23/05/2021

ايلاف .. قصة رؤيا صادقة



أبدأ بتوجيه التحية الى الصديق العزيز الأستاذ عثمان العمير ، والى جميع الزملاء العاملين في صحيفة ايلاف ،  في عيدها العشرين. انظر اليوم اليها كتحد استطاع صانعوه ان يثبتوا انهم يسايرون الزمن ، واتذكر الشهور الأولى من صدورها ، حين كتب اكثر من شخص ، ان الصحافة الالكترونية لن تستطيع ابدا ، ان تأخذ مكان الصحافة الورقية التقليدية. وجرد بعضهم قائمة أسباب ، من بينها ان "الناس تحب رائحة الورق"! ، أو ان "القراءة ارتبطت بالورق ، ولن يترك القراء الورق حتى يتركوا القراءة"!. ومثله القول بان الصحيفة اليومية اعظم من فرقة عسكرية ، وهذا لن يعوض بصحافة الانترنت .. الخ.

عثمان العمير

أتذكر هذه الآراء ، بينما تمر في ذاكرتي أسماء الصحف الكبرى التي توقفت اصداراتها الورقية ، بدء من كريستيان ساينس مونيتور الى الاندبندنت ، والطبعة الدولية من وول ستريت جورنال ، إضافة الى صحف عربية شهيرة مثل السفير والانوار البيروتيتين ، والشرق والحياة السعوديتين ، والنهار الجزائرية.. الخ.

لدي اعتقاد عميق بأن الصحافة الورقية شمس غاربة ، ليس فقط بسبب التكاليف ، وليس فقط لأن أدوات الانترنت باتت أقدر على ايصال الخبر في ساعته. بل لأن العالم يمر بتحول جذري لم يسبق له مثيل في تاريخه ، وهو يتضمن تغييرا في بعض المفاهيم التي تلعب دور أداة الفهم او مفتاح الفكرة ، والتي نستعملها في فهم ذواتنا والعالم المحيط بنا. احد تجسيدات هذا التحول هو تحول الفعل الثقافي الى تفاعل ثقافي ، ودخول المتلقي كشريك في صنع الفكرة او تطويرها ، ومنه أيضا تحول الاطار الموضوعي للفكرة (ربما نسميه الافق التاريخي ) من المحلي المتصل ماديا بالفرد ، الى اطار عالمي او معولم. كلا العنصرين يجعل الصحيفة الورقية (وكافة وسائل التواصل التي يقتصر دورها على نقل الفكرة في اتجاه واحد) غير فعالة ، لانها غير قادرة على تلبية تطلعات انسان هذا العصر ، الذي يتحول سريعا في نفس السياق.

كان كارل ماركس يعتقد ان الأدوات الناقلة للثقافة ، بل كل أداة جديدة يستعملها البشر ، تلعب دورا في تحديد طبيعة الثقافة وموضوعاتها وأولوياتها. وأظن ان البروفسور مانويل كاستلز هو أفضل من شرح دور الشبكة الدولية للمعلومات ، اي الانترنت ، في تشكيل ثقافة العالم الجديدة وتحديد طبيعتها واولوياتها وأدواتها ، على نحو مختلف تماما عما عرفناه حتى اواخر القرن العشرين.

مبروك اذن لصحيفة ايلاف التي وفقت في التقاط الخيط الابيض ، روح العالم الجديد ، وركبت أمواج المغامرة التي ارتاب الكثيرون في عواقبها ، وبرهنت على ان الفكرة الذكية تصنع الفرق.

ايلاف  23  مايو 2021 

https://elaph.com/Web/News/2021/05/1329056.html?

  

19/05/2021

أزمان طيبة وأخرى .....!


"حقبة الخلف الصالح" هو عنوان مقال الزميل حسين شبكشي ، في هذه الصحيفة يوم الاحد الماضي. لا بد ان بعض القراء قد تبسم وهو ينظر في هذا العنوان الغريب. وقد ذكرني بتقليد سائر بين دارسي العلوم الشرعية ، فحواه انهم يطلقون وصف "بقية السلف" اذا أرادوا المبالغة في مدح عالم كبير ، ولا سيما عند وفاته. فكأن الأصل ان هذا العظيم قرين للماضين ، فنلحقه بهم وليس بأقرانه الأحياء.

ويعتقد الزميل شبكشي ان التقدير الوافر للاسلاف ، مقابل قلة الاكتراث بالمعاصرين (الخلف) مرجعه الحديث المنسوب للنبي "خير القرون قرني" الذي فسر في ان عموم المعاصرين له عليه السلام والجيل الذي يليهم ، خير من عامة من يأتي تاليا.

ويجري نفس المجرى – في ظني - الروايات المتعلقة بخروج المهدي في آخر الزمان ، إذا "امتلأت الأرض ظلما وجورا". فهذه وذاك يتحدثان عن سير تراجعي للتاريخ: كلما تأخر الزمن زاد فساده ، وكان أهله أقل خيرية ممن سبقهم .

لا استطيع تكذيب تلك الروايات ، مع اني لاحظت ان علماء الحديث قد صرفوا جل اهتمامهم الى سنده ، اما دراسة  المتن فاقتصرت على التحقق من اتحاد او اختلاف الالفاظ ، في الروايات المتعددة للحديث الواحد ، ونادرا ما اهمتموا بمعقولية المتن ومطابقته للواقع الذي نعرفه ، او حتى مطابقته لروح الرسالة المحمدية وما نفهمه من آيات الكتاب المبين. وقد أشار الى طرف من هذه العلامة ابن خلدون ، في نقده لمناهج بحث الرواية التاريخية ، في "المقدمة".

لست إذن في صدد التعرض لصحة هذه الاحاديث وغيرها. لكن يهمني الإشارة الى ان مفادها مخالف لما نعرفه من الواقع وأوامر القرآن الصريحة ، وحكم العقل. والمفاد المقصود هو فرضية ان التاريخ البشري يتراجع ، وان التالي اقل خيرية من السابق.

اما مخالفتها لأوامر القرآن فيظهر في مفاد الأمر بالجهاد والدعوة للفضائل. فلو لم يكن متوقعا ان يفضى هذا الامر الى تغيير الحال الى ما هو أحسن ، لكان الأمر به عبثا ، لا سيما اذا كان تنفيذ الامر مستوجبا لتضحيات جسيمة ، فكيف يكلفنا الله بشيء مع علمه بان الأمور لن تتعدل ، لانها تسير -وفقا لحتمية تاريخية - في الاتجاه المعاكس؟.

وأما مخالفتها لحكم العقل فيظهر في الربط بين العمل والناتج. يأمرنا العقل بفعل معين ، بناء على تقدير منطقي سابق ، فحواه أن سوء الحال وحسنه ثمرة لفعل البشر وتصرفهم. القول بان الآتي سيكون حتما أسوأ من الماضي ، معناه ان كل سعي للخير سينتهي الى عكسه ، أي ان العمل للخير وعدم العمل سواء في النتيجة.

وأما مخالفتها للواقع ، فظاهر في المقارنة بين واقع البشرية في الماضي والحاضر. فعدد المسلمين تضاعف الف مرة ، وانتشارهم في العالم كذلك ، وتقلص الظلم في العالم ، وبات القرآن ميسرا لكل البشر بمختلف لغاتهم ، وتعاظمت العلوم والمعارف ، وارتفعت قيمة الانسان ، وزاد الاهتمام بالعمران وحماية الطبيعة والحيوان. وهذه كلها من مقاصد الشريعة التي لا خلاف فيها. أي ان العالم سائر في تطبيق ما أراد النبي تبليغه ، ولو تحت مسميات أخرى. فهل زمننا هذا اقل قيمة من أزمان الامويين او العباسيين او المماليك او السلاجقة او امراء الطوائف على سبيل المثال؟.

لقد اثار الزميل شبكشي مسألة في غاية الأهمية ، وهي تثير سلسلة من الأسئلة ، يتلخص احدها في مسألة التفاضل بين الأزمنة ، وفق المتعارف في التراث. وارى اننا بحاجة للتأمل فيها من دون انبهار ولا توجس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 7 شوال 1442 هـ - 19 مايو 2021 مـ رقم العدد [15513]

https://aawsat.com/home/article/2980471/

مقالات ذات علاقة 

12/05/2021

من الراي الواحد الى التعددية الدينية

 

حديث صاحب السمو ولي العهد في منتصف رمضان ، حول الاعتدال والاجتهاد المستمر والمتجدد ، لفت أنظار المهتمين ، حتى أن بعضهم عده "غير مسبوق".

نعلم ان هذه الأقوال او نظائرها ، قد تكررت على ألسنة كبار المسؤولين في السنوات الماضية. لكن الصراحة تقتضي القول بانها اعتبرت يومذاك نوعا من الديباجات الرسمية ، التي تقال في سياق اعتذاري او دفاعي ، ردا على النقد الذي وجه للايديولوجيا الرسمية في الاعلام الخارجي. كان الكلام المتعارف فيما سبق ، يصر على ان المنهج الديني الرسمي ، مثال على الوسطية والاعتدال ، وكان الجميع يرى في الواقع شيئا آخر.

هذا احد الأسباب المهمة التي جعلت حديث ولي العهد ، ملفتا جدا للمهتمين بالمسار الثقافي/الديني ، فقد رأوه مختلفا عما قيل في الماضي. فهو لم يأت في سياق تبريري ولا دفاعي ، ولم يكن معنيا بالرد على نقد خارجي ، بل كان ببساطة يتحدث عن نهج جديد يراه بديلا اصلح لحاضر البلد ومستقبلها.

اننا نفهم هذا الحديث في اطار سياق عام ، هو مجموع السياسات التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الأربع الأخيرة. وهو سياق يؤكد ان ولي العهد يطرح "خطابا جديدا" وليس مجرد نسخة جديدة من الديباجة القديمة. 

ولهذه المناسبة ، يهمني الإشارة الى ان نجاح "الخطاب الجديد" رهن بترسيخ النسق الذي يخدمه. النسق المنسجم مع مباديء الحداثة وحاجات الدولة الحديثة.

وأذكر في هذا الصدد عنصرين ، لهما صلة قوية بمفهومي الاعتدال والعقلانية اللذين طرحهما الأمير محمد ، وهما مبدأ التنوع الثقافي والديني ، ومحورية العلم الحديث في التوجيه العام.

فقد أشار ولي العهد الى انه لم يعد مناسبا ان يتكل المجتمع والدولة على آراء لشخص واحد في كل قضية. لو اردنا ترجمة هذا الكلام ، فان مقصوده ليس التوسع من مذهب واحد الى أربعة او خمسة أو اكثر او اقل ، بل الانفتاح على الرأي العلمي بكل أشكاله ومصادره.

سوف نواجه هنا إشكالية معروفة ، خلاصتها ان الفقهاء التقليديين قد تعارفوا على تقديم النص على أي دليل علمي حديث (انظر مثلا قضية رصد الهلال) وتقديمه على أي مصلحة عقلائية ظاهرة ، اذا كان مفاد هذه او ذاك مخالفا لما يفهمونه من النص.

وقد ابتكروا نظرية تقول بان النقل مقدم على العقل مطلقا. وهي تتداول فيما بينهم ، كما لو كانت آية من كتاب الله او بديهية من البديهيات ، مع انها مجرد رأي اجتهادي ، قاله أحدهم ورضي به الباقون.

ان الايات الدالة على مصدرية النقل ، لا تشكل ردا على هذا ، لأنهم في الحقيقة لا يستدلون بالآية او الحديث ، بل بفهمهم لمضمونه ومراده. ومع علمنا بان فهم الشخص لأي نص ، يتأثر بالضرورة ، بخلفيته وافقه التاريخي ، فان هذا الفهم لا يمكن اعتباره ذات المعنى المنطوي في النص ، بل أحد المعاني المحتملة. ولهذا لا مبرر لتقديم الاجتهاد التقليدي على غيره ، ولا مبرر لرفض الدليل العلمي بحجة ان النص اعلى منه.

زبدة القول ان ترسيخ التنوع وتجديد الفكر الديني ، رهن بالتعامل مع الدليل العلمي كفهم معتبر للشرع ، مماثل لسائر الافهام ، إضافة الى اشتراط احتواء الراي الفقهي على مصلحة عقلائية راجحة وصريحة ، قبل تطبيقها على المستوى العام ، وأخيرا إلغاء الرقابة على مصادر الثقافة الدينية ، من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات ، بما فيها المصادر الناقدة للمدرسة التقليدية.

الشرق الأوسط الأربعاء - 30 شهر رمضان 1442 هـ - 12 مايو 2021 مـ رقم العدد [15506]

https://aawsat.com/node/2968146/

مقالات ذات علاقة

تأملات في حدود الديني والعرفي

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

نسبية المعرفة الدينية

نقد التجربة الدينية

05/05/2021

الحرية بوصفها مشكلة

 

زميل عزيز لفت نظري الى ان السبب الرئيسي لقلق الناس من الحرية ، يكمن في ارتباطها بالتغيير. حين تقول لشخص: أنت حر ، فكانك تقول له: تستطيع الانعتاق من حالك الراهن ، من التزاماتك التي تربطك الى وضع سابق.

لايوجد سبب لتطلع الانسان الى الحرية ، سوى شعوره بالحاجة لتغيير الوضع الذي هو فيه ، والذي يراه قيدا عليه ، قيدا ماديا او ذهنيا او روحيا. ولا يوجد سبب كي يدعوك أحد الى تقبل الحرية ، سوى شعوره بأنك في حاجة الى تغيير وضع يراه مقيدا لك.

ان تاريخ النقاش في مفهوم الحرية ، يتوازى مع محاولات الانسان لتغيير ذاته ، وتغيير المكان الذي يحتله في الكون. قد يكون من ضروب المبالغة لو قلت ان التفكير في الحرية ، هو الذي فتح أبواب العلم ، وهو الذي أوجد حاجة الى القانون. أقول ان هذا قد يكون ضربا من المبالغة ، ولهذا لا اريد الإصرار عليه (ربما اعود اليه في مقال لاحق). لكن ما يمكن قوله – دون خشية المبالغة – هو ان كثيرا مما تعلمه الانسان ، جاء في سياق تطور فهمه للابعاد العديدة ، التي ينطوي عليها مفهوم الحرية ومشكلاتها.

كان الرق خلفية للنقاشات الأولى في الموضوع. بعض الناس رأوا ان استعباد البشر نقض للفضيلة ، وبعضهم اعتبروه امرا طبيعيا ، لا يعارض مقتضيات العدالة. في القرن التاسع عشر ساد انطباع عام بان الرق أمر بغيض ، حتى لو جرى تبريره بالحاجات الاقتصادية للمجتمع. ولهذا انتقل النقاش الى عوائق الحرية ، والعوامل التي تؤدي الى تقليصها او توسيعها. وظهرت عشرات من الأبحاث حول معنى ان يكون الانسان حرا ، وما يترتب على الحرية من ثمرات واضرار.

في منتصف القرن العشرين ، اشتبك النقاش في الحرية ، مع نقاش مواز في المساواة والعدالة. وبرزت نظريات تدعو لتكليف المجتمع والدولة ، مسؤولية تحويل الحرية من تطلع مثالي الى واقع يومي. ومن هذه الزاوية ، باتت الحرية جزء من مفهوم العدالة الاجتماعية. بل ان تنسيج الحرية في المنظور الفلسفي للعدالة الاجتماعية ، كان الرد الرئيس للنهج الليبرالي على نظيره الماركسي ، الذي أنكر إمكانية الحرية ، قبل تحقيق مستوى معيشي معقول.

ولعل بعض القراء يذكر الجدل الذي يثيره في العادة شعار "الحرية اغلى من رغيف العيش" الذي كان يطرح لتبرير حروب التحرر الوطني في بعض الأحيان ، وصراعات التحرر الاجتماعي ، أحيانا اخرى. مع انه في حقيقة الأمر ، لم يتحول الى معيار قطعي. فقد بقيت الحرية متأخرة عن رغيف العيش ، من حيث القيمة المطلقة.

