عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث مانويل كاستلز. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث مانويل كاستلز. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

17/11/2021

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

 

يرجع اهتمامي بعالم الاجتماع الامريكي مانويل كاستلز الى تحليله البارع لمفهوم "الشبكة" ، ودورها المحوري في تشكيل عالم اليوم. وقد تعرفت عليه خلال دراستي لتحولات الهوية الفردية ، ودور انظمة الاتصال الجديدة والصراعات السياسية ، في تفكيك الهويات الموروثة.

يمتاز المفكرون الأذكياء بهذه القدرة الباهرة على التقاط الافكار العميقة ، واستخدامها مفتاحا لمسار او نسق فكري جديد. اميل الى الاعتقاد بأن كاستلز التقط فكرة "الشبكة" من كتابات كارل ماركس. فهي تمثل عنصرا محوريا في تحليل ماركس لنشوء الراسمالية ، ولا سيما في شرحه لدور التواصل الفعال بين قوى الانتاج ، في تكوين فائض القيمة ، ومن ثم اعادة تكوين راس المال ، وهي المعادلة التي اعتبرها مفتاحا لفهم الاقتصاد الرأسمالي.

كارل ماركس

التقط كاستلز فكرة الشبكة ، واتخذها مدخلا لنقاش مبتكر ، حول الصيغ والاشكال الجديدة لقوى الانتاج (التكنولوجيا) ، لاسيما مع حلول الاجهزة الالكترونية محل نظيرتها الميكانيكية في الصناعة والسوق ، خلال الربع الأخير من القرن العشرين.

 احد الاسئلة المحورية التي طرحها كاستلز يتناول العلاقة بين قوى الانتاج والمكان. فقد لاحظ ان موقع الانتاج ، سواء كان مصنعا او مزرعة او سوقا تجارية ، يمثل قيدا على حجم ومستوى التواصل بين أطراف العملية الانتاجية. إذا كنت (في اوائل القرن العشرين) تصنع المحركات في وسط انجلترا على سبيل المثال ، فان وصولها الى اي نقطة في العالم خارج الجزر البريطانية ، مشروط بحجم الناقل (السفينة) وزمن الوصول ، فضلا عن القيود المرتبطة بالأمن والسلامة.

اختلف الامر تماما في أواخر القرن العشرين. حيث باتت الاجهزة "الالكترونية" قاطرة التطور التقني على مستوى العالم. هذه الاجهزة الصغيرة الحجم الخفيفة الوزن ، تعمل بشكل رئيسي في معالجة البيانات ، وليس الحركة الميكانيكية للاجزاء. ومع وصولنا الى عصر الانترنت ، فقد أمست البرامج والتطبيقات "البيانات/السوفتوير"  قوة الانتاج الرئيسية في كل أجزاء الاقتصاد ، من المصارف والمؤسسات المالية الى المصانع الى انظمة الاتصال والنقل ، الى التعليم والصحة والاعلام والترفيه.. الخ.

لاحظ كاستلز ان قوة الانتاج الجديدة (البيانات) ليست مشروطة بالمكان ولا تحتاجه ، مثلما كان الحال في عهد الاجهزة الميكانيكية. كل ما تحتاجه قوة الانتاج هذه هو "مساحة" للتدفق ، مساحة يمكن صناعتها أو تطويرها في العالم الافتراضي. ومن هنا فان المسافات لم تعد ذات اهمية أو تأثير. اذا كنت تستطيع الدخول على شبكة الانترنت في الرياض مثلا ، فانت قادر على التواصل مع اي شخص لديه حساب على الشبكة في ساوباولو او لوس انجلس او نيودلهي ، حتى أصغر مدينة في قلب سيبريا. المسألة لا تنحصر في التواصل الشخصي ، بل بات بالامكان القيام بعمل كامل في عالم يسمونه افتراضيا ، لكنه يصنع العالم الواقعي. الشبكة تحولت الى نسيج هائل الحجم ، يماثل العالم الحقيقي. كما ان قوى الانتاج لم تعد محصورة في اطراف السوق ، بل بات كل شخص في العالم جزء من شبكة المعلومات ، فاعلا او متفاعلا او منفعلا.

على هذه الارضية ، تساءل كاستلز: كيف يؤثر هذا التحول على مفهوم الدولة ، وعلى الرابطة الاجتماعية وهوية الفرد؟.

انتبهت اليوم الى سؤال لم اجده عند كاستلز ، يتناول العلاقة بين اتساع الاعتماد على سلاسل البيانات المشفرة (البلوكشين) ، وبين الضمور المتوقع لدور الدولة كضامن للملكية الخاصة. البلوكشين يلغي الحاجة الى "كاتب العدل/الشهر العقاري" وسجلاته ,، فهل سيؤثر هذا على مفهوم الدولة وادوارها؟.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 شهر ربيع الثاني 1443 هـ - 17 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [15695]

https://aawsat.com/home/article/3307956/

مقالات ذات صلة

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل تعرف "تصفير العداد"؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

حان الوقت كي يتوقف الحجب الاعتباطي لمصادر المعلومات

استمعوا لصوت التغيير

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

العولمة فرصة ام فخ ؟

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

 

28/06/2017

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت


؛؛ حين يسيح الناس في الفضاء المجازي ، فانهم لايؤدون اعمالهم فقط، بل يتعلمون اشياء جديدة ومثيرة. ويعيدون تشكيل هويتهم ورؤيتهم لانفسهم والعالم ؛؛
 مع تفكك الاتحاد السوفيتي في 1991 ، أطلق عدد من الأكاديميين مصطلح"انفجار الهوية"لوصف التمرد الجمعي للقوميات التي خضعت منذ الحرب العالمية لهيمنة موسكو. قدر اولئك الباحثون ان معظم الدول الكبرى ، سوف تتقلص الى كيانات قائمة على اساس قومي او عرقي.
لم تصدق تلك النبوءة. لكن الذي حصل في الواقع هو ما تنبأ به مانويل كاستلز ، عالم الاجتماع الاسباني ، الذي رأى ان ثورة الاتصالات تقود العالم الى نوع من الهوية الموحدة. عرض كاستلز هذه الفكرة في 1989. لكنها لم تثر اهتماما يذكر حتى نهاية العقد التالي. في كتابيه الآخرين "مجتمع الشبكات" و "قوة الهوية" اهتم كاستلز بانعكاسات التواصل العابر للحدود على السلوك اليومي للأفرد والمجتمعات. وقدم في هذا الاطار تصورا متينا عن هوية معولمة ، تتشكل في العالم الافتراضي ، لكنها تعيد تكوين نفسها في العالم الواقعي ، على نحو يتعارض - في معظم الاحيان - مع المكونات المحلية الموروثة.
والحقيقة ان نظرية كاستلز تذهب الى مدى أبعد. فهو يقول ان ما كنا نسميه بالعالم المجازي ، لم يعد مجازيا على الاطلاق. فقد بات عالما حقيقيا ، وهذا واضح في مجال التجارة والثقافة ، وهو سيؤثر في نهاية المطاف على مفهوم ومضمون الدولة.
لا تعمل الدولة في الفراغ ، حسب رؤية كاستلز. فهي تكثيف للعلاقات والافكار والافعال التي تجري ضمن نطاقها الحيوي ، اي الارض التي تبسط عليها سيادتها. ومع تغير ثقافة البشر وعلاقاتهم ، وتغير الاقتصاد ونظم التبادل ضمن هذا النطاق وعلى امتداد العالم ، فان مفهوم الدولة وفلسفتها وديناميات عملها ، ورؤية الناس لها وتعاملهم معها ، سوف تتغير هي الأخرى.
نتيجة بحث الصور عن ‪manuel castells‬‏
ربما يتوجب علينا الانتظار بضع سنوات. لكن الذي سنراه في نهاية المطاف هو هوية فردية/جمعية معولمة ، اقتصاد معولم تحركه نظم المعلومات والاتصالات العابرة للحدود ، ودولة مضطرة للتناغم مع تحول البنية الاجتماعية التي تشكل مجالها الحيوي.
ما الذي يهمنها من هذا الحديث؟.
الواقع ان المجتمعات العربية عموما ، ومجتمعات الخليج بصورة أخص ، هي أكثر من ينطبق عليها التقدير السابق. الاحصاءات الخاصة بنفوذ الانترنت واستعمال الهواتف الذكية ، والتوسع السريع للتجارة الالكترونية والتعامل على الفضاء المجازي ، تؤكد الحقيقة التي تنبأ بها كاستلز ، أي تحول شبكة الانترنت من وسيط لتبادل الأفكار ، الى مجال لاعادة صياغة الحياة اليومية.
نعلم ان اكثر من نصف الأخبار المتداولة في العالم العربي اليوم تدور على الانترنت ، وان التجارة الالكترونية تنمو بنسبة لا تقل عن 6% سنويا. ونعلم ان جميع الاجهزة الحكومية والمنظمات التجارية ، تسعى لنقل ما تستطيع من عملياتها الى الفضاء الافتراضي. هذا وغيره سيحول الانترنت الى مجال حيوي يومي لجميع الناس ، صغارا وكبارا. وحين يسيح الناس في الفضاء المجازي ، فانهم لا يؤدون اعمالهم فقط ، بل يتعلمون اشياء جديدة ومثيرة. وفي هذا السياق يعيدون تشكيل ثقافتهم وعلاقاتهم ، وبالتالي هويتهم ورؤيتهم لانفسهم والعالم.
بالنسبة للمجتمعات العربية فان هذا التطور ، يستدعي حسما سريعا لسؤال: من نحن وماذا نريد وكيف نفهم العالم وكيف نتعامل معه.
في وقت ما ، قد يكون قريبا جدا ، سنجد انفسنا مختلفة عن انفسنا التي اعتدناها ، وسنضطر للتكيف مع انماط حياة غير التي ورثناها أو تعلمناها. ربما نحب هذا التحول او نبغضه ، لكنه سيحدث على أي حال.
الشرق الاوسط 28- يونيو - 2017

مقالات ذات علاقة


17/06/2020

هل تعرف "تصفير العداد"؟


اشقاؤنا في اليمن هم اكثر العرب استعمالا لعبارة "تصفير العداد". ذلك ان رئيسهم السابق ، المرحوم علي عبد الله صالح (1942-2017) اعتاد تعديل البند الخاص بالفترات الرئاسية في الدستور  ، كلما انهى فترة رئاسية ، كي يترشح من جديد للانتخابات. وبلغت شهرة المصطلح ان الرئيس نفسه وعدهم يوما بانه "لن يصفر العداد" مرة أخرى. اما انا فتعلمت معنى "التصفير" من ابني الاكبر ، وهو مهندس كمبيوتر. في كل مرة اواجه مشكلة في جهازي ، كان ينصح بالتصفير = Reset.
مانويل كاستلز
موضوعنا اليوم ليس العداد الرئاسي ولا الكمبيوتري. انما اردت لفت انتباه القراء الاعزاء الى فكرة "التصفير العظيم = Great Reset" التي اظنها سترافقنا في قادم الايام ، بل اتمنى ان يكون العالم العربي ، لا سيما المثقفين والطبقات الجديدة ، جزءا من الحراك الذي يحمل هذا العنوان ، والذي اظنه أهم التحولات في تاريخ البشر.
صديقي الصحفي اللامع حسن المصطفى يقول ان التجارب الجديدة هي محور التاريخ البشري. وهي لم تتوقف أبدا. ولذا فالتحولات المنتظرة احتمال طبيعي. وبدا لي هذا القول صحيحا في الجملة ، لكن لعله يقلل من أهمية التحولات التي أدعي انها ستحدث بعد تلاشي جائحة كورونا.
لا اقول ان الجائحة أوجبت التحول او صنعته. فقبلها كان العالم يتهيأ لقفزة واسعة في حقل الاتصالات والمعلوماتية ، تؤذن بالانتقال الى عالم رقمي مخالف لما ألفناه حتى الآن.
حين تتبلور "الثورة الصناعية الرابعة" حسب وصف البروفسور كلاوس شواب ، فان جانبا اساسيا من الحياة سوف يتغير على نحو يصعب تخيله ، في الاقتصاد والتعليم والصحة والمواصلات على سبيل المثال. اقول هذا لان معظمنا لم يتخيل ، قبل 20 عاما فحسب ، انه سيعيش حياة ينظمها جهاز صغير في الجيب اسمه "الهاتف الذكي". 
قلة من الناس يرون المستقبل.  هذا مضمون اشارة الرئيس السابق باراك اوباما في رثاء "ستيف جوبز" مبدع فكرة الهاتف الذكي: "كان ستيف ثاقب البصيرة حين راى المستقبل يوم عجز الاخرون ، وكان شجاعا حين كافح من اجل الامساك به ، بينما تردد الاخرون".
في 2016 تبنى منتدى دافوس مفهوم "التورة الصناعية الرابعة". وقد تحدثت عنه في مقال بهذه الصحيفة منتصف نوفمبر الماضي. ونعلم ان المملكة قد وقعت اتفاقية مع المنتدى ، يجعلها جزء من هذا الحراك الانساني الجديد. نذكر ايضا الصراع الشديد بين الولايات المتحدة والصين ، حول امتلاك تقنيات الجيل الخامس ، التي ستكون عصب الشبكات والاتصالات في السنوات الآتية. هذا وذاك يشيران الى مسار تحول بدأ بالفعل.
لكن الجديد الذي اضافته "كورونا" هو تغيير  الاولويات وتسريع بعض المسارات. سيناقش منتدى دافوس فكرة "التصفير العظيم" في دورته القادمة. جوهر الفكرة ان الوباء كشف للعالم نقاط ضعف مؤثرة ، وقرب احتمالات كانت مؤجلة. وفقا لبعض الباحثين فان الاضطرابات العمالية في فرنسا نهاية 2019 ، والتظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة في الشهر الجاري ، تستدعي مراجعة لفكرة "العقد الاجتماعي" و سبل تحقيق "العدالة الاجتماعية" ولاسيما التناسب بين دور الدولة والمجتمع المدني في هذا المجال.
هل لهذا علاقة بالتحول الى العالم الرقمي؟
في راي علماء مثل مانويل كاستلز  ، فان تبلور العالم الرقمي يؤدي الى:
 أ) تغيير جذري في مفهوم الهوية الشخصية وتركيبها ، اي الجواب على سؤال: من أنا؟.
ب) تغيير مؤثر في معادلات القوة وتوزيعها في المجتمع  والعالم. ستحوز الطبقات المهمشة دورا اكبر  مما عرفه العالم في اي وقت. وبسببه سوف نرى توزيعا مختلفا للسلطة وراس المال والتاثير الثقافي.
ولعلنا نعود لتفصيل الموضوع في وقت لاحق.
الشرق الاوسط  الأربعاء - 25 شوال 1441 هـ - 17 يونيو 2020 مـ رقم العدد [15177]

14/08/2012

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟



- اي فتنة هذي التي تجعل الناس يقضون ساعات امام شاشات الكمبيوتر يسبحون في فضاء افتراضي؟
- أهو سحر المعرفة ، ام جاذبية الاكتشاف ، ام مجرد الاستمتاع بقتل الوقت من دون جهد؟
انفق المفكر الاسباني مانويل كاستلز نحو عقدين من الزمن في دراسة "المجتمع الشبكي" و"السلوك الشبكي" ودور الشبكات الالكترونية في اعادة صوغ هوية الافراد على امتداد العالم. طبقا لراي كاستلز فان جاذبية العالم الافتراضي تكمن في قدرته على تلبية الحاجة الى اكتشاف الذات وتحقيق الذات. كل انسان يواجه في شبابه المبكر سؤال "من انا؟" و "ماهو موقعي ضمن شبكة العلاقات الاجتماعية؟".
كل مجتمع يضع امام ابنائه جوابا عن هذين السؤالين وعن غيرهما من الاسئلة في سياق التربية الابوية والاجتماعية الهادفة لادماج الشاب في النظام الاجتماعي القائم. في المجتمعات المغلقة والمحافظة ، تتم هذه العملية بشكل شبه قسري. لان شبكة العلاقات الاجتماعية التقليدية هي وسيلة التواصل الوحيدة بين الفرد والعالم. اكتشاف الفرد للعالم هو الخطوة الضرورية لتكوين منظومة المعاني التي يبني الفرد على ارضيتها تصوره لذاته وللاخرين ، اي جوابه على سؤال "من انا" و"ماهو موقعي".
مع انتشار الانترنت ، لم تعد التربية العائلية والاجتماعية قناة وحيدة للتعرف على العالم. اكتشاف العالم لم يعد مشروطا بالمعاني التي يقدمها الابوان او المجتمع. يمكن للفرد الان ان يختار بين المعاني التي يتوارثها المجتمع او تلك التي يجدها في العالم الافتراضي. وتبعا لذلك فقد اصبح الفرد مساهما في توليف هويته الشخصية ، التي قد تتوافق مع منظومات المعنى السائدة او تخالفها.

- حسنا ... ماذا يجعل الانترنت مختلفا واكثر جاذبية من ادوات التواصل الاخرى؟
يتحدث كاستلز عن "قوة التدفق=the power of flows". حين يصل عامة الناس الى مصادر المعلومات من خلال الانترنت ، ثم يعيدون انتاجها ونشرها عبر العالم ، فانهم يطلقون سلسلة هائلة من قوى صغيرة كامنة في داخلهم ، تترابط وتتكثف في شكل شبكي ، مولدة قوة ضخمة لكنها منتشرة. يقود هذا بالضرورة الى تبعثر عناصر القوة التي كانت مركزة ومحتكرة في جهات محددة. تمرد احد الضعفاء على القوة الكبيرة هو الخطوة الاولى ، او النموذج. الاستجابات والتفاعلات التي يلاقيها هذا النموذج تولد شبكة من التمردات المماثلة، تتسع وتتعمق بسرعة ، تتجاوز – عادة – قدرة القوى المركزية او التقليدية على الرد.
القوة – كما نعرف – مفهوم مقارن. ازدياد قوة احد اطراف المعادلة السياسية – الاجتماعية يعني انكماش قوة الاطراف الاخرى ، والعكس بالعكس. مصادر القوة الجديدة المتأتية من التطورات المذكورة اعلاه ، تقود بالضرورة الى تقليص القوى السائدة او تقييدها. هذا ما يسميه كاستلز "تدفق القوة = flow of power".
الانترنت ليس مجرد وسيلة تسلية يستمتع بها شباب اليوم ، انها وسيلة لاستنباط القوة ، تؤدي بالضرورة الى تفكيك او بعثرة القوى السائدة.
الاقتصادية 14 اغسطس 2012

26/04/2023

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول



في حديث لبرنامج 60 دقيقة على قناة CBS قال ساندر بيشاي، رئيس شركة غوغل الشهيرة ، ان انتشار الذكاء الصناعي ينذر بتحديات جديدة ، تستدعي حلولا أخلاقية واجتماعية ، ولهذا السبب فهو يدعو الفلاسفة لأخذ دورهم في هذا المجال ، وعدم القاء المسؤولية على رجال الأعمال او  المهندسين وحدهم.

يثير اهتمامي ان عددا متزايدا من العلماء والباحثين ، يوجه اهتمامه الى الانعكاسات الثقافية للذكاء الصناعي. كنت قد قرأت في أول الأمر عن اهتمام وزير الخارجية الامريكي السابق هنري كيسنجر بالموضوع. وكيسنجر مفكر قبل ان يكون سياسيا وقد بلغ الآن 99 عاما (مواليد 1923م) ، وقد اصدر في أواخر 2021 كتاب "عصر الذكاء الصناعي ومستقبل البشرية The Age of AI and Our Human Future  " بالتعاون مع إريك شميت ، الرئيس السابق لشركة غوغل ، والبروفسور دانييل هتنلوكر ، الاستاذ بمعهد ماساشوستس للتقنية MIT ، والكتاب مكرس للموضوع المذكور أعلاه ، وعنوانه يكفي للدلالة على محتواه.

نعوم شومسكي

وفي الشهر الماضي كتب المفكر المعروف نعوم شومسكي مقالا خصصه للحديث عن إطلاق منصة "تشات جي بي تي" وهي  محرك بحث يعتمد أدوات الذكاء الصناعي. وكان اطلاقها قد اثار ضجة كبيرة في شرق العالم وغربه ، حيث قدمت نموذجا أوليا عما يمكن ان يؤول اليه الذكاء الصناعي ، ومدى ما يمكن ان يحدثه من انعكاسات.

قبل هذا وذاك ، كان المفكر الامريكي-الاسباني مانويل كاستلز قد كتب بالتفصيل عن التحول المنتظر في القيم والعلاقات الاجتماعية والثقافة ، بعد قيام ما اسماه مجتمع الشبكة ، اي نظم العلاقات والتواصل المعتمدة تماما على الانترنت ، ونبه يومها الى عالم جديد يوشك على النهوض.

نحن ندرك الآن التحول الهائل الذي أثمر عنه توسع الانترنت ، في الثقافة والاعمال وانماط المعيشة والتعليم والهوية ، وفي كل جانب آخر من جوانب الحياة ، وصولا الى الحرب. ان عالم ما بعد الانترنت لا يشبه ما عرفناه في القرن الماضي الا قليلا.

لا يعتقد شومسكي ان الذكاء الصناعي سيحتل مكانة الانسان او يستعبده ، كما يقول الخائفون. لن يمكن للآلة ان تسبق الانسان في صناعة الفكرة ، حتى لو سبقته في معالجة المعطيات. التفكير ليس فقط تقديم إجابات معروفة سلفا ، او قابلة للاكتشاف بناء على المعطيات المتوفرة ، وهذا ما تفعله الآلة. التفكير يبدأ من إعادة تركيب السؤال وإعادة تحديد المشكلة التي يطرحها ، وقد يتضمن خلق احتمالات لم تكن موجودة قبل ذلك. وهذا ما يتجاوز قدرات الآلة. وبالتالي فان الخوف من الغاء العقل الإنساني لا مبرر له.

لكن كيسنجر وزملاءه يلفتون انظارنا الى مشكلة مختلفة نوعا ما ، هي ذاتها التي يشير اليها مدير شركة غوغل ، وهي التي تحدث عنها أيضا كاستلز: الذكاء الصناعي سيأتي بعالم مختلف في أسواقه ، في مدارسه ومناهج تعليمه ، وعلاقات الافراد الذي يعيشون فيه. إذا اردت مقارنة شبيهة ، فارجع خمسين عاما الى الوراء ، أي 1973 ، قارن وضع العالم والحياة يومئذ بنظيره في 2023. هكذا ستكون المقارنة بين يومنا واليوم التالي لهيمنة الذكاء الصناعي.

هذا التحول سيخرج ملايين من البشر من دائرة النشاط الاقتصادي ، كما سيغير بعمق في العلاقات الاجتماعية وفي منظومات القيم الحاكمة. نتحدث اذن عن تحول في المفاهيم والثقافة وسبل العيش ، وليس فقط في التطبيقات. وهذا ما دعا ساندر بيشاي ، مدير شركة غوغل لالقاء الكرة في ملعب الفلاسفة وعلماء الانسانيات: ان صياغة العهد الجديد ليس مهمة المهندسين ورجال الاعمال وحدهم ، وليست - بالطبع - مهمة السياسيين وحدهم.  

الشرق الاوسط 26 ابريل 2023   https://aawsat.com/node/4294296/

مقالات ذات صلة

استمعوا لصوت التغيير

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تجربة تستحق التكرار

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل تعرف "تصفير العداد"؟

23/05/2021

ايلاف .. قصة رؤيا صادقة



أبدأ بتوجيه التحية الى الصديق العزيز الأستاذ عثمان العمير ، والى جميع الزملاء العاملين في صحيفة ايلاف ،  في عيدها العشرين. انظر اليوم اليها كتحد استطاع صانعوه ان يثبتوا انهم يسايرون الزمن ، واتذكر الشهور الأولى من صدورها ، حين كتب اكثر من شخص ، ان الصحافة الالكترونية لن تستطيع ابدا ، ان تأخذ مكان الصحافة الورقية التقليدية. وجرد بعضهم قائمة أسباب ، من بينها ان "الناس تحب رائحة الورق"! ، أو ان "القراءة ارتبطت بالورق ، ولن يترك القراء الورق حتى يتركوا القراءة"!. ومثله القول بان الصحيفة اليومية اعظم من فرقة عسكرية ، وهذا لن يعوض بصحافة الانترنت .. الخ.

عثمان العمير

أتذكر هذه الآراء ، بينما تمر في ذاكرتي أسماء الصحف الكبرى التي توقفت اصداراتها الورقية ، بدء من كريستيان ساينس مونيتور الى الاندبندنت ، والطبعة الدولية من وول ستريت جورنال ، إضافة الى صحف عربية شهيرة مثل السفير والانوار البيروتيتين ، والشرق والحياة السعوديتين ، والنهار الجزائرية.. الخ.

لدي اعتقاد عميق بأن الصحافة الورقية شمس غاربة ، ليس فقط بسبب التكاليف ، وليس فقط لأن أدوات الانترنت باتت أقدر على ايصال الخبر في ساعته. بل لأن العالم يمر بتحول جذري لم يسبق له مثيل في تاريخه ، وهو يتضمن تغييرا في بعض المفاهيم التي تلعب دور أداة الفهم او مفتاح الفكرة ، والتي نستعملها في فهم ذواتنا والعالم المحيط بنا. احد تجسيدات هذا التحول هو تحول الفعل الثقافي الى تفاعل ثقافي ، ودخول المتلقي كشريك في صنع الفكرة او تطويرها ، ومنه أيضا تحول الاطار الموضوعي للفكرة (ربما نسميه الافق التاريخي ) من المحلي المتصل ماديا بالفرد ، الى اطار عالمي او معولم. كلا العنصرين يجعل الصحيفة الورقية (وكافة وسائل التواصل التي يقتصر دورها على نقل الفكرة في اتجاه واحد) غير فعالة ، لانها غير قادرة على تلبية تطلعات انسان هذا العصر ، الذي يتحول سريعا في نفس السياق.

كان كارل ماركس يعتقد ان الأدوات الناقلة للثقافة ، بل كل أداة جديدة يستعملها البشر ، تلعب دورا في تحديد طبيعة الثقافة وموضوعاتها وأولوياتها. وأظن ان البروفسور مانويل كاستلز هو أفضل من شرح دور الشبكة الدولية للمعلومات ، اي الانترنت ، في تشكيل ثقافة العالم الجديدة وتحديد طبيعتها واولوياتها وأدواتها ، على نحو مختلف تماما عما عرفناه حتى اواخر القرن العشرين.

مبروك اذن لصحيفة ايلاف التي وفقت في التقاط الخيط الابيض ، روح العالم الجديد ، وركبت أمواج المغامرة التي ارتاب الكثيرون في عواقبها ، وبرهنت على ان الفكرة الذكية تصنع الفرق.

ايلاف  23  مايو 2021 

https://elaph.com/Web/News/2021/05/1329056.html?

  

25/04/2024

الطريق السريع الى الثروة

 يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية حول العالم 1,114.22 مليار دولار ، ويتوقع ان تصل في 2030 الى 2,554.76 مليار دولار ، بمتوسط 5.8% سنويا). واذا صحت هذه الفرضية ، فيمكن الاستنتاج بأن هذا القطاع سيكون مصنع الثروات في السنين القليلة القادمة.

هذه فكرة متداولة يعرفها معظم الناس على الارجح. لكني أتساءل دائما: كيف نحول الأفكار الى مصدر للثروة. دعني أضرب مثالا بجان كوم ، وهو مهاجر اوكراني شارك زميله برايان اكتون في تطوير برنامج التراسل الشهير "واتس اب" عام 2009. وفي 2014 دفعت شركة فيسبوك 19 مليار دولار للاستحواذ عليه. لا أتوقع – بطبيعة الحال – ان أرى مثل هذه التجربة كل يوم. لكني استطيع القول دون تحفظ ان الجزء الاعظم من الثروة القومية للولايات المتحدة الامريكية يأتي من هذا المصدر ، اي تحويل الافكار الى أموال.

محمد الشارخ  (1942-2024)

في السنوات الماضية كان يقال ان تجارة الاراضي هي الطريق السريع والآمن لصناعة الثروات. لكننا نعلم انه طريق لعدد محدود جدا من الناس ، لانه يحتاج الى رساميل ضخمة. كما انه يبقى عملا فرديا في الغالب ولا يعود بثمرات مهمة على الاقتصاد الوطني.

أما اليوم فاني ادعي ان اقتصاد المعرفة ، ولاسيما قطاع المعلوماتية والبيانات بكل تفرعاته ، هو الطريق الحقيقي للثروة ، ليس على المستوى الفردي فحسب ، بل على المستوى الوطني أيضا. ثمة ميزات في هذا القطاع تجعل المجتمعات العربية قادرة على  المنافسة على المستوى العالمي ، اذا حولت اهتمامها بصناعة المعلوماتية ، وخصوصا البرامج ، من الاستهلاك او المتاجرة البسيطة ، الى الابتكار والصناعة في كافة المجالات ، بدءا بالعاب الاطفال حتى ادارة المدن الكبرى.

سأركز هنا على ميزتين أراهما واضحتين لكل قاريء:

الأولى: أن هذا الحقل الاقتصادي لا يعمل الا ضمن شبكات. لا يربح الفرد الا اذا ربح كثيرون آخرون. وهذه حقيقة اكتشفها مبكرا عالم الاجتماع الامريكي – الاسباني مانويل كاستلز ، وكتب عنها بالتفصيل في ثلاثيته المسماة "عصر المعلومات - 1996". ومن هنا فان ثمرات العمل لا تنحصر في شخص او عدد محدود ، بل تتسع للمئات والآلاف من الناس. ان برنامج الكمبيوتر يشبه الفكرة التي يبدعها شخص ، ثم يطورها شخص آخر ، ويستثمرها ثالث في استنباط فكرة مختلفة ، وهكذا تتواصل وتتعدد استعمالاتها وعدد المستفيدين منها ، في الانتاج والاستعمال.  تخيل الآن عدد الناس الذي يستعملون واتس اب في اعمالهم ، حجم الارزاق والمعايش التي تمر عبره ، والفوائد المالية التي يجنيها ملايين المستعملين في اصقاع العالم ، والعوائد التي تجنيها الولايات المتحدة الامريكية بسببهم.

الميزة الثانية: لقد تأخرنا في دخول حقل الصناعة ، لا سيما في مستوى  التقنيات العالية. وقد بدأت المجتمعات الاخرى منذ قرن او أكثر ، فاللحاق بهم يتطلب مضاعفة السرعة في التعلم والتطبيق والاستثمار لاختصار الطريق. أما حقل المعلوماتية ، فالعالم كله حديث عهد به. خذ مثلا الصين التي انضمت الى هذا المجال في مطلع القرن الجديد ، وباتت اليوم تنافس الدول الاكثر تقدما في مختلف جوانبه. ومن هنا فان المسافة الزمنية بيننا وبين الاكثر تقدما ، تعد ببضع سنوات وليس اكثر. ما نحتاج اليه في الحقيقة هو الثقة بالذات اضافة الى الاجراءات العملية البعيدة المدى.

يهمني جدا التأكيد على "الثقة بالذات" لأني اشعر ان العرب يفتقرون اليها. ولعل هذا سر تفاخرهم الكثير باشخاصهم وانسابهم. وابسط دليل على افتقارنا لهذا ، هو ان تطوير الحوسبة باللغة العربية جرى في كندا واسرائيل وليس في اي بلد عربي ، خاصة بعد اخفاق التجربة الكويتية الرائدة التي تزعمها المرحوم محمد الشارخ ، صاحب مشروع "صخر" الكمبيوتر العربي الرائد.

اود اختتام هذه الكتابة بالتأكيد على ان اقامة بيئة حاضنة ومحفزة لصناعة المعلوماتية على المستوى الوطني ، في كل بلد عربي ، يحتاج الى مقدمات ، تبدأ من ادراج البرمجة في الصفوف الابتدائية ، ثم جعلها منهجا الزاميا في المرحلة المتوسطة. هذا سينتج جيلا كاملا من رواد الصناعة. وهناك عوامل اخرى ربما نعود اليها في كتابة لاحقة.

الشرق الاوسط الخميس - 16 شوّال 1445 هـ - 25 أبريل 2024 م https://aawsat.news/47t9h

مقالات ذات علاقة

 اول العلم قصة خرافية

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

صناعة الشخصية الملتبسة

المدرسة وصناعة العقل

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

يوكل علم ؟ ... يعني مايفيد !

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...