القى الشيخ صالح
المغامسي ، وهو فقيه سعودي معروف ، صخرة ضخمة في بحيرة هادئة نسبيا ، يوم دعا
لفتح الباب امام الاجتهاد المطلق ، بما يؤدي لظهور مذاهب فقهية جديدة.
نعلم ان الجدل
الذي اعقب الدعوة راجع للقسم الثاني ، اي المذاهب الجديدة ، مع ان جوهرها في
القسم الاول ، اي الاجتهاد المطلق. وقد مهد له بالتأكيد على ان علم الفقه صنعة
بشرية ، ولذا تختلف آراء الفقهاء باختلاف الازمان والظروف.الشيخ صالح المغامسي
ثمة أسباب عديدة تبرر مواقف الداعين لاجتهاد مطلق ، وثمة مثلها أسباب لرفض
الدعوة في الجملة او في التفصيل.
اهم المبررات الداعمة هي حاجتنا لعقلنة التفكير الديني واحكام الشريعة. بديهي
ان العقلنة المقصودة ليست مقابل الجنون او السفه ، بل العقلنة
بالمعنى المعاصر ، أي ربط المقدمات والمعايير بما تفضي اليه من نتائج. وقبل
ذلك إقامة البحث على فرضيات علمية قابلة للاثبات المادي او المنطقي. خلفية هذه
الفكرة ان العلم الحديث قد تطور وترك آثاره في مختلف جوانب الحياة ، بل أمسى ضرورة
للحياة السليمة الكريمة. ومن هنا اعتمد الانسان المعاصر في حياته كلها تقريبا على
نتاج العلم ، كما جعل المنهج العلمي أساسا لاتخاذ أي قرار.
ونتيجة لهذا التطور فان بعض الاحكام الفقهية القديمة لم تعد بديهية في نظر
الناس ، بل أمست مورد شك ، في مطابقتها لواقع الحياة وحاجاتها ، والنتائج التي
تؤدي اليها إذا طبقت ، قياسا بالأخلاقيات والنظم المماثلة التي توصل اليها العلم
الحديث. ونضرب على هذه الحجة مثالين ، أولهما يتعلق بالمعاملات التي يعتبرها الفقه
التقليدي ربوية ، وهي تشمل كافة المعاملات المصرفية تقريبا ، فضلا عن العقود
المستحدثة كالتأمين والبيع بالاجل وبيع البضائع التي لم تنتج بسعر غير محدد ،
وأمثالها من المعاملات التي لم تكن معروفة او مقبولة في الأزمنة السابقة ، لكنها
باتت اليوم عنصرا أساسيا في الاقتصاد والمعيشة ، بحيث لا يصح القول انها تفضي للفساد
او تمحق الرزق ، كما قيل في تبرير منعها. بل على العكس ، نستطيع الجزم بأنه لولا
النظام المصرفي الحديث ، لبقيت الثروات العامة والخاصة تدور في محيط ضيق جدا
"دولة بين الأغنياء منكم" كما ورد في التنزيل الحكيم. ولولا الدين ، أي
تأجير المال ، لما رأينا هذه الاستثمارات الضخمة ، الضرورية لازدهار الحياة وتوليد
الوظائف واستئصال الفقر.
المثال الثاني يتناول الاحكام المتعلقة بوضع المرأة ودورها في الحياة
العامة. فالتفكير الديني بعمومه ، وكل احكام الفقه تقريبا ، تميل لعزلها واعتبارها
جزء من الحياة المنزلية ، لمبررات أهمها انها ليست كفؤا للرجل ، فلا تقوم بعمله ولا
تحتل مكانا مماثلا لمكانه. لكننا نرى بأعيننا ان هذه الفرضيات لم تعد صحيحة في
زمننا ، وانه لا يمكن البناء عليها في انشاء حكم عادل او صحيح او مفيد.
زبدة القول ان المثالين يوضحان بجلاء ، وفي تجارب متكررة ، ان تلك الاحكام
والفرضيات التي بنيت عليها ، لا تؤدي الى مصلحة لعباد الله ولا تصلح بلادهم. رغم
هذا فهي موضع إصرار من جانب المدرسة الفقهية التقليدية في مختلف المذاهب.
والذي أرى ان المشكلة لا تتعلق بالاجتهاد في الفروع او الاجتهاد داخل
المذهب ، ولا حل لها بتجديد أدوات تحرير او تحقيق المناط وفهم موضوع المشكلة ، كما
ذكر العلامة الشيخ قيس
المبارك مثلا. المشكلة تتعلق بالاجتهاد في الأصول ، أي منح العقل وعلم الانسان
في كل زمن ، مكانا موازيا لمكانة الكتاب والسنة ، في تحديد ما هو مسألة شرعية وما
ليس كذلك ، ثم تحديد المعايير العقلائية العادلة التي ينبغي ان يأتي الحكم مطابقا
لمقتضياتها.
الاجتهاد في الأصول ضرورة لتمكين الدين من استيعاب حاجات العصر وأهله والرد
على تحدياته. لكن هذا مستحيل ان بقينا في إطار المذاهب والطوائف واعتبرناها نهاية
العلم.
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 رَمضان 1444 هـ - 19 أبريل 2023 م
https://aawsat.com/node/4281891/
ان تكون مساويا لغيرك: معنى التسامح
العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل
عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي
عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات
فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني
في علاقة الزمن بالفكرة
لولا الخلاف في الدين لضاع العلم والدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق