25/11/2015

الاسئلة الباريسية



احداث مثل الهجوم الدموي في باريس قبل اسبوعين ، تعيد الى الحياة أسئلة جالت كثيرا وجودلت كثيرا ، لكنها بقيت حائرة. ليس لصعوبتها ، بل لأن إجاباتها تحيل بالضرورة الى مشكلة أكبر.
يتعلق السؤال برؤيتنا للغرب ، "هاجس الغرب " حسب داريوش شايغان. وجوابه يحيل الى سؤال أكثر تعقيدا عن رؤيتنا لذاتنا كمسلمين ودورنا في العالم ، اي الهوية "الكونية" التي نريدها لأنفسنا. ان اكتشاف الذات وتحديد المكان هو التمهيد الضروري لاكتشاف العالم وفهمه وتحديد المسافة بينك وبينه.
طبقا للمرحوم محمد اركون فان رؤية المسلمين للغرب تشكلت اولا في سياق محاولة جادة لفهمه والتعلم منه ثم منافسته. كان هذا مسار النخبة الصغيرة التي تنسب اليها بذور الوعي الأول ، بين أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. بعد مرحلة النهضة هذه ، حدث انتكاس قادنا الى مرحلة ثانية ، يسميها مرحلة الثورة ، شهدت تحولا من محاولة فهم الغرب والتعلم منه ، الى الرفض المطلق له ، ومحاولة إحياء القوة الذاتية من خلال التركيز على خطوط التفارق بيننا وبينه ، باسم القومية في أول الأمر ثم باسم الدين ، كما هو الحال حتى الآن.
كان المرحوم مالك بن نبي قد أشار الى نتيجة هذا الخيار ، في قصة يعرفها الجميع ، حين قارن بين موقف الياباني الذي ذهب الى الغرب تلميذا يتعلم كي يستغني عن معلمه ، وبين موقف المسلم الذي ذهب زبونا يشتري  منتجات جاهزة. ونعرف بقية القصة حين نقارن حالنا اليوم بحال اليابان.
طرف القصة الآخر أوضحه نجم الثاقب خان ، المفكر الباكستاني الذي سجل ملاحظات قيمة عن فترة عمله في طوكيو ، في كتابه "دروس من اليابان للشرق الأوسط". وهو يرى ان اخفاقنا في العلاقة مع الغرب سببه أننا اعتبرنا  هويتنا سدا ، اما اليابانيون فقد اعتبروها مجرد موضوع تمايز قابل للتدوير. الهوية في رأيه فرس جموح يمكن ان يقود عربة التقدم اذا ربط اليها ، لكنه قد يقلب العربة اذا اعترضها.
يعتقد شايغان ان موقفنا الملتبس من الغرب ، المندهش من تفوقه حينا والكاره له حينا اخر ، عرض لقلق عميق في داخل نفس المسلم ، سببه عدم استيعاب ظاهرة تاريخية كبرى هي الحداثة في معناها الواسع . نحن لم نحاول استيعاب الحداثة في دلالتها الفلسفية الخاصة ، كتجربة ابدعها الانسان من أجل تجاوز قيود الطبيعة ، وصولا الى السيطرة على عالمه ، بل تعاملنا معها من خلال تعارضاتها مع موروثنا النظري وتصوراتنا عن ماضينا. ولهذا فكل حكم عليها ارتدى منذ البدء رداء التقويم الاخلاقي ، مدحا او قدحا ، لا الموضوعي الذي يسعى للفهم ثم يشارك في تطوير الفكرة.
نحن اليوم مجرد مستهلك لمنتجات الحداثة الغربية. وكان حريا بنا ان نجتهد للمشاركة في بناء العالم وفي انتاج العلم الذي منح الغرب القوة والسيادة. المشاركة في صناعة عالمنا رهن باستيعابنا لديناميات هذا العالم وأسرار حركته. وهذا لن يتأتى ما لم نتعلم ، ولن نتعلم شيئا من العالم ما لم نتعارف معه. أول التعارف هو التواضع والانفتاح الكلي والصريح. مكونات هويتنا ، قناعاتنا وتقاليدنا ، منتج بشري ورثناه ، وقد كان مفيدا في زمن منتجيه. أما اليوم فليس سوى حجاب يمنعنا من فهم العالم الذي نعيش فيه تابعين متكلين على غيرنا.
يجب ان نضع جانبا مشاعر العداوة مع العالم ، ان نعيد صوغ هويتنا كشركاء في هذا العالم ، لا كفئة مصطفاة تنظر اليه من الأعلى ، ولا كجمع من المندهشين المستسلمين المنكرين لذاتهم. نحن قادرون على الفهم والمشاركة والمنافسة اذا اخترنا طريق الانفتاح والتفاهم  بدل الارتياب أو الكراهية.
الشرق الاوسط 25 نوفمبر 2015

24/11/2015

سؤال التسامح الساذج: ماذا يعني ان تكون متسامحا؟

||التسامح ببساطة هو ايمانك الداخلي بأن كل انسان له حق مطلق في اختيار طريق سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة. انت اخترت ما يناسبك من عقائد وغيرك اختار ما يناسبه. وعند الله تجتمع الخصوم||
ماذا يعني ان تكون متسامحا؟. سؤال كهذا قد يبدو مغاليا في السذاجة. لكني أجد احيانا أن مانراه بديهيا هو بالتحديد ما يحتاج الى توقف وتأمل. الحقيقة اني جربت توجيه هذا السؤال في وقت سابق الى عدد من الشبان ، فوجدتهم جميعا يشرحونه في معنى اللين والتلطف في معاملة الآخرين. وهو ذات المعنى الذي شرحه ثلاثة خطباء استمعت اليهم في أوقات مختلفة. وكانت أحاديثهم في سياق نقض الاتهام الموجه للدين الاسلامي بأنه يشجع العنف والشدة.
واقع الأمر ان التسامح في معناه العميق ، سيما المعنى الذي نتداوله في الجدالات السياسية ، شيء مختلف تماما. فهو المعيار الناظم للمواقف العامة والعلاقة مع المخالفين لك والمختلفين معك. التسامح يعني ببساطة ايمانك الداخلي بأن كل انسان ، انت وغيرك ، له حق مطلق في اختيار الطريق الذي يراه كفيلا بتحقيق سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة. انت اخترت ما رايته مناسبا لشخصك من أفكار او عقائد او نمط عيش او دائرة مصالح او موقف سياسي او رؤية للمستقبل. اختارها عقلك ، أو ارتاحت لها نفسك حين وجدتها شائعة في محيطك ، أو ورثتها عن أبويك.
غيرك أيضا مثلك. يختارون طريقة حياتهم ، ديانتهم ، مواقفهم السياسية والاجتماعية ، بحسب ما تمليه عليهم عقولهم ، أو بحسب ما تطمئن اليه نفوسهم ، وهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن خياراتهم. ليس لك حق في منعهم من الاختيار ، كما لم يكن لهم حق في منعك. ولن تحمل أوزارهم ، كما لم يحملوا وزرك.
مبدا الاختيار الفردي الحر يرتبط بجذر عميق في حياة البشر هو الايمان بعقلانية الانسان وحريته ، وكونه – لهذا السبب - قادرا على التقدير المسبق لعواقب قراراته وافعاله. لأن الانسان عاقل وحر ، فهو مسؤول عن أفعاله. ولو كان مجبرا على أي شيء ، فليس من العدل ان يتحمل مسؤوليته او يثاب او يعاقب عليه.
كل انسان يرى نفسه محقا في اختيار مبادئه ومعتقداته ومواقفه. ولولا هذه القناعة لما تبنى ايا منها. هذا هو الأمر الطبيعي. لكن الناس يختلفون في الموقف من خيارات الآخرين. فبعضهم يراها باطلة تماما وربما مثيرة للسخرية. وبعضهم يراها مبررا لقمع حاملها وحرمانه من بعض حقوقه ، بل ربما قتله. آخر النماذج التي رأيناها من مثل هذا النوع هو تنظيم داعش الارهابي الذي سبى النساء في سنجار لأنهن كافرات ، وجلد المسلمات في الرقة لأن حجابهن غير مطابق لما يراه سنة صحيحة ، وقتل المصلين في الكويت لانهم مبتدعة ، وقتل ابناء عشيرة البونمر في الانبار لانهم خونة ، وقتل عشرات المدنيين في بيروت وباريس لأن حكومتهم معادية. بعبارة أخرى ، فهو نموذج عن شريحة من المجتمع تريدك نسخة طبق الأصل عن النموذج الذي يرضاه التنظيم ، والا فأنت عدو أو ربما قتيل.
كي نتخلص من هذه المسارات الحرجة فعلينا ان نؤمن بأن ما توصلت اليه عقولنا هو احد احتمالات الحق ، وان ما توصلت اليه عقول الاخرين هو احتمال آخر للحق. أن نؤمن بأن الطريق الى الله ليس زقاقا ضيقا مثل ازقة قرانا القديمة ، بل هو شارع عريض يتسع لكل خلق الله.
مما تعلمناه في "أصول الفقه" ان الفقه هوالظن الغالب. فما يتوصل اليه الفقيه باجتهاده ، رأي علمي وليس بالضرورة مراد الخالق. ولذا فقد يتراجع الفقيه عن هذا الرأي ويستبدله بغيره في وقت لاحق ، او قد يخالفه غيره من الفقهاء وأهل النظر. في مناسبة سأل احدهم العلامة محمد حسين النائيني عن معنى هذا التغيير: هل هو انتقال من الحق الى الباطل او من الباطل الى الحق؟. فأجابه العلامة ببساطة: انه انتقال من أحد معاني الحق الى معنى آخر. بعبارة أخرى فان الحق ليس له صورة واحدة هي الصورة التي في ذهنك او في ذهني.
اذا آمنا بهذه الحقيقة ، فعلينا ان نراجع ما في انفسنا من استعلاء على الغير ، قائم على قناعة بأن غيرنا على باطل. ذلك ان ما عندنا قد يكون صورة من صور الحق ، وما عند غيرنا صورة أخرى ، قد تبدو لنا مناقضة او غريبة أو بعيدة الاحتمال. لكن هذه هي طبيعة العقل الذي يريك ما لا يري غيرك ، ويري غيرك ما لا يريك. واقع الأمر ان كل ما نعرفه وما نؤمن به من اعتقادات واراء ومواقف ، هي اجتهادات لبشر أمثالنا ، تقبلناها لاننا الفناها او تعلمناها ، فاستقرت في عقولنا او اطمأنت اليها نفوسنا. وهي قد تكون حقا كاملا او ناقصا.
جوهر التسامح ان تؤمن بحق الآخرين في مخالفتك ، مثلما أعطيت لنفسك الحق في مخالفتهم.
"النهار" الكويتية 24 نوفمبر 2015

18/11/2015

حديث الغرائز



بعض ردود الفعل في العالم العربي على هجوم باريس الارهابي تظهر اننا نعيش أزمة حقيقية. أثار انتباهي ان شريحة كبيرة من المثقفين والحركيين ، وخاصة بين الاسلاميين ومن يسايرهم ، اتخذوا موقفا شامتا ، وبعضهم استعمل لغة تبدو وكأنها تفسر ما حدث ، لكن عباراته عجزت عن إخفاء ان رغبته الخفية هي التبرير. بعضهم عبر عن الشماتة او التبرير بعبارات مثل انه لن يبكي او لن يتعاطف. مبررهم الوحيد هو ان العالم لم يتألم لقتلى العرب والمسلمين ، أو ان فرنسا – والغرب عموما – سبق الى ارتكاب الفضائع ضد العرب.
هذه الأصوات ليست بذات أهمية او تأثير في الغرب نفسه. انها قبضة زبد في محيط هائل الحجم هو حركة العالم وحراكه وصراعاته. لكن تأثيرها يقع علينا وفي محيطنا. فهي من نوع حديث الانسان الى نفسه. ليس حديث المحاسبة والنقد ومساءلة الذات ، بل حديث توكيد الذات ، من خلال الجهر بالغرائز والانفعالات ، التي أراد العقل ضبطها في ظروف السلم ، فاذا تفجرت الأزمات ارتخى عقال  العقل وهاجت أحصنة الغرائز.
مثل تلك الأقوال التي تعبر عن رغبة عارمة في التشفي والانتقام من الآخر ، تمثل – لو أردنا كسر حجاب التحفظ – حقيقة النفس المحطمة والمهزومة في عالمنا الاسلامي. النفس التي فشلت في فهم الآخر الغالب ، ثم فشلت في تقليده ، ثم فشلت في الاستغناء عنه ، ثم فشلت في العلاقة معه ، فارتدت على نفسها آسية لحالها ، حزينة على ماضيها ، ناقمة على عالمها ، فلم تجد تفريغا لهذا الاسى سوى صب الكراهية على أي مختلف ، قريبا أو بعيدا.
النفس المهزومة لاترى بسطاء الناس يعيشون حياتهم ويستمتعون بساعات فراغهم في ملعب لكرة القدم او حضور مسرحية او قتل الوقت في مقهى او التمشي في حديقة ، لا ترى الأطفال حاملين حقائبهم المدرسة الصغيرة بجانب أمهاتهم ، لا تسمع ضحكهم وأغانيهم. فهي لا ترى أشياء الحياة العادية البسيطة ، لا ترى غير صورة العدو المدجج بالسلاح يقتل المسلم هنا وهناك ، اليوم او قبل قرن من الزمان. لا ترى في الطفل سوى جنديا ربما يقتلنا بعد عشرين سنة او ثلاثين ، لاترى في الأم سوى الرحم الذي ربما يحمل الطفل القاتل.
لم ير أولئك الشامتون ان ضحايا باريس – وقبلهم ضحايا بيروت وعشرات المدن في الشرق والغرب - لم يكونوا جنودا ولا اعوانا للجنود. لم تكن باريس ساحة حرب ولا كانت بيروت.
إني أوجه اللوم الى الاسلاميين أكثر من غيرهم ، إلى الذين يدعون التدين أو الحرص على الدين أكثر من غيرهم. لقد كنت ساذجا حين ظننت ان الأكثر تدينا سيكون أكثر رحمة بالناس ، وعطفا عليهم ، وتعاطفا مع الضعيف والجريح والمتألم. ظننت ان الايمان عقال القسوة ، فاذا بي اجد هؤلاء الذين يدعون التدين اكثر قسوة وأقل عطفا. لم يعد الضعيف في عيونهم سوى نقطة في خريطة العدو ، مجرد اضرار جانبية في حرب تاريخية مجنونة لا تنتهي.
هذه النفس المأزومة هي سر هزيمتنا وتخلفنا عن حركة العالم. استسلامنا لخطابها الغرائزي هو الذي سمح بكل اشكال الانقسام في داخل أوطاننا. ان سعينا لاستعادة حياتنا واستنقاذ مستقبلنا لن تنجح أبدا اذا هيمنت هذه الثقافة الغرائزية على محيطنا. لن ننجح أبدا في استرجاع ذاتنا التائهة ما لم ننظفها من وسخ الكراهية والتشفي والرغبة في اذلال الآخرين وإيلامهم.
الشرق الاوسط 18 نوفمبر 2015
http://aawsat.com/node/499641

11/11/2015

المأزق التركي


مع استعادة حزب العدالة والتنمية لاغلبيته البرلمانية ، يتوقع ان تلعب تركيا دورا اكثر فاعلية في التحالف الدولي ضد داعش ، سيما في هذه الايام التي تشهد تصاعدا في الاهتمام الدولي بانهاء الازمة السورية.
كانت تركيا تتبع سياسة حذرة جدا تجاه داعش. بل قيل ان الاراضي التركية كانت لاتزال حتى منتصف العام الجاري على الأقل ، ممرا شبه آمن لمعظم مؤيدي داعش الأجانب. مراقبون اوروبيون ظنوا ان الوضع السائد يومئد ربما كان مؤاتيا لتركيا ، فالهجمات المتكررة لمسلحي داعش على القرى الكردية حول عين العرب (كوباني) أدت فعليا الى تحجيم نشاطات المتمردين الأكراد واشغالهم بالدفاع عن انفسهم. بل ان بعض المعادين للسياسات التركية اتهموها بلعب دور الراعي الاقليمي لداعش. لكن هذا التقدير ليس واقعيا.
حدود تركيا الطويلة مع سوريا والعراق ، تجعلها الخيار الوحيد تقريبا لانطلاق عمليات عسكرية واسعة لعزل مسلحي داعش في جيوب قابلة للمحاصرة كما يفكر الامريكيون. لكن هذا بالتحديد ما يجعل الخيارات متباينة. ان اي عمليات من هذا النوع تستوجب التعامل مع "وحدات حماية الشعب" الكردية ، كحليف استراتيجي. كانت واشنطن قد قررت ذلك بالفعل واعتبرت هذه الميليشيا رأس الحربة في صراعها لانهاء وجود داعش في المنطقة. وخلال الاسابيع الثلاثة الماضية أنزلت الطائرات الامريكية شحنتي اسلحة على الاقل للاكراد. كان بوسع القوات الامريكية تنفيذ العملية عبر الحدود التركية ، لكن الواضح ان الاتراك لازالوا متحفظين على هذه السياسة ، الامر الذي جعل الانزال الجوي خيارا وحيدا امام واشنطن.
ينطوي هذا التباين في موقف الحليفين على مفارقة ساخرة. فواشنطن تقول بكلام شبه صريح انها لا تجد حليفا يمكن الاعتماد عليه اكثر من "قوات حماية الشعب" الكردية ، بينما تقول أنقرة ان هذه الميليشيا ليست سوى ذراع غير معلن لحزب العمال الكردستاني ، عدوها اللدود ، وأن دعمها عسكريا سيقود - موضوعيا - الى تمكينها من اعلان "كردستان الغربية" كمنطقة حكم ذاتي شبيهة تماما بكردستان العراقية. ومثل هذا التطور لن يكون ابدا في مصلحة تركيا ، التي لم تستطع حتى الآن حل نزاعها التاريخي مع الاقلية الكردية في الجنوب.
أمام تركيا حلول بديلة لكنها غير ناضحة. ابرزها المجادلة بامكانية دفع عدد من الجماعات الجهادية التي لها وجود فعلي في الميدان ، الى مواقف اكثر اعتدالا. هذا يتوقف بطبيعة الحال على تغيير في الموقف الامريكي ، الذي يتبنى تصنيفا متشددا للمعارضة ، يضع كافة الاسلاميين في خانة الجماعات الارهابية. يعتقد الاتراك ان داعش هي الجماعة الوحيدة التي ينطبق عليها وصف الارهاب ، اما البقية فهم بين معتدل فعليا أو قابل للاحتواء.
في كل الأحوال يبدو ان الوقت ليس في صالح أنقرة. الامريكان يريدون تركيز جهودهم على تفكيك الجماعات المتشددة ، حتى لو ادى ذلك الى إطالة عمر النظام. الاوروبيون الذين فوجئوا بمئات الالاف من اللاجئين ، يريدون حل الازمة حتى لو بقي بشار الاسد على راس النظام. والروس والايرانيون يرسلون المزيد من القوات الى الاراضي السورية ، سعيا لاحداث تغيير جوهري في موازين القوى على الارض.
ليس متوقعا ان يتغير الحال في سوريا خلال الاسابيع القليلة المتبقية على نهاية العام. لكن لو تواصل الحراك بنفس المعدلات الحالية ، فمن المؤكد ان تركيا سوف تضطر الى إعادة نظر جذرية في علاقاتها مع الاكراد ، الذين باتوا قاب قوسين أو أدنى من إعلان كردستان الغربية اقليما شبه مستقل ، اي بلوغ نصف الطريق نحو تحقيق حلم كردستان الكبرى ، التي يفترض ان تضم في المستقبل الاقاليم الكردية في ايران وتركيا أيضا.
الشرق الاوسط  11/11/2015
http://aawsat.com/node/494216

04/11/2015

خطوة أولى لحل سلمي في سوريا


رغم الاشارات المبشرة ، الا ان الطريق طويل قبل الاتفاق على حل سياسي ينهي الحرب الأهلية في سوريا. ابرز البشائر جاءت من اجتماع فيينا الاسبوع الماضي ، وكانت مفاجئة للمتشائمين والمتفائلين على السواء. لم يتوقع كثير من المراقبين ان ينتهي ذلك الاجتماع - القصير نسبيا – الى التوافق على معظم البنود المطروحة. كان بيان الامم المتحدة التي رعت اجتماع فيينا صريحا في الاشارة الى وجود خلافات. لكن عدد البنود التي توافق عليها المجتمعون ، يمثل بداية قوية جدا لنقاشات جدية وتفصيلية خلال الاسابيع القادمة. يرجع الفضل في هذا التطور الى الدول المشاركة في الاجتماع ، التي قبلت بتأجيل خلافاتها التقليدية ، للتركيز على انهاء الأزمة. 
نص البيان الختامي على ان حل الأزمة سيكون بأيدي السوريين. واحتمل ان هذه الاشارة تستهدف فقط تبرير عدم مشاركة الأطراف السورية في الاجتماع. لكنها لا تخفي حقيقة ان المشكلة باتت دولية ، من حيث الواقع الميداني ، ومن حيث الآثار والانعكاسات. وهو أمر سيجعل الشركاء الدوليين جزء أساسيا في أي اتفاق قادم. ربما لا يريد أحد الاقرار بأن السوريين لم يستطيعوا حتى الآن التقدم خطوة واحدة في اتجاه الحل. لم ينجح أي طرف في حسم المعركة على الأرض ، ولم ينجح في اطلاق مبادرة سياسية مقنعة لبقية الأطراف. كما ان الطرفين الرئيسيين في النزاع ، أي الحكومة والمعارضة ، اخفقا تماما في تشكيل جبهة داخلية عريضة ، قادرة على التفاوض وتقديم التزامات سياسية ، على نحو يستقطب ثقة العالم ودعمه.
هذا يكشف عن سمة من سمات الحروب الاهلية ، تتلخص في صعوبة الاتكال على الأطراف المحلية في التوصل الى حل نهائي. صحيح ان بعض النماذج تؤكد هذه الامكانية. ونذكر هنا مثال ايرلندا الشمالية التي انتهت الحرب فيها من خلال الحوار بين الحكومة البريطانية والجيش الجمهوري الايرلندي ، ومثال سيريلانكا التي توصلت حكومتها الى اتفاق مرحلي مع نمور التاميل. الا ان معظم النزاعات المماثلة تشهد على محورية الدور الخارجي. ثمة أمثلة عديدة على هذا المنحى ، من الحرب الاهلية في لبنان ، الى نظيرتها في أفغانستان والصومال ، ثم في يوغسلافيا السابقة والسودان وتيمور الشرقية وليبيريا وبوروندي.. الخ.
هذه الامثلة تؤكد على الاهمية القصوى لمعالجة متوازية لعنصرين مؤثرين في الظرف السوري القائم. العنصر الاول هو حاجة السوريين للشعور بأنهم شركاء في صناعة مستقبلهم وتقرير الكيفية التي ستدار بها أمورهم ، وانهم ليسوا مجرد أدوات لقوى خارجية. اما  العنصر الثاني فهو عجز جميع الاطراف المحلية عن صناعة اجماع وطني ، يؤسس لحل سياسي مستقر. فهي عاجزة عن التوافق ، كما انها تفتقر الى قوة تكفي لفرض أي حل سياسي ، سواء كان توافقيا أو أحاديا ، على نحو يعيد النظام العام الى البلد ككل.
من هنا فانه يتوجب على الشركاء الدوليين الاهتمام بربط العنصرين. أي ضمان المشاركة الفاعلة للاطراف المحلية في وضع خارطة طريق ، توضح كيفية الخروج من ظرف الحرب ، والانتقال الى الصراع السلمي ، بما فيه قواعد الاشتباك وطريقة حل الخلافات سلميا. هذا سيكون خطوة أولى مهمة لاعادة بناء الاجماع الوطني. ثم العمل على حشد دعم دولي مناسب وراء هذا الاجماع كي يصبح ممكنا استبعاد الاطراف التي تميل الى عرقلة الحل.
شعور السوريين بانهم شركاء اساسيون في الحل سيجعلهم اكثر ايمانا بمسؤوليتهم عن صون هذا الحل. كما ان الدعم الدولي الواسع له سيحصر الشرعية في خيار الحل ، ويقصي الخيارات الفوضوية او المغامرة.  

الشرق الاوسط 4 نوفمبر 2015
http://aawsat.com/node/489151

28/10/2015

مدينة الفضائل

زميلنا الاستاذ مرزوق العتيبي كتب قبل اسبوعين ناقدا التفكير المثالي ، الذي يتخيل مدينة تخلو من الآثام والنواقص. ليس باعتباره مستحيل التحقق ، بل لأنه يرسي أرضية للاستبداد والاحادية ، التي تحول المجتمع الطبيعي الى ما يشبه السجن الكبير.
لعل كتاب "الجمهورية" الذي وضعه الفيلسوف اليوناني افلاطون هو أشهر النماذج التي وصلت الينا عن فكرة "المدينة الفاضلة". لكني احتمل انه لم يكن بصدد الدعوة الى مدينة واقعية يقيمها الناس. فقد صب جل اهتمامه على التعريف باراء استاذه سقراط ، وما أدخله من تعديلات عليها. انه في ظني مثال للمقارنة الفلسفية ، وليس برنامج عمل يمكن تطبيقه. لكنه مع ذلك ، شكل مدخلا لمنهج في العمل السياسي والاجتماعي اصبح له فيما بعد رواد وأنصار كثيرون.
انطلق افلاطون من مقدمة بسيطة ، اعتبرها بديهية ، خلاصتها ان البشر عاجزون فطريا عن الاجتماع السليم. لو وجدوا صدفة في مكان واحد فالمرجح انهم سيكونون أميل الى التنازع والعدوان. ولذا فهم يحتاجون دائما الى رئيس يقسرهم على التسالم.
تبنى هذا الفكرة الفيلسوف المسلم ابو نصر الفاربي وشرحها بالتفصيل في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" ، ويبدو انها صادفت هوى في المجال الثقافي الاسلامي عموما ، حيث تجد ظلالها في غالبية البحوث الفقهية ، سيما ما يتعلق منها بالولايات والحسبة. وتبناها القديس توما الاكويني الذي اضاف اليها لمسة دينية ، حولتها الى تعبير معياري عن المفهوم الكاثوليكي للدولة.
وفي أيامنا هذه نجد ظلال الفكرة عند شريحة كبيرة من العاملين في حقل الدعوة الدينية. وهي تتضح في جانبين: في الكلام الكثير عن الالتزام بالدين كحل وحيد ونهائي لكافة المشكلات ، وفي تحبيذ القسر والاجبار كوسيلة لالزام الناس بالفضائل.
تعرضت فكرة "المدينة الفاضلة" لكثير من النقد. بل ان الفيلسوف المعاصر كارل بوبر اعتبرها من أسوأ ما فكر فيه الفلاسفة عبر التاريخ. وكرس جانبا كبيرا من كتابه "المجتمع المفتوح واعداؤه" لنقد هذه الفكرة في شخص افلاطون. كما وجه نقدا شديدا الى الماركسية ، واعتبرها نموذجا للايديولوجيات الشمولية التي تريد – في نهاية المطاف – اعادة سجن البشر في أقفاص جميلة الالوان ، بدل تمكينهم من التحرر واختيار نمط الحياة التي يريدها كل منهم.  
ويشير بوبر في طيات كتابه الى خطورة الفكرة لانها – حسب تعبيره – من ذلك النوع من الافكار التي تلامس نزوعا مثاليا عند كافة البشر، فيتناسون انها مجرد تخيل غير قابل للتحقيق ، ويسلمون قيادهم لبعض المغامرين الذين يستعملون الفكرة كمركب لصناعة النفوذ السياسي ، أو لأنهم وقعوا مثل أولئك أسرى لهذا الوهم.
ويعرض في مفتتح الكتاب نموذجا مما كتبه افلاطون حول استحالة الحياة الفاضلة من دون قائد:
" المبدأ الاعظم هو ان اي شخص ، ذكرا كان او انثى ، لا ينبغي ان يعيش بلا قائد..... لا ينبغي لعقل اي شخص ان يعوده على فعل اي شيء على الاطلاق بمبادرته الخاصة.... حتى في اصغر المسائل شأنا ، عليه ان يمتثل للقائد... عليه ان يروض نفسه طويلا على ان لا يأتي بفعل مستقل ، وان لا يصبح قادرا عليه بأي معنى.."
 اختار بوبر هذا النموذج لانه يجسد جوهر التفكير الشمولي/المثالي ، الذي يتجلى في الغاء الفرد ككائن عاقل مستقل وقادر على الاختيار. القائد او المرشد او المعلم عند افلاطون ليس جسرا يحمل المتعلمين الى الجانب الاخر من النهر ، ثم يطلقهم كي يواصلوا الطريق بمفردهم ، بل هو أشبه بالراعي الذي يأخذ ماشيته الى المرعى ، كي ترى العالم ، ثم يعيدها في اخر النهار الى الحظيرة.  
الشرق الاوسط 28-10-2015

21/10/2015

كي لا يمسي الخيال دليلا في السياسة

 

تدور مشكلات السياسة كلها تقريبا حول عامل "الندرة". هناك على الدوام مطالب وحاجات متزايدة ، في مقابل امكانات محدودة كما ونوعا. ولا يمكن للمحدود ان يستوعب اللامحدود. بل ليس من المتوقع ان يصل البشر الى يوم يشعرون فيه بالاكتفاء وعدم الحاجة. منطق الحياة يقول ان كل حل يكشف عن مشكلة جديدة ، لم تكن منظورة قبله. ولهذا فان عمل الحكومة لا يدور حول تلبية الحاجات جميعا ، بل عقلنة التبادل بين الحاجات الراهنة والامكانات المتاحة او القابلة للاستنباط في المدى المنظور.

صمويل هنتينجتون

عقلنة التبادل تعني ببساطة ايجاج نظام توافقي ، اي مقنع للجمهور ، بأن مصالحهم تدار بشكل منصف ، وان ما يحصلون عليه ، ولو كان اقل من مطالبهم ، فهو متناسب مع الامكانات المتاحة ، وأن أحدا لا يستأثر بنصيب الاسد ويرمي اليهم الفتات. هذا يتطلب ان يكون الجمهور جزء من النظام وليس مجرد مستمع سلبي لما تقرره النخبة السياسية. نحن إذن نتحدث عن  نظام مؤسسي لادارة المصالح العامة يضمن تفاعل الجمهور ، ويعزز الثقة المتبادلة بينه وبين الدولة ومساهمته في حل مشكلات البلد.

استأثرت هذه المسألة بنصيب كبير جدا من نقاشات علم السياسة. وسوف أعرض هنا رؤية صمويل هنتينجتون ، المفكر الامريكي البارز ، الذي عرفه العرب من خلال مقالته المشهورة حول صراع الحضارات )1993). لكنه قبل ذلك وبعده يعد واحدا من اهم منظري التنمية السياسية ، وله تنظيرات عميقة حول عملية التحديث في الدول النامية ، أثارت الكثير من الجدل ، لكنها تعتبر اليوم من النظريات المرجعية في بابها.

انشغل هنتينجتون بموضوع محدد هو انعكاس التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى على بنية النظام الاجتماعي ورؤية المجتمع للدولة. ورأى ان تلك التحولات تطلق دائما امواجا من التطلعات والتوقعات المتفائلة ، التي لا يمكن تحقيقها في مدى زمني معقول. فشل الدولة في تحقيق تلك التطلعات ، سوف يؤدي الى هيمنة الاحباط والقنوط على نفوس الناس ، الأمر الذي يوجد أرضية للدعوات المتطرفة والدوغمائية التي تعد الشعب بحلول سحرية أو غيبية.

وأستذكر لهذه المناسبة حديثا اجريته مع عدد من الشباب بعد محاضرة طويلة لأحد العلماء حول "حكومة الامام علي بن أبي طالب". سألت اربعة منهم عما إذا كانت الأساليب التي اتبعها الامام في زمنه كافية لحل مشكلاتنا الحاضرة ، فأجابوا جميعا بالموافقة. ثم سألت المحاضر نفسه فأجاب بالنفي ، موضحا ان لكل زمن مشكلاته والحلول المناسبة لظرف المشكلة. وأظن ان جواب الشبان الاربعة يمثل رأي شريحة واسعة جدا من الجمهور العربي ، الذي يشعر بالاحباط ازاء تراكم المشكلات وتطاول الزمن عليها ، الأمر الذي يدفعهم للبحث عن حلول مستندة الى ذاكرة تخيلية ، تقدم لهم احداث الماضي معزولة عن ظرفها الخاص.

زبدة القول ان فشل الادارة في تحقيق تطلعات الجمهور ، قد يؤدي مع مرور الوقت ، الى انتشار النزعات المتطرفة التي تتخيل حلولا سحرية او حاسمة ، مستندة الى مخزون تراثي يقدم صورة متخيلة عما جرى في ماضي الزمان.

يقترح هنتينجتون اربعة معايير لتحديث الادارة العامة ، على نحو يمكنها من اقامة علاقة تفاعلية وبناءة بين المجتمع والدولة. المعيار الاول هو عقلنة الادارة بمعنى اخضاع جميع اعمالها لقانون واحد ، وتحديد مقاييس ثابتة لقياس الانتاجية وكفاءة الاداء. المعيار الثاني هو استهداف تعزيز مبدأ المواطنة ، اي الغاء التمايزات القائمة على اي أساس غير المواطنة المتساوية ، وصولا الى التحقق الكامل لمبدأ الدولة الوطنية ، الهدف النهائي للتنمية. المعيار الثالث هو توسيع الممارسة الديمقراطية ، بمعنى ان يكون القرار الرسمي انعكاسا لارادة الجمهور. المعيار الاخير هو تعزيز حركية المجتمع وميله للمشاركة في الشأن العام والتنافس على الفرص المتاحة في المجال العام ، بما يعزز دور المجتمع كصانع لحياته ومستقبله وليس مجرد منفعل بسياسات الدولة.

