07/09/2009

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1


أتفق تماما مع الأستاذ مشاري الذايدي بأننا لم نفعل ما يكفي لتحييد التطرف الذي يوفر المدد البشري والفكري لشبكات الإرهاب. المحاولة الفاشلة لاغتيال سمو الأمير محمد بن نايف أعادت التذكير بأن المملكة لا زالت هدفا لشبكات العنف الذي ظننا أنه قد تراجع في العامين الماضيين. المؤكد أن معظم السعوديين متفقون على إدانة التوسل بالعنف المسلح لأي غرض سياسي أو ديني أو اجتماعي.
الحوادث الأخيرة كشفت عن حقيقة مؤلمة ربما أغفلناها طوال الأشهر الماضية، وهي أن هناك من يعمل بقصد أو بجهالة على تغذية اتجاهات العنف في المجتمع، من خلال تصوير المنافسين كأعداء للدين أو تصوير الصراع الفكري والسياسي الطبيعي كمعركة حياة أو موت بين الاتجاه الديني التقليدي والاتجاهات المنافسة. ذلك الشخص الذي يقول على شاشات التلفزيون إنه لو التقى بالدكتور تركي الحمد لبصق في وجهه، وذلك الذي يتحدث عن القتل والقتال والردة كما لو كان الأمر يتعلق بعنز في سوق المواشي، وذلك الذي يدعو الشباب إلى التصدي بأيديهم لكل من خالف تقاليده أو متبنياته الدينية، وذلك الذي يبرر قتل الناس في دول أخرى لأن مذهبهم باطل أو لأن دينهم محرف.
كل هؤلاء ينفخون في شراع الإرهاب عن وعي أو عن جهالة. فهم يصورون العنف كتعبير وحيد عن صفاء العقيدة، وهم يهونون من قيمة الدم الحرام حتى تتحول إراقة الدم إلى حلم يلح على ذهن الشاب البسيط الذي يريد إن يكتشف ذاته إو يجسد رجولته إو يفي بدينه تجاه ربه إو تجاه شيخه. 
نحن لا نتحدث عن حالات فردية. لقد تحول التطرف الديني إلى غول يأخذ بخناق البلاد، وتراه أمامك في كل يوم، في المساجد والمدارس والتلفزيون والصحف والإنترنت. هذا الغول أدرك اللعبة السياسية وأجادها، في مثل هذه الأيام تراه ساكتا خامدا، حتى إذا تراخى اهتمام الناس بحوادث العنف السياسي، نهض من بياته محاربا هذا وشاتما ذاك. يعمل هذا الغول السياسي على استغلال كل قضية لتجنيد الناس ونفخ ثقافة العدوان فيهم وتعزيز الكراهية بينهم وبث اليأس والارتياب في نفوسهم. وهو يضع كل عمل من هذه الأعمال في قالب ديني، فكأنه صاحب الشريعة أو ممثلها الوحيد، وكأنه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يحرص الشباب جميعا على دينهم وسلامة مجتمعهم. هذه المشاعر النبيلة تمثل مدخلا لتعزيز شعورهم بالمسؤولية وحماستهم لتنمية ذواتهم والمساهمة في إنماء مجتمعهم. لكن دعاة التطرف يستثمرونها في زرع الإحباط والشعور بالمهانة عند الشباب. وهم يوجهون هذه المشاعر السلبية نحو منافسيهم السياسيين أو الاجتماعيين، أي جميع شرائح المجتمع عدا الفئة التي تدور حولهم وتردد أقوالهم. ينظر أولئك المتطرفون إلى كل إنسان باعتباره عدوا فعليا أو عدوا محتملا. أما لأنه يتبع منهجا دينيا منفتحا، أو لأنه يركز على قضايا الإصلاح الاجتماعي والثقافي، أو لأنه يتطلع إلى أسلوب حياة مختلف، أو لأنه يعبر عن آراء غير تلك التي تحمل ختم «الفرقة الناجية»، أو لعشرات الأسباب غير هذه وتلك. في كل الأحوال فإن يوميات دعاة التطرف هؤلاء مكرسة للبحث عن أعداء أو اصطناع أعداء أو وصف أعداء . كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم مكرسة في معظمها للحديث عن «الآخرين» أي الأعداء الفعليين أو الأعداء المحتملين.
الشاب الذي ساقته أقداره إلى حلقات هؤلاء المتطرفين سوف ينزلق بالتدريج إلى حمأة العداوة، سوف ينشغل ذهنه بالتخلص من الأعداء الواقعيين والمتخيلين بدل انشغاله بتطوير كفاءاته وبناء حياته. نموذج الحياة الفاضلة الذي يرنو إليه سوف يتجسد في الانتصار على أولئك الأعداء المفترضين، بدل الانعتاق من الجهل والخرافة والفقر.
التطرف والتطرف الاجتماعي والثقافي هو الذي يبرر العنف ويجعله اعتياديا، مقبولا، بل ومحبذا. ولهذا فإن تجفيف منابع الإرهاب ، يتطلب إيضا كسر شوكة التطرف وإعادة المتطرفين إلى مكانهم الطبيعي، بعدما تحولوا إلى غول يسعى للهيمنة على حياة البلاد الثقافية والفكرية والاجتماعية.

