؛؛ نظريا ، يعزز الايمان اطمئنان
النفس والسلام مع العالم، لكنا لانرى هذا واضحا في التيار الديني. الدعاة والناشطون
يتحدثون بلغة خشنة ، ربما تنم عن افتقارهم للسلم النفسي ؛؛
عبده خال |
وتشهد المملكة انكارا متزايدا للتشدد الذي يلبس عباءة
الدين. وكتب الروائي المعروف عبده
خال عن حادث
تعرض له قبل ثمان سنين، يشكل فيما يبدو خلفية لموقفه المعارض
للهيئة:
"ضربت ضربا مبرحا... أمسك بخاصرتي وعنقي وأخرجني
بكل قوة، ممزقا ثيابي وجسدي، وأحدث تهتكات في رقبتي وخاصرتي. كان منظري يدعو
للرثاء حيث تجمع الناس حولنا من كل جهة. وانطلقت مع زوجتي إلى شرطة النزلة، لتقديم
بلاغ، إلا أن الرائد قال لي: أنت مجنون هل هناك أحد يشتكي هيئة الأمر بالمعروف ...
حاولت جادا كتابة هذه الحادثة في حينها إلا أنني لم أفلح لأن الهيئة كانت في حصانة
مبالغ فيها، حصانة من الشكوى أو نشر أخطاء أفرادها".
تقدم هذه القصة الواقعية صورة نموذجية عن تعامل الهيئة
مع الجمهور. لكن التشدد والخشونة ليس حكرا على الهيئة. بل اصبح سمة غالبة في
التيار الديني يشعر بها انصاره ومعارضوه. وهو ظاهر في الخطاب اللفظي والمكتوب ،
كما في المواقف الاجتماعية والسياسية. ربما يمتاز الاتجاه السلفي عن غيره بتساهله
في التكفير وطغيان مفردة "كفر" ومشتقاتها في ادبياته ، لكن بقية
الاتجاهات الدينية لا تخلو من اشكال تشدد من هذا النوع او غيره.
هناك بطبيعة الحال تفسيرات عديدة لظاهرة التشدد
المستشرية هذه. لكني احتمل ان سببها الرئيس هو افتقار التيار الديني الى حالة
السلام النفسي الذي يفترض ان يكون الثمرة المباشرة للتدين والاتصال بالله سبحانه. حين
يكون الانسان في سلام مع ذاته ، فانه على الاغلب سيميل الى مسالمة الاخرين، وحين
يكون متوترا في داخله فان كلماته وتصرفاته ونظرته الى الاخرين ستحمل طابع
التوتر.
نعرف هذا من التأمل في ما يكتبه الدعاة والناشطون
في مواقع الانترنت والصحف التي تمثل التيار الديني، وما يقولونه في خطبهم ودروسهم
واحاديثهم المسجلة. في منتدى "الساحة العربية" الاماراتي او نظيره
السعودي "الساحات الحرة" وامثالهما ، سوف تجد المشاركين، وبعضهم رجال
دين ودعاة معروفون بالاسم، يكتبون بلغة خشنة ويستعملون الفاظا نابية، ويبالغون في
التهجم على منافسيهم. ليس فقط ضد معارضي التيار الديني ، بل وايضا ضد المشايخ
والشخصيات البارزة في التيار الديني نفسه اذا اختلفوا معهم في راي او موقف.
ونظرا لصعوبة الدفاع عن هذا السلوك الفظ ، فقد ساد الميل
في الاونة الاخيرة الى التبرؤ من امثال هذه المواقع ، ورفض نسبتها الى التيار
الديني، واعتبارها مجمعا للجهال والسوقة. لكن مواقع الانترنت الخاصة بالمشايخ
المعروفين والجماعات النشطة لا تخلو من هذه التعبيرات.
التهجم على الغير بالفاظ خشنة هو احد الوجوه . اما
الوجه الاخر فهو التبشير بالمؤامرة الدولية على الاسلام والمسلمين. وهي مؤامرة
متنقلة يتغير اطرافها بحسب موقف المتكلم. يوما كان صدام حسين هو راس حربة
المؤامرة الافتراضية، فاذا به بعد اعدامه بطل المقاومة ضد المؤامرة. وكانت
الشيوعية هي اداة المؤامرة في الماضي، فاذا بالمؤامرة الدولية تستاجر اليوم
القنوات التلفزيونية والصحافة. وكان اليهود هم المستفيد الاول من المؤامرة اما
اليوم فانهم يقتسمون الغنيمة مع الشيعة والصوفيين. وكان الحداثيون هم الطابور
الخامس حتى اواخر القرن الماضي، اما اليوم فقد جند ايضا المشايخ الذين اقلعوا عن
التشدد وانتهجوا طريق الاعتدال والمسالمة مع المختلفين.
الكلام عن المؤامرة والتامر يستهدف تعبئة الانصار واثارة
الحماس فيهم. لكنه ايضا ينقل الى انفسهم حالة التوتر التي يعيشها الداعي او
المتكلم. ويستشهد هؤلاء عادة باشخاص وحوادث ونقولات مقتطعة – واحيانا كاذبة - من
هنا وهناك بغرض تحديد العدو المقصود وتضخيم الصورة الذهنية للمعركة الافتراضية.
وفي نهاية المطاف فان المتلقي يتخيل نفسه في قلب المعركة التي تستلزم حماسة كاملة
وانتباها مفرطا وارتيابا في كل حركة او اشارة تبدر من الطرف الاخر. في وسط
المعركة، لا وقت للكلمة الطيبة ولا للجدال بالحسنى. انت هناك قاتل منتصر او قتيل
مهزوم. ولهذا فالذاكرة النشطة ستكون حكرا على ادبيات الغلبة والقتل والاكتساح. حين
يفتقد الانسان السلام الداخلي يتصور العالم حربا مشتعلة ، وحين يكون وسط المعركة
فان دافعه الاول والاقوى سيكون غريزة البقاء ، وهو يساوي غالبا فناء الغريم.
نشر في الايام Thursday 8th April 2010 - NO 7668
http://www.alayam.com/Issue/7668/PDF/Page21.pdf
مقالات ذات علاقة
أن
تزداد إيماناً وتزداد تخلفاً
تشكيل
الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة
تحولات
التيار الديني -1 : تصدعات وقلق المؤامرة
التراث
الاسلامي بين البحث العلمي والخطاب الجماهيري
التيار
الديني الاصلاحي امام خيار حاسم
جدل
الدولة المدنية ، ام جدل الحرية
الحل
الاسلامي بديع .. لكن ما هو هذا الحل ؟
عن طقوس
الطائفية وحماسة الاتباع
العلم
في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل
فتاوى
متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني
فقد
الدِين وظيفته الاجتماعية لأنه أصبح حكرا على طبقة
ما الذي
نريد: دين يستوعبنا جميعاً أم دين يبرر الفتنة.
المحافظة
على التقاليد .. اي تقاليد ؟
مثال
على طبيعة التداخل بين الدين والعلم