والتفاسير التي لم يعرفها زمان النبي؟.

قد يظن القاريء العزيز ان دور الفقيه مقتصر على تطبيق الآيات والأحاديث على القضايا الجديدة. وهذا غير صحيح. لأن السؤال الجديد وليد ظرف جديد ، فيحتاج لاجتهاد في تحديد الموضوع ، واجتهاد في تحديد النص الذي يناسبه. وكلا الاجتهادين عمل بشري يعتمد قواعد العلم والمنطق. ونعلم ان عمل العقل محكوم بخلفية صاحبه ، الثقافية والاجتماعية ، فضلا عن المستوى العام للمعرفة في زمنه. واحيل القاريء الى ما نقله الدكتور حيدر اللواتي عن عدد من كبار المفسرين والمحدثين المسلمين ، الذين انكروا كروية الارض ، اعتمادا على آيات او أحاديث توحي بانها مسطحة (الرؤية 16 اكتوبر). فهؤلاء الأعلام افترضوا انه لا يمكن مخالفة النص ، حتى لو قام الدليل على مخالفة الواقع لمفاده. لا نتوقع طبعا ان يأتي مفسر او فقيه معاصر بمثل هذا ، لأن الزمن تغير. ان الافق التاريخي للناس (ومنهم صاحب الفكرة) يحدد طريقة فهم الموضوع وطريقة البحث عن جوابه. وبالتالي فان رأي الفقيه او المفسر الذي نظنه مطابقا لمفاد النص ، هو في الحقيقة فهمه الخاص او الفهم السائد في زمنه. ولهذا يتغير مع تغير الزمان وموضوعات الحياة واساليبها ، فضلا عن تطور المعرفة واتساع ادراك الانسان لحقائق الطبيعة. اي ان الجواب الذي ظن انه الوحيد الصحيح ، ليس سوى الاحتمال الراجح في زمنه والمتناسب مع مستوى معارفه. وحين يتغير الزمان وتتسع المعرفة ، فسوف يكتشف الناس احتمالات بديلة.

ان استقلال العلوم عن بعضها ، واتجاهها للتخصص الدقيق هو اهم التحولات التي حصلت في القرنين الاخيرين. وبسببه ما عاد الفقيه قادرا على الاحاطة بعلم الطب او الهندسة او الفلك او الرياضيات ، كما كان الحال في الماضي. بل حتى العلوم اللصيقة بدراسة الشريعة ، تحولت الى تخصصات متوسعة ودقيقة ، لا يمكن للفقيه ان يتفوق على المختصين فيها. ومن ذلك علوم النحو واللغة والادب والمنطق والفلسفة والتاريخ ، وكذلك العلوم الخاصة بالاثبات وفهم النزاعات ، ومثلها العقود والتعويضات. وهي مما يحتاجه القضاة.

ان اعتماد العلوم المختلفة في تشخيص موضوعات الحكم الشرعي ، وارتقاء فهم الفقيه نتيجة اطلاعه على العلوم الجديدة التي تطورت بعيدا عن مدارس العلم الشرعي ، هي ما نسميه مشاركة عامة الناس ، مسلمين وغير مسلمين ، في فهم موضوعات الشريعة ، ثم في صياغة احكام الشريعة.

ما ندعو اليه اذن هو اقرار المشتغلين بالفقه ، بأنهم يعتمدون في كثير من عملهم على العلماء في الحقول الاخرى. فاذا كان لعمل الفقيه قيمة ، فان جانبا منها يرجع الى أولئك. هذا ببساطة ما نسميه مشاركة اجيال المسلمين في صوغ حياتهم الدينية وتجربتهم الدينية. انه واقع قائم ، لكنه يحتاج الى اقرار وتنظيم.

الشرق الاوسط الخميس - 04 ربيع الثاني 1445 هـ - 19 أكتوبر 2023 م

https://aawsat.com/node/4614221


مقالات ذات علاقة

تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

رأي الفقيه ليس حكم الله

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

في رثاء د. طه جابر العلواني

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

نسبية المعرفة الدينية

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

19/04/2023

الاجتهاد خارج اطار المذهب


القى الشيخ صالح المغامسي ، وهو فقيه سعودي معروف ، صخرة ضخمة في بحيرة هادئة نسبيا ، يوم دعا لفتح الباب امام الاجتهاد المطلق ، بما يؤدي لظهور مذاهب فقهية جديدة.

نعلم ان الجدل الذي اعقب الدعوة راجع للقسم الثاني ، اي المذاهب الجديدة ، مع ان جوهرها في القسم الاول ، اي الاجتهاد المطلق. وقد مهد له بالتأكيد على ان علم الفقه صنعة بشرية ، ولذا تختلف آراء الفقهاء باختلاف الازمان والظروف.

الشيخ صالح المغامسي

ثمة أسباب عديدة تبرر مواقف الداعين لاجتهاد مطلق ، وثمة مثلها أسباب لرفض الدعوة في الجملة او في التفصيل.

اهم المبررات الداعمة هي حاجتنا لعقلنة التفكير الديني واحكام الشريعة. بديهي ان العقلنة المقصودة ليست مقابل الجنون او السفه ، بل العقلنة بالمعنى المعاصر ، أي ربط المقدمات والمعايير بما تفضي اليه من نتائج. وقبل ذلك إقامة البحث على فرضيات علمية قابلة للاثبات المادي او المنطقي. خلفية هذه الفكرة ان العلم الحديث قد تطور وترك آثاره في مختلف جوانب الحياة ، بل أمسى ضرورة للحياة السليمة الكريمة. ومن هنا اعتمد الانسان المعاصر في حياته كلها تقريبا على نتاج العلم ، كما جعل المنهج العلمي أساسا لاتخاذ أي قرار.

ونتيجة لهذا التطور فان بعض الاحكام الفقهية القديمة لم تعد بديهية في نظر الناس ، بل أمست مورد شك ، في مطابقتها لواقع الحياة وحاجاتها ، والنتائج التي تؤدي اليها إذا طبقت ، قياسا بالأخلاقيات والنظم المماثلة التي توصل اليها العلم الحديث. ونضرب على هذه الحجة مثالين ، أولهما يتعلق بالمعاملات التي يعتبرها الفقه التقليدي ربوية ، وهي تشمل كافة المعاملات المصرفية تقريبا ، فضلا عن العقود المستحدثة كالتأمين والبيع بالاجل وبيع البضائع التي لم تنتج بسعر غير محدد ، وأمثالها من المعاملات التي لم تكن معروفة او مقبولة في الأزمنة السابقة ، لكنها باتت اليوم عنصرا أساسيا في الاقتصاد والمعيشة ، بحيث لا يصح القول انها تفضي للفساد او تمحق الرزق ، كما قيل في تبرير منعها. بل على العكس ، نستطيع الجزم بأنه لولا النظام المصرفي الحديث ، لبقيت الثروات العامة والخاصة تدور في محيط ضيق جدا "دولة بين الأغنياء منكم" كما ورد في التنزيل الحكيم. ولولا الدين ، أي تأجير المال ، لما رأينا هذه الاستثمارات الضخمة ، الضرورية لازدهار الحياة وتوليد الوظائف واستئصال الفقر.

المثال الثاني يتناول الاحكام المتعلقة بوضع المرأة ودورها في الحياة العامة. فالتفكير الديني بعمومه ، وكل احكام الفقه تقريبا ، تميل لعزلها واعتبارها جزء من الحياة المنزلية ، لمبررات أهمها انها ليست كفؤا للرجل ، فلا تقوم بعمله ولا تحتل مكانا مماثلا لمكانه. لكننا نرى بأعيننا ان هذه الفرضيات لم تعد صحيحة في زمننا ، وانه لا يمكن البناء عليها في انشاء حكم عادل او صحيح او مفيد.

زبدة القول ان المثالين يوضحان بجلاء ، وفي تجارب متكررة ، ان تلك الاحكام والفرضيات التي بنيت عليها ، لا تؤدي الى مصلحة لعباد الله ولا تصلح بلادهم. رغم هذا فهي موضع إصرار من جانب المدرسة الفقهية التقليدية في مختلف المذاهب.

والذي أرى ان المشكلة لا تتعلق بالاجتهاد في الفروع او الاجتهاد داخل المذهب ، ولا حل لها بتجديد أدوات تحرير او تحقيق المناط وفهم موضوع المشكلة ، كما ذكر العلامة الشيخ قيس المبارك مثلا. المشكلة تتعلق بالاجتهاد في الأصول ، أي منح العقل وعلم الانسان في كل زمن ، مكانا موازيا لمكانة الكتاب والسنة ، في تحديد ما هو مسألة شرعية وما ليس كذلك ، ثم تحديد المعايير العقلائية العادلة التي ينبغي ان يأتي الحكم مطابقا لمقتضياتها.

الاجتهاد في الأصول ضرورة لتمكين الدين من استيعاب حاجات العصر وأهله والرد على تحدياته. لكن هذا مستحيل ان بقينا في إطار المذاهب والطوائف واعتبرناها نهاية العلم.

الشرق الاوسط الأربعاء - 29 رَمضان 1444 هـ - 19 أبريل 2023 م

https://aawsat.com/node/4281891/

ان تكون مساويا لغيرك: معنى التسامح

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

الـدين والمعـرفة الدينـية

رأي الفقيه ليس حكم الله

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

في علاقة الزمن بالفكرة

لولا الخلاف في الدين لضاع العلم والدين

نقد التجربة الدينية

نموذج مجتمع النحل

21/12/2022

كل عام وانتم بخير

الغرض من هذه الكتابة هو تذكير القراء الأعزاء ، بأن عيد الميلاد المجيد الذي يصادف الاسبوع القادم ، يوفر فرصة للتأكيد على فضيلة من أعظم الفضائل الإنسانية ، وهي التسامح. في سنوات سابقة ، كان الأسبوع الأخير من العام الميلادي ، أشبه بسوق موسمي تعقده احدى الجماعات السياسية/الدينية للتعبئة وكسب الأنصار ، وتدريب الأعضاء والمحازبين على مقارعة الخصوم. وكانت مادة عملهم في هذا الموسم هي الخطب والكتابات التي تشكك في صحة الميلاد المجيد ، وصحة انتماء المسيحيين المعاصرين الى دعوة نبي الله عيسى. وتختتم بالتأكيد على حرمة تهنئة المسيحي بعيد الميلاد او السنة الجديدة ، والتنديد بالمسلمين الذين أحسنوا الى جيرانهم من أهل الأديان الاخرى او تلطفوا معهم.


الحمد لله ان تلك السوق ما عادت قائمة. ولم يعد ثمة حرج في دعوة القراء الاعزاء لاغتنام الفرصة ، ولو بأدنى ما يستطيعونه ، مثل تقديم التهاني بالمناسبة ، لكل من يفرح في عيد الميلاد او يحتفل به ، سواء كان باعثه دينيا او دنيويا.

اعلم طبعا ان الامر محرج لبعض الناس ، نظرا لما يعرفون من فتاوى لفقهاء معاصرين وقدامى تؤكد على ذلك التحريم. لكني أعلم أيضا انه لم يرد نص صريح في الكتاب او السنة الشريفة ، يدعم ذلك التحريم على نحو ينفي الاختلاف والجدل فيه.

أستطيع القول – مع شيء من التحفظ – ان غالبية المنادين بالتحريم ، يرجعون لاجتهاد فقهي يصنف الفعل المذكور ضمن التشبه بغير المسلم ، او ابداء الرضى بالباطل ، او المساعدة على اشاعته ، وما الى ذلك. وهذه الاستدلالات كلها تكلف بلا ضرورة ، فهي لا تنطبق على فعل التهنئة ، وقياسها لا يستند الى تسلسل منطقي سليم ، ولا تدعمها تجربة واقعية قديمة او معاصرة. بل الامر على عكس ما قيل. فقد ثبت بالتجربة الواقعية المتكررة في بلاد المسلمين وغيرها ، ان الاحتفال بعيد الميلاد او التهنئة به لم يخلف اي ضرر ملموس ، بل لعله لا يخلو من منفعة. وعلى أي حال فان مفاهيم مثل نصرة الباطل او التشبه بالكافر ، لا تنطبق على أي فعل الا اذا عرف تعريفا جامعا مانعا ، اذا ان التحريم حكم عظيم لا يصح التساهل في إصداره او تطبيقه الا على اضيق نطاق ، لا يترك عذرا لمن تجاوزه.

ويظهر لي ان الميل الفقهي للتشدد في العلاقة مع غير المسلمين ، ليس ناتجا عن دراسة محايدة للنصوص المتعلقة بالموضوع ، ولا بموازنات المصالح التي ينبغي للفقيه ان ينظر فيها قبل اصداره للفتوى ، بل هو تعبير عما أسماه بعض المعاصرين "فقه المحنة" الذي يربط صفاء العقيدة والسلوك باعتزال المخالفين والمختلفين.

هذه اذن فرصة للتاكيد على فضيلة التسامح ، وتطبيقها فعليا. وقد أوضحت فيما سبق ان التسامح لا يعني اللين في المعاملة ، كما يتكرر على السنة الناس ، بل الإقرار بان لكل انسان ، منا وممن يخالفنا ، حقا أصيلا وغير قابل للمزاحمة ، في اختيار الدين الذي يرى فيه نجاته ، وطريقة العيش التي تضمن سعادته. لقد اخترنا ديننا واختاروا دينهم. وليس لاحد منا او منهم أن ينكر حق الآخر في اختيار طريقه للخلاص او السعادة. لا يجوز لك ان تزاحمهم ، كما لا يجوز لهم ان يزاحموك في خياراتك. هذا ببساطة معنى التسامح.

آمل ان نبادر جميعا لتهنئة شركائنا في هذا الكوكب بعيد الميلاد المجيد ، تأكيدا على احترامنا لحقوقهم وخياراتهم ، على أمل ان نكون ممن ينال فضل المبادرة بالقاء السلام. ان اردت نشر الاحترام في عالمك ، فكن صانعه الأول.

 الأربعاء - 27 جمادى الأولى 1444 هـ - 21 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [16094]

https://aawsat.com/home/article/4054571/

مقالات ذات علاقة

ابعد من تماثيل بوذا

ان تكون مساويا لغيرك

بل التقارب قائم ومتواصل بين السنة والشيعة

تجريم الكراهية

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

التعايش أو التقارب.. طريق واحد

تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

ثقافة الكراهية

حقوق الانسان في المدرسة

سؤال التسامح الساذج

سؤال الى البابا

العالم ليس فسطاطين

فرصة لتطبيق ما ندعو اليه: فوائد التسامح

فلان المتشدد

في التسامح الحر والتسامح المشروط

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

في انتظار عيد الميلاد المجيد

في بغض الكافر

كن طائفيا او كن ما شئت .. لكن لا تضحي بوطنك

وجهات "الخطر" وقهر العامة

19/10/2022

هل تعرف كارل ماركس؟


كنت في الصف الأول ثانوي حين تعرفت على العلاقة الإشكالية بين المعرفة والحرية. لقد مر الان نحو نصف قرن على هذه الحادثة ، لكنها لازالت حية في تلافيف الذاكرة. ولعلي ما كنت سأحفظها بين عشرات الأشياء الأخرى ، لولا انها نقضت قناعة راسخة ، اعتبرتها يومذاك امرا بديهيا. تتجسد هذه القناعة في المثل المشهور "من علمني حرفا صرت له عبدا". وكنا نتداولها كتأكيد على الاحترام الواجب للمعلم.

د. جون كين

الذي حصل في ذلك اليوم اننا قرأنا في كتاب الادب والنصوص ، مادة عنوانها "عبودية الحرف" تضمنت هجوما شديدا على المثل المذكور. وقال كاتب المادة ان شأن التعليم ان يحرر الانسان ، لا ان يجعله عبدا لغيره. وقد جاءت اللحظة الحاسمة ، حين أمر معلم المادة عددا من الطلاب بالحديث دفاعا عن فكرة المثل ، وأمر آخرين باتخاذ الموقف المضاد ، أي تأييد الفكرة الرافضة لعبودية الحرف. وكان من سوء حظي ان اختارني ضمن الفريق الثاني ، رغم قناعتي التامة بالموقف الأول.

لا اذكر الان ماذا قلت في الموضوع. لكني عدت اليه بعد زمن طويل نسبيا ، حين التحقت بفصل في مناهج البحث ، قدمه البروفسور جون كين ، الذي افتتح الدرس بسؤال: حين تفكر في مسألة جديدة ، فهل تستطيع التعرف على المؤثرات التي تدفعك لاختيار رأي بعينه؟. الإجابة على هذا السؤال تساعدنا في اكتشاف حدود العقل: هل نفكر بعقل مستقل حقا ، ام ان ما نسميه تفكيرا ، هو مجرد استدعاء لأحكام جاهزة من محيطنا الثقافي او تجاربنا الحياتية.

في مساء اليوم التالي ، شرحت فكرة الدرس لبعض أصدقائي ، فقدم واحد منهم نقضا للفكرة ، خلاصته انه لو لم يكن العقل مستقلا ، لما أمرنا الله بالعودة الى عقولنا واعتبر حكمها حجة علينا. فبدا ان الجميع اقتنع بهذا الرد. لكن زميلا آخر اشار الى ما اعتبره ميولا يسارية عند البروفسور كين ، وعقب بالحديث عن الدور المحوري للمذهب الماركسي في الارتقاء بنقاشات الفلسفة ، فضلا عن مساهمته الجليلة في تعميم فكرة العدالة الاجتماعية ، وتحويلها الى ثابت من ثوابت السياسة في الدول المتقدمة.

دار نقاش قصير حول هذه الفكرة ، سرعان ما انحرف نحو شخص كارل ماركس وكونه يهوديا ، وعن دور اليهود في اوربا وعلاقتهم مع المسيحية ، وهجرتهم الى أمريكا الشمالية ، ودور اللوبي اليهودي هناك.. الخ. حين وصلنا الى هذه النقطة ، تدخل الزميل قائلا: أين كنا نتحدث ، ومن الذين يتحدث الآن.. عقولنا ام خلفياتنا الذهنية ومفاهيمنا المسبقة عن الناس والأفكار والحوادث؟.

لقد لفت هذا الزميل انظارنا الى الحقيقة التي لا مراء فيها ، وهي أن رأينا في الماركسية – مثلا – ليس مبنيا على مقارنة علمية بين محاسنها ومساويها. اننا ندخل النقاش محملين بمواقف مسبقة تجاه مؤسسها ، وتجاه الدين الذي ينسب اليه (رغم انه بحسب تصنيفنا ملحد ، ولا ينتمي واقعيا الى ذلك الدين ولا غيره). ان مجرد انتسابه لعائلة يهودية ، يستدعي حمولة ضخمة تحدد اتجاه الحديث.

في الدروس التالية من ذلك الفصل ، تعرفت على رؤية هانس-جورج غادامر ومارتين هايدجر ، ولاسيما تشديد الأخير على دور الخلفيات الذهنية المسبقة ، كوسيط لفهم المعلومات الجديدة وتحديد قيمتها. وهو يقول في هذا الصدد ان كل فهم جديد مشروط بفهم مسبق. نعلم طبعا ان هذا نسبي وليس مطلقا ، فالوعي الإنساني متحرك وهو – حسب تعبير غادامر – افق مفتوح. بقدر ما يكون الوعي السابق مؤثرا ، فانه - في الوقت نفسه - عرضة للتلاشي ، بتأثير المشاهد والمعلومات ، بل وحتى المصالح الجديدة. ان أبرز علامات كون العقل عقلا ، هو هذه القدرة على التغير والتغيير المتواصل.

الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شهر ربيع الأول 1444 هـ - 19 أكتوبر 2022 مـ رقم العدد [16031]

https://aawsat.com/node/3939046

مقالات ذات صلة

ان تكون عبدا لغيرك

الأيديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التأصيل

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

في علاقة الزمن بالفكرة

كهف الجماعة

مسار التمايز بين الدين والمعرفة الدينية

نسبية المعرفة الدينية

29/12/2021

لولا الخلاف في الدين لضاع العلم والدين

 

ذكرت في مقال سابق ان فقهاء الشريعة ، تختلف آراؤهم في الموضوع الواحد ، كما تختلف احكام القضاة في القضية الواحدة. وهكذا الأمر عند مفسري القرآن وعلماء الطبيعيات والهندسة ، بل كل علم يعرفه الانسان.

لولا الخلاف في المواقف لسادت الأحادية ، وتحول المجتمع البشري الى ما يشبه مجتمع النحل. ولولا تقبل العقلاء للاختلاف في الرأي والاجتهاد ، لانجبر الناس في طريق واحد ، ومات العلم. الخلاف والاختلاف هو الماء الذي تحيا به شجرة العلم.

حلقات الدرس في المسجد الهندي-النجف

هل ينطبق هذا المبدأ على علوم الدين أيضا؟.

نعم بطبيعة الحال. لكن لماذا هذا السؤال؟.