صحيفة عكاظ   7 سبتمبر 2009م - 
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090907/Con20090907303172.htm

مقالات ذات علاقة

جرائم امن الدولة : وجهة نظر اخرى

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

إشارات على انهيار النفوذ الاجتماعي للقاعدة

اعلام القاعدة في تظاهرات عربية

تحولات التيار الديني – 5 السلام مع الذات والسلام مع العالم

عن طقوس الطائفية وحماسة الاتباع

فلان المتشدد

خديعة الثقافة وحفلات الموت

ما الذي نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة

اتجاهات في تحليل التطرف

ابعد من تماثيل بوذا

ثقافة الكراهية

تجريم الكراهية

تجارة الخوف

في انتظار الفتنة

كي لا نصبح لقمة في فم الغول

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

العامل السعودي

غلو .. ام بحث عن هوية

04/09/2009

دعوة لاستقالة المرأة



يعتزم عدد من النساء السعوديات تنظيم حملة بعنوان "ولي امري ادرى بامري". وخلفية الحملة كما تقول السيدات الفاضلات هو مقاومة التيار التغريبي الذي بدأ يؤثر بقوة في المجتمع السعودي ، تاثيرا يزاحم التقاليد المقيدة لحركة النساء ، ولا سيما تلك التقاليد المحمية بالقانون . ولم يثر هذا الاعلان حماسا كبيرا في الشارع السعودي ، حتى بين اولئك المصنفين عادة ضمن الفريق التقليدي الذي يتبنى عادة مثل هذه الافكار.

وأظن ان معظم الناس سوف ينظر باستهجان الى هذه المبادرة ، لانها تأتي في الاتجاه المعاكس تماما لتطلعات المجتمع ولا سيما نصفه النسائي. في كل دول العالم تتمتع المرأة بحد ادنى من الحقوق مثل الاعتراف بوجودها المستقل وتساويها مع الرجال في حقوق التملك والتعليم والوظيفة واختيار شريك الحياة. لكن بالنسبة للمجتمع السعودي فان هذه الحقوق الاولية ليست منجزة . ثمة شريحة واسعة من التقاليد والاعراف الموروثة تشدد على تبعية المرأة للرجل ورهن حصولها على حقوقها بموافقته .

وقعت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق النساء واهمها ربما هو "العهد الدولي لازالة كل اشكال التمييز ضد المرأة" المعروف اختصارا باسم "سيداو". كما ان الحكومة اقرت في اوقات مختلفة اجراءات يفترض ان تسهل للنساء التمتع بتلك الحقوق الاولية . لكن معظم تلك الالتزامات بقيت حبرا على ورق بسبب مقاومة فريق من التقليديين المتشددين الذين يخشون من ان اي تنازل مهما كان صغيرا سوف يتحول الى سيل لا يمكن مقاومته .
وقبل عامين قرر وزير العمل الزام المتاجر التي تبيع ملابس نسائية داخلية بتوظيف سيدات ، وكان متوقعا لهذا القرار ان يسعد التقليديين الذين يشكون من تفشي الاختلاط في الاسواق . لكن على خلاف المتوقع ، قاوم هؤلاء قرار الوزير بشدة حتى اوقفوا تنفيذه . وقيل يومئذ انهم استندوا الى تحالف غير معلن مع التجار الذين يرفضون تحميلهم اعباء جديدة . المبرر الوحيد الذي طرحه اولئك هو ان قرار وزير العمل سوف يشجع النساء على الخروج من بيوتهن للعمل ، وهذا يخالف تفسيرهم للاية المباركة "وقرن في بيوتكن".

يمكن النظر الى حملة "ولي امري ادرى بامري" من زاويتين متعاكستين . من الزاوية الاولى يمكن ان ترى فيها تبريرا اضافيا لحرمان المرأة من حقوقها الاولية ودعما للاتجاه التقليدي الذي يقاوم كل تحرك في الاتجاه الايجابي ، حتى ضمن المستويات البسيطة التي تطالب بها النساء السعوديات مثل حق التملك واختيار التخصص العلمي والوظيفة والسفر. لكن يمكن النظر اليه من زاوية معاكسة تتمثل في كونه مبادرة نسائية ربما تستنهض مبادرات موازية في نفس الاتجاه او في الاتجاه المعاكس.

في الوقت الحاضر لا تشارك المرأة السعودية في اي من النشاطات التي تصنف ضمن مفهوم "المجتمع المدني" ، ولهذا فان اي مبادرة او نشاط نسائي سوف يكون موضع ترحيب لانه سيكون امثولة ونموذجا واقعيا يشجع السيدات اللاتي يرغبن في التعبير عن رايهن والمشاركة في النقاشات والنشاطات الاجتماعية . حتى الان فشلت كل المحاولات لاطلاق حركة نسائية على المستوى الوطني بسبب صعوبة البداية وقلة النماذج التي تشير الى جدوى مثل هذا العمل . من هذه الزاوية فقط فان تلك المبادرة ، مهما كان رأينا فيها ، تستحق الاهتمام والتشجيع ، لانها تقدم نموذجا للاخريات عن امكانية قيام النساء باطلاق حركة تعبر عن تطلعاتهن . طالما قام احد بهذا العمل فان الاخريات يستطعن القيام بمثله .

الفكرة التي تطرحها الحملة هي تاكيد على استقالة المرأة من مسؤولياتها ، تحت مبرر انها عاجزة عن ادارة حياتها بمفردها . انها – حسب راي اولئك السيدات – لا تدري عن امرها ، ربما لا تملك القدرة الذهنية او الروحية التي تتيح لها انتخاب الخيارات المناسبة لحياتها . وبالتالي فمن الافضل الاستمرار في التقاليد الحالية التي تؤكد على ان الرجل ، سواء كان ابا او زوجا او اخا ، هو المخول بالتفكير واتخاذ القرار فيما يخص حياتها .

هذه بطبيعة الحال دعوى قديمة وسخيفة ، واظن ان كل من تامل فيها سيقابلها باستهجان وربما يسخر ممن اطلقها . لكنها على اي حال فكرة مطروحة ويدافع عنها فريق في المجتمع يستند الى اعراف راسخة وتفسيرات لنصوص دينية او اراء لعلماء . ولهذا فانها تستحق النقاش.
الايام  4 سبتمبر 2009

31/08/2009

"ولي امري ادرى بامري" مخالفة لروح الدين


لعل بعض القراء قد اطلع على مبررات حملة "ولي امري ادرى بامري" . كتبت في الاسبوع الماضي عن الحملة من حيث الشكل الخارجي الذي وجدته مثيرا للاهتمام . لكن الحملة - من حيث المضمون – تنطوي على خطأ جوهري لعل السيدات اللاتي يقفن وراءها قد انتبهن اليه الان . يتمثل هذا الخطأ في الربط المتكلف بين واقع اجتماعي تسنده تقاليد متوارثة ، وبين مبررات دينية ينبغي ان تبقى متجردة عن هذا الواقع . تقول احدى وثائق الحملة ان ولي الامر المقصود هو "النسخة المثالية" ، اي الرجل الذي يوفي بمسؤلياته كلها وليس النسخة المعروفة في مجتمعنا ، اي الشخص الذي يحول الولاية الى مبرر للتحكم الشخصي.

وتقول وثيقة اخرى ان مرجع الحملة هو التعاليم الدينية التي تلزم المرأة بطاعة وليها. والحقيقة انه لا يوجد نص واحد في القرآن او السنة يدل دلالة قطعية على مفهوم ولاية الرجل على المرأة المتعارف في مجتمعنا في هذا الوقت. الاراء والادلة التي تقال في هذا السياق تتسم جميعها بطابع اعتذاري ، تبريري ، او دفاعي ، وغرضها جميعا هو تسويغ وضعية اجتماعية خاصة ، هي الوضعية القائمة في مجتمعنا اليوم. لكن جميعها قابل للرد والنقض بادلة عقلية او بنصوص اخرى ، فضلا عن دلالة التجربة الحسية.

فكرة الولي المثالي تتحدث عن شيء غير موجود في الواقع ولا يمكن ايجاده . لانها لو كانت قابلة للتطبيق الواقعي لما وصفت بالمثالية . نعم هناك رجال افضل من غيرهم ، لكن المشكلة لا تكمن في كون الرجل فاضلا او غير فاضل . المشكلة تكمن في فكرة "حاجة الانسان – رجلا كان او امرأة - الى ولي" ، وهي فكرة تستبطن مخالفتين بارزتين لروح الدين الحنيف . 

المخالفة الاولى هي ارضية الفكرة ، اي اعتبار المولى عليه - المرأة في هذه الحالة - انسانا ناقص الاهلية . والنقص هنا متعلق بكفاءتها الذهنية والروحية. وهذا خطأ واضح لان القرآن يتحدث عن خلق الانسان "في احسن تقويم" ، وليس ثمة دليل على ان الرجل فقط هو المقصود بالانسان في الاية المباركة ، كما لا دليل على استثناء المرأة من عموم الاية . حسن التقويم لا يعني بطبيعة الحال الشكل الخارجي ، بل التكوين الكلي ، واهم تجسيداته بالنسبة للانسان هي الكفاءة العقلية والروحية . اضافة الى نص القرآن الكريم ، فامامنا الدليل الحسي: ملايين السيدات في شرق العالم وغربه حصلن على الاستقلال الكامل وتحملن المسؤولية الكاملة عن انفسهن وحياتهن ، ولم يشعرن ابدا بالحاجة الى كفيل ينوب عنهن في التفكير واتخاذ القرار في صغير الامور وكبيرها .

اما المخالفة الثانية لروح الدين فتكمن في ان ولاية الرجل على المرأة بالمفهوم المتعارف في مجتمعنا تؤدي – موضوعيا - الى تقسيم المجتمع الى طبقتين ، طبقة السادة ، اي الرجال ، وطبقة الاتباع ، اي النساء. فالطبقة الاولى تتحمل مسؤولياتها ومسؤوليات اتباعها ، والطبقة الثانية تتهرب من مسؤولياتها بالقائها على عاتق الغير . دعنا نقرأ معا مثالا قرآنيا قريبا من هذا المعنى : " وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه اينما يوجه لاياتي بخير هل يستوي هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم (النحل 76) . ما الذي يختاره الانسان بعد قراءة الاية المباركة : الابكم الذي هو كل على مولاه ، ام العدل الذي يحمل عبء حياته بنفسه ؟.

ليس هنا مجال الجدل الفقهي حول مفهوم ولاية الرجل وقوامته ، وهو مفهوم غير محرر تماما ، وارى ان ما يتداوله كثير من الفقهاء في هذا الباب هو اقحام لمفهوم تولد ضمن عرف خاص ، وهو قابل للتغيير مع تغير هذا العرف ، او مع الاستعانة بعرف مجتمع آخر . بل ان التساهل قد ادى ببعض البحوث الفقهية الى تسويغ تقاليد اجتماعية خاصة ، بدل مجادلة الواقع بحثا عن اجتهاد قريب من روح الدين. اقول ليس هذا هو المحل المناسب لنقاش هذه المسألة ، لكن من المهم الاشارة الى ان المضمون القيمي لحملة "ولي امري ادرى بامري" يتعارض مع روح الدين الحنيف تعارضا لا يخفى على اي قاريء للشريعة ، رغم انها تدعي الانطلاق من تعاليم الدين وشريعته.

31 أغسطس 2009

24/08/2009

«ولي أمري أدرى بأمري»: زاوية مختلفة



حملة «ولي أمري أدرى بأمري» تستحق التقدير والإشادة لسبب وحيد هو كونها أحد البواعث المحتملة لقيام الحركة النسائية التي نعتقد أنها ضرورية للمجتمع السعودي. بعض القراء سوف يغرق في الضحك من هذا التحليل. لكن دعنا نؤخر الضحك إلى النهاية لعلنا نكتشف أسبابا أخرى أو نعيد النظر. وأشير هنا إلى نقطتين: 

تتعلق الأولى بمشاركة المرأة في الشأن العام، والتي تعتبر مسلمة معروفة في تجارب التنمية البشرية أو الشاملة. تمكين المرأة يعني تمكين نصف المجتمع، وهو يكتسي أهمية خاصة في المجتمعات التقليدية نظرا لأن معظم الجهد التنموي يستهدف إعادة توزيع القيم وتجديد التقاليد الاجتماعية بما يناسب الحياة المعاصرة. أما النقطة الثانية فتتعلق بالحركية الاجتماعية social mobility التي تعتبر معيارا لقابلية المجتمع للتغيير والتطور. الحركية الاجتماعية في أرقى أطوارها تتمثل في تحول بعض شرائح المجتمع من منفعل سلبي بنشاطات الآخرين إلى فاعل أو مشارك في الفعل.

 إذا تزايدت الشرائح التي تقوم بمبادرات وتسعى للتأثير في المجال العام، فإن المجال العام بذاته سيكون نشطا ومتنوعا. كل مبادرة تولد حراكا في جانب يستنهض حراكا موازيا، مماثلا أو معاكسا. ويفتح الطريق أمام أنواع جديدة من المبادرات. مسمى المبادرة التي نتحدث عنها اليوم وأسماء المشاركين فيها ليست مهمة، حجمها عند الولادة ليس معيارا، أهدافها المعلنة ليست مؤشرا نهائيا على طبيعتها. ما هو مهم هو نفس المبادرة والتموج الذي نتوقع أن يحدث بعد قيامها.


تاريخيا كان الدور الاجتماعي للمرأة السعودية محدودا أو معدوما. وأقصد بالتحديد دورها كفاعل اجتماعي أو كصانع لتيار اجتماعي. النشاطات القليلة التي قامت بها السيدات السعوديات كان أغلبها ملحقا بنشاطات رجالية أو خاضعا لأجندات رجالية.

 المجتمع السعودي بقي خاليا من حركة نسائية مثل تلك التي نعرفها في البلدان المجاورة وبلدان العالم الأخرى. الثقافة العامة والتقاليد الموروثة أعطت للرجال احتكارا فعالا وكاملا للمجال العام وما يدور فيه من نشاطات. ونتيجة لهذا لا ينظر المجتمع السعودي إلى المرأة كعامل تأثير في الثقافة أو الحركة الاجتماعية أو منظومات القيم. بل إن كل شيء يتعلق بالمرأة نفسها يصدر عن الرجال، من معايير السلوك إلى الثقافة إلى القرار...إلخ.

المبادرة الجديدة تقدم فرصة لتغيير في المعادلة القائمة، أي المعادلة التي تفرض على النساء البقاء في الصفوف الخلفية وانتظار أن يحدد لهن الرجال أدوارهن وأعمالهن وطريقة تفكيرهن ونظام معيشتهن. أفهم بطبيعة الحال أن مبادرة بهذا الحجم الصغير لن تصنع ذلك التغيير، كما أن هذه المبادرة بالذات تؤكد على بقاء النساء في الصفوف الخلفية، ولذلك فليس متوقعا أن تقود بذاتها إلى عكس ما تسعى إليه. لكني أنظر ـــ كما أسلفت ـــ إلى المبادرة من حيث هي، وإلى التموجات الموازية التي يمكن أن تحدثها. المبادرات التأسيسية، أي تلك التي تنطلق من واقع جامد أو متوقف، تعطي للجميع نموذجا محتملا. 

إذا دعوت الناس إلى تحمل المسؤولية في مجتمع ساكن، فسوف يتردد معظمهم وسوف يحتجون بصعوبة العمل أو استحالته. سيقول لك الناس: لو كانت الدعوة عملية وواقعية أو ممكنة لتسابق إليها عشرات من الناس. انكفاء الناس جميعا دليل على وجود مانع حقيقي، قد يكون القانون أو العرف أو رد فعل المجتمع أو أي عائق آخر، المهم أن انعدام النموذج يساوي ـــ في رأي الناس ـــ عدم إمكانيته أو عدم جدواه.

لهذا السبب، ولهذا السبب فقط، أجد في حملة «ولي أمري أدرى بأمري» إشارة تبعث على التفاؤل، وأعتقد أنها ستفتح الباب أمام مبادرات موازية، مماثلة أو معاكسة كما أشرت.

أفهم أن هذه المبادرة تنطلق من مفهوم رجعي أو نكوصي للعلاقات الاجتماعية، ولهذا السبب ربما اعتبرها بعض الناشطين والناشطات معيقا للتطور. ومع تقديري لهذا القلق، فقد فضلت مناقشة الحدث من زاواية مختلفة. أما مناقشة مضمون الحملة فسوف أتركها لمقال مقبل بعون الله.
الاثنين, 24 أغسطس 2009 

19/08/2009

مجتمع العبيد


؛؛ اهتزاز شخصية الفرد وتبعيته العمياء للاخرين ، هي ثمرة لثقافة عامة تنبذ التسامح وتنكر استقلال الفرد وتساويه في القيمة مع الاخرين ؛؛


حتى منتصف القرن العشرين كان بوسعك ان ترى رجالا ونساءا يباعون ويشترون او يورثون بعد موت اسيادهم ، مثل اي بضاعة اخرى في السوق. لكن العبودية او الرق زالت من العالم تماما. واصبح جميع الناس - من الناحية القانونية على الاقل – احرارا. بالنسبة للمملكة  العربية السعودية فان اخر العبيد قد حرروا بموجب بيان وزاري في نوفمبر 1962.


الكلام حول الحرية لا ينظر اذن الى موضوع الرق، بل الى درجة الحرية التي يتمتع بها الانسان العادي ، اي الفرد الذي يملك نفسه وارادته ، ويستطيع – نظريا على الاقل – ان يفعل ما يمليه عليه عقله او ترغب فيه نفسه. يدور جدل الحرية المعاصر حول الموانع الداخلية ، تلك التي ترتبط بثقافة الفرد وتكوينه النفسي والروحي ، والموانع الخارجية ، اي تلك التي ترتبط بالقانون او السياسة او المجتمع. 

 لعل ابرز المعوقات الداخلية لتحرر الانسان هو الطفولة الثقافية او النفسية ، اي اعتقاد الفرد بانه ما يزال بحاجة الى كفيل او راع او حام او وصي او ناظر او مرشد يفكر نيابة عنه ويختار له طريق السلامة في حياته. تجد مثل هذا الفرد مبهورا بما عند كفيله او مرشده ، وانبهاره هذا يترجم في صورة ذوبان تام في شخصية المرشد اوالكفيل ، بحيث يسير وراءه مغمض العين ، محجوب الفكر . كلامه تكرار لكلام الكفيل وعاطفته انعكاس لحبه وبغضه.

 مثل هذا الفرد لا يوصف بانه حر ، كما انه ليس عبدا في المعنى القانوني . ولعلنا نعتبره ناقص الحرية او تابعا. تجسد الحرية في مفهومها العام قابلية الانسان على صياغة وجوده المستقل ونظام حياته وتعديلها بين حين واخر بحسب ما يمليه عليه عقله. يجادل المفكرون بان هذه القدرة فطرية وجزء من طبيعة الانسان وتكوينه .

 يتميز الانسان على سائر المخلوقات بعقله وارادته وقدرته على اختيار طريقه واعادة توجيه مساره الحياتي بين حين وآخر . يستطيع الانسان تغيير صفاته وسلوكياته بشكل ابداعي ومتجدد ، بحيث يكون هو المتحكم في معيشته ومتبنياته وعمله وعلاقته مع العالم المحيط ، وفي تحديد اهدافه ومصيره  النهائي. شعور البعض بالحاجة الى كفيل ومرشد لا ينفي حقيقة ان كل فرد بذاته قادر على ان يقرر كيف سيكون وماذا سيفعل بغض النظر عن ارادات الاخرين.

قد يظن بعض القراء ان هذه مسألة شخصية ، فطالما كان الانسان قادرا على اختيار الطريق ، فمن الافضل اذن ان ينشغل بها الفرد الذي يعاني منها . لكن الحقيقة انها من قضايا  الشأن العام . افتقار الفرد الى الارادة الحرة ، او تبعيته العمياء للاخرين ، هي ثمرة لثقافة عامة تتصف بعدم التسامح او عدم الاقرار بمكانة الفرد واستقلاله وتكافؤه القيمي مع الاخرين. في غالب الاحيان فان المجموعات المتعصبة والراديكالية تلعب على هذه الورقة .

 تتحول الفكرة المتطرفة الى جماعة متطرفة عندما يقتنع بعض الافراد بالطاعة الكاملة لشخص معين ، قد يكون صاحب الفكرة او رجلا حالما او شخصا ذكيا ذا نزعة قيادية . تتوسع الجماعة من خلال الضغط الثقافي والنفسي على الافراد الاقل قدرة على محاكمة الافكار الجديدة ، ويمارس الاعضاء المتحمسون نوعا من غسيل الدماغ على انفسهم وعلى الافراد المستهدفين ، بغرض اقناعهم بان طريقهم هو سبيل الخلاص الوحيد وان بقية الناس جميعا مضللون او جاهلون . هذه القناعة هي التي تبرر للفرد التخلي عن ارادته بتذويبها في ارادة الجماعة ، وتوجيه عقله ونشاطه الفكري في الاتجاه الذي اختارته الجماعة .

هل يستطيع فرد ذائب في جماعة ان يتحرر منها ؟

نعم هو قادر بكل تاكيد ، لان الانسان يستطيع في كل الاحوال ان يستخرج عقله من صندوق الجماعة المغلق ، ويمنحه الفرصة كي يحاكم وضعه الراهن ويقارنه باوضاع الاخرين او بما ينبغي ان يكون عليه.  وينبغي للمجتمع الذي يخشى من تفاقم دور الجماعات المتعصبة والراديكالية ان يبحث عن الشروط والوسائل التي تجعل افراده قادرين على مراجعة احوالهم ونقدها والتفكير فيها واعادة صياغتها بين حين واخر ، كي لا يصبح انضمام الفرد الى الجماعة الراديكالية اعلانا عن مصيره النهائي.

17/08/2009

دعاة الحرية وأعداء الحرية

الذين يدعون إلى الحرية والذين يرفضونها ، ينطلقون من رؤيتين حول طبيعة الإنسان ، تتعارضان في المبدأ أو في التطبيقات. تركز الرؤية الأولى على الجانب البيولوجي الذي يشترك فيه الإنسان مع بقية الحيوانات. ويعتقد أصحابها أن الناس لو تركوا من دون رقيب ، فسوف يتحول اجتماعهم إلى ما يشبه الغابة ، التي يأكل فيها القوي حق الضعيف ، فلا يردعه إلا ظهور من هو أقوى منه.

الذي يحول بين الناس وبين عودتهم إلى الطبيعة الحيوانية ، هو وجود السلطة القاهرة التي تخيف القوي وتحمي الضعيف. أما أصحاب الرؤية الثانية ، فيعتقدون أن الإنسان بطبعه مخلوق خير ، وأنه مؤهل ذاتيا كي يكون عطوفا أو يكون باغيا. فطرة الإنسان تدعوه إلى مواساة الغير والتألم لما يصيبهم وليس العدوان عليهم. وإنما يميل إلى العدوان بتأثير التربية أو الظروف المحيطة به.
ترجع كلتا الرؤيتين إلى أزمان متطاولة ، ولذا يصعب الجزم بتاريخ محدد لظهور أي منهما ، أو ما إذا كانت قد سبقت أختها. المؤكد أن كلاهما كان معروفا في التراث الفلسفي والإنساني القديم. ما نستفيده من تاريخ المعرفة ، هو أن الرؤية المتشككة في طبيعة الإنسان ، سيطرت على الفكر الإنساني حتى القرن السادس عشر الميلادي ، حينما بدأت في التراجع لصالح نظيرتها المتفائلة ، وصولا إلى القرن التاسع عشر ، الذي هيمنت فيه الفكرة الاخيرة على الفلسلفة والفكر الإنساني لا سيما في العالم الغربي.
يمكن بسهولة ملاحظة انعكاسات كل من الرؤيتين على أسلوب التعامل مع عامة الناس ، سواء من جانب المؤسسات الحكومية التي تطبق القانون ، أو حتى الشركات التجارية التي تعمل في ظل القانون. ولعل الذين عاشوا في البلاد الغربية أو زاروها ، قد لاحظوا بالتأكيد كيف أن تلك المؤسسات والشركات ، تبني على الثقة في تعاملها مع مراجعيها والمتعاملين معها.
 حين تبعث برسالة إلى دائرة حكومية أو شركة تجارية تطلب شيئا ما ، فإنهم ينظرون إليها بثقة ولا يهملونها ، كما لا يطلبون منك الحضور شخصيا. يكفي أن تذيل الرسالة بتوقيعك وعنوانك ، كي يأخذ طلبك مساره الاعتيادي للتنفيذ.
يعلم هؤلاء أن بعض الناس قد يعبث أو قد يستغل القانون. لكنهم – قبل ذلك - يؤمنون بأن الأغلبية الساحقة من الناس طيبون ، يريدون العيش بسلام في ظل القانون ، ولا يبحثون عن مشكلات. قارن هذه الطريقة بنظيرتها المعتادة في المجتمعات التقليدية ، حيث لا تستطيع إجراء معاملة إلا إذا حضرت شخصيا ، وعرضت بطاقتك المدنية ، وربما يطلب منك إحضار من يشهد على قولك أو يزكيك ، كما هو الشأن في دوائر القضاء، أو ربما يطلب منك إحضار ورقة تعريف من العمدة أو شيخ القبيلة.. إلخ.
الذين رأوا أن الإنسان أميل بطبعه إلى الجانب الحيواني ، قالوا إنه يتصرف بتأثير نفسه السفلى ، أي تلك التي تضم غرائزه الحيوانية وشهواته. وهي تميل به إلى الاستحواذ والسيطرة والتسلط والعدوان. والذين رأوا أن الإنسان أميل إلى الخير ، قالوا بأنه لو ترك وشأنه فإن عقله وإنسانيته ، ستقودانه إلى التزام حدوده وإلى التعاون مع الآخرين من أجل تحسين النطاق المعيشي المشترك فيما بينهم.
ذهب إلى الرؤية الأولى معظم قدامى الفلاسفة ، ومن بينهم الفلاسفة المسلمون. ويذهب إليه في العصر الراهن التيارات المحافظة والشمولية ، في شرق العالم وغربه. ويرى هؤلاء جميعا أنه لا سبيل لتحسين بيئة العيش الإنساني ، إلا بوجود أنظمة وقوانين متشددة ، تحدد المسموح والممنوع ، ووجود دولة قوية تفرض تلك القوانين كي لا يعيث الناس في الأرض فسادا.
وذهب إلى الرؤية الثانية الفلاسفة الرومانسيون. ثم أصبحت في العصر الحديث أرضية تقوم عليها الفلسفة الليبرالية ، ولا سيما في موقفها من الحريات الشخصية والمدنية.
تؤمن هذه الفلسفة بالحاجة إلى القانون كما تؤمن بالحاجة إلى دولة قوية يحترمها الجميع.
لكن دور الدولة هنا يختلف عن نظيرتها المحافظة. فغرضها ليس إجبار الناس على الصلاح. بل توفير الحماية القانونية للجميع كي يمارسوا حريتهم ، من دون أن يخرقوا حدود الآخرين ، أو يتجاوزوا على حقوقهم.
بعبارة أخرى ، فإن هذه الرؤية تريد دولة محدودة التدخل. بينما تدعو الرؤية الأولى إلى تدخل لا محدود من جانب الدولة ، في الحياة العامة وربما الخاصة أيضا. كلتا الرؤيتين لهما مبررات وأدلة. لكن الواضح أن الرؤية المتشائمة تنتمي إلى الماضي بينما تنتمي الثانية إلى العصر الحديث.

    صحيفة عكاظ  - 17 / 8 / 2009م
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20090817/Con20090817299063.htm

03/08/2009

مجتمع الاحرار



في يوم بارد من شتاء 1984 وصلت الى مدينة الباسو غرب ولاية تكساس الامريكية ، التي تحاذي مدينة اخرى كانت تحمل الاسم نفسه لكنها تتبع جمهورية المكسيك. تقع الاولى على مرتفع من الارض وتقع الثانية في الوادي. وقفت وزملائي على حافة المرتفع ونظرنا الى الباسو المكسيكية .

 لا ادري اذا كان حال هذه المدينة البائسة قد تغير اليوم ، لكني شعرت في ذلك اليوم بالفارق الهائل بين المجتمعات التي تنعم بالحرية وتلك المحرومة منها . تجد اثار ذلك على الناس كما في الاشجار والمباني والطريق ، وفي كل شيء تقريبا .

اذا كان احد سيجادل في صحة استنتاجات العلماء طوال التاريخ حول العلاقة الوثيقة – واحيانا السببية - بين تحرر الانسان وتقدمه ، فان تجارب الانسانية في مختلف عصورها ولا سيما في عصرنا الحاضر دليل قاطع على ان تقدم الانسان وازدهاره مشروط بتحرره من القيود الداخلية التي تكبل روحه وعقله ، ومن القيود الخارجية التي تكبل حركته ومبادراته .

قارن بين حال المجتمعات التي حصلت على الحرية ، كما هو الحال في الدول الصناعية ، وتلك التي لا زالت سجينة قيودها الداخلية والخارجية مثل مجتمعات العالم الثالث . واذا كان احد سيحتج بوجود عوامل اخرى لتخلف هذه عن تلك ، وهو احتجاج لا نختلف فيه ، فان مقارنة الدول الاوربية نفسها ، تلك التي تحررت ثقافيا وسياسيا منذ زمن طويل ، وتلك التي لا زالت حديثة العهد بالحرية ، تكشف بالتاكيد عن العلاقة الوثيقة بين الحرية والتقدم. 

ثلاث دول يمكن ان تضرب مثلا على هذا: فرنسا التي تحرر شعبها منذ زمن طويل ، والبرتغال الاحدث عهدا بالحرية واسبانيا التي تقع في منتصف المسافة بين الاثنتين. هذه ثلاث دول تعيش ضمن محيط اقليمي واحد ، وتدين شعوبها بدين واحد لكن الفرق شاسع بين مكانة كل منهما في تقدم العلم والثقافة والتقنية وفي القوة والتاثير على المستوى الدولي .

قارن ايضا بين دولتين متماثلتين في كل شيء تقريبا عدا النظام السياسي : كوريا الشمالية واختها الجنوبية . يعاني الشماليون من الجوع والفاقة ، بينما المنتجات التقنية لاخوتهم في الجنوب تملا الاسواق في شرق العالم وغربه.

قارن ايضا بين شرق المانيا وغربها قبل اتحادهما وبعد الاتحاد. شعب واحد مقسم بين نظامين سياسيين ، احدهما يحمي الحريات الفردية والمدنية والاخر يحجبها او يحددها . بين قيام الدولتين قبيل منتصف القرن العشرين واتحادهما في اوائل التسعينات من القرن نفسه تحولت المانيا الغربية الى ثاني اقوى اقتصاد في العالم وارتفع انتاج التقنية ومعه مستوى المعيشة الى الصف الاول على المستوى العالمي ، بينما بقيت المانيا الشرقية دون المستوى المتوسط في معيشة شعبها وفي انتاجها العلمي والتقني وفي دورها على المستوى الدولي .

الفرق الوحيد بين شطري المانيا هو احترام الحريات في شطرها الغربي وهيمنة الاستبداد في شرقها ، الى ان قرر الشرقيون ان لا حل سوى اعادة توحيد البلد المقسم ، اي – في حقيقة الامر – الغاء النظام الشرقي والانضواء تحت لواء النظام القائم في الشطر الغربي.

يتقدم المجتمع اذا اصبح افراده احرارا . ان تكون حرا يعنى ان تملك حق الاختيار بين بدائل عديدة لحياتك وتفكيرك وعملك وسلوكك الشخصي ، ان تكون آمنا حين تعبر عن رايك ونتاج عقلك حتى لو خالف المعتاد والسائد ، وان تكون قادرا على تحقيق ذاتك من خلال خياراتك الخاصة. يفقد الانسان حريته حين يفرض عليه الاخرون نمطا من الثقافة او السلوك او العمل او المعيشة ، او حين يتدخل الاخرون بشكل اعتباطي في خياراته الخاصة.

من الناحية الواقعية فان معظم خيارات الانسان تخضع لقانون البلد. ما هو ممكن او ممتوع يتبع غالبا معايير محددة . لكن الصحيح ايضا ان القانون قد يكون ضيقا الى درجة استعباد الناس ، والصحيح ايضا ان الاخرين قد يتجاوزون القانون ويفرضون عليك مراداتهم خارج اطاره.

القانون ليس كلمة القوي ، بل القواعد التي جرى اقرارها سلفا وصدرت بشكل رسمي واعلنت من جانب الجهة التي لها وحدها الحق في وضع القانون.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...