لكن تجربة التمدن الغربي برهنت بما يقطع الشك ، على ان الانسان الحر اقدر على تدبير لقمة العيش لنفسه ولغيره ، بخلاف الانسان المقيد (ماديا او ذهنيا او روحيا) الذي لا يستطيع مغادرة مكانه ، ولا التفكير في بدائل عن الوضع الذي هو فيه.

منذ زمن سحيق ساد منظور يرى ان التقدم ، أي حل مشكلات الانسان ومشكلات العالم ، يكمن في الاستثمار الأكفأ لموارد الطبيعة. أرى اليوم منظورا مختلفا يتبلور بالتدريج ، فحواه أن تلك الحلول موجودة في ذهن الانسان ، وان ما يحتاجه الانسان هو "التحرر" من قيود الافهام المسبقة ، التي تعيق رؤية تلك الحلول. هذا يعادل تحول التركيز من العتاد (الهاردوير) كمحور للعمل الى الطريقة (السوفتوير) وهو تحول سيعرفه اكثر الناس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 23 شهر رمضان 1442 هـ - 05 مايو 2021 مـ رقم العدد [15499]

https://aawsat.com/node/2955381/

 

مقالات ذات صلة

ان تكون عبدا لغيرك

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حدود الحرية .. حدود القانون

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية ، دراسة في المفهوم والاشكاليات -دراسة موسعة 

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية بين مفهومين

الحرية عند أهل الفقه

 الحرية والنظام العام

الحرية والانفلات

الحرية وحدودها القانونية

حقوق الانسان : قراءة معاصرة لتراث قديم

الخبز الحافي والحرية المستحيلة

دعاة الحرية وأعداء الحرية

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

العلاقة الجدلية بين الحرية ورضا العامة

عن الحرية والاغـتراب

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات

كيف يضمن القانون حرية المواطن ؟

مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع الخاطئين

مجتمع العبيد

معنى ان تكون حرا ، اراء قديمة وجديدة

ملاحظات على حديث قصير – غريب

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟

في تمجيد الحرية

يحبون الحرية ويخشونها

 

المحايد في رمضان مع سعدون محسن ضمد الضيف : د. توفيق السيف كاتب وباحث سعودي

حديث الى القناة الاخبارية العراقية 5 مايو 2021
حول الوطن والهوية والطائفية 

28/04/2021

يحبون الحرية ويخشونها


أعتقد ان كافة الناس يحبون الحرية ويكرهون القيود. بعضهم يود ان يحصل عليها وحده دون بقية الناس. قد تسمي هذا أنانية او ما شئت من الأسماء. واقع الأمر ان هناك من يؤمن ببعض الرؤى المتقدمة ، لكنه أيضا يشعر بالقلق من أن يتبناها عامة الناس. أو لعله يقوم بأفعال مغايرة للسائد، لكنه لا يرغب في ان يفعلها غيره.

يبدو هذا الأمر غريبا نوعا ما. لكنه واقعي جدا. وله تبريراته. واظن اننا جميعا نفعله ، او نعرف من يفعله. خذ مثلا تلك الأستاذة الجامعية البارزة ، التي شنت حملات متواصلة على برنامج الابتعاث الجامعي في أوائل العقد الماضي ، بدعوى ان المبتعثين صغار في السن ، ويخشى عليهم الانجراف وراء الشهوات ، اذا تخلصوا من رقابة الابوين. ومرت سنوات قليلة فاذا بنا نسمع ان أبناء السيدة الجليلة يدرسون في الولايات المتحدة.. كيف يادكتورة؟ . .. تساءل الناس ، فكان الجواب ان أبناء الدكتورة محصنون ، بخلاف عامة الناس.

وأذكر في سنوات الشباب ، من كان يحذرنا من اقتناء او قراءة كتب معينة ، فلما وجدناها في مكتبته الخاصة ، برر اقتناءها بأنه يعرف ما ينفع وما يضر.