السبب الأول للسؤال هو الاختلاط المشهود بين ما هو علمي بحت وما هو مقدس ، الأمر الذي يجعل البحث العلمي المحايد في غاية العسر. ولهذا يواجه دعاة الاصلاح والتفكير الديني الجديد عنتا شديدا ، حين يحاولون استعمال المناهج الجديدة في البحث العلمي ، وهي مناهج تتعامل مع قضايا العلم وأدلتها من زاوية تقنية او وظيفية بحتة ، ولا تعبأ بالجانب المقدس في موضوع البحث. من عوامل التأخر في علوم الشريعة ، الخوف من خرق المقدسات. وهو قد يكون خوفا صحيحا ، او ربما مجرد وهم.

أما السبب الثاني  فهو اعتقاد كثير من عامة الناس ، بأن ما يسمعونه من الخطيب او الفقيه ، وما يقرأونه في كتب الفقه ، هو نفس ما قاله النبي او صحابته الذين سمعوا منه. وإذا كان ثمة اختلاف ، فهو قصر على الشرح والتوضيح ، ولا يخالف الأصل في كثير ولا قليل. وهذا غير صحيح طبعا.

ما يقوله الخطيب او الفقيه هو اجتهاده الخاص ، او اجتهاد من يرجع اليه. بديهي انه ليس كل حافظ للقرآن والحديث ، قادر على الاستدلال واستخراج الحكم الشرعي. ولو كان الاستدلال بهذا اليسر لما احتجنا الى متخصصين في علوم الشريعة ، ولاكتفينا بكتب النصوص المعتمدة والتي تتوفر لكل من يطلبها ، مع شروحها وتفاسيرها.

لكنا نعلم ان الاستدلال عملية مغايرة لقراءة النص وشروحه. الفرق هنا يماثل الفرق بين عالم الميكانيكا ، وبين شخص قرأ دليل الاستعمال او ربما اخذ دورة في صيانة المحركات. فالأول محيط بالقواعد العلمية التي تحكم عمل المحرك والتقنيات المستخدمة فيه ، وبالتالي فهو مؤهل لتعديل المحرك ان اقتضى الأمر. أما الثاني فحده الأقصى هو تنظيف المحرك او ربما إصلاح بعض اعطاله ، بمعنى المحافظة عليه كما هو.

حسنا.. لماذا لا يتكل طلبة العلم الشرعي على اجتهادات من سبقوهم ، بدل ان يعيدوا النظر فيها ويطرحوا آراء جديدة ، غير التي اعتاد عليها الناس؟.

الجواب بسيط: تخيل لو بقي الناس على الرأي القديم القائل بحرمة التصوير ، او حرمة المطبعة أو السفر الى البلاد الاجنبية او تعلم الجغرافيا والفلسفة واللغات الاجنبية وحرمة التعامل مع البنوك.. الخ .. كيف سيكون حال الناس وحال دينهم؟.

لولا الاجتهادات الجديدة ، لكان الناس في حرج شديد ، بل ربما تخلوا عن دينهم من اجل ضرورات الحياة. هذه امثلة بسيطة تظهر ان الاجتهاد ، اي نقد الآراء السائدة والبحث عن بدائل ، هو الطريق الوحيد لتمكين الناس من الجمع بين متطلبات دينهم وضرورات دنياهم.

أظن ان هذا يوضح بما يكفي الحقيقة التي يعرفها كل العقلاء ، وهي ضرورة المراجعة المستمرة للخطاب الشرعي ، من اجل تكييفه مع ضرورات الحياة الجديدة ، كي لا يقع الناس في الحرج. هذه الضرورة هي التي تملي علينا قبول الاختلاف والمخالفة ، حتى لو تعلقت بما نعتقد انه من الاساسيات والثوابت.

الشرق الأوسط الأربعاء - 25 جمادى الأولى 1443 هـ - 29 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15737]

https://aawsat.com/node/3383581

مقالات ذات صلة

 "أحدث من سقراط"

الاسلام في ساحة السياسة: متطلبات العرض والتطبيق

تأملات في حدود الديني والعرفي

التراث الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

رأي الفقيه ليس حكم الله

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

في علاقة الزمن بالفكرة

نقد التجربة الدينية

نموذج مجتمع النحل

الوحدة الاوربية "آية" من آيات الله

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...