16/03/2016

انقاذ النزعة الانسانية في الدين


يبدو المفكر العراقي د. عبد الجبار الرفاعي متشائما جدا من اتساع الموجة الدينية في هذه الأيام. وهو موقف غريب من جانب شخص يصنف كرجل دين وباحث في العلوم الدينية.
يوضح الرفاعي في كتابه المثير "انقاذ النزعة الانسانية في الدين" اسباب تشاؤمه بتعبيرات محددة. بعضها بسيط جدا وبعضها في غاية التعقيد. لكن القضية المحورية التي شكلت خلفية الكتاب هي ما يصفه بأدلجة الدين. اي انتزاع مضمونه الروحي واستخدامه كسلعة في سوق السياسة ، او كمركب للقوة والسلطة والنفوذ.
أدلجة الدين اسوأ أثرا من الالحاد حسب رأي الرفاعي. ربما تكون لا دينيا لكنك منسجم مع الكون الذي تعيش فيه ، مشاركا في  عمرانه. اما الدين المؤدلج فهو منقطع عن الوظيفة الاولى للايمان ، اي تعظيم قيمة الانسان ، وهو ، من جهة أخرى ، منفصل عن العالم الحقيقي ، يدور حول ذاته ، منشغل بالتغلب على بقية الخلق عن مشاركتهم في عمران الدنيا.
الدين المؤدلج لا يرى غير نفسه ، لا يرى العالم المتغير ولا يرى البشر المختلفين ، ولهذا فهو لا يشعر بتحولات الزمان. ونتيجة لهذا فهو لا يسهم في تلك التحولات ، ولا يشجع أتباعه على المشاركة فيها. لعل هذا يفسر ، جزئيا على الاقل ، سبب انكفاء المسلمين على انفسهم وضآلة اسهامهم في تيارات التطور التي تموج في عالم اليوم.
اسلامنا بحاجة الى "مصالحة بين المتدين ومحيطه والعصر الذي يعيش فيه ، والاصغاء لايقاع الحياة المتسارعة التغيير ، ووتيرة العلوم والتكنولوجيا التي تفاجئنا كل يوم بجديد تتبدل معه صورة العالم".
هذي هي خلاصة الرسالة التي اراد الرفاعي ابلاغها لمن يهمه أمر الدين وأمر المسلمين.
كان الرفاعي ولا زال قريبا من الجماعات الاسلامية الناشطة في الساحة. لكنه يشعر باحباط شديد ازاء ما حققته من نفوذ جماهيري وانتصارات سياسية. وسبب احباطه يكمن في ما يظنه انقلابا في طبيعة الجماعة الدينية واستهدافاتها. في زمن سابق كان رجال الجماعة يتحدثون عن دين يدعو الى المحبة والتعاطف مع القريب والغريب ، دين يقدس العلم ويعلي شأن الانسان ، دين يمجد الايثار وانكار الذات ، ويعتبر الجزاء الاخروي مكافأة تستحق التضحية بالمكاسب الدنيوية.
اما اليوم فان رجال الجماعة ذاتهم مشغولون بالصراع مع القريب والغريب على النفوذ ومكاسب السياسة. الكلام عن المحبة والتعاطف حله محله خطاب مشحون بمفردات الفخر بالقوة والمفاصلة مع المختلف وتهديد المخالف. مفردات مثل الحلم واللين والحكمة والسلام حلت محلها لغة الحرب والقوة والغلبة والدم وتمجيد البندقية. وباتوا يتحدثون عن "هلاك" مناوئيهم و "الدعس" على معارضيهم كما لو ان الامر لعبة كمبيوتر.
لم يعد السعي لرضا الله ورجاء عفوه محور حياتهم كما في الماضي ، فيومياتهم مشغولة بحسابات الارباح والخسائر في سوق السياسة والنفوذ الجماهيري وحساب عدد الاتباع والمحازبين.
حقق الاسلاميون الكثير مما سعوا اليه من القوة والنفوذ. وكان حريا بهم ان يوجهوا جهدهم لحاجات شعوبهم ، واكثرها حرجا استئصال الفقر والارتقاء بالعلم وتنشيط الاقتصاد واصلاح جهاز الدولة والمصالحة مع العالم. لكن الواضح انهم في واد آخر ، فهم لازالوا مشغولين بتكرار قصص الماضي واوهامه.
هذه بعض النتائج المأساوية لتحويل الدين من "رحمة للعالمين" الى أيديولوجيا. ولهذا يرى د. الرفاعي اننا كمسلمين بحاجة الى انقاذ انفسنا ، كما اننا بحاجة الى انقاذ ديننا. نحن بحاجة الى استعادة المضمون الانساني في الدين الحنيف ، الدين الذي كان رحمة وطريقا للخلاص وتحرر الانسان من عبودية القوة وعبودية الماضي. 
الشرق الاوسط 16 مارس 2016

09/03/2016

في رثاء د. طه جابر


احتمل ان القليل من شبابنا قد عرف د. طه جابر العلواني ، الذي رحل عنا نهاية الاسبوع الماضي (4 مارس 2016). لم يكن العلواني من نوع الدعاة الذين يعيشون على الصراعات ، ولا ممن يحسبون قيمتهم بعدد المستمعين والقارئين ، رغم انه مثل اي رجل علم آخر كان يتمنى ان يستمع اليه الناس وان يجادلوه.

خلال الثلاثين عاما الاخيرة عاش العلواني في مجتمعات مفتوحة ، فواجه الاشكالات التي يطرحها الناس من خارج الدين ، طمعا في معرفته او اعتراضا على أحكامه. والمؤكد ان تصديه لهذه النقاشات ، هو الذي اخذه الى التعمق في دراسة القيم الدينية وكشف له عيوب التراث الموروث ونقائصه. لو بقي المرحوم في مدينة الفلوجة ، وسط العراق ، حيث ولد ، او في بلد مماثل ، فهو بالتاكيد لن يواجه تلك الاشكالات الجدية والعميقة ، وسيكتفي على الارجح بالاجوبة الاعتذارية والتبريرية او الانشاء المتعارف في امتداح الارث الديني ، أي تكرار مقولات الاسلاف في قالب لغوي جديد.
كرس د. طه حياته لتجديد مناهج العلم الشرعي ، سيما أصول الفقه ، واهتم بمقاصد الشريعة وغاياتها ، باعتبارها معايير حاكمة على استنباط الاحكام. وفي منتصف الثمانينات سعى لاقناع الدعاة والكتاب الاسلاميين بالتعمق في علم الاجتماع. في احدى المناسبات تحدث قائلا ان بعض ما يقال على المنابر وفي ادبيات الاسلاميين يتعارض – في العمق - مع اغراض الرسالة المحمدية ، رغم تزيينه بالايات والاحاديث والقصص التاريخية التي توهم المتلقي بانه دين او دفاع عن الدين. وكان يرى ان هذا التناقض ثمرة لجهل الداعية بديناميات الحركة الاجتماعية والعوامل المؤثرة فيها.
المسألة ببساطة – يقول د. طه – ان لكل ايديولوجيا اغراض محددة تسعى لانجازها ، او على الاقل تذكير الناس بها كي لا تنسى. وان على الناشطين في المجال الديني ، استيعاب اغراض الرسالة ومقاصدها وفهم تصريفاتها وتطبيقاتها الواقعية ، كي لا ينزلقوا جهلا او غفلة ، الى تبرير المفاهيم المعاكسة. هذا يتطلب ان تدرك بعمق المسارات التي يسلكها الحدث او الظاهرة الاجتماعية قبل ان تتجلى أمامك في المشهد ، او تتحول الى مشكلة يسألك الناس عن موقف الدين منها او علاجه لها.

تحدث العلواني عن حرية التفكير والتعبير والاعتقاد ، واعتبرها من اعظم القيم التي اراد الاسلام اقرارها وضمانها للناس كافة. وتحدث عن العدل في مختلف صوره وتطبيقاته باعتباره ابرز تجليات الايمان في العلاقات الاجتماعية والتعاملات بين البشر.
لكنه لاحظ في الوقت نفسه ان المنهج الموروث في قراءة التراث الديني ودراسته ، قد يحمل القراء على تبجيل الظلم ومعاداة الحرية ، متوهمين انهم يحمون ساحة الدين. وتساءل حينئذ: هل يمكن ان نحمي الدين اذا تناسينا اغراضه ، وتساهلنا في الدعوة لما يعارضها او ينقضها؟.

كتابه الهام "لا اكراه في الدين: اشكالية الردة والمرتدين" نموذج واضح عن الرؤية الجديدة التي يتبناها الفقهاء الاصلاحيون كبديل عن طرق الاستدلال القديمة. رغم ان الكتاب مكرس لنفي مفهوم الردة وما يعرف بحد الردة. الا ان طريقته في الاستدلال ، تلقي ضوء كاشفا على الفرصة المتوفرة لتطوير ادوات جديدة للاجتهاد ، تنطلق من المصدر الاهم للشريعة ، اي القرآن الكريم ، كما تلتزم بمقاصد الشريعة والمستقلات العقلية كمعايير حاكمة على كل حكم فرعي.
ترك د. طه جابر العديد من الكتب والابحاث التي يستحق جميعها الاشادة والاهتمام. رحم الله د. طه وغفر له وجزاه خيرا عما قدم. 
الشرق الاوسط 9 مارس 2016

02/03/2016

خطوط الانكسار


التحولات الجارية في الشرق الاوسط ، سيما تعثر مسيرة الربيع العربي وتفاقم العنف ، اعادت احياء نقاشات قديمة حول ما نسميه احيانا خطوط الانكسارfaultlines .

يشير هذا المفهوم الى اي عامل أو ظرف يسهم في تقليص رضا الناس عن النظام الاجتماعي ، أو تدهور الثقة في الدولة ، أو تراجع هيبة القانون ، أو شيوع العنف وتجاوز القانون ، أو تراجع الأمل في المستقبل. وهذه تترتب عادة على انهيار الامن او تدهور مستوى المعيشة او شيوع الفساد واستغلال السلطة او التمييز بين المواطنين. اي - بعبارة موجزة - فشل الدولة في القيام بواجباتها ، وعدم توفر بدائل تملأ الفراغ.

ظروف الثورات والحرب الاهلية ، تعتبر حالات نموذجية لظهور خطوط الانكسار في النظام الاجتماعي. اما في حالات السلم ، فان ابرز العلامات التي تشير الى ذلك الظرف هي انتشار الفساد بين موظفي الدولة.  وهي ظاهرة تتوازى غالبا مع بروز مراكز قوى او جهات نافذة ، تعالج المشكلات بالرشوة ، وتتاجر بالرشوة. تعتبر هذه الظاهرة في بداياتها مخرجا مناسبا من العسر. لكنها تصل في وقت متأخر الى ما يسمى في الاقتصاد بحالة الاشباع الحدي ، أي تفاقم الظاهرة وتصاعد الكلفة المالية للحلول ، على نحو لا تعود معه متيسرة الا للاثرياء ، فتتساوى عندئذ قيمة الغرض المطلوب وكلفة الرشوة ، فتتسع نتيجة لذلك شريحة المحرومين والمستبعدين وتتقلص الشريحة المحظوظة.

طبقا لاستنتاج صمويل هنتينجتون في كتابه الشهير "النظام السياسي لمجتمعات متغيرة" فانه اذا تحول الفساد الاداري الى ظاهرة عامة ، فان معالجته باصدار المزيد من القوانين قد يأتي بنتيجة معاكسة ، اي مضاعفة فرص الفساد بدل تقليصها. بل ان هنتينجتون كان يعتقد ان السماح بالرشوة قد يكون افضل – في المدى القصير – من اصدار المزيد من القوانين التي تزيد الامور تعقيدا. زبدة القول ان الرشوة بذاتها ليست بالأمر الخطير ، لكن تفاقمها وتحولها الى ظاهرة عامة يكشف عن وجود ظرف خطير قد لا يكون مرئيا بوضوح.

يضرب المثل عادة بالهند ، وهو مثال يساعد في فهم العوامل المختلفة التي تتدخل في تحديد مستوى خطورة خطوط الانكسار. تشتهر الهند بانتشار الرشوة واستغلال الوظيفة للاثراء. لكن هذا لا يعتبر دافعا محتملا للثورة ، ولا دليلا قويا على قيام ظرف ثوري. ذلك ان الهند تتمتع بنظام مؤسسي يوفر فرصا واسعة للمشاركة الشعبية في العمل السياسي والتعبير عن الرأي ، في جميع المستويات. لا يتم التستر على الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تفتح الباب امام الفساد ، فالحكومة صريحة مع الناس ، كما ان الاحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الكثيرة والصحافة الحرة تتولى فضح اي تستر. يمكن للجمهور ان يغيروا الحكومات المحلية والحكومة القومية كل أربع سنوات اذا غضبوا على أي منهما. هذا التنظيم المؤسسي الراسخ يشكل خط تفريغ للأزمات والاحتقانات ، ويجري باستمرار التأكيد على قيمة هذه البدائل من جانب النخبة الحاكمة.

ان فشل النظام الاداري للدولة او عسر القانون وكذلك الصعوبات الاقتصادية والسياسية ، قد تسهم في تشكيل خطوط انكسار للنظام الاجتماعي ، لكن توفر عوامل تبريد وامتصاص للتازمات ، كما ذكرنا في مثال الهند ، يمكن ان يشكل صمام أمان ، اي أداة تحييد  للتوترات، تسهم بفاعلية في تبديد الزخم الثوري والحيلولة دون تراكم الانكسارات.


الشرق الاوسط 2 مارس 2016

 http://aawsat.com/node/581836

مقالات ذات صلة

 

ابعد من فيلم الجني ومن لبسه

ارامكو واخواتها : الشفافية الضرورية في قطاع الاعمال

أم عمرو وحمار أم عمرو

بيروقراطية مقلوبة

البيروقراطية والإدارة

تحسين الخدمات العامة في المكاتب المهلهلة

التعسير على المواطن فساد أيضا

حتى لا تكون الادارة الحكومية عش دبابير

حول التفسخ السياسي

حياتنا مليئة بالأسرار

الخطوة الأولى لمكافحة الفساد.. تيسير القانون وتحكيمه

سلطة المدير

شبكة الحماية الاجتماعية

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

عيوب المركزية الادارية كما تظهر في الطرق

فضح العيوب واستنهاض المجتمع

قليل من صور الفساد فاتورة الوزير

كي نقتلع شبكات الفساد

لا بديل عن اللامركزية

اللامركزية الادارية اليوم وليس غدا

من أبواب الفساد

مؤشر السوق ومؤشر القلق

ميكنة الإدارة شيء.. وجودة الخدمة العامة شيء آخر

نقاشات ما بعد الكارثة

نقد مقولة "التغرير"

الوجوه المتعددة للشفافية

الوعد المستحيل

يا ملقوف ايش دخلك

 

24/02/2016

رأي الجمهور



الشورى العامة ليست عملا ترفيهيا او تجميليا ، وليست اجراء اضافيا. بل هي جوهر مفهوم "القيام بالعدل" في الحياة السياسية.

عام 1995 طرح وزير الداخلية البريطاني اقتراحا بالزام المواطنين بحمل بطاقة هوية. لكنه سرعان ما تخلى عنه بعدما اثار اعتراضات واسعة. وليس في بريطانيا حتى الآن قانون يلزم المواطن بحمل هوية شخصية. وعند الضرورة فان اي وثيقة رسمية مع صورة تكفي لاثبات الشخصية.
تكررت المحاولة بعد الهجوم الشهير على نيويورك في سبتمبر 2001. وطرح الوزير يومها مشروعا متكاملا يحوي تفصيلا للاجراءات التي ستتخذ لتنفيذ القانون ، والنفقات المتوقعة ونوعية المعلومات الشخصية التي سيسمح للحكومة بتخزينها ، والجهات التي سيمكنها الاطلاع على تلك المعلومات ، وحقوق الافراد الذين تخزن معلوماتهم الشخصية ، والاجراءات الادارية والقضائية التي يمكنهم اتباعها في حال تضرروا من تطبيق القانون عليهم.
طرح مشروع القانون للنقاش العام نحو ثلاث سنين. وخلال هذه المدة خضع للكثير من التعديلات حتى وافق عليه البرلمان في 2006. لكن كثيرا من القانونيين ومنظمات المجتمع المدني واصلوا اعتراضهم على القانون ، وجادلوا بان كمية المعلومات الشخصية التي تحتفظ بها الحكومة ، تمكن اجهزتها من مراقبة الافراد وربما التدخل في حياتهم ، على نحو يخرق استقلالهم وخصوصيتهم. وفي 2011 عاد البرلمان فاستبدل ذلك القانون بآخر مخففا ، يخلو من معظم البنود المثيرة للجدل.
قد يندهش القراء من سياسة كهذه. لانهم يفترضون ان حمل بطاقة شخصية واحتفاظ الحكومة بمعلومات كثيرة عن مواطنيها ، هي أمور طبيعية. أنا ايضا افترض انه طبيعي. لكن هذا ليس موضوعنا اليوم. موضع اهتمامنا هو "حق" المواطنين في مناقشة القوانين العامة والقرارات الحكومية قبل اعتمادها ، سيما تلك التي تؤثر على حياتهم او حقوقهم ، حتى لو كان القانون بديهيا مثل حمل بطاقة شخصية.
ثمة فرضية بسيطة وراء هذا المبدأ ، خلاصتها ان الحكومة ليست كونا مستقلا عن المجتمع ، بل هي جهاز خدمة عامة ، يعيش على رضا الناس وأموالهم ، وأن مهمتها الوحيدة هي احسان خدمة المجتمع ، وليس التسلط عليه. ومن هذا المنطلق فمن واجبها مشاورة المجتمع ، قبل تبني سياسات يراها كل الناس او بعضهم ، مضرة بأشخاصهم او مصالحهم او معاكسة لمراداتهم. الشورى العامة ليست عملا ترفيهيا او تجميليا ، وهي ليست اجراء اضافيا ، بل هي جزء جوهري من مفهوم "القيام بالعدل" في الحياة السياسية.
عرف تاريخ العالم حكاما متسلطين ، يقررون ما يشاؤون ويفعلون ما يريدون ، دون نقاش او مساءلة. اما في عالم اليوم ، فان معيار عدالة الدولة هو الانصاف ، اي الاقرار بحقوق جميع افراد المجتمع وضمانها بالقانون. نعلم طبعا انه يستحيل ارضاء كافة الافراد. لكنا نعلم ايضا ان الحكومة ستكون معذورة اذا طرحت سياساتها على الناس ، حتى يعلم كل فرد بما سيخسره او يربحه او يترتب عليه من وراء كل سياسة او قانون جديد ، كي يكيف نفسه وحياته بناء عليه. وهذا هو الحد الأدنى من الانصاف.
مثل هذا المبدأ يبدو أكثر لزوما في ظروف العسر ، كالازمات الاقتصادية والسياسية ، التي تدفع الحكومات لاتخاذ سياسات ضاغطة ، تؤثر في معظم الشرائح الاجتماعية.
تصدر القرارات عادة بعد مشاورة اهل الاختصاص. ولعل هذا يتخذ حجة لتجاوز رأي الجمهور. لكنها حجة باطلة ، لأن رضا العامة جزء من جوهر مبدأ "القيام بالعدل" وليس اجراء اضافيا. والتفريط فيه تفريط في المبدأ.
الشرق الاوسط 24 فبراير 2016
http://aawsat.com/node/576151



17/02/2016

حول مكانة الهيئات الدينية


هل نعتبر صون الحريات الفردية شرطا لعدالة القانون ، وبالتالي هل يلزمنا طاعة القانون الذي يسمح بخرق حرياتنا؟.

خلال الأسبوعين الماضيين انشغلت الصحافة السعودية بعدد من الحوادث التي كانت هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت طرفا فيها. قد تبدو المسألة محلية جدا ، الا انها تثير تأملات حول مكانة الدين في الحياة العامة ، أظنها موضع جدل في معظم المجتمعات العربية ، سيما المحافظة منها.

تمتاز "الهيئة" عن بقية الاجهزة الحكومية بتصنيف العرف لها كجزء من المؤسسة الدينية. ويلحقها بالتالي ما يلحق هذه المؤسسة من صفات وهالات. ولهذا فكل جدل حولها يستنهض في العادة مخاوف حول الدين عند فريق من المجتمع ، وحول القانون عند فريق آخر ، وحول الحريات الشخصية عند فريق ثالث.


يقر الجميع بطبيعة الحال ، ان على الهيئة وكل منظمة حكومية أخرى ، ان تلزم حدود القانون في كل أعمالها. وفي هذا الاطار فان تجاوزات موظفيها تستدعي العقوبات الادارية التي ينص عليها القانون. لكن الفريق الأول يشعر بالقلق مما يعتبره تركيزا استثنائيا في الصحافة على اعمال "الهيئة". وهم يقولون – مباشرة او مداورة – ان الدين هو المستهدف في شخص "الهيئة" ، وأن هذا الاستهداف يتمثل غالبا في تضخيم أخطاء قد تصدر من أي منظمة رسمية أو أهلية أخرى.

اما الفريق الثاني فيجادل بأن الخطأ ، سواء كان فرديا أو مؤسسيا ، لا يترك او ينسى ، لأنه يشير الى علة في المؤسسة تستدعي العلاج لا الاغفال. الهيئة جزء من منظومة الادارة العامة وينفق عليها من المال العام ، والمبرر الوحيد لوجودها هو خدمة أفراد المجتمع ، فلا يصح ان تتسلط عليهم او تخرق حقوقهم. ارتباطها بالدين لا يغير من حقيقة كونها جهاز خدمة عامة ، محكوما بالقانون. إذا تصرف موظف حكومي بموجب اجتهاده الشخصي فهو مذنب ، لأن الموظف العمومي ممنوع بحكم القانون من اتباع رأيه أو اجتهاده الشخصي.

ينظر الفريق الثالث الى عامل مشترك بين الحوادث التي أثارت ضجة حول عمل الهيئة ، وهو اشتمالها على خرق واضح لحريات شخصية. ولحسن الحظ فان معظم الحوادث المثيرة كانت موثقة بالصور التي تدل قطعا على الخروقات المزعومة. لا يتعلق الأمر في هذه الحوادث بمجرم يدعي خرق حريته ، بل بشخص عادي يتعرض للاذلال او حتى الايذاء البدني ، لأن موظفا حكوميا اجتهد فاعتبر سلوكه مخالفا للآداب العامة أو احكام الشريعة.

هذا يثير سؤالا جديا حول العلاقة بين الالتزام الديني والحرية الشخصية. ونعلم ان مثل هذا السؤال يبدو للمجتمعات المحافظة ، غامضا ، وربما فارغا. الا انه يكشف من ناحية أخرى عن الحاجة الى مراجعة الفهم الموروث للحرية الشخصية ونقاط الاشتباك بينها وبين الاحكام الشرعية المنظمة للسلوك ، فضلا عن الاعراف والتقاليد التي تحمل ظلالا دينية.

ينصرف جدل العلاقة بين الحريات الشخصية والاحكام الشرعية الى ثلاثة أسئلة محورية ، اولها يتناول الترتيب بين الحرية والحكم الشرعي او العرف الاجتماعي ، ايهما حاكم على الآخر ومقدم عليه. بينما يتعلق الثاني بالمسافة بين القانون والحرية ، اي: هل نعتبر صون الحريات الفردية شرطا لعدالة القانون ، وبالتالي هل يلزمنا طاعة القانون الذي يسمح بخرق حرياتنا؟. يتناول السؤال الثالث القوانين المستمدة من احكام شرعية او معتمدة عليها ، هل نعتبرها مثل القوانين العادية ، ام نبتكر لها مرتبة فوق القانون العادي. هذا السؤال يتناول بالضرورة المؤسسات الدينية أيضا ، فهل نعاملها كاجهزة خدمة عامة ، ام نبتكر لها وصفا خاصا يرفعها عرفيا ووظيفيا عن مستوى تلك الاجهزة؟.

الشرق الاوسط 17 فبراير 2016

http://aawsat.com/node/570426

 

مقالات ذات علاقة

ام عبد العزيز

تجارة الخوف

تحولات التيار الديني - 2 نهايات المعارك

تحولات التيار الديني-3 اعباء السياسة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

الحكومة ضد الحكومة

حلاق المؤمنين

حول التدين القسري

حول مكانة الهيئات الدينية

دولة "الحارس الليلي"

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

سيادة القانون ورضا العامة

الليبرات والليبرون المكبوتون المخدوعون 

الليبرالية ليست خيارا

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

نقاط الاحتكاك بين المجتمع والدولة

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

الوجه السياسي لسد الذرائع

وجهات "الخطر" وقهر العامة

 

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...