الشرق الاوسط 21-10-2015

http://aawsat.com/node/479216

مقالات ذات علاقة

نبدأ حيث نحتاج

العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

كي لا يمسي الخيال دليلا في السياسة

المطالب الشعبية والنظام العام

شبكة الحماية الاجتماعية

عسر القانون كمدخل للفساد الإداري

 أم عمرو وحمار أم عمرو

 العلاقة الاشكالية بين السوق والسياسة

 

14/10/2015

بدايات تحول في الازمة السورية


ليس في الافق حل سريع او سهل المنال للازمة السورية. لكن ثمة تحولات في المشهد لا ينبغي اغفالها اذا ما اردنا فهم مسارات الاحداث في الاشهر القليلة القادمة.
شهدت الاسابيع الثلاثة الماضية اربعة أحداث ، تشكل ما أظنه ابرز عناوين التحول في مسارات الازمة. لعل ابرزها هو التدخل العسكري الروسي ، ثم اعلان وزير الخارجية السعودي انفتاح الرياض على مبدأ المفاوضات مع بقاء بشار الاسد خلال فترة انتقالية محددة المدة ، واعلان الولايات المتحدة انزال خمسين طنا من الذخيرة والسلاح لقوات معارضة "صديقة" في الحسكة شمال سوريا. وأخيرا الانفجار الدموي في العاصمة التركية انقرة ، الذي ذهب ضحيته نحو 100 مدني.
الخطوتان الروسية والامريكية تندرجان تحت عنوان واحد هو تعزيز الموقف الميداني للقوى الحليفة. كانت واشنطن قد فشلت في مشروع سابق يتضمن انشاء فرقة عسكرية عالية التدريب ، وبات موضوعا للتندر ، بعدما انكشف ان جميع اعضاء الفرقة سلموا انفسهم وسلاحهم لقوى اخرى ، باستثناء اربعة افراد.
ارسال الذخيرة والسلاح الى قوى المعارضة التي وصفت بالصديقة ، يعني ببساطة ان واشنطن قررت التعامل مع الساحة كما هي ، ومن دون شروط مشددة ، كما فعلت في الماضي. بمعنى آخر فان الهدف المباشر للولايات المتحدة قد تحول من "تصنيع" قوة جديدة ، الى "توضيب" قوى قائمة وتعزيزها ماديا وسياسيا ، كي تكون إطارا يجمع الأطراف التي تقبل بخياراتها السياسية.
التدخل العسكري الروسي يعمل على نفس المفهوم. فغرضه اقناع الجميع بأن حكومة دمشق هي خيار موسكو النهائي ، وهي التي ستتفاوض على مستقبل سوريا.
تصريح وزير الخارجية السعودي في موسكو عن انفتاح الرياض على حل تفاوضي بين الحكومة السورية ومعارضيها ، يشكل تطورا هاما في الموقف العربي. من المفهوم ان دولا ثقيلة الوزن مثل مصر والجزائر تميل الى هذا المبدأ الذي يتيح اقتسام السلطة بين الموالين والمعارضين. هذا يعني ان ابرز الدول العربية تقترب من توافق حول مبدأ الحل السياسي ، الذي يتضمن معالجة منفتحة للعقدة التي عطلت حتى الآن انعقاد مؤتمر جنيف-3 ، اعني عقدة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
يتسق هذا الاتجاه مع الموقف الذي اعلنه يوم الاحد الماضي وزير الخارجية البريطاني حول "امكانية" القبول ببقاء الاسد لفترة محددة ، مع نقل صلاحياته الى حكومة توافقية.
اما في تركيا فقد قالت الحكومة انها تشتبه بقوة في مسؤولية تنظيم داعش عن انفجار انقرة الذي يعتبر الاكثر دموية منذ زمن طويل. من الطبيعي ان يتبع هذا الهجوم موقف مختلف تجاه ما يجري في جارتها الجنوبية. ليس سرا ان الموقف التركي تجاه القوى المتشددة في سوريا ، بما فيها داعش ، لم يكن صلبا بما يكفي. وقيل احيانا انها ربما تنظر الى الجماعات الاسلامية المقاتلة كمعادل – ولو مؤقت – للقوة الكردية التي تنامت على حدودها الجنوبية بشكل مثير للقلق في العامين الماضيين.
ثمة على الساحة السورية عشرات من المجموعات المقاتلة ، بينها اربع او خمس قوى رئيسية. واظن ان واشنطن ستسعى لفرز يؤدي الى قيام تحالف سوف يضم اسلاميين بالتأكيد ، لكنه يستثني "المقاتلين الاجانب". ان الهدف المباشر لهذا المسعى هو تشكيل جبهة قادرة على تقديم التزامات سياسية حين تبدأ مفاوضات الحل.
هذه ليست مهمة سهلة. لكن توافق الاطراف الاقليمية على المبدأ سوف يدفع بالتوافقيين الى الواجهة ، مما يجعل الحل السياسي الخيار رقم واحد ، في ساحة عجزت حتى الآن عن تحديد ما تريد وما لاتريد.
الشرق الاوسط 14-10-2015

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...