ليس
في الافق حل سريع او سهل المنال للازمة السورية. لكن ثمة تحولات في المشهد لا
ينبغي اغفالها اذا ما اردنا فهم مسارات الاحداث في الاشهر القليلة القادمة.
شهدت
الاسابيع الثلاثة الماضية اربعة أحداث ، تشكل ما أظنه ابرز عناوين التحول في
مسارات الازمة. لعل ابرزها هو التدخل العسكري الروسي ، ثم اعلان وزير الخارجية
السعودي انفتاح الرياض على مبدأ المفاوضات مع بقاء بشار الاسد خلال فترة انتقالية
محددة المدة ، واعلان الولايات المتحدة انزال خمسين طنا من الذخيرة والسلاح لقوات
معارضة "صديقة" في الحسكة شمال سوريا. وأخيرا الانفجار الدموي في
العاصمة التركية انقرة ، الذي ذهب ضحيته نحو 100 مدني.
الخطوتان
الروسية والامريكية تندرجان تحت عنوان واحد هو تعزيز الموقف الميداني للقوى
الحليفة. كانت واشنطن قد فشلت في مشروع سابق يتضمن انشاء فرقة عسكرية عالية
التدريب ، وبات موضوعا للتندر ، بعدما انكشف ان جميع اعضاء الفرقة سلموا انفسهم
وسلاحهم لقوى اخرى ، باستثناء اربعة افراد.
ارسال
الذخيرة والسلاح الى قوى المعارضة التي وصفت بالصديقة ، يعني ببساطة ان واشنطن
قررت التعامل مع الساحة كما هي ، ومن دون شروط مشددة ، كما فعلت في الماضي. بمعنى
آخر فان الهدف المباشر للولايات المتحدة قد تحول من "تصنيع" قوة جديدة ،
الى "توضيب" قوى قائمة وتعزيزها ماديا وسياسيا ، كي تكون إطارا يجمع
الأطراف التي تقبل بخياراتها السياسية.
التدخل
العسكري الروسي يعمل على نفس المفهوم. فغرضه اقناع الجميع بأن حكومة دمشق هي خيار
موسكو النهائي ، وهي التي ستتفاوض على مستقبل سوريا.
تصريح
وزير الخارجية السعودي في موسكو عن انفتاح الرياض على حل تفاوضي بين الحكومة
السورية ومعارضيها ، يشكل تطورا هاما في الموقف العربي. من المفهوم ان دولا ثقيلة
الوزن مثل مصر والجزائر تميل الى هذا المبدأ الذي يتيح اقتسام السلطة بين الموالين
والمعارضين. هذا يعني ان ابرز الدول العربية تقترب من توافق حول مبدأ الحل السياسي
، الذي يتضمن معالجة منفتحة للعقدة التي عطلت حتى الآن انعقاد مؤتمر جنيف-3 ، اعني
عقدة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
يتسق
هذا الاتجاه مع الموقف الذي اعلنه يوم الاحد الماضي وزير الخارجية البريطاني حول
"امكانية" القبول ببقاء الاسد لفترة محددة ، مع نقل صلاحياته الى حكومة
توافقية.
اما
في تركيا فقد قالت الحكومة انها تشتبه بقوة في مسؤولية تنظيم داعش عن انفجار انقرة
الذي يعتبر الاكثر دموية منذ زمن طويل. من الطبيعي ان يتبع هذا الهجوم موقف مختلف
تجاه ما يجري في جارتها الجنوبية. ليس سرا ان الموقف التركي تجاه القوى المتشددة
في سوريا ، بما فيها داعش ، لم يكن صلبا بما يكفي. وقيل احيانا انها ربما تنظر الى
الجماعات الاسلامية المقاتلة كمعادل – ولو مؤقت – للقوة الكردية التي تنامت على
حدودها الجنوبية بشكل مثير للقلق في العامين الماضيين.
ثمة
على الساحة السورية عشرات من المجموعات المقاتلة ، بينها اربع او خمس قوى رئيسية.
واظن ان واشنطن ستسعى لفرز يؤدي الى قيام تحالف سوف يضم اسلاميين بالتأكيد ، لكنه
يستثني "المقاتلين الاجانب". ان الهدف المباشر لهذا المسعى هو تشكيل
جبهة قادرة على تقديم التزامات سياسية حين تبدأ مفاوضات الحل.
هذه
ليست مهمة سهلة. لكن توافق الاطراف الاقليمية على المبدأ سوف يدفع بالتوافقيين الى
الواجهة ، مما يجعل الحل السياسي الخيار رقم واحد ، في ساحة عجزت حتى الآن عن
تحديد ما تريد وما لاتريد.
الشرق
الاوسط 14-10-2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق