16/09/2014

قصة مغامرة


يوم تخرج شريف من كلية الصيدلة كان همه الوحيد هو البحث عن وظيفة مثل سائر الشبان. بعد تسعة اعوام من النجاح على مستوى الراتب والمكانة ، سأل نفسه يوما: هل استطيع تأسيس شركة مثل التي اعمل فيها؟. هذا السؤال استدعى جدلا داخليا حول احتمالات النجاح والفشل ، مقارنة بوظيفته المريحة نسبيا.
الذين سمعوا شريف يتحدث عن فكرته ، اخبروه عن تجارب من سبقوه وانتهى امرهم الى الافلاس. بالنسبة لاولئك فان الوظيفة تعني الامان على المدى البعيد ، دون تحمل مسؤوليات او خوض مغامرات.
لكن هذا الشاب الذي اختبر سوق الدواء نحو عقد من الزمن ادرك – مثل قلة من الاذكياء المغامرين – ان طريق النجاح لا يمر عبر الاساليب العتيقة ولا قصص الفاشلين. ثمة دائما فرصة في مكان ما تنتظر من يخرط شوكها كي يجني ثمرها. البداية الصحيحة هي الانطلاق من المعرفة التي تجنيها في سنوات الدراسة. المعرفة التخصصية بموضوع العمل هي الجزء الاهم من راس المال الذي تحتاجه.
بعد اربع سنين من تاسيس مشروعه الخاص اقتنع شريف ان تركه للوظيفة السابقة كان ربما افضل قرار اقدم عليه في حياته. فهو الان على بعد اسابيع قليله من افتتاح مصنع جديد ، حصل على معظم تمويله من ارامكو ، وهو مصنع يفخر شريف بانه سيسد حاجة ملموسة في القطاع الصحي وسيسهم في تنمية بلده. المسألة ببساطة انك تستطيع تقديم خدمة جليلة لوطنك بينما تحقق – في الوقت نفسه – اهدافك الشخصية.
يذكرني هذا بالمجادلة التي قدمها دانييل ليرنر في كتابه المرجعي "موت المجتمع التقليدي". قارن ليرنر بين المجتمعات الخائبة التي تقيم مقابلة حدية بين المصلحة الشخصية والعامة وتجادل دائما حول اولوية هذه على تلك ، في مقابل المجتمعات الحديثة والناهضة التي يطور اعضاءها مسارات جديدة تجمع المصلحتين الخاصة والعامة. في هذا النوع من المجتمعات يخدم الناس مصالحهم الشخصية بينما يسهمون في تطوير المجتمع ، يكافحون لفتح المنغلقات من اجل انفسهم ، لكنهم – بهذا العمل – يجعلون حياة الاخرين اسهل واكثر قابلية للنجاح ، يزيدون مكاسبهم الشخصية ، ويسهمون في الوقت نفسه في تطوير اقتصاد البلد.
تخبرنا بحوث التنمية الاجتماعية ايضا ان نسبة اصحاب الاعمال والعاملين لحسابهم self-employed  الى مجموع العاملين هو واحد من المؤشرات القوية الدلالة على نضج المجتمع وكفاءته. يتسم افراد هذه الشريحة – عادة - بالشجاعة والقدرة على المساومة وصناعة التوافقات وابتكار الحلول ، كما يطورون وسائل لادارة الاخرين بالاقناع ومن دون استعمال ادوات السلطة كما في الوظائف الحكومية. نعرف من تاريخ العالم ايضا ان المدن التي تعيش على التجارة اكثر اعتدالا وانفتاحا واكثر تنوعا وقدرة على التعامل مع المختلفين.
هل يكفي كل هذا لجعل تشجيع الشباب على خوض هذا التجربة هدفا من اهداف التعليم في بلادنا؟.
الاقتصادية 16 سبتمبر 2014
http://www.aleqt.com/2014/09/16/article_887286.html





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...