عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث دور العقل. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث دور العقل. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

12/09/2024

لماذا يرفضون دور العقل؟

 

ليس هناك – على حد علمي – من ينكر دور العقل بصورة مطلقة. لو فعل أحد ذلك فلربما عده العقلاء مجنونا أو ساذجا. لكننا نعرف أناسا كثيرين ينكرون دخالة العقل في نطاقات معينة ، دينية او أخلاقية او سلوكية. وحجتهم في ذلك ان العقل ليس ميزانا وافيا في هذه المسائل ، او انه ليس المصدر الوحيد للمعرفة او القيمة. وقد لاحظت مثلا ان الذين يتحدثون في أمور الشريعة الاسلامية ، يشددون على عقلانية الاسلام وتمجيده لما ينتج العقل من علوم ، بل واستحالة التعارض بين ما يسمونه العقل الصريح والنقل الصحيح. لكن هؤلاء انفسهم ، يتناسون هذه المقولة حين يصلون للنقاط الحرجة ، مثل التعارض بين المقولات العلمية الثابتة بالتجربة وبين ظاهر النص. وقد أوضحت في كتابات سابقة ، ان التعارض ثابت في الواقع ، وان النفي النظري لا يغير شيئا فيه. لكن دعنا نحاول فهم العوامل التي تقف وراء الارتياب في دور العقل او حتى رفضه.

سوف اركز على عامل واحد ، هو اختلاط الشريعة بالتاريخ الثقافي لاتباعها. وأحسب ان هذه المسألة واضحة عند معظم القراء. وهي تظهر بصورة مركزة في قناعة شاعت بين الاسلاف وانتقلت الينا مع تراثهم ، وفحواها ان الشريعة قد أسست عقلانيتها الخاصة ، بحيث لا يصح تطبيق احكام العقل العادي على مسائلها. ومعنى العقلانية الخاصة ان الشريعة انشأت ما يمكن وصفه بالعقل المسلم ، المتمايز عن العقل العام غير المقيد بالدين او الجغرافيا.

ترتب على هذه الرؤية نتائج عديدة ، من ابرزها انشاء علم الدين ، كمنهج مدرسي قائم بنفسه ، مستقل عن قواعد ومناهج العلوم الأخرى ، بحيث لم يعد ممكنا تطبيق قواعد الفلسفة او الطب او اللغة او التاريخ ومناهجها ، على المسائل التي صنفت كمسائل دينية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل تعداه الى ترجيح علم الدين ، من حيث القيمة ومن حيث الاعتبار العلمي على كافة العلوم الأخرى. ومن ذلك مثلا ان عددا من العلماء (القدامى خصوصا) صرحوا ان علم الدين "اشرف العلوم" اذا قورن بغيره ، حسب تعبير زين الدين العاملي.

اما على مستوى الاعتبار ، فقد سلموا بان الرأي الفقهي له مكانة تتجاوز ، بل وتلغي ايضا الآراء المستمدة من علوم أخرى. ومنها مثلا تحريم الفقهاء لتشريح جسد الميت ، حتى لتعليم الطب او كشف الجريمة المحتملة ، وتحريمهم لنقل الاعضاء وزرعها ، ولو كان ضروريا لانقاذ الأرواح. وكذا موقفهم - المتصلب نسبيا – من التجارات والعقود الجديدة ، ومن قضايا الحقوق الفردية كالمساواة بين الجنسين والمساواة بين المسلم والكافر في الحقوق والواجبات ، بل حتى مساواة الحضري مع البدوي والعربي مع الاعجمي ، والكثير من أمثال هذه المسائل ، التي يجمع بينها عامل مشترك واحد ، هو انها حديثة الظهور ولم تكن معروفة في زمن النص ، او انها كانت عنوانا لمضمون مختلف في ذلك الزمان ، ولم يستطع الفقهاء تحرير الفكرة من قيود التجربة التاريخية ، رغم قولهم بقاعدة ان "العبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب" وأن ارتباط الحكم بموضوع في وقته لايعني انه خاص بهذا الموضوع.

