30/09/2014

درس عراقي لليمن


طيلة ثلاثين عاما (1978-2012) حاول الرئيس السابق علي صالح استعادة السيطرة على المناطق القبلية التي كانت – تقليديا – خارج سلطة الدولة. لكنه في نهاية المطاف نجح فقط في جعل نفسه القوة الاكبر بين قوى متعددة ، واقناع الجميع بأنه الخيار الاقل سوءا بين مجموع المتنافسين على السلطة. كانت الثورة الشعبية فرصة لتغيير هذا الميزان الذي استقر نسبيا منذ 1994 ، حين اثمرت الحرب الاهلية عن اضعاف ابرز منافسي الرئيس ، اي الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب وحزب الاصلاح في الشمال.
يعرف دارسو العلوم السياسية ان الثورات الشعبية والصراعات الاهلية تؤدي دائما الى قلب موازين القوى: اقوياء الامس يضعفون وضعفاء الامس يستقوون ، كما تولد قوى جديدة من رحم الصراع. حصل هذا في مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق ، وجميع الاقطار التي مرت بتجارب مماثلة. لكن هذا التغيير يبقى غالبا في الشارع ، ولا ينعكس على تشكيل الحكومة. ذلك ان النخب القديمة وحلفاءها في الاعلام والجيش والاقتصاد وحتى في المؤسسات الاجتماعية يعيدون انتاج قوتهم السياسية في اطار يناسب التحولات الجديدة. تتمتع النخب القديمة بخبرات متراكمة في العمل السياسي والقيادة. اما القوى الجديدة فهي تحسن تنظيم الاحتجاجات لكنها لا تجيد ترجمتها الى قوة انتخابية. في مصر مثلا ، كان الشباب صناع ثورة يناير 2011 ووقودها ، لكنهم فشلوا في تحقيق اي مكسب مهم في الانتخابات التالية للثورة. كذلك الحال في العراق بعد 2003. واظن هذا سببا رئيسيا لاستمرار الفوضى والتوتر في هذا البلد.
في ينايرالماضي انتهى مؤتمر الحوار الوطني في اليمن بعد عشرة اشهر من النقاش حول صورة النظام السياسي الجديد. علق اليمنيون آمالا عريضة على نتائج الحوار ، باعتبارها اساسا لما يعرف في العلوم السياسية بالاجماع الوطني الجديد. ولأنها شكلت نوعا من الاقرار الجمعي بتغير التوازنات السياسية وضرورة استيعاب القوى الجديدة والمهمشة. لكن الواضح ان النخب القديمة واصلت محاولاتها للالتفاف على تلك النتائج ، فلم تفلح الحكومة في تطبيقها رغم مرور ثمانية اشهر.
سيطرة الحوثيين على صنعاء كشفت عنصرا جديدا في  الصراع الاهلي: استمرار هيمنة النخب القديمة على المشهد السياسي قد يدفع القوى المهمشة الى اعاقة الدولة. الامساك بمراكز القيادة والقرار لا يعني بالضرورة سيطرة موازية على الارض. واذا قرر المنافسون خوض الصراع ، فقد يجد القائد نفسه مثقلا بالاوصاف والنياشين ، لكن من دون سلطة على الارض.
ليس ثمة حلول سهلة للازمة اليمنية. والحل لن يكون محليا بالكامل. اعتقد ان الحل يبدأ باستيعاب القوى الجديدة ، سيما الحوثيين والحراك الجنوبي وشباب الثورة ، في منظومة القرار السياسي والقوات المسلحة. كما اعتقد ان اليمن بحاجة الى حلفائها التقليديين ، سيما المملكة ومصر ، للعب دور الوسيط والضامن لما يجري من تفاهمات تجنب المنطقة ويلات وآلاما ، فيما لو تطاولت الازمة وتفكك الجيش والدولة.
الاقتصادية 30 سبتمبر 2014

http://www.aleqt.com/2014/09/30/article_892078.html

16/09/2014

قصة مغامرة


يوم تخرج شريف من كلية الصيدلة كان همه الوحيد هو البحث عن وظيفة مثل سائر الشبان. بعد تسعة اعوام من النجاح على مستوى الراتب والمكانة ، سأل نفسه يوما: هل استطيع تأسيس شركة مثل التي اعمل فيها؟. هذا السؤال استدعى جدلا داخليا حول احتمالات النجاح والفشل ، مقارنة بوظيفته المريحة نسبيا.
الذين سمعوا شريف يتحدث عن فكرته ، اخبروه عن تجارب من سبقوه وانتهى امرهم الى الافلاس. بالنسبة لاولئك فان الوظيفة تعني الامان على المدى البعيد ، دون تحمل مسؤوليات او خوض مغامرات.
لكن هذا الشاب الذي اختبر سوق الدواء نحو عقد من الزمن ادرك – مثل قلة من الاذكياء المغامرين – ان طريق النجاح لا يمر عبر الاساليب العتيقة ولا قصص الفاشلين. ثمة دائما فرصة في مكان ما تنتظر من يخرط شوكها كي يجني ثمرها. البداية الصحيحة هي الانطلاق من المعرفة التي تجنيها في سنوات الدراسة. المعرفة التخصصية بموضوع العمل هي الجزء الاهم من راس المال الذي تحتاجه.
بعد اربع سنين من تاسيس مشروعه الخاص اقتنع شريف ان تركه للوظيفة السابقة كان ربما افضل قرار اقدم عليه في حياته. فهو الان على بعد اسابيع قليله من افتتاح مصنع جديد ، حصل على معظم تمويله من ارامكو ، وهو مصنع يفخر شريف بانه سيسد حاجة ملموسة في القطاع الصحي وسيسهم في تنمية بلده. المسألة ببساطة انك تستطيع تقديم خدمة جليلة لوطنك بينما تحقق – في الوقت نفسه – اهدافك الشخصية.
يذكرني هذا بالمجادلة التي قدمها دانييل ليرنر في كتابه المرجعي "موت المجتمع التقليدي". قارن ليرنر بين المجتمعات الخائبة التي تقيم مقابلة حدية بين المصلحة الشخصية والعامة وتجادل دائما حول اولوية هذه على تلك ، في مقابل المجتمعات الحديثة والناهضة التي يطور اعضاءها مسارات جديدة تجمع المصلحتين الخاصة والعامة. في هذا النوع من المجتمعات يخدم الناس مصالحهم الشخصية بينما يسهمون في تطوير المجتمع ، يكافحون لفتح المنغلقات من اجل انفسهم ، لكنهم – بهذا العمل – يجعلون حياة الاخرين اسهل واكثر قابلية للنجاح ، يزيدون مكاسبهم الشخصية ، ويسهمون في الوقت نفسه في تطوير اقتصاد البلد.
تخبرنا بحوث التنمية الاجتماعية ايضا ان نسبة اصحاب الاعمال والعاملين لحسابهم self-employed  الى مجموع العاملين هو واحد من المؤشرات القوية الدلالة على نضج المجتمع وكفاءته. يتسم افراد هذه الشريحة – عادة - بالشجاعة والقدرة على المساومة وصناعة التوافقات وابتكار الحلول ، كما يطورون وسائل لادارة الاخرين بالاقناع ومن دون استعمال ادوات السلطة كما في الوظائف الحكومية. نعرف من تاريخ العالم ايضا ان المدن التي تعيش على التجارة اكثر اعتدالا وانفتاحا واكثر تنوعا وقدرة على التعامل مع المختلفين.
هل يكفي كل هذا لجعل تشجيع الشباب على خوض هذا التجربة هدفا من اهداف التعليم في بلادنا؟.
الاقتصادية 16 سبتمبر 2014
http://www.aleqt.com/2014/09/16/article_887286.html





09/09/2014

ابتكار المستقبل



الحصول على وظيفة في الادارة الحكومية او القطاع الخاص هو الهدف المحوري لكل طالب. وهو ايضا محور العملية التعليمية منذ بداية التعليم الرسمي ، في  المملكة ومعظم البلدان العربية. لقد اعتدت على سؤال الشباب عن مشروعاتهم الحياتية بعد التخرج ، ووجدتهم جميعا متفقين على جواب واحد هو "البحث عن وظيفة". 
كنت اسألهم دائما: لماذا لا تنشيء مشروعك الخاص؟ فيعتذر اغلبهم بعدم توفر راس المال الكافي. لكني اعلم ان هذا ليس سببا حقيقيا في اغلب الحالات. ثمة مئات من الاعمال يمكن اطلاقها براس مال صغير جدا ، وثمة – الى جانب هذا – عدد معقول من مؤسسات الاقراض التي تدعم المشاريع الصغيرة.
في سوق نشطة وسريعة التوسع مثل السوق السعودي ، يمكن للشبان الاذكياء ان يجدوا مئة فرصة وفرصة ، لو بحثوا عنها. المشكلة تكمن في النسق المعيشي وفي فلسفة التعليم والعرف الاجتماعي ، وهي جميعا تفترض – على نحو ضمني او صريح - ان نضج الفرد وانضمامه الى الحياة العامة يبدأ بالعمل اجيرا عندا الدولة او عند شركة قائمة.

يرتبط هذا بغياب مفهوم الاختيار والابتكار في ثقافتنا العامة ، الذي يعني – في وجهه الاخر – ذهنية المغامرة وتحمل المسؤولية الكاملة للخيارات الشخصية. اظن ان معظم الناس في بلدنا لا يربون ابناءهم على مواجهة التحديات واختيار طريقهم بانفسهم ، وتحمل اعباء قراراتهم. النظام التعليمي هو الاخر لا يعزز في الطالب روحية المغامرة والبحث عن الخيارات المختلفة ، والسعي وراء المجهولات وابتكار المستقبل الشخصي ، بدل تقليد خيارات الاخرين.

خلال الثلاثين عاما الماضية تبنى معظم الدول الاوربية فكرة دفع الشباب الى انشاء اعمالهم الخاصة.  ليس فقط لانها تعالج مشكلة البطالة ، بل لانها – ايضا – تعزز فرص الابداع والابتكار ، سيما في مسارات الاقتصاد الجديد. وطبقا للاحصاءات المتوفرة فان اربعة ملايين بريطاني يملكون اعمالهم ، وهو رقم يعادل 14% من اجمالي قوة العمل في ذلك البلد. وثمة 15 مليونا مثلهم في الولايات المتحدة ، يشكلون حوالي 11% من قوة العمل. اما في بلد مثل تركيا فيقال ان نسبة العاملين لحسابهم الخاص تزيد عن 40% من اجمالي قوة العمل.
لا نستطيع طبعا اقناع الناس جميعا بانشاء عملهم الخاص. لكنا نستطيع اعادة النظر في التوجيه التربوي والاعلامي ، وصياغته من جديد على نحو يشجع الشباب على التفكير في هذا الخيار. تعقد جامعاتنا ما يسمى بيوم المهنة في كل عام ، وغرضه دفع الطلاب الى الوظائف. ماذا لو عقدنا يوما للمشاريع الصغيرة ، غرضه دفع الشباب نحو ابتكار وظائفهم واعمالهم وخوض التحدي؟.
يمكن للشباب ان يضخوا روحا جديدة في الاقتصاد الوطني لو اصبحوا من صناعه. هذا ليس حلا لمشكلة البطالة فحسب ، بل هو ايضا اداة للتنمية الاجتماعية وصناعة المستقبل.
الاقتصادية 9 سبتمبر 2014
http://www.aleqt.com/2014/09/09/article_884830.html

02/09/2014

تغيير الباراديم

لم يتعرض مذهب فلسفي للنقد بقدر ما تعرضت له الماركسية. وهو امر قد يشير الى حجم التحدي الذي انطوت عليه مقولاتها. والمؤكد انها قد تركت تاثيرا عميقا ، ليس فقط على المدارس الفلسفية المعاصرة ، بل وايضا على شريحة معتبرة من العلوم الانسانية ، ومن بينها علم الاجتماع وفروعه. من بين الامثلة التي تذكر في هذا الصدد ، ربطها الشديد بين الذهنية الجمعية والظرف الاقتصادي.

كارل ماركس

جادل الماركسيون بأن الاقتصاد يقود الى اعادة تشكيل المجتمع على شكل طبقات متباينة ، لكل منها ثقافة خاصة تبرر رؤيتها للعالم وتعاملاتها مع المحيط. انطلاقا من هذا ، فهم يرون مثلا ان العمال يفكرون على نحو مختلف عن الفلاحين ، كما يختلف هؤلاء عن الطبقة الوسطى "البرجوازية الصغيرة" ، وتختلف هذه عن الطبقة العليا والمهمشين.

لم يعرض الماركسيون ما يكفي من الادلة الواقعية التي تؤكد حتمية تلك العلاقة. سيما في كون الاقتصاد عاملا وحيدا في تشكيل الذهنية الفردية والعامة او توجيه الثقافة. لكن لا شك ان تلك المقاربة قد لفتت انظار دارسي علم الاجتماع الى اهمية نظم المعيشة ومصادرها ووسائل الانتاج في تشكيل الذهنية الجمعية. بفضل مجادلات الماركسيين تلك ، نستطيع اليوم وضع تفسيرات متينة نسبيا للفوارق الذهنية والثقافية بين المجتمعات القروية والمدينية ، وبين المجتمعات الصناعية والفلاحية ، كما نستطيع وضع تفسيرات محتملة للفوارق بين ذهنية البيروقراطي والتاجر والمهندس.

26/08/2014

مقدسات التغيير


لو اردنا الاعتبار بدروس التاريخ ، فسوف نعرف ان الازمات الكبرى شكلت نقطة انبعاث للمجتمعات المغلوبة ، يوم  حظيت بشجاعة التحرر من الغرائز البدائية وقيود العادة.
كان ارنولد توينبي ، وهو ابرز مؤرخي القرن العشرين ، قد اعتبر الصراع محركا رئيسيا للتحولات الحضارية وحركة التاريخ بشكل عام. الامم التي تواجه تحديات وجودية تبدع وسائل جديدة لاستيعاب التحدي ومواجهته. صنف توينبي تلك التحديات الى ثلاثة مستويات: تحد ضعيف لا يثير اهتمام المجتمع ، وتحد جارف يقوده الى الاستسلام وربما تدمير الذات ، وتحد متوسط القوة يطلق طاقة حيوية جديدة ، تقاوم عوامل الوهن والهزيمة ، فيشكل - بالتالي- نقطة انطلاق الى مسار جديد نحو التقدم والقوة.
Arnold Toynbee
ارنولد توينبي
مناسبة الكلام هو التحولات الهائلة التي تواجه العرب هذه الايام ، وتحمل في مجموعها صفة التحدي الوجودي ، على النحو الذي شرحه توينبي. كشفت هذه التحولات عن نقاط ضعف كبرى في البنية الاجتماعية/السياسية لكافة المجتمعات العربية. لكنها كشفت ايضا عن نقاط قوة عظيمة الاهمية ، لا يصح اغفالها او تهوين اهميتها. 
ويهمني في هذه الكتابة التنبيه على ما اظنه شرطا ضروريا لتحديد اتجاه "الاستجابة للتحدي". الا وهو توفر ايديولوجيا التغيير. تتألف ايديولوجيا التغيير من مجموعات مقولات ميتافيزيقية (نتبناها بها لاننا نريدها وليس بالضرورة لانها ثابتة علميا او تجريبيا). 
تتمحور هذه المقولات حول ثلاثة مباديء ينبغي رفعها الى درجة القداسة:
 واولها تعزيز الايمان باننا - كمجموع - قادرون على حل مشكلاتنا بانفسنا ، قادرون على منافسة الاخرين والتفوق عليهم ، واننا – كأفراد – قادرون على تجاوز خلافاتنا والانصهار في بوتقة فكرة قائدة ، هي فكرة التقدم.
 المبدأ الثاني: هو ثنائية المتعدد/الواحد وخلاصتها ان كل مواطن فرد ، رجلا او امرأة ، مختلف عن الاخر في عقله او فكره او تطلعاته او همومه ، وان هذا التنوع في الافكار والتعبيرات والقدرات والتطلعات يقود طبيعيا الى فتح مسارات كثيرة ، يجب تأطيرها على نحو يجعلها روافد تصب في المجرى الرئيس لنهر التغيير وتساهم في حركة التقدم. 
المبدأ الثالث يتناول موضوع التغيير ، ويتلخص في اصلاح سياسي باتجاه توسيع ومأسسة المشاركة الشعبية في  الحياة العامة ، وتحول اقتصادي باتجاه التركيز على الصناعة سيما الصناعات الاساسية والتحويلية ، وتحول اجتماعي محوره صون الحريات الشخصية والمدنية لكافة الافراد.
زبدة القول ان الازمات الهائلة التي نمر بها هذه الايام يمكن ان تعصف بوجودنا كله (وقد شهدنا بدايات هذه الكارثة في اكثر من دولة مجاورة) ، كما يمكن ان تشكل مفتاحا لعصر جديد وتاريخ مختلف ، نحقق فيه اكثر آمالنا. اعلم ان احدا لن يختار الكارثة ، لكن اختيار البديل رهن بالاستعداد لدفع ثمنه السياسي والثقافي والنفسي. ولهذا حديث آخر ربما نعود اليه لاحقا.
الاقتصادية 26 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/26/article_880253.html

19/08/2014

في بغض الكافر


تفسيرات ابن خلدون للتحولات الاجتماعية والسياسية التي لخصها في مقدمته المشهورة ، أثرت في كثير من كتاب العرب المعاصرين ، سيما الاسلاميين منهم. ومنها مثلا ما قرره عن ميل الأمم المغلوبة الى تقليد الغالب في كل شيء. لا أعلم ان كان الفقهاء قد تأثروا ايضا بهذه الاراء ، لكني طالما وجدت نفسي حائرا ازاء ميل اغلبهم للتأكيد على الحدود الفاصلة بين المسلمين وغيرهم من امم العالم. واذكر نقاشا اجريته قبل زمن بعيد مع المرحوم محمد طاهر الخاقاني وهو فقيه معروف بحسن استنباطه ، وان لم يشتهر بين الناس ، سألته عن سبب تشدده في احكام العلاقة مع أهل الكتاب ، فأخبرني انه يفتي بذلك لعامة الناس ، تلافيا لتأثرهم بثقافة الغالب ونمط حياته. وذكر لي رأي ابن خلدون ، ولم اكن مطلعا عليه قبلئذ.
Khaghany
الشيخ محمد طاهر الخاقاني
فيما بعد وجدت معظم الفتاوى المتصلة بغير المسلمين – بل وحتى بالمسلمين المخالفين في المذهب – ميالة الى القطيعة معهم والتحذير منهم. وهذا سلوك عام عند فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
سبب استرجاع هذه المسائل التي ضاعت في تلافيف الذاكرة ، هو ما شهدته من ردود فعل علماء المسلمين على الفضائع التي ارتكبتها داعش في حق المسيحيين والايزديين في شمال العراق. فقد لاحظت ان معظم من استنكر تلك الافعال الشنيعة ، برر رفضه لها بكونها مسيئة لصورة الاسلام في العالم ، وليس بكونها في ذاتها افعالا قبيحة مخالفة لقيم الدين والانسانية. وغرضي من هذه الاشارة هو التنبيه الى ان كتبنا الفقهية مليئة بالاراء والنصوص التي تعزز ميل المسلم الى اعتبار نفسه في حرب ابدية ضد مخالفيه في الدين.
اعلم ان تلك الاقوال لا تؤثر في جميع الناس ، لكني ارى غالب المسلمين مرتابا في اتباع الديانات الاخرى. وهي ريبة تنقلب في ظروف الازمة الى سلوك عدواني تجاه المخالف رأينا تجسيداته في مجتمعات مسلمة كثيرة. تلك الريبة وما تولده من سلوك عدواني ليس نبتا في صحراء ، فجذوره عميقة في ثقافتنا العامة  التي يتربي عليها جمهور المسلمين وعلماؤهم وقادتهم على السواء. يحوي التراث والنصوص الاسلامية انواعا من التوجيهات يدعو بعضها الى ملاينة المختلف بينما يشجع البعض الاخر القطيعة. وحين يقرأ الفقيه او الداعية هذه النصوص فانه يختار – بشكل عفوي - ما ينسجم مع الثقافة السائدة وميول الجمهور.
ما جرى في شمال العراق نذير بخطورة تلك الاراء والتعاليم. حري باهل العلم ان يقولوا للناس صراحة ، ان الارتياب في المخالف والعدوان على غير المسلم عمل قبيح بذاته ، وليس فقط لانه مسيء لسمعة المسلمين والاسلام. العدوان على الناس ليس موضوع علاقات عامة كي ننظر في تاثيره على صورتنا في العالم ، بل هو خروج عن قيم الدين والاخلاق الفاضلة. ولهذا السبب بالتحديد يجب ان يدان ويستنكر.
الاقتصادية 19 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/19/article_878139.html

12/08/2014

العنف السياسي : 3 عوامل رئيسية


العنف السياسي ظاهرة اجتماعية متعددة الاشكال. لكن معظمها يرجع الى واحد من ثلاثة عوامل:
 أ) عامل سيكولوجي يظهر خصوصا عند الشباب الذين يعيشون المرحلة الانتقالية بين المراهقة والرجولة. وهي مرحلة يسودها ميل شديد لاكتشاف الذات وتحقيق الذات. فشل الشباب في تحقيق ذواتهم ضمن اطارات سليمة في البيئة المحيطة ، يجعلهم عرضة للانزلاق في سلوكيات متوترة ، تتمظهر في صورة عنف سياسي أو اجرامي.
ب) عامل اجتماعي/ اقتصادي يتلخص في عجز الفرد عن التكيف مع ظروف المعيشة المتغيرة ، مما يعزز ميله لمنازعة المجتمع الذي يحمله مسؤولية اخفاقه في مجاراة الاخرين. ويظهر هذا العامل بصورة اجلى بين المهاجرين الجدد من الريف الى المدينة ، او الذين يعيشون في بيئات فقيرة نسبيا ، على حواشي المدن غالبا.
ج) عامل ديني/سياسي يتمثل في شعور الفرد بان هويته تواجه تهديدا جديا من جانب اطراف قوية. اكثر الشباب عرضة لهذا العامل هم الملتزمون بحضور الاجتماعات الدينية التي يكثر فيها الحديث عن التهديد الغربي والمؤامرة الدولية على الاسلام.
تتفاعل هذه العوامل فيما بينها بشكل وثيق. فالذين يواجهون عسرا اقتصاديا/اجتماعيا (العامل ب) يميلون الى تصديق الدعاوى القائلة بتباعد المجتمع عن الاسلام ، ويرون في مظاهر الحياة الحديثة دليلا على ذلك. وهذا الميل يقودهم الى تقبل فكرة التهديد الخارجي للهوية (العامل ج). كما ان الشباب الذين يواجهون عسرا في المعيشة ، يشعرون اكثر من غيرهم بالعجز عن تحقيق غاياتهم وذواتهم (العامل أ). بشكل عام يمكن القول ان المتاثرين بالعامل الاول اصغر سنا من مجموعة العامل الثاني ، وهؤلاء بدورهم اصغر سنا من المجموعة الثالثة.
 الغرض من هذا الكلام هو دعوة المهتمين الى البحث عن تفسيرات علمية لظاهرة الارهاب ، وعدم الاكتفاء برجمه او ارجاعه الى عامل واحد. وبنفس المنطق ، فان المعالجة الناجحة للظاهرة تتوقف على تشخيص العامل الاكثر تأثيرا في الفرد او المجموعة المستهدفة. هذا يحتاج بطبيعة الحال الى بحوث علمية كثيرة في حقول متعددة.
خلال السنوات الخمس التي تلت الهجوم على نيويورك في سبتمبر 2001 نشر  في الولايات المتحدة نحو 11000 كتابا تحاول تفسير ظاهرة الارهاب وسبل معالجتها. اما في المملكة فلا اعرف الا عددا قليلا من الكتب حول الموضوع ، ولعل ما نشر منذ الهجوم الارهابي في 1995 حتى اليوم لا يصل الى 100 كتاب متخصص.
هناك بالتاكيد فارق كبير بين البيئة العلمية في امريكا ونظيرتها في السعودية. لكن غرضي هو تنبيه المعنيين الى ما اظنه قلة اكتراث بدراسة الظواهر الاكثر حرجا في حياتنا. وفي هذا المجال لا تجد فرقا يذكر بين القطاع الاكاديمي والرسمي. العنف السياسي ظاهرة معقدة ومتغيرة الملامح ، يستحيل فهمها مالم تتحول الى مادة جذابة للبحث العلمي .
الاقتصادية  12 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/12/article_875856.html