نستطيع القول – بعبارة أخرى – ان الذين يعارضون تمتع الناس بحرياتهم ، لا يرونها سيئة تماما ، بل يخشون من من تمرد الناس على النظام الاجتماعي ، ان لم يكونوا مؤهلين للتعامل مع ظرف الحرية.

يرتبط الجدل حول الحرية ، بالعديد من القضايا الأساسية في حياة الانسان الفرد ، وفي حياة البشرية ككل. ومن هنا اصبحت الآن القيمة الأعلى بين مجموعة القيم المطلقة ، التي لاغنى عنها للحياة الإنسانية الكريمة. ويبدو لي ان الفلسفة المعاصرة تميل عموما ، الى تقديمها على قيمة العدالة. وكانت هذه تعد القيمة الأعلى عند قدامى الفلاسفة. ذلك ان غالبية الفلاسفة المعاصرين يرون الحرية شرطا قطعيا لتنجيز مفهوم العدالة ، أي ان العدالة تحتاج اليها ، بينما لا تحتاج الحرية الى أي قيمة أخرى ، كي يتنجز مفهومها.

ان المكان الرفيع الذي احتلته الحرية في سلم القيم الناظمة لحياة البشرية ، هو الذي جعلها محل جدل منذ ان تبلورت الفلسفة وبرزت كحقل علمي مستقل ، حتى يومنا الحاضر. وقد اشرت في مقال سابق الى ماذكره المفكر البريطاني ايزايا برلين من ان تاريخ الأفكار  ، سجل ما يزيد عن 200 مفهوم/تعريف للحرية ، الأمر الذي يكشف عن سعة النقاشات المتعلقة بها والدائرة حولها.

الحرية هي المسالة الأولى في العلاقة بين الدولة والمجتمع ، والحرية هي الشرط الأهم لتقدم الأفكار وتبلور الابداع ، وهي ضرورة لا يمكن استبدالها للنهوض الاقتصادي ، سيما الذي يعتمد على تسخير النتاج الذهني والتقنية المتقدمة.

هذه العلاقات الوثيقة لم تحظ باهتمام في العصور القديمة. ولم تقدر حق قدرها ، الا بعد انفجار التمرد على الكنيسة الكاثوليكية في أوساط المثقفين وأهل العلم ، في عصر النهضة الأوروبية. وقد عبر عن هذا التحول الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل الذي كتب قائلا : ما لم يترك الفرد كي يعيش بالطريقة التي تحقق ذاته ، فلن يكون هناك تقدم حضاري. لن تظهر الحقيقة الى النور ما لم يكن ثمة سوق حر لتبادل الأفكار. ولن يكون هناك مساحة للابداع العفوي ، للاصالة والعبقرية ، لن يكون هناك مكان للطاقة الذهنية ، او الشجاعة الأخلاقية ، وأخيرا فان المجتمع سيغرق في مستنقع التفكير الساكن البطيء.

الشرق الأوسط الأربعاء - 16 شهر رمضان 1442 هـ - 28 أبريل 2021 مـ رقم العدد [15492]

https://aawsat.com/node/2943106/


مقالات ذات صلة

ان تكون عبدا لغيرك

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حدود الحرية .. حدود القانون

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية ، دراسة في المفهوم والاشكاليات -دراسة موسعة 

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية بين مفهومين

الحرية عند أهل الفقه

 الحرية والنظام العام

الحرية والانفلات

الحرية وحدودها القانونية

حقوق الانسان : قراءة معاصرة لتراث قديم

الخبز الحافي والحرية المستحيلة

دعاة الحرية وأعداء الحرية

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

العلاقة الجدلية بين الحرية ورضا العامة

عن الحرية والاغـتراب

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات

كيف يضمن القانون حرية المواطن ؟

مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع الخاطئين

مجتمع العبيد

معنى ان تكون حرا ، اراء قديمة وجديدة

ملاحظات على حديث قصير – غريب

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟

في تمجيد الحرية

 

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...