غرضي من هذه المجادلة ليس الدعوة الى الغاء علم الدين ، فهي دعوة لا طائل تحتها. غرضي هو عقلنة هذا العلم ، اي التعامل معه كمنتج بشري مثل سائر العلوم ، وإعادة ربطه بتيار العلم الانساني ، لا سيما العلوم المؤثرة في مسائل علم الدين ، كعلم الاقتصاد والاجتماع والفلسفة والمنطق والتاريخ واللسانيات والقانون وغيرها. المهم في هذا الجانب ليس اسم العلم ، بل الأرضية الفكرية التي تقوم عليها هذه الفكرة ، اعني بها تحرير علم الدين من قيود التاريخ والقداسات المصطنعة ، والاستفادة من المساهمات الباهرة لمختلف علماء العالم من مختلف التخصصات ، بالقدر الذي يساعدنا في تقديم رؤية للعالم ، تنطلق من روح القرآن وتستلهم – في الوقت ذاته – روح العصر وحاجات أهله.

الشرق الاوسط الخميس - 09 ربيع الأول 1446 هـ - 12 سبتمبر 2024 م    https://aawsat.com/node/5060106/

مقالات ذات صلة

اسطورة العقل الصريح والنقل الصحيح

اناني وناقص .. لكنه خلق الله

تبجيل العلم مجرد دعوى

التعصب كمنتج اجتماعي

العقل المؤقت

مغامرات العقل وتحرر الانسان - كلمة في تكريم الاستاذ ابراهيم البليهي

من العقل الجمعي الى الجهل الجمعي

 

 

15/08/2018

عودة الى نقاش الدور التشريعي للعقل

||الجدل في الدور التشريعي للعقل يركز الان على نتائتج تطبيق الحكم الشرعي: هل يعزز العدالة ام الظلم ، هل يعزز المصلحة الفردية والعامة ام العكس||
 
الذين اعترضوا على مقال الاسبوع الماضي (سطوة الموروث)  جادلوا بشكل رئيسي دعوة الكاتب لمنح العقل دورا موازيا للنص في التشريع. والحق أن هذا جدل قديم جدا ، يرجع الى القرن العاشر الميلادي ، ويعود إلى الواجهة كلما انبعث النقاش حول التجديد في الفكر الديني. وهو يتصل عضويا بمباحث اصول الفقه من جهة ، وفلسفة الدين من جهة أخرى.


Creativity isn't a Skill, it is a State of Mind. - Steve Glaveski ...
واحتمل أن المحرك الأقوى للاعتراض ، هو الخوف من تغليب العقل على النص ، على نحو يهمش القرآن الكريم والسنة النبوية. لكن هناك – بجانب هذا الخوف المشروع – حجة معقولة ، فحواها أن النص القرآني والنبوي معصوم لا يحتمل فيه الخطأ ، بخلاف حكم العقل ، الذي يصيب مرة ويخطيء أخرى. فكيف نساوي المعصوم بغيره في المكانة. سيما وأن المطلوب من المسلم ، هو بذل الجهد لمعرفة أمر ربه والالتزام به قدر المستطاع.

وللحق فهذه الاعتراضات مدعومة بابحاث واستدلالات معمقة ، وليست مجرد كلام انطباعي. فلا يصح رميها بالقصور. لكن العلم بطبعه لايقف عند احتجاج أو دليل ، مهما كانت قوته. فكل استدلال يمكن رده باستدلال مقابل. ولولا مجادلة الأدلة لما تطور العلم.
سأحاول إلقاء مزيد من الضوء على هذا النقاش في مقالات لاحقة. وسأخصص هذه المقالة لتقديم صورة أولية عن هذا الجدل فيما يخص الفقه.
تمحور الجدل القديم حول مسألة الحسن والقبح العقليين. وهي تتلخص في ثلاثة اسئلة: أ) هل يمكن وصف الفعل الإنساني بأنه حسن أو قبيح ، قبل أن يخبرنا الشارع بذلك.  ب) هل يمكن للعقل تشخيص مواضع الحسن والقبح في افعال البشر. ج) اذا حكم العقل بحسن الفعل أو قبحه ، فهل لهذا الحكم قيمة شرعية.
كمثال على ذلك: يقوم شخص بقطع شجرة في الصحراء ، فهل يستطيع العقل تحديد ما اذا كان هذا الفعل حسنا او قبيحا ، واذا حكم بقبحه مثلا ، فهل يمكن إلزام الفاعل بالامتناع عنه؟.
الذين انحازوا الى دور العقل ، قالوا بان الافعال تنطوي في داخلها على حسن وقبح ، وان العقل قادر على تشخيصه. وقال بعضهم ان الشرع يمضي حكم العقل. والذين عارضوهم قالوا بان الحسن والقبح اوصاف شرعية ، تتبعها التزامات. وليس ثمة فعل حسن او قبيح الا اذا وصفه الشارع بذلك. ومن هنا فليس للعقل دور في التشخيص ولا الحكم. هذا من حيث العموم ، وهناك تفاصيل واستثناءات لا يتسع المقام لبيانها.
لا زالت المسألة موضع نقاش في العصور الحديثة. لكنها تركز الان على الأثر الناتج عن تطبيق الحكم. ونخص بالذكر عنصرين  مهمين ، أولهما: هل يؤدي تطبيق الحكم الشرعي الى تعزيز العدالة ام الظلم . والثاني: هل يؤدي إلى تعزيز المصلحة الفردية والعامة ام العكس.
كلا العنصرين (العدالة والمصلحة) يتعلق في المقام الأول بأحكام المعاملات. لانها محكومة بقانون الندرة ، وهي قابلة للقياس المادي. اما العبادات فهي مبنية على التسليم والايثار. وقياس نتائجها يعتمد على أدوات ومفاهيم  وراء-مادية. ولذا فغالبية مسائلها ، سيما المتعلقة بالعبادات الفردية ،  خارج إطار النقاش.
يوضح العرض السابق ان كلا الطرفين: القائلين بدخالة العقل في التشريع ، ودعاة التسليم للنص ، ينطلقون من مبررات يصعب اغفالها. بديهي ان الطرف الاول لا يريد الغاء النص ، كما ان الطرف الثاني لا ينكر كليا دور العقل. فالنقاش بين الطرفين يتعلق بالحدود والدوائر التي يقدم فيها هذا على ذاك او العكس. 

الشرق الاوسط الأربعاء - 4 ذو الحجة 1439 هـ - 15 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [14505]

http://aawsat.com/node/1363566

24/08/2022

الحكم اعتمادا على العقول الناقصة

كيف نوكل امورنا الدينية والحياتية الى عقل تتغير استنتاجاته بين يوم وآخر وبين شخص وآخر؟.

 وأي عقل هو المعيار .. عقل الفقيه ام عقل الفيلسوف ، ام عقل الطبيب ام عقل السياسي ، ام عقول عامة الناس؟.

 وما العمل اذا اختلفت عقول الناس واختلفت آراؤهم ، في أمور كبيرة تستدعي وحدة الرأي والموقف؟.

هذه الردود هي الاوسع انتشارا بين معارضي دور العقل في التشريع. والحق انها صحيحة في ذاتها ، لكنها لا تصلح للاستدلال. بعبارة أخرى ، فان العقل لا يتوقف عن نقد نفسه ، فقد يتبنى اليوم رأيا وينقضه غدا. كما ان الناس ينظرون الى نفس الموضوع او يستعملون نفس الأدلة ، لكنهم يتوصلون لنتائج مختلفة. وهذا ينافي الثبات والوحدة المفترضة في الاحكام الشرعية والقوانين العامة. ان استقرار القانون وقابلية التنبؤ مسبقا بنتائج الالتزام به او مخالفته ، ركن مهم من اركان العدالة.

هذا يوضح ان تلك الاعتراضات ليست ضعيفة او هامشية. بل هي موقف العقلاء جميعا. لكنها مع ذلك ، لا تصلح لانكار دور العقل/العلم في التشريع.

بيان ذلك: ان نقاشنا يتناول مرحلتين:

الأولى يوضحها سؤال: هل يستطيع العقل/العلم كشف الحسن والقبح في الفعل ام لا؟. هذا سؤال قائم بذاته ، اصلي وتأسيسي ، يجب قبوله أو رفضه من حيث المبدأ ، وبغض النظر عن كون الكشف المدعى طويل الأمد ام قصير الأمد ، ثابتا ام متغيرا.

المرحلة الثانية: اذا قبلنا بفرضية ان العقل/العلم قادر على كشف الحسن والقبح في الأفعال ، فما هي الطريقة الصحيحة ، لتحويل هذا الكشف من رأي لم يتفق عليه الناس ، وهو قابل للتغيير ايضا ، الى رأي ثابت ومورد اجماع ، كي يشكل أساسا سليما للحكم الشرعي والقانون؟.

قلت سابقا انه لا توجد طريقة لاقناع معارضي دور العقل/العلم بتغيير موقفهم. اكثر ما نستطيع هو دعوتهم للتأمل في علاقتهم هم بالعلم والعقل والعرف ، التأمل من دون قيود او مخاوف ، فذلك هو الطريق. لكن دعنا في الوقت الحاضر نفترض انهم قبلوا بالمرحلة الأولى ، أي قابلية العقل/العلم لكشف المصالح والمفاسد. لكن اعتراضهم مركز على المرحلة الثانية ، أي اتخاذ قرارات العقل/العلم أساسا للحكم الشرعي. والجواب على هذا يعرفه كل العقلاء. فالعلماء في مختلف الحقول يدرسون المسائل ويتوصلون الى نتائج (دعنا نطلق عليها رايا علميا او فتوى علمية). ثم تقدم هذه الآراء والفتاوى لصاحب الشأن ، فيختار  منها ما يراه مناسبا للمسألة الحاضرة. 

صاحب الشأن هذا ، هو الشخص او الهيئة المخولة بوضع الاحكام الشرعية او القوانين: ربما يكون قاضي المحكمة ، او مجلس الشورى او البرلمان او رئيس الدولة او الفقيه المرجع او المفتي. بعبارة أخرى فان الراي العلمي قد يصدره فقيه في الشريعة او أستاذ في القانون او خبير في الاقتصاد او كبير مهندسين او كبير أطباء او غيرهم ، فيعامل باعتباره رايا علميا محترما. لكنه غير ملزم لأحد. فاذا اختاره صاحب السلطة المختصة ، فسوف يتحول الى رأي ملزم لكل الناس ، مثل حكم القاضي او قانون البلد. واذا تم إصداره على هذا النحو ، فسوف يكون مستقرا لفترة زمنية معقولة ، ولن يلغى اذا تغير راي العالم او تغيرت قناعة القاضي او رئيس الدولة.

 ان تغيير الحكم او القانون الذي دخل مرحلة التطبيق العام ، سيخضع لنفس الإجراءات التي يمر بها حين ينتقل من راي علمي شخصي الى حكم عام.

الأربعاء - 27 محرم 1444 هـ - 24 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15975] https://aawsat.com/node/3833036

16/08/2023

تبجيل العلم مجرد دعوى

زميل عزيز كتب لي عاتبا على الحاحي غير المبرر – كما قال - على دور العقل في التشريع ، ومساواته بالنص ، فكأنه لم تبق في العالم قضية غير هذه ، وكأن أحوالنا كلها صلحت واستقامت ، فلم يبق سوى اصلاح دين الله.

والحق اني لم اجد جوابا مناسبا على عتاب الصديق. لكني تساءلت عن الداعي للعتاب ، مع ان جدل العقل والنقل دائر منذ قرون. ولم اعرف الجواب في أول الأمر. ثم تذكرت لاحقا ان زميلي لا يتحدث عن "دور العقل" على النحو المتعارف في مجامع العلم الشرعي ، بل يركز خصوصا على ما زعمته من تنافر بين العلم والدين. ويهمني التذكير بأن هذا هو قلب اشكالية العقل والنقل ، في رايي.

علاقة الدين بالعلم ، تبدو عند عامة الناس محسومة. لكنها في واقع الامر محكومة بفرضيات متوهمة. وسأعرض هنا لواحدة منها ، وهي الفرضية القائلة بانه لا خلاف مطلقا بين العلم والدين ، والدليل عليه الآيات والروايات التي تبجل العلم وأهله ، فضلا عن تبجيلنا للعلماء الذين عرفهم تاريخ الاسلام القديم.

ولهذه الفرضية نصيب من الحقيقة ، على المستوى النظري البحت. لكنها تستعمل دائما في الموقع المضاد للنظرية. وهذا سبب وصفها بالوهم ، لأننا نتحدث في مستوى الفعل الواقعي اليومي للناس ، وليس في مستوى المجردات.

يعلم القراء الاعزاء بأن المجتمع الديني يطلق وصف "العالم" على دارس العلوم الشرعية فقط. فالطبيب والمهندس والفيلسوف والفيزيائي واللغوي وأمثالهم ، لا يعتبرون – في العرف الديني – علماء.

-         لكن .. ما الداعي لهذه الاشارة؟.

هذه الاشارة مهمة ، لأن مدارس العلم الشرعي تعتبر العلم حجة على صاحبه. فلو علمت باتجاه القبلة مثلا ، وجب عليك الاتجاه اليها في الصلاة ، حتى لو خالفك جميع الناس. حجية العلم من القواعد المشهورة في أصول الفقه. لكن – وهنا يأتي دور العرف المذكور سابقا – جرى التعارف على ان تلك الحجية محصورة في العلوم التي يألفها طلاب الشريعة ، وهي عدد قليل جدا ، أبرزها علوم اللغة ، فقول اللغوي عندهم حجة في فهم النص. ويميل الاكثر الى قبول رأي بقية العلماء في تشخيص موضوعات الحكم ، وليس أدلة الحكم. ومنه مثلا قبول راي الطبيب في تحديد قدرة المريض على الصوم او عدمها. لكنهم لا يقبلون رأيه أو رأي غيره من حملة العلوم الحديثة ، في الامور التي تحدث فيها قدامى علماء الشريعة ، مثل عدد سنوات الحمل ، وتحديد سن البلوغ والرشد ، وتعيين اوقات الصلاة واثبات الهلال ، والشهادة في القضاء. كما لا يقبلون رأيه إذا تعلق بأدلة الاحكام (وليس موضوع الحكم). ومن هنا فهم لا يقبلون رأي عالم اللسانيات او الفيلسوف في تفسير النص او تأويله. ولا يقبلون رأي عالم الاقتصاد في تحديد المفيد والضار من المعاملات المالية والمصرفية. كما انهم يرفضون – من حيث المبدأ – اي بحث يعتمد معايير ومناهج العلم الحديث ، في موضوعات مثل المساواة بين الذكور والاناث ، في الحقوق والواجبات ، وامثالها.

هذه الامثلة ، وهي قليل من كثير ، توضح المسألة التي بدأت بها ، وهي ان نقاشنا في دور العقل في أمور الدين ، لا يتعلق بالموازنة بين العقل والنقل ، كما يفهمه غالب الناس ، بل بالتناقض الحاصل بسبب ادعاء بعضهم امتلاك العلم وتبجيل اهله ، بينما يرفضون اي علم غير العلم الذي ألفوه واعتادت عليه نفوسهم. والحق ان العلم دليل على الواقع ، وصفا أو تفسيرا ، فينبغي ان يكون – بذاته - حجة مقبولة في اي امر شرعي ، كي يبقى الدين متصلا بالواقع. ولو قبلنا بهذه القاعدة ، فسوف ينفتح الباب لتطورات عظيمة في الفكر الديني وفي القانون.

الشرق الأوسط الأربعاء - 30 مُحرَّم 1445 هـ - 16 أغسطس 2023 م

https://aawsat.com/node/4489901

مقالات ذات صلة

أحدث من سقراط
 أن تزداد إيماناً وتزداد تخلفاً
تأملات في حدود الديني والعرفي
تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة 
حول الفصل بين الدين والعلم
الـدين والمعـرفة الدينـية
الرزية العظمى
الشيعة والسنة والفلسفة وتزويق الكلام: رد على د. قاسم
العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل
في الاعجاز والاختبار والعذاب الالهي
كي لايكون النص ضدا للعقل
لولا الخلاف في الدين لضاع العلم والدين
ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين
مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم
مرة اخرى : جدل الدين والحداثة
نفوسنا المنقسمة بين عصرين
 حول تطوير الفهم الديني للعالم

06/07/2022

الرزية العظمى


سؤالان ، الأول: لماذا لا يستطيع عامة الناس مناقشة احكام الدين والمشاركة في استنباطها. الثاني: لماذا لا يسمح باخضاع الأحكام والقيم الدينية للنقد ، بناء على مستخلصات العلم وأحكام العقل؟.

لكلا السؤالين جواب واحد ، خلاصته ان فقهاء المسلمين لا يرون العقل أهلا لتشخيص المصالح والمفاسد ، او الانفراد بتحديد الحسن والقبيح من الأفعال ، وتبعا تحديد ما يترتب على الفعل من ثواب او عقاب.

وهذا نقاش قديم في الفكر الإسلامي ، تناول مصدر القيم ، والمرجع في تحديد ما هو حق وما هو خير ، وما يعاكس ذلك. وبسببه انقسم العلماء بين أقلية تدعي أن العقل مؤهل لادراك الحق وتحديد الحسن والقبح ، وأكثرية ترى أن تبني هذا الرأي سيقود للتساهل في الالتزام بأحكام الشريعة ، سيما تلك التي تنطوي على كلفة. كما قالوا ان اتباع أحكام العقل في العقائد ، سيفتح بابا لنفوذ افكار أجنبية غريبة عن روح الإسلام ومقاصده.

هل تفكر ثم تصدق ، ام العكس؟

ربما يظن القاريء أن إحياء النقاش في هذا الأمر قليل الجدوى. واقع الأمر اننا نواجه اليوم النتائج المريرة لتراجع الاتجاه العقلي (وتبعا قيمة العلم) في الثقافة الإسلامية ، حتى صرنا نقرأ لفقيه او استاذ جامعي او محام بارع او طبيب مشهور ، كلاما من قبيل (ان ابليس كان ملكا يعبد الله ، ثم انحرف عن الجادة حين استخدم عقله ، فقاس خلقه على خلق آدم) او تقرأ كتابة لفقيه يتبعه آلاف الناس ، ينقل فيها رواية فحواها (لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما). ومثل هذه الأقوال تعامل اليوم معاملة المسلمات ، بل البديهيات ،  ثم تتخذ حجة على قضية في غاية الأهمية والخطر ، أعني مكانة العقل والعلم ودوره في تحديد قيم الأفعال ، وهي اهم قضايا القيم في حياة الانسان كلها.

انني اتفهم تماما بواعث القلق الذي يعبر عنه المعارضون لدور العقل. لكني أود أيضا ان يتأملوا معي في سؤال بسيط: كيف فهموا ذلك الباعث ، وكيف فهموا بالتحديد الربط بين الباعث والمخاطر التي اثارت قلقهم؟. هل استعملوا عقولهم في التوصل الى هذا الرأي ، وهل يثقون في هذا النتاج العقلي؟. خذ ايضا مبرر التساهل في الالتزام بالشريعة.. هل يرونه لازما من لوازم القبول بنتائج العلم وحكم العقل ، أي هل الاخذ بحكم العقل علة للتساهل ، بحيث لا يمكن الفصل بين الاثنين. وهل نستطيع القول بلا تحفظ ان التساهل يعني التفريط ، ام انه ينصرف غالبا الى معنى الاخذ بأيسر الخيارين اذا تراوح الامر بين اليسر والعسر ، كما هو الحال في موارد اختلاف الفقهاء؟.

لكن هذا ليس جوهر المشكلة. جوهرها هو ادعاء إمكانية الاعتماد التام على النقل ، وتهميش دور العقل.  أقول ان هذا جوهر المشكل ، لأنه ينتهي (دائما) بولادة واجبات ومحرمات اصطناعية ، لا أصل لها سوى الميل للاحتياط الشديد. ونعرف هذا بوضوح في احكام السفر والعلاقة مع غير المسلم ومكانة المرأة والتشريعات الاقتصادية والمسافة بين الاخلاقيات والشرعيات.. والكثير من القضايا التي حولت الدين الحنيف الى موضع للجدل والسخرية ، كما ساعدت في انحساره يوما بعد يوم في المجال العام.

لهذه الأسباب ، لا أراني مجازفا لو زعمت أن تهميش مكانة العلم ودور العقل ، وأعني به العقل العام او ما يعرف ببناء العقلاء ، كان من اكبر الرزايا في تاريخ الإسلام وفي حاضره ، واننا في أمس الحاجة للعودة الى جوهر ديننا ، الذي جعل العقل في مرتبة واحدة مع نص القرآن وكلام الرسول ، في التشريع وفي إدارة الحياة وفي صناعة القيم أيضا.

الشرق الأوسط الأربعاء - 6 ذو الحجة 1443 هـ - 06 يوليو 2022 مـ رقم العدد [15926]

https://aawsat.com/node/3742416

مقالات ذات صلة

 

الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

شرع العقلاء

عقل الاولين وعقل الاخرين

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

كي لايكون النص ضدا للعقل

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نسبية المعرفة الدينية

نقاشات "عصر التحولات"

هكذا خرج العقل من حياتنا

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

 

11/07/2018

شرع العقلاء


يفخر المسلمون عادة بأن دينهم اختص العلم بمرتبة عالية ، كما احترم العقل ومجد "اولي الالباب" وخصهم دون بقية الخلق بجانب من الخطاب القرآني.

 لكن لو أردنا الغوص في معنى هذا الكلام ، أي مكانة العلم والعقل في حياة المسلم وفي التشريع الديني ، فربما نجد ان ما نفخر به لفظيا ، نتحاشاه او حتى ننكره ونرفضه على مستوى العمل.
اذا كنا نقبل بمكانة سامية للعقل وما ينتجه من علم ، فالمفترض ان يظهر برهانه في نقاط الاشتباك وموارد التنازع ، وليس في تدبيج الكلام. ونقطة الاشتباك الأولى هي تحديد مكانة العقل مقارنة ببقية مصادر التشريع ، ثم الموازنة بين دور العقل ودور المصادر الاخرى في وضع او اختيار الاحكام.
ويذكر ان فقهاء المسلمين متفقون على مصدرين للتشريع هما القرآن والسنة. لكنهم اختلفوا في العقل والاجماع. والميل الغالب يتأرجح بين انكار كون العقل مصدرا للتشريع ، وبين اعتباره ملحقا بهما ، وان دوره هو الكشف عن الحكم الذي يفترض ان يحويه النص ، وليس اصدار الحكم بشكل مستقل عن النص.
الفرق بين الاثنين يتضح في الأمثلة التالية: يأمرنا النص باقامة حد القتل ، ويخبرنا العقل بناء على معطيات علمية بحتة ، بان هذا الحكم لا يؤدي غرضه الرئيس اي استئصال الجريمة ، او ان تطبيقه يسيء لصورة الاسلام او مجتمع المسلمين.  مثال ثان: يخبرنا النص بالصوم اذا شهد شهود بانهم رأو هلال رمضان ، ويخبرنا العلم ان الرؤية مستحيلة في ذلك اليوم. مثال ثالث: يخبرنا النص بان الفائدة على القروض حرام مطلقا ، ويخبرنا العقل بان الاقراض والاقتراض ، سبيل لازم للنمو الاقتصادي وتحسين معيشة الناس.
الغالبية العظمى ممن واجهوا هذا التعارض ، قرروا تقديم ما فهموه من النص على حكم العقل المستقل. ولهم في ذلك حجج معتبرة ، كالقول بان الخطأ محتمل من العقل وغير محتمل من النص ، فلا يقدم المحتمل على المؤكد. وان الشارع امرنا بالرجوع الى أمره ، اي النص. وان الانسان يريد ابراء ذمته أمام الله ، واتباع كلام الشارع محقق لبراءة الذمة.
هذه الحجج التي يبدو ظاهرها معقولا ، تضعنا – في بعض الاحيان على الاقل - امام مفارقات غير معقولة. من بينها مثلا تعارض الحكم الشرعي مع الواقع ، ومن بينها انفصال الحكم عن علته او حكمته ، او المصلحة المنظورة فيه. في المثال الثالث نعرف ان علة تحريم الفائدة على القرض هي منع الاستغلال. ونعرف ايضا ان الاستغلال غير مؤكد في كثير من القروض المعاصرة. كما نعرف ان اقتصاد المجتمعات ومعايش الناس لا تقوم الا بالقرض والاقتراض. هذا امر واقع يعيشه جميع الناس.. فما الذي نختار؟.
وفي المثال الثاني: نحن نأتمن الحسابات الفلكية على حياتنا ، حين نسافر بالطائرة او السفينة ، ونعتمدها في مختلف جوانب حياتنا. اي انها ليست مجرد احتمال نظري. فما العمل حين يقول لنا النص: اتركوا هذا الدليل الذي يعتبره كافة العقلاء حقيقة موضوعية ، واعتمدوا مفاد النص المعارض؟.
هذه الأمثلة والعشرات من أمثالها تستدعي مراجعة معمقة لفلسفة التشريع ، ولا سيما مكانة العقل ودوره في إنشاء الاحكام الشرعية. صحيح اننا نطيع أمر الله كي نبريء ذمتنا. لكن الأصح هو ان غرض الدين هو مساعدة المؤمنين به كي يحيوا حياة طيبة. وهذه ليست ممكنة مالم يكن الحكم الشرعي متصلا بالواقع ومنبعثا من حقائقه ومتفاعلا معها.
الشرق الاوسط الأربعاء - 27 شوال 1439 هـ - 11 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14470]
http://aawsat.com/node/1327286

مقالات ذات علاقة


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...