05/08/2014

المدرسة كأداة لمقاومة العنف


بعد ايام يعود شبابنا الى مدارسهم ، في ظرف مليء بالهموم. ثمة اتفاق – فيما يبدو – بين شرائح واسعة من المثقفين ونخبة البلد على الدور المحوري للتعليم  في تفكيك الحاضن الاجتماعي للعنف ودعاته. ولاتقاء الافراط في التوقعات ، ينبغي التاكيد على ان هذا جهد وقائي ، يحجم دعوات العنف ، لكنه لا يقضي على المجموعات القائمة. هذه مهمة تقوم بها جهات اخرى بوسائل مختلفة. 
لا أملك تصورا عمليا كاملا حول كيفية قيام المدرسة بتلك المهمة. لكني سانطلق من فرضية الحاجة الى تغيير الباراديم او فلسفة العمل السائدة في نظامنا التعليمي ، وأضع بعض الافكار التي اظنها مفيدة في هذا السياق.
 اولى واخطر المهمات في رايي هي تعزيز قابلية الشباب لمقاومة الافكار الهدامة ، ومفتاحها تربية العقل النقدي الذي يحاور ويجادل ويتأمل ولا ينبهر ببليغ الكلام او التصوير. هذا يقتضي تخصيص جانب من وقت الصف للنقاش في المنهج او خارجه. تعويد الشباب على النقاش يرسخ ثقتهم بذواتهم واهليتهم لنقد الافكار ومجادلتها.
الثانية: هي نشر احترام الحياة والانسان والزمن. ومفتاحها التركيز على تدريس العالم المعاصر بدل التاريخ القديم. ومحاولة فهمه وفهم الفرص التي وفرتها تجارب البشر وابداعاتهم ، وكيفية استثمارها لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الطموحات. لقد جرت عادتنا على تقديم تاريخ انتقائي لشبابنا ، يركز على الجوانب المشرقة لماضي المسلمين دون التعرض لكلفتها المادية والمعنوية والانسانية ، ودون الاشارة الى الجانب الاخر المظلم ، فتحول التاريخ عند كثير منهم الى كائن مقدس يريدون احياءه بأي ثمن. اللباس والمظهر الذي نراه في جماعات العنف مثل "داعش" وأخواتها توضح تماما هذا النزوع الشديد لفرض الماضي على الحاضر.
التأكيد على احترام الحاضر وأهله واحترام تجربة البشرية يساعد ايضا على تحرير المجتمع من "قلق الهوية" اي الشعور العميق باننا ضعفاء مهمشون قليلو الحيلة في عالم يتفق ضدنا ، ويتآمر للقضاء علينا. قلق الهوية واحد من اهم الثغرات التي تستثمرها جماعات العنف لكسب الانصار والدعم المادي والسياسي.
الثالثة: التاكيد على شراكة الشباب في امور بلدهم وفي ملكية ترابه ، وقابلية مجتمعهم وحكومتهم للاصلاح والتطور وتحسين الاداء ، وكونهم شركاء في اي مسعى تطويري او اصلاحي ، بما فيها اصلاح القانون والسياسات وتوسيع الاطارات والمسارات الضرورية للاصلاح والتقدم. هذا التفكير يجب ان يبدأ بفتح الباب للنقاش في امور المدرسة والمجتمع القريب ، وتقبل المعلمين والاداريين لاراء الشباب المختلفة ، وتمكينهم من عرضها بحرية. اما الغرض النهائي فهو التأكيد على قابلية الاصلاح من خلال القانون وليس بالانقضاض على النظام الاجتماعي.
اخيرا فان شبابنا بحاجة الى فهم الدين كتجربة يشارك فيها كل مسلم ، وليس كصندوق مغلق يحمل اعباءه مرغما. ولهذا حديث آخر نعود اليه في قادم الايام.
الاقتصادية 5 اغسطس 2014
 http://www.aleqt.com/2014/08/05/article_873535.html

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...