07/10/2015

سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة


 رغم موقف روسيا الواضح من الأزمة السورية، فإن دخولها الميداني الثقيل كان مفاجئًا لأكثر المراقبين. ربما لهذا السبب يتحدث المحللون الآن عن عودة محتملة للنظام الدولي ثنائي القطبية، الذي رسم صورة العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى تفكك الاتحاد السوفياتي في 1991.
وليس خفيًا أن استرجاع موسكو لدورها القديم يمثل واحدًا من محركات التأزم في العقيدة الاستراتيجية/ السياسية الروسية، سيما بعد حصول واشنطن على تسهيلات عسكرية في جورجيا، وقرغيزيا، وأوزبكستان، فضلاً عن انضمام جمهوريات البلطيق إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يضعها تحت حماية حلف الناتو. وكانت هذه الدول جميعًا جزءًا من الاتحاد السوفياتي قبل انهياره، وتعتبرها موسكو حزامًا حرجًا لأمنها القومي.
خلال العقدين الماضيين، كانت روسيا مضطرة للاعتماد على الأسواق ومؤسسات التمويل والاستثمارات الأميركية والأوروبية لدعم اقتصادها الضعيف. ولذا، فقد ترددت في القيام بأي مبادرة تكبح التمدد الأميركي على حدودها. كما أن أبرز حلفائها المحتملين؛ أي الهند والصين، لم يثقوا كثيرًا بسياساتها على المدى المتوسط والبعيد، ولم يرغبوا في مصارعة الولايات المتحدة من أجلها.
جاءت لحظة التغيير في 2013 حين انتفض الأوكرانيون ضد الحكومة الموالية لموسكو، وأقاموا حكومة جديدة أوروبية الهوى، فردت روسيا بضم إقليم القرم ذي الغالبية الروسية في العام التالي. وهو موقف أدى إلى فرض عقوبات أميركية وأوروبية قاسية ضد روسيا.
أعتقد أن سلسلة العقوبات التي فرضها الغرب على شركات وشخصيات وقادة في الجيش الروسي، كانت اللحظة الفاصلة التي جعلت روسيا في قلب أزمة، طالما كان التخوف منها سببًا لترددها. ولهذا كان الرد الطبيعي عليها هو انبعاث النقاشات في روسيا، حول تراجع دورها العالمي وضرورة استعادته بأي طريقة.
الصحافيون الذين شاركوا في معرض ماكس للطيران في أغسطس «آب» الماضي، لاحظوا أن الحكومة الروسية قد تعاملت معه كحدث استثنائي، فقد افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا، ودعي إليه عشرات من الشخصيات السياسية الأجنبية، وأعلن خلاله عن إطلاق معدات جوية وفضائية جديدة، بينها الميغ 41 المتعددة المهام، التي تنتمي إلى الجيل السادس، وهو الأحدث في مجال الطيران الحربي. تساءل المراقبون إن كان هذا الحشد الرسمي مجرد حملة تسويق دولية، أم تأكيدًا لعودة موسكو إلى منافسة واشنطن على الساحة الدولية.
الأسلوب الذي تبعته روسيا في عملياتها في سوريا يثير الفضول هو الآخر. فهي احتاجت بضعة أيام فقط بعد إعلان وصول قواتها إلى اللاذقية كي تبدأ عملياتها الجوية. وهي اختارت أن تبدأ منفردة، ولم تقم بأي جهد لتشكيل تحالف دولي على غرار ما فعله الأميركيون. كما أن الحجم الأولي للعمليات كان واسعًا، بحيث ترددت أصداؤه في جميع الدول المهتمة بالأزمة السورية. بعبارة أخرى، فقد كان الدخول الروسي إلى الميدان احتفاليًا، يؤشر على المعاني السياسية المقصودة بأجلى الصور.
ما هو الغرض المباشر إذن؛ أي كيف تستثمر موسكو الأزمة السورية لتحقيق استراتيجيتها الدولية الجديدة؟
أميل إلى الاعتقاد بأن غرض روسيا الفعلي هو فرض أجندتها الخاصة لمؤتمر جنيف - 3. ويبدو أنها تستثمر التردد الأميركي، وأزمة اللاجئين في أوروبا. إنها، بكلمة أخرى، تستثمر الفراغ الذي خلفه إخفاق مشروع واشنطن لخلق معارضة على قياسها، وتستثمر انشغال العرب وأوروبا في قضاياهم الخاصة.
انعقاد مؤتمر جنيف - 3، وفق الأجندة الروسية سيكون فاتحة إنجازاتها الكبرى في منطقة نفوذها التقليدية، وهو بوابة عودتها إلى المجال الدولي كصانع تغيير، لا مجرد مستشار لواشنطن كما كان الحال حتى وقت قريب.
يمكن القول إذن إن سوريا قد تكون بوابة لعودة نظام الاستقطاب الثنائي في العلاقات الدولية. وهو تحول - إن حدث فعلاً - فسوف نرى عالمًا مختلفًا عما عهدناه خلال ربع قرن مضى.

الشرق الاوسط 7-اكتوبر 2015

http://aawsat.com/node/468536

01/10/2015

وجه آخر لأزمة اللاجئين السوريين



الزحف الواسع للاجئين العرب نحو الدول الاوروبية سوف يتحول على الارجح الى موضوع اهتمام رئيسي في مراكز الابحاث الأوربية. لعلها المرة الاولى بعد الحرب العالمية الثانية، التي تشهد اوربا زحفا بشريا بهذا الحجم عبر حدود دولية عديدة، من دون اتفاقات أو ترتيبات اقليمية. لم يسبق - بحسب علمي - ان انتقل نحو ألف شخص، خلال اسابيع قليلة، بشكل مفاجيء الى دول بعيدة نسبيا وغير معنية مباشرة بالازمة التي أخرجتهم من بلدانهم.
شكل هذا الاختراق تحديا جديا للمفاهيم الكلاسيكية حول الحدود والسيادة واللجوء الانساني. وهي من المفاهيم الاساسية في النظام الدولي. واذا تمت مراجعة أساسية لهذه المفاهيم فسيكون لأولئك الضعفاء الهاربين من جحيم الحرب، الفضل الأكبر في تطوير النظام الدولي على نحو يجعله أكثر مرونة وانفتاحا وأكثر انسانية.
ثمة مؤشرات طيبة عن استعداد اوربي لمراجعة تلك المفاهيم التي يرجع أحدثها الى الربع الثاني من القرن العشرين. من بينها مثلا النقد الواسع نسبيا لموقف دول اوربا الشرقية التي أغلقت حدودها بوجه المهاجرين، رغم انه - من الناحية القانونية البحتة - منسجم مع المفاهيم الراسخة حول الحدود والأمن الوطني والسيادة. ونظرا لهذا النقد فقد بررت تلك الدول تشددها بعوامل اقتصادية بحتة مثل العجز عن اعاشة اللاجئين. بينما جرت العادة على التوسل في حالات كهذه بمبررات الأمن والسيادة. ومن بين المؤشرات أيضا حديث انجيلا ميركل رئيسة الحكومة الالمانية عن «تغير ألمانيا» بعد اعلانها استقبال نصف مليون لاجيء خلال هذا العام، ومثل هذا العدد في الاعوام التالية. والمرجح ان حديث ميركل يشير الى التحول المتوقع في تركيب قوة العمل والتنوع الثقافي، فضلا عن العلاقات الاقتصادية المستقبلية مع الدول المصدرة للاجئين.
الموقف الالماني له أهمية خاصة، بالنظر الى ابتعاد المانيا عن الازمات الدولية بالقياس الى ابرز نظيراتها في أوربا، اي ايطاليا وفرنسا وبريطانيا، فضلا عن تصاعد التيار المعادي للمهاجرين في السنوات الأخيرة.
السويد التي عرفت أيضا بقلة المشاركة في القضايا الدولية خارج القارة الأوروبية انضمت الى المانيا في دعوة الاوربيين الى «إظهار مستوى لائق» من المسؤولية تجاه أزمة اللاجئين، والبحث عن حل للأزمة في الاطار الاوروبي. ولاحظ وزير الخارجية السويدي ان على الحكومات التحلي بحساسية أكبر تجاه المآسي الانسانية، لأن اللجوء لاسباب انسانية حق لكل شخص.
على المستوى السياسي يتوقع ان تتخلى أوربا عن موقفها تجاه الازمة السورية، الذي اتسم خلال السنوات الثلاث الماضية بقلة الاكتراث. الامر الذي يعزز الاتجاه نحو حل تفاوضي. من المؤكد ان قادة أوربا سيقولون ان الحل الصحيح لمشكلة اللاجئين يبدأ في مصدر الازمة، فهو أقل كلفة - على المستوى الاقتصادي والسياسي الداخلي - من استضافة مئات آلاف اللاجئين كل عام. ابرز علامات التحول جاءت من بريطانيا التي قال رئيس حكومتها انه يتقبل فكرة التفاوض مع بشار الاسد على حل ينهي الحرب، وهو موقف شبيه لما عبرت عنه مستشارة المانيا في وقت سابق. كما يمثل تحولا هاما عن موقف اوربي سابق ينادي برحيل الاسد أولا.
من المفهوم ان الجدل حول دور بشار الاسد لا يتمحور حول شخصه، فالجميع، بمن فيهم حلفاؤه، يدركون ان دوره سيكون محدودا ومؤقتا. يتعلق الامر بمشاركة الجناح الموالي للحكومة الحالية في اي حل، بما يعني ان تسمية اطراف الحل ومساراته لن يكون بيد المعارضة المعروفة اليوم، بل في عهدة اطراف دولية، بينها بالتأكيد الاتحاد الاوروبي.
اذا صح هذا التحليل فهو يعني أيضا ان ذلك الزحف البشري الذي استهدف الفرار من جحيم الازمة، قد ساهم، ولو من دون قصد، في تغيير مسارها، ولا سيما باتجاه انتزاع القرار من ايدي حملة السلاح واعادته الى يد السياسيين. هذا تطور غير مقصود، لكنه يظهر ان الحراك الواسع للجمهور قد يغير معادلات ثقيلة الوزن.
الشرق الاوسط 1-10-2015
http://aawsat.com/node/463746

23/09/2015

الصنم الخامس



لطالما أثار فضولي وصف "الاصنام الاربعة" الذي وضعه فرانسيس بيكون (1561-1626). وتعتبر اعمال هذا الفيلسوف الانكليزي من المساهمات المبكرة في نظرية المعرفة الحديثة ، التي قادت الى تهميش المنطق اليوناني القديم.
لاحظ بيكون ان سنن الحياة وحقائق الكون واضحة وقابلة للادراك ، الى درجة يصعب اغفالها. ورغم وضوحها فان الناس لا يستوعبونها فلا يستثمرونها. بعض اصدقائه فسر المفارقة بأن الناس لا يستعملون عقولهم. لكن بيكون تساءل دائما: هل يمكن لاي شخص ان يوقف عقله؟. ليس العقل من الاعضاء التي تتحرك اراديا. العقل لا يتوقف ابدا.
فرانسيس بيكون
المشكلة حسبما رأى بيكون تكمن في احتجاب العقل وراء المسبقات الذهنية ، التي تحصر نشاطه في مسارات محددة. في حالة كهذه فان العقل يلاحظ أشياء كثيرة ، لكنه لا يراها ذاتها ، بل يراها أجساما مغلفة في ثوب يحجب حقيقتها. هذه خلاصة رؤية بيكون عن الاصنام الاربعة.
تراءى لي احيانا ان فرانسيس بيكون اغفل صنما خامسا. ولعل هذا الصنم خاص بنا نحن العرب والمسلمين ومن يمر بمثل ظرفنا التاريخي. دعني أسمي هذا الصنم "الزفة". وهو يشبه من حيث الوظيفة "صنم السوق" ، وهو الثالث من اصنام بيكون. لكنه يتمايز عنه من حيث الأثر.  صنم بيكون يعيق العقل عن رؤية الحقيقة. اما صنمنا فهو يحول تلك الحقيقة الى "كلام جرايد" كما يقول اخواننا المصريون. اي شيئا لا قيمة له.
لو بحثنا في صحافتنا وكلام أهل الرأي منا ، لوجدنا تحليلات قيمة وحلولا ذكية لمختلف القضايا التي برزت على السطح في السنوات الماضية. قد نتعجب اذا علمنا مثلا ان حلولا لمشكلة البطالة قد طرحت منذ عقد ونصف ، لكنا لم نطبق ايا منها ، وان المعالجات الضرورية للخلاص من الاتكال الكلي على اسواق البترول مدروسة ومعلنة منذ اربعين عاما ، وبعضها تم تبنيه رسميا في خطط التنمية الاقتصادية. لكن ايا من تلك الحلول لم ير النور.
الذي حدث اننا تحدثنا فيها كثيرا ، ثم جاءت قضايا أخرى فانتقلنا للكلام فيها وتوصلنا الى حلول ، ثم جاءت قضايا بعدها ، فانصرفنا الى السجال حولها. وهكذا. كل قضايانا اشبعناها بحثا ، لكن ايا منها لم يجد من يعلق الجرس او يسعى لتطبيق الحلول.  فكأن النقاش كان مجرد "زفة" تبدأ ، وتصل الى ذروتها ، ثم ينصرف الناس الى اعمالهم الاخرى وينسون ما جرى فيها وما قيل.
كل الناس سمعوا بالمشكلة ، وكل الناس سمعوا بالحلول المقترحة ، وكلهم نسوها او تناسوها. ليس لانهم اغبياء. بل لان زفة اخرى قد بدأت فانشغلوا بها. وهكذا تستمر حياتنا: زفة تتبعها زفة ، لكنا لا نخرج من اي زفة باي ناتج حقيقي.
اذا اردتم الاثبات فاسألوا المصريين عن التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل ، واسألوا الجزائريين عن توطين صناعة البترول ، واسألوا اللبنانيين عن اتفاق الطائف ، واسألوا السعوديين عن مشروع ال 200 مدرسة. كأن كلا من هذه القضايا الكبرى كان مجرد زفة ، انتهت عند منتصف الليل ، فأوى الناس الى فراشهم ، وفي الصباح عادوا الى حياتهم المعتادة وكأن شيئا لم يكن.
زبدة القول ان كثرة الكلام حول القضايا الكبرى اصبحت بديلا عن تعليق الجرس والانتقال من السجال حولها الى تطبيق الحلول. هذا ليس صنما يمنعنا من رؤية الواقع ، بل صنم يمنعنا من تغيير الواقع المليء بالعقد والمشكلات.
الشرق الاوسط 23-9-2015
http://aawsat.com/node/458816

انظر ايضا: فكرة المجتمع الملول/الضجر: نحو نماذج محلية للتنمية



20/09/2015

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

يمكن للدين ان يبرر الكراهية مثلما يبرر المحبة. لكن خطاب الكراهية بذاته خطاب مستقل ، يظهر في هذا الظرف او ذاك ، فيحتاج الى تبرير ايديولوجي كي يمسي مقبولا بين الناس. في العراق مثلا لم يرجع حزب البعث الى مبررات دينية قبل قصف القرى الكردية بالسلاح الكيمياوي خلال حملة الانفال. وفي المانيا استند خطاب الكراهية النازي على ايديولوجيا قومية وليس مبررات دينية. مثلما استند خطاب الكراهية في مجموعات الكوكلوكس كلان الامريكية الى دعاوى عنصرية ، اعتبرها اصحابها ايديولوجيا قائمة بذاتها. وجرى مثل هذا في جنوب افريقيا وغيرها.
الكراهية كسلوك او كمشاعر تشكل منظومة مستقلة ، تستعين بالمبرر المناسب في كل ظرف. نعلم ان اتجاهات الرأي العام تتباين من ظرف لآخر. لكن ما يهم دعاة الكراهية ومستثمروها هو اقناع عامة الناس بان هذا السلوك غير المقبول ، طبيعي او ربما ضروري.
على اي حال فان المشكلة التي نواجهها اليوم هي الجماعات التي تربط بين الكراهية والدين. ولهذا نحتاج الى التركيز على العوامل الدينية التي يمكن ان تبرر او تغذي مشاعر الكراهية او تحمي المصالح المرتبطة بنشر الكراهية.
في هذه المساحة الصغيرة سوف اقترح نوعين من العلاج ، هما تعزيز قيمة التسامح وفتح المجال الديني:
أ) نقصد بقيمة التسامح معناها الفلسفي ، اي اعتبار تعددية الحق ، وحق الانسان في اختيار المعتقد ونمط الحياة الذي يريد. ومحاربة الفكرة القائلة بان طريق الحق واحد ، او ان احدا من البشر مخول بجبر الآخرين على هذا الطريق. يجب تحويل هذا المفهوم الى عنصر رئيس في التربية المدرسية ، وفي التوجيه العام. هذا لا يعالج – بالضرورة – المشكلة الراهنة ، لكنه يساعد على تفكيك الذهنية التي تسمح بولادة خطاب الكراهية او تفاقمه. نحن – بعبارة اخرى – نوفر وقاية للاجيال الجديدة التي نخشى ان يجرفها تيار الكراهية والعنف.
ب) شهدت العقود الثلاثة الماضية ما يمكن اعتباره افراطا في توحيد المجال الديني ، ادى الى انقسامات مركزية. نحن اليوم نتحدث عن خمسة او ستة تيارات دينية تقتسم معظم الساحات. وجميع هذه التيارات تستثمر الموروث التاريخي في تعزيز مشروعيتها. ولهذا فهي تزداد انغلاقا مع مرور الزمن. وزاد في الوضع سوءا ان هذا العدد القليل من التيارات ، نجح – لاسباب مختلفة – في الاستيلاء على المجال السياسي الأهلي ، فاختلط الديني الذي طبيعته الثبات والاستمرار بالسياسي الذي طبيعته التحول والتنوع. ونتيجة لهذا اصبح الفضاء السياسي العام في اكثر من دولة عربية ، مغلقا او ضيقا على كل من يبحث عن خيارات بديلة او مختلفة.
في معظم الدول العربية ، ثمة صراع ظاهر او مكتوم بين فريقين: الدولة والتيار الديني ، الذي يتبنى في الغالب المقولات التقليدية الموروثة. هذا تعارض لا يمكن حله بادماج المجالين ، الرسمي والاهلي ، ولا بتحالف الدولة مع التيار الديني التقليدي، فهما عالمان متناقضان جوهريا.

الحل الصحيح هو فتح المجال امام حياة سياسية اعتيادية ، تساعد على ظهور خيارات بديلة للجمهور ، ومن بينها خصوصا خيارات دينية بديلة. اعتقد ان التعددية السياسية الحرة (اي غير التوافقية او المضبوطة بضوابط حكومية او دينية) يمكن ان تشكل أداة فعالة لاحتواء الطامحين والباحثين عن أدوار ، وهو المقدمة الضرورية لاصلاح خطوط الانكسار الاجتماعي والسياسي ، او على الاقل تلافي انعكاساتها الخطرة ، سيما تفاقم حالات الاحباط بين الاجيال الجديدة ، وهي الارضية التي تسمح بظهور الاتجاهات الراديكالية او تبرير الكراهية والعنف.

"القبس" الكويتية 20/09/2015 
http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1091015&CatID=323

09/09/2015

اجتياح الحدود



النزوح الجماعي باتجاه الاراضي الاوربية خلف الكثير من المآسي الانسانية التي شغلت العالم في الايام الماضية. لكنه أثار ايضا حاجة للتفكير في بعض القضايا التي لم تكن شديدة الالحاح. بين تلك القضايا يبرز سؤال عما اذا كان "اجتياح الحدود" سيتحول الى ظاهرة متكررة في ظروف التأزم الدولي والحروب الأهلية.
الاهتمام الاستثنائي بقضية اللجوء ليس سببه الوحيد هو العدد الكبير نسبيا الذي سجل خلال فترة قصيرة. بل يرجع في ظني الى خروج سيناريو الهجرة عن مساراته المعتادة ، حيث ينتهي اللاجيء في مخيم تسيطر عليه دولة مجاورة ، كما جرى للاجئين السوريين ، الذي تم استيعاب ثلاثة ملايين منهم في مخيمات ، اقامتها الدول المحيطة على حدود بلادهم.
شهد الاسبوع الماضي وضعا مختلفا. لسبب ما ، غادر الاف اللاجئين مخيماتهم باتجاه الاراضي الاوربية. وفي الوقت نفسه قرر الاف من الباحثين عن عمل ، وهم ليسوا لاجئين او لم يهربوا من حروب أهلية ، قرروا عبور البحر في نفس الاتجاه.
هل كان هذا عملا منظما ، ام كان مجرد فكرة انتشرت سريعا عن "فرصة سانحة" لتغيير الحال من خلال الهجرة؟. ثمة مؤشرات توحي بأن جهة ما أرادت خلق ظرف سياسي جديد. هذا هو المبرر المعقول لتواجد عشرات الالاف خلال فترة تقل عن ثلاثة  اسابيع ، في عدد محدد من المواقع ، ثم نقل معظمهم على قوارب ، توفرت فجأة ، وكانت جاهزة للمغامرة.
جاء اكثرية المهاجرين من السواحل الليبية والسورية والتركية. فهل كانت هذه المواقع مفتوحة وآمنة كي يمر من خلالها ستون الف مهاجر خلال اقل من أربعة أسابيع ، ام كان ثمة اتفاق على "غض النظر" عما يجري وترك الامور تسير الى نهاياتها؟.
على اي حال ، فقد اصبح العالم امام ظاهرة جديدة هي "اجتياح الحدود". ليس باتجاه مخيمات معدة سلفا ، بل هربا من المخيمات الخاضعة لسلطة الدولة. لا يمكن ايقاف حركة جمعية من هذا النوع بزيادة حرس الحدود او بناء سدود أو موانع. وكما حدثت اليوم باتجاه اوربا ، فقد تحدث غدا بأي اتجاه. لو اتجه عشرات الالاف الى بيروت او عمان مثلا ، فقد ينهار النظام العام وتتحول البلد الى فوضى عارمة.
رغم شعوري بشيء من الشك في عفوية هذه الظاهرة ، الا ان الأولى – في ظني – هو تجاوز الانشغال بالمسألة نفسها الى الدعوة لمعالجة أبرز أسبابها ، اي تدهورسلطة الدولة في بلد مثل سوريا وليبيا ، واستمرار النزاعات الاهلية في بلد مثل الصومال وجنوب السودان.
عدم الاستقرار هو المحرك الأول للهجرات الجماعية. واذا كان العالم قلقا من عواقب هذه الهجرات ، أو غير راغب في تحمل اعبائها ، فان عليه معالجة الاسباب ، بدل الانشغال بالنتائج. اعتقد ان النزاع الداخلي في سوريا والعراق وليبيا يتطلب اهتماما اكبر من جانب العالم العربي وأوربا. هذا ليس مطلبا اخلاقيا فقط ، بل هو مصلحة مادية وأمنية لدول المنطقة واوربا على وجه التحديد.
لا توجد دولة جاهزة لاستقبال ملايين البشر الهاربين من جحيم الحرب. هذا أمر منطقي تماما. لكن المنطق يقول ايضا ان هذه الدول ذاتها قادرة على التعاون لحل مشكلة اللجوء من الاساس ، اعني العمل على اعادة السلم الاهلي في البلدان المضطربة.
ربما يفضل بعض السياسيين المثل الشامي المشهور "فخار يكسر بعضه" كرد على تعثر المحاولات السابقة لوقف الحرب. لكن هذا المثل ، وما ينطوي وراءه من احباط او ربما قلة اكتراث ، لن يفيد كثيرا حين يعبر مئات الالاف حدود بلدك من دون استئذان ، كما حدث الاسبوع الماضي في هنغاريا واليونان وايطاليا والنمسا.
الشرق الاوسط 9-9-2015
http://aawsat.com/node/448546

02/09/2015

"مؤشر كورونا"

لعل الزميل عبد اللطيف الضويحي هو أول من استعمل تعبير "مؤشر كورونا" في مقال نشرته الاسبوع الماضي جريدة "عكاظ". وهو واحد من بضع مئات من المقالات نشرتها الصحافة المحلية حول الموضوع. لكن الضويحي خصص مقالته لمساءلة الجامعات السعودية عن جهودها في مجال البحث العلمي ، بعدما وجدها – كما قال – مشغولة برفع موقعها في التصنيفات العالمية للجامعات ، بدل انشغالها في انتاج العلم الذي يستحق العناء.

جامعة الاميرة نورة - الرياض

عبر الضويحي بوضوح عن جوهر المشكلة التي تؤرق المهتمين بتطور العلم في المملكة. ولهذا اضم صوتي الى صوته ، واتساءل معه "هل كنا بحاجة لأربع سنوات من عمر فيروس كورونا ، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة لدراسة هذا الفيروس أو إجراء تجارب عليه؟" ... "هل كنا بحاجة لثلاثين سنة منذ اكتشاف سوسة النخل لأول مرة ