20/03/2025

التطرف والانقسام

 في سبتمبر  2017 صوت غالبية الأكراد العراقيين (92%) لصالح استقلال إقليم كردستان ، بعد حوالي عقدين من الحكم الذاتي الموسع. هذا يشبه الى حد كبير مشهد جنوب السودان في يناير 2011 حين صوت 99% من سكانه على الانفصال عن الشمال.

بوسعنا ان نمر أيضا على الحرب الاهلية في جنوب اليمن عام 1994 ، والتمرد الذي أدى لانفصال باكستان الشرقية ، عن اختها الغربية ، وظهور دولة بنغلادش في 1971 ، او الحرب التي أدت الى تفكك يوغوسلافيا ، وقيام جمهورية البوسنة وكرواتيا والجبل الأسود في 1992 ثم انفصال كوسوفو عن صربيا في 2008.

هذه امثلة ، أحسب ان غالبية القراء الأعزاء يذكرونها ، وهي حوادث أدت أو كادت ان تؤدي الى تفكك دول ، ظن كثيرون انها راسخة الجذور عصية على التفكيك.

المؤكد ان كلا منا قد علم بتجربة واحدة على الأقل ، تتضمن حالات انفصال ، بين أزواج او اعضاء في عائلة واحدة أو شركاء في عمل تجاري ، يعرف كل العقلاء انه يؤدي الى خسائر كبيرة. مع ذلك ، فان الناس يقدمون عليه ، افرادا – كما في الأمثلة الأخيرة – او شعوبا كاملة  كما في الأمثلة السابقة.

السؤال الذي لا بد ان يواجهه اخوتنا في سوريا: ما هو الظرف الذي تبلورت فيه إرادة الانفصال وتفكيك البلد ، في التجارب التي ذكرناها ، وفي عشرات التجارب المماثلة على امتداد تاريخ العالم الحديث ، وما هي العوامل المماثلة التي قد تكون متوفرة فعليا في سوريا اليوم. التأمل في هذا السؤال ، سيأخذنا الى الجزء الثاني الأكثر أهمية: كيف نحول دون تفاقم العوامل الدافعة لانكسار الوحدة الوطنية ، وكيف نعزز إرادة العيش المشترك والسلم الأهلي؟.

ان سمحتم لي بالجواب ، فاني أرى أن ظرف انكسار الوحدة الروحية ، أي إرادة التعايش ، يتبلور عندما تشيع الميول المتطرفة وتنكمش الميول المعتدلة ، عند شريحة واسعة من السكان. التطرف يعني ان الفرد مطلع على الخسائر التي ستحصل جراء الانفصال ، لكنه مع ذلك يراه اقل سوء من أي ضرر يترتب عليه ، او لنقل انه يرى الوضع القائم اسوأ كثيرا من أي ظرف سيأتي بعد الانفصال. انه أشبه بالذي يقدم على الانتحار ، او يخوض مغامرة ، يعلم سلفا ان احتمالات السلامة فيها ، اقل من احتمال الهلاك. هذا تصور متطرف بلا شك ، واذا حمله الفرد فانه يعتبر متطرفا.

خلال السنوات العشر التي مضت من عمر الثورة السورية ، لم نسمع أحدا يتحدث عن تقسيم البلاد. حتى في المناطق الكرية التي انفصلت فعليا عن حكومة دمشق ، كان أقصى المطالب هو الحكم الذاتي ، على النحو القائم في كردستان العراق. اما اليوم فنرى خرائط عن ثلاث دول او اربع ، ونسمع أشخاصا يقولون دون اكتراث: اذا أرادوا ان ينفصلوا ، فليذهبوا الى الجحيم ، نحن أيضا لا نريد العيش معهم. وحين ينشر هذا الكلام على منصات التواصل الاجتماعي يتفاعل معه آلاف الناس ، مرحبين او رافضين.

أعلم ان من يقول هذا متطرف أو جاهل ، وان من يتفاعل معه مثله. لكن ما الذي جرى حتى بات الناس يائسين من الشراكة الوطنية ، غير مكترثين بانكسارها. يتحدثون عن تقسيم بلدهم ، كما لو كان وليمة يتنافس عليها البعض ويزهد فيها آخرون.

اني أتمنى من كل قلبي ان لا يصغي السياسيون الى من يدعوهم لارسال الدبابات والمدافع لقتل المتمردين. أتمنى ان لا يصغوا لمن يقول ان للاكثرية ان تقرر وان على الأقلية ان تسمع وتطيع. هذه الدعوات تنبيء عن ذهنية متطرفة ، وهي تؤدي الى اشعال جمرة التطرف عند الطرف المقابل. لو كان هذا مثمرا لكان بشار الأسد قد نجح في انهاء الثورة الشعبية طوال عقد كامل. ما يحتاجه السوريون هو احتواء الخائفين والغاضبين والمتشككين ، وليس قمعهم او اقصاءهم. هذا هو طريق السلامة ان اردنا العبور بسوريا الى بر الأمان.

الشرق الأوسط الخميس - 21 رَمضان 1446 هـ - 20 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5123814

 مقالات ذات صلة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

13/03/2025

لماذا نجح الغربيون وفشلنا؟

 النزاع الذي اندلعت نيرانه فجأة في اطراف سوريا ، بعد أسابيع قليلة من انتصار الثورة الشعبية ، تعيد تذكيرنا بأن خطوط الانكسار في البنية الاجتماعية العربية ، لا زالت فعالة ، وان ترسيخ السلم الأهلي مشروط بتصحيح عيوب تلك البنية ، ولاسيما جعل "مبدأ المواطنة" مضمونا وحيدا للعلاقة بين اعضاء المجتمع السياسي ، على المستوى القاعدي ، وبين المجتمع والدولة ، على مستوى السياسة والقانون.
التعدد الديني والعرقي هو الوضع الطبيعي للحياة في عالم اليوم. ويجب ان نكيف فهمنا للسياسة على نحو يستوعب هذه الحقيقة ، كي نتفادى الصراعات الداخلية. القبول المتزايد لهذه الحقيقة ، دليل على نضج البشرية واتساع وعيها بحقائق الكون وضروراته. التنوع قدر لا خيار لنا فيه ، هكذا خلقنا الله وهكذا نصير اليه.

من المؤلم القول ان المجتمعات الغربية تجاوزتنا بمسافة طويلة ، في الاقرار بالتنوع قانونيا وسياسيا وعمليا ، بينما لانزال نتحرك بسرعة السلحفاة. وهو أمر أسبابه معروفة لمن تأمل في البنية الثقافية-الاجتماعية ، ولم يكتف بالوقوف عند التبريرات اللفظية.

السؤال المثير للدهشة حقا هو : لماذا نجح الغربيون – ولو نسبيا – في تجاوز حدود الطوائف والاعراق والثقافات ، فما عاد أحدهم يخشى ان ينقض عليه الآخر أو ان يتآمر. نقول هذا مع علمنا بأن تلك المجتمعات قامت على أرضية تعاقد مادي ومصلحي. في المقابل فان مجتمعاتنا التي تتحدث كثيرا جدا عن التعاون والتكافل والتراحم ومحبة الآخر والايثار ، تبدو وكأنها تعيش على الدوام في مجتمع ما قبل الدولة ، حيث الجميع في حالة حرب مع الجميع ، على النحو الذي صوره توماس هوبز.

 غالبية الدول الإسلامية تعاني مما يمكن وصفه بأزمة هوية ، ليس عند الأقليات فقط ، بل وبنفس القدر عند الاكثريات أيضا. الأقليات تظن ان الأكثرية تظلمها حقها ، والأكثرية تظن ان الأقلية تخونها. وثمة لدى هذا الطرف عشرات من الأدلة التي تدعم دعواه ، ولدى الطرف الاخر أدلة مثلها. لكن السؤال الذي يبقى حائرا: لماذا تعاملت الأكثرية مع "افراد" الأقلية باعتبارهم جمعا واحدا؟ ولماذا فعلت الأقلية الشيء نفسه بالنسبة الى "افراد" الأكثرية.. أي بدل ان تؤاخذ المذنب ، وضعت كل من يشاركه الانتماء في قالب واحد ، وعاملتهم جميعا كمذنبين.

ثم دعنا نفكر في السؤال التالي: لماذا يناصر "افراد" كل طرف دعاوى فريقه من دون نقد او مساءلة؟. ولماذا لا يسمح هذا الجمع بمساءلة مواقفه ونقدها من داخل الجماعة ومن خارجها.

ان اردتم معرفة الطريقة التي يتشكل من خلالها الفارق البنيوي بين المسلمين وغيرهم ، انظر لسلوك الإسرائيليين خلال الحرب المشتعلة منذ أكتوبر 2023 في مقابل سلوك العرب: يخرج السياسيون والمواطنون والمحللون الإسرائيليون في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون والصحف ، يوجهون اشد النقد للحكومة ورئيسها وللجيش وقادته ، وفي المساء يذهبون الى بيوتهم آمنين. اما على الجانب الفلسطيني والعربي ، فان الذي يوجه نقدا ولو بسيطا ، يتهم بالخيانة والعمالة والتصهين.. الخ. بعد حرب 1973 شكلت إسرائيل لجنة عالية المستوى لتحديد أخطاء القيادة ، وقد نشر التحقيق ، وترجم الى العربية باسم "التقصير". وهو يحوي نقدا شديدا للحكومة والجيش وأجهزة الأمن. فهل علمتم عن أي دولة عربية قامت بتحقيق مماثل ونشرته على الملأ؟.

سوف اتفاءل اذا سمعت ان اللجنة التي شكلتها الحكومة السورية للتحقيق في حوادث القتل التي جرت في الشمال الغربي ، تضم فعلا فريقا مستقلا غير منحاز ، او على الأقل ممثلين لمختلف الأطراف ، واعتمدت المعايير الدولية في التحقيق ، ثم نشرت في وقت قريب شهادات الذين استمعت اليهم ، وحددت المسؤولية عن الأفعال الشنيعة التي جرت منذ سقوط النظام السابق.

اصلاح البنية الاجتماعية المتأزمة يستدعي معالجة التأزم المزمن في الهوية عند الأكثرية والأقلية معا. وهذا لا يتم اذا اكتفينا باعلانات سياسية او حتى دستورية ، بل يحتاج أيضا لمبادرات سريعة عملية ، تعزز الاطمئنان وترسل رسائل لجميع من يهمه الأمر ، بان لدى الحكومة عزم أكيد على احتضان الجميع والتعامل معهم كمواطنين ، يحاسبون على فعلهم وليس على انتمائهم.

الشرق الأوسط الخميس - 14 رَمضان 1446 هـ - 13 مارس 2025 م https://aawsat.com/node/5121368

مقالات ذات علاقة

الازمان الفاسدة والناس الفاسدون

انهيار الاجماع القديم

بدايات تحول في الازمة السورية
التعايش أو التقارب.. طريق واحد
درس الكارثة: نظام عربي للاستحابة العاجلة
سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية
سوريا في مشهد جديد
سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

سوريا ليست معركتنا

 شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

صورتان عن الانسان والقانون

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغول

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

القانون للصالحين من عباد الله

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مصير المقاتلين الامميين

من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

الواعظ السياسي

وجهات "الخطر" وقهر العامة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

 

 

06/03/2025

المسافة بين الرؤيا والسياسة

قبل أسبوع من لقائه العاصف مع الرئيس الاوكراني (28-فبراير-2025) قال الرئيس الأمريكي انه يسعى للتوافق مع نظيره الروسي بوتين ، على طريقة لانهاء الحرب في أوكرانيا. وأشار ضمنيا الى انه لا يحتاج لاستئذان الاوكرانيين ، حتى لو تعلق الأمر ببلدهم. لكن اذا كان الرئيس زيلينسكي يود مناقشة المشروع الأمريكي ، فليمنح واشنطن امتيازا خاصا للتحكم في المعادن الثمينة التي تفخر بها أوكرانيا.

في نفس الوقت تقريبا ، أعلن ترمب عن خطة لتحويل قطاع غزة الى منطقة ترفيهية ، تديرها الولايات المتحدة ، وتوفر مجالا مشتركا للمصالح الاقتصادية لكل من العرب والإسرائيليين والامريكان. وقيل ان مبعوثي البيت الأبيض تحدثوا فعليا مع عدة دول سيهاجر اليها سكان غزة ، من سوريا الى الأردن ومصر وحتى شمال الصومال.

وكما في المثال الاوكراني ، لم يتحدث الرئيس الأمريكي مع أصحاب الشأن ، أي سكان غزة ، ولا مع الحكومة الفلسطينية ،  قبل ان يطرح هذا المشروع الذي سيغير حياتهم الى الأبد.

وقبل مشروع غزة ، اخبر الرئيس ترمب مواطني كندا ، بانه يريد ضم بلدهم الى الولايات المتحدة لتكون الولاية 51. كما اخبر حكومة الدانمارك بأنه يريد شراء جزيرة غرينلاند ، واخبر حكومة بنما بأن واشنطن تريد استعادة السيطرة على قناة بنما ، التي تخلت عنها نهاية 1999. وفي هذه الاثناء اعلن فرض رسوم جمركية على واردات الالمنيوم والصلب ، وهو قرار يؤثر على الصادرات الصينية ، لكنه يؤثر بدرجة اكبر على استراليا ، الحليف الرئيس للولايات المتحدة في منطقة المحيط الهاديء.

هذا "بعض" ما فعله الرئيس خلال 6 أسابيع من توليه السلطة. وهو يكشف عن نوعية العمل السياسي المتوقع ان تشهده العاصمة الامريكية في السنوات الأربع القادمة. بعض المحللين تحدث عن تغير في المزاج العام للمجتمع الأمريكي ، وان الطريقة التي ظهر بها الرئيس ومساعدوه ، هي مجرد صورة مكثفة للتغير المذكور. ويؤيد هذا التحليل استطلاعات رأي أجريت بعد لقاء ترمب – زيلينسكي. أظهرت هذه الاستطلاعات ان نصف الأمريكيين تقريبا ، يتبنون موقف رئيسهم بشأن أوكرانيا والصين. لكن استطلاعات راي أخرى أظهرت ان شعبية الرئيس لازالت دون المتوسط العام لشعبية الرؤساء السابقين في الأسبوع الرابع من تولي السلطة. وهذا يتعارض مع الفرضية السابقة.

ويبدو لي ان ترمب يحمل سمات واضحة عن زعيم شعبوي يتبنى رؤية مغايرة كليا للتقاليد السياسية السائدة بين النخبة. ولعلها – لهذا السبب بالذات - قوية التأثير في القاعدة الجماهيرية. تتمثل هذه الرؤية في الشعار الانتخابي "فلنعد لامريكا عظمتها المفقودة".

ينطوي هذا الشعار على إدانة ضمنية للنخبة السياسية ، ودعوة للشريحة الاجتماعية التي تصنف نفسها كحامية للهوية الامريكية ، كي تتحد مع الرئيس في تلك المهمة. يستعمل ترمب وفريقه نفس الأدوات الدعائية التي يستعملها الزعماء الشعبويون ، من تأجيج الشعور بالتفوق على الأمم الأخرى ، الى التشكيك في نزاهة النخبة ، وخصوصا التركيز السلبي على اشخاص بعينهم ، باعتبارهم رموزا للفشل ، الى تبني مبادرات ضخمة وسريعة ، تصحح الاختلالات والاخطاء.

وبالتوازي  يجري التركيز على شخص الرئيس ، باعتباره الوحيد القادر على قيادة السفينة ، اعتمادا على ميزاته الشخصية وليس القوة المشتركة للحكومة. يقول في هذا الصدد مثلا: "لو كنت في البيت الأبيض يومذاك لما انفجرت الحرب في أوكرانيا".

ميزة هذا المسار انه قصير الأمد ، كثير الادعاء وقليل النتائج. خذ مثلا محاولة ترمب اصلاح العلاقة مع كوريا الشمالية في 2019 ، التي انتهت بفشل ذريع ، رغم ذهابه شخصيا للقاء الزعيم الكوري ، وهو ما يعد تجاوزا للبروتوكول وتقاليد السياسة.

هذه المرة أيضا سنسمع الكثير من الدعوات والادعاءات ، لكني ارجح ان ترمب سيحصد نتائج قليلة فحسب. ان موقف رئيس أوكرانيا في مواجهة ترمب ونائبه في الاجتماع الشهير في البيت الأبيض ، دليل على ان زعماء العالم لن يأتوا طائعين كما تخيل الرئيس ، حتى لو كانوا في حالة حرب وحاجة ، مثل زيلينسكي. بل اميل للاعتقاد ان موقفه هذا سيشجع زعماء آخرين على مواجهة ترمب من دون قلق.

الشرق الأوسط الخميس - 07 رَمضان 1446 هـ - 6 مارس 2025 م

https://aawsat.com/node/5118911

 

مقالات ذات صلة

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

الغائب الكبير في السودان وروسيا

ترمب على خطى يلتسن

وراء تصريحات ترمب وتهديداته

 

 

27/02/2025

الإرادة العامة كخلفية للقانون

ذكرت في المقال السابق ان "الدين المدني" يستهدف وفقا لشروحات جان جاك روسو ، توفير مبرر أخلاقي يسند القانون العام. وقد جادل بعض الزملاء قائلين: اذا كان هذا هو المقصود حقا ، فانه متوفر في كل الأديان. فلماذا نبتدع دينا آخر؟.

هذا النوع من النقاشات ينتهي عادة الى حالة فوضوية. ففيها يختلط التدليل العلمي بالدفاع العاطفي ، وتختلط المخاوف بالتوقعات والرغبات. ولهذا السبب ، على الأرجح ، لا يشهد المجتمع العربي مناقشات معمقة ومستمرة ، حول العلاقة المناسبة بين الدين والسياسة ، مع انه أكثر مجتمعات العالم ابتلاء بالنتائج المريرة لذلك الخلط. ان الجدل في المسألة متواصل بشكل يومي. لكنه ليس نقاشا من أجل العلم ولا يلتزم بمعايير العلم ، ولذا لا يعين على تفكيك العقد التي تملأ هذا الموضوع. بل لا أغامر لو قلت ان ما يحدث هو العكس تماما. فالجدالات الكثيرة بين الداعين لانخراط الدين في الحياة السياسية ، وبين معارضي هذا الاتجاه ، تحولت الى نزاع سياسي- اجتماعي فيه القليل جدا من العلم ، والكثير جدا من العداوة والانفعال.

كان روسو يطالع مشهدا شبيها بهذا في أوربا الغربية ، منتصف القرن الثامن عشر. ولهذا اقترح فكرة "الدين المدني" الذي يمكنه ان يلعب دورا مماثلا لأي دين آخر في إطار الممارسة السياسية ، من دون ان ينخرط في جدل العلاقة بين الدين والسياسة ، على نحو ما شهدت أوربا يومذاك ، وما نراه في العالم العربي اليوم.

-         ما الذي أثار القلق عند روسو؟

كان روسو مقتنعا بأن القانون بطبعه ، قيد على الحريات الفردية. مجرد الزام الناس بفعل أشياء والامتناع عن أشياء أخرى ، هو – في الجوهر – تقييد لحرياتهم. وهذا يثير أسئلة متضاربة ، مثل: هل يمكن ان نعيش حياة اجتماعية طيبة ، من دون قانون ينظم العلاقة بيننا. لكن – من ناحية أخرى – هل يصح ان نضحي بحريتنا الخاصة ، في سبيل العيش الجمعي. واذا فرضنا ان القانون ضروري للحياة الطيبة ، فما هو الأساس الذي يستند عليه القانون كي يلتزم الناس به ، هل هو مجرد التهديد بالعقاب من جانب الدولة. واذا كان التزام الناس بالقانون نوعا من القسر ، فما هو المبرر الذي يسمح لرجال الدولة بوضع تلك الالزامات ، وتهديد المواطنين بالعقاب ان لم يطيعوا.

هذه الأسئلة كانت تدور بقوة ، في المحيط الاجتماعي الذي شهد كتابات روسو الأولى. وبعضها لازال محورا لنقاشات الفلسفة السياسية حتى اليوم.

قرر روسو ان القانون ملزم ، لأنه مستند الى الإرادة العامة ، أي إرادة مجموع المواطنين في العيش المشترك وتنظيم علاقتهم الداخلية في قانون مكتوب. القانون أشبه بخطاب من كل فرد لكل فرد آخر ، يؤكد التزامه باحترام حقوقه ، باعتبارهما عضوين في مجتمع واحد. وبالتالي فالقانون اعلان التزام من جانب مجموع المواطنين ، لكل واحد منهم ، بأن حقوقه مصونة ومضمونة ، وأن من يخرقها فهو مذنب امامهم جميعا. إذن فالإرادة العامة ، وما يقوم عليها او يتفرع منها ، أشبه بالجدار الذي يستند اليه القانون.

هذا التوضيح الذكي ، لم يمنع احدهم من التساؤل: لكن ما الذي يضمن ان تبقى الإرادة العامة موحدة ، كي تواصل اسنادها للقانون ، أي كي يبقى المجتمع موحدا في التزاماته.

وفقا لروسو فان إرادة كل فرد للعيش المشترك الآمن ، ومن ثم ، قبولهم بالقانون الذي ينظم علاقتهم ببعضهم ، يمثل بذاته تمظهرا لجوهر الانسان ، ككائن خير وعقلاني ، انها تعبير عن طبيعته التي أفاضها الله عليه حين خلقه. ومن هنا فهي تعبير عن روح الله وارادته التي نفخها في هذا المخلوق. ولهذا اعتبرها متعالية ، فلا تحتاج الى تدليل او اسناد.

هل هذا يكفي للقبول بفكرة "الدين المدني"؟ . اظن تحليله صحيحا ، لكن لا أرى استنتاجه ضروريا. ولعل في وسعنا التدليل عليه بطريقة أيسر.

الشرق الأوسط الخميس - 28 شَعبان 1446 هـ - 27 فبراير 2025 م  https://aawsat.com/node/5116582-

مقالات ذات صلة

  

ايديولوجيا الدولة كعامل انقسام: كيف يحدث التفارق الآيديولوجي والثقافي؟

الايديولوجيا والسياسة

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حدود الحرية .. حدود القانون

حكومة اليوم وحكومة الأمس

دعوة للخروج من قطار الكارثة

الدين المدني ، دين الدولة

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

سؤال التسامح الساذج

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

صنم الوحدة

فرصة لتطبيق ما ندعو اليه: فوائد التسامح

فلان المتشدد

في التسامح الحر والتسامح المشروط

في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

في بغض الكافر

ماذا تفعل لو كنت صاحب القرار في بلدك؟

 مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع العبيد

مجتمع العقلاء

مدينة الفضائل

نافذة على مفهوم "البراغماتية"

نموذج لشرعية سياسية وسيطة

 

13/02/2025

الدين المدني ، دين الدولة

خصص جان جاك روسو الفصل الأخير من كتابه "العقد الاجتماعي" لاقتراح غريب نوعا ما ، وهو "الدين المدني". كان مقدرا لروسو (1712-1778) ان يصبح قسيسا ، لكن اقداره ساقته نحو الفلسفة السياسية ، فدون واحدا من أهم النصوص في تاريخ العالم الحديث ، اعني "العقد الاجتماعي" الذي أطلق مدرسة في علم السياسة ، كتب فيها وحولها مئات الدراسات ، بمختلف اللغات.

في أول الأمر ، اجمع الكل على رفض الفكرة: الكنيسة اعتبرتها حيلة لالغائها كليا ، من خلال اقصائها عن مبرر وجودها الوحيد. العلمانيون اعتبروها مناورة لترسيخ هيمنة الكنيسة على المجتمع ، من خلال تبني الدولة للدين (ولو بنسخة مخففة). أما عامة الناس فتساءلوا: ما الداعي لدين جديد ، طالما لاتزال الكاثوليكية على قيد الحياة؟.

في المقابل ، قال روسو  انه لا يتحدث عن دين الكنيسة. ثمة أربعة مستويات للايمان: أولها دين الكهنة ، الذي يجهز الانسان لما بعد الموت ، وهذا ليس موضع نقاش في حقل السياسة ، لأنه – من حيث المبدأ – لا يتعلق بالدنيا. الثاني هو دين الانسان الذي يركز على الفضائل الأخلاقية وتزكية النفس. وهذا ما تسعى اليه كافة الأديان ، في مختلف البلدان والازمان. الثالث هو دين المواطن ، وهو قريب جدا من فكرة القانون التي تفرضه الحكومة على الناس ، فهو محدد جغرافيا بمدى سلطة الدولة ، وليس له وجود خارجها. هذا الدين تحرسه الدولة وتفرضه على مواطنيها بقوة القانون. أما الرابع فهو "الدين المدني" الذي يمثل خلفية يرجع اليها المشرع حين يدعو المواطنين للالتزام بالقانون. هذه الفكرة تشابه كما اظن مفهوم "نظام الملة" الذي يذكر أحيانا في سياق الحديث عن التجربة التاريخية الإسلامية. وهو يشير الى مجموعة الأعراف والنظم التي جاء بها الدين او التي ابتكرها المجتمع وطبقها لتنظيم حياته اليومية ، واعتبرت جزء من النظام الذي يجب على كل الناس رعايته ، كي لا ينفرط الجمع او يتضرر المجتمع.

السؤال الذي كان يشغل بال روسو حين كتب عن "الدين المدني" هو: اذا قالت الدولة للناس بانهم احرار في التفكير والتعبير عن آرائهم ، احرار في الاعتقاد وممارسة العبادة ، فما الذي يحملهم على الالتزام بالقانون الذي يقيدهم؟.

كان روسو قد قال أولا ان الانسان ميال بطبعه نحو فعل الخير ، وأنه سيلتزم – بمحض ارادته - بالقانون الذي اختار ان يشارك في انشائه من خلال "العقد الاجتماعي". لكن يبدو انه شعر لاحقا بأن المجتمع لن يخلو من خلاف ، ربما ينال تفسير القانون او مقاصده. وبالتالي فقد لا يكون القانون سلاحا حاسما ، الا اذا سمحنا للدولة بأن تفرض سلطانها على الجميع ، حتى لو كانت هي طرفا في الخلاف ، بمعنى ان تكون الخصم والحكم في آن.

لحل هذا الاشكال ، وضع روسو فكرة الدين المدني ، الذي يشكل خلفية تدعم القانون من جهة ، وتشجع الناس على المشاركة في الحياة السياسية من جهة أخرى. ان مشاركة عامة الناس في الحياة العامة ، سوف تضمن قدرا معتبرا من الالتزام بالقانون وتطويره أيضا.

إذا اخذنا هذا المعنى بعين الاعتبار ، فان "الدين المدني" الذي تحدث عنه روسو ليس نظيرا للدين الذي نعرفه ، ليس شبيها ولا مزاحما له. انه اقرب ما يكون الى تبرير أخلاقي للقانون ، يستلهم الروحية العامة للدين ، أي كونه دعوة للفضيلة وسمو النفس ومحبة الغير وعدم الاستئثار بالمنافع. ومن هنا قال روسو ان دينا كهذا ، ينبغي ان يكون بسيطا ، مرتبطا بالقيم الأساسية التي يعرفها المجتمع ويرغب فيها ، غير قابل للاحتكار ولا مزاحمة الانتماءات الدينية الأخرى.

لا بد ان بعض القراء يبتسمون الآن في سرهم ، ويتساءلون: هل يمكن لدين كهذا ان يوجد في واقع الحياة؟.

لعل روسو سيجيبهم لو كان حيا. لكنه – للأسف – لم يعد معنا.

الخميس - 14 شَعبان 1446 هـ - 13 فبراير 2025 م     https://aawsat.com/node/5111640

 

 


مقالات ذات صلة

06/02/2025

الدين والايديولوجيا: من يزاحم الاخر؟

 الواضح ان مفهوم الأيديولوجيا وتطبيقاته ، يثير حساسية ملحوظة عند الجمهور ، فضلا عن السياسيين والمفكرين. سيبقى هذا الراي انطباعيا ، نظرا لشكنا في كون المفهوم واحدا عند جميع الناس ، فوق اننا لا نعرف المسافة بين ما يريده الناس من هذا المفهوم وما يرفضونه فيه.

على أي حال ، قد يكون مفيدا المرور سريعا على اصل المفهوم وسبب الخلاف حوله ، ولا سيما الموقف المتشكك فيه او الرافض له.

تقول المصادر ان الذي صاغ مصطلح الأيديولوجيا ، هو المفكر الفرنسي ديستوت دي تريسي سنة 1796. كان دي تريسي يحاول وضع قواعد تفسيرية توضح كيفية انتقال البيانات من الحواس الخمس التي تتفاعل مع البيئة المحيطة بالإنسان ، الى عقله ، حيث تستعمل في تشكيل منظومات الأفكار. ويقال ان تريسي تأثر بالفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون ، الذي رأى ان تفكير الانسان في الأشياء ، محكوم بذاكرته التاريخية من جهة ، وبمكونات الظرف المحيط به ، وهي النظرية التي يشار اليها عادة باسم "اصنام العقل الأربعة". أراد دي تريسي وضع قاعدة عامة ، تفسر حركة الأفكار منذ ولادتها حتى تتموضع في سلسلة ، فتشكل منظومة متكاملة ، واطلق على هذا المشروع اسم "علم الافكار ideology ".

كان تريسي مقتنعا تماما بأن أي فكرة تولد داخل عقل الانسان ، يجب ان تولد ضمن منظومة او تنظم لاحقا الى منظومة ، لأنه لا توجد في العقل أفكار منفردة غير متصلة باي فكرة أخرى.

 حصل المصطلح على رواج اكبر بعدما ظهر في كتابات كارل ماركس ، منتصف القرن التاسع عشر. وكانت المفارقة ان ماركس بدأ ناقدا للأيديولوجيا ، التي قال انها تخلق وعيا زائفا بالواقع ، لكنه اتجه لاحقا الى تشكيل منظومة فكرية متكاملة ، تمثل نموذجا لما نسميه أيديولوجيا. والواضح ان ماركس لم يتخذ هذا المنحى في غفلة ، بل يبدو انه أراد عامدا انشاء العقيدة الشيوعية كأيديولوجيا شاملة ومغلقة الى حد كبير. وخلال القرن العشرين أنشأ معظم الأحزاب الشيوعية الكبرى قسما خاصا للتعليم والتدريب الأيديولوجي ، وبعضها يحمل هذا الاسم دون مواربة.

ثمة اعتراضات كثيرة على الأيديولوجيا ، بما هي ومن حيث المبدأ ، وقد ذكرت في المقال السابق قول من قال انها "حجاب الحقيقة" او الشجرة التي تحجب الغابة. لكني أود التركيز على ما أظنه ابرز الاعتراضات ، وهو تلبسها بما يشبه عباءة الدين.

توصف الأيديولوجيا بانها نظام كلي ، ينظم في نسق واحد المعرفة والسلوك الشخصي وعلاقة الانسان مع الاخرين والطبيعة. وهذه على وجه التحديد وظيفة الدين ، ولذا قيل ان الأيديولوجيا تقوم – عمليا – بالاستيلاء على مكانة الدين من خلال مزاحمته على الوظائف التي يفترض انه مختص بها.

نعلم ان المسافة واسعة جدا بين الدين والايديولوجيا: فالاول من عند الله بينما الثانية من صنع البشر. يركز الدين على داخل النفس وليس الخارج. الواجب المحدد للإنسان هو الحفاظ على نظافة قلبه ، ومواصلة تطهيره من خلال اتهام النفس بالقصور او التقصير والاعتذار الى الله عنه. الدين حالة انجذاب من الانسان الى الخالق ، وليس اندفاعا من الانسان الى بقية البشر. أما الأيديولوجيا فتركز على  المحيط الحيوي للإنسان ، بناء على فرضية مسبقة بأن الأيديولوجيا التي يحملها كاملة ، وان القصور في المحيط وليس فيها ولا في حاملها. بعبارة أخرى فان حركة الأيديولوجي تتجه من داخله الى خارجه ، وتسعى لتغيير المحيط باعتبارها في مرتبة أعلى من هذا المحيط ، ولا تحتمل الخطأ.

السؤال الآن: ماذا يحصل لو ان مجموعة اشخاص شكلوا تيارا يحمل اسم الدين ويتحدث بلغته ويرفع شعاراته ورسومه ، ويعتبر نفسه ممثلا للدين وحاميا لحماه ، لكن المضمون الجوهري لهذا التيار وتعاليمه كلها ، من صنع البشر ، فهل نصنف هذا الخطاب في جانب الدين ام في جانب الأيديولوجيا ، أي هل نركز على الصورة الإلهية للخطاب ام على مضمونه البشري؟.

الخميس - 07 شَعبان 1446 هـ - 6 فبراير 2025 م

https://aawsat.com/node/5109202-

مقالات ذات صلة

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

الايديولوجيا والسياسة

حول القراءة الايديولوجية للدين

كتاب اخر يستحق القراءة : كارل بوبر "منطق البحث العلمي

نافذة على فلسفة كارل بوبر

حول القراءة الايديولوجية للدين

نافذة على مفهوم "البراغماتية"

مدينة الفضائل

ايديولوجيا الدولة كعامل انقسام: كيف يحدث التفارق الآيديولوجي والثقافي؟

 

التطرف والانقسام

  في سبتمبر  2017 صوت غالبية الأكراد العراقيين (92%) لصالح استقلال إقليم كردستان ، بعد حوالي عقدين من الحكم الذاتي الموسع. هذا يشبه الى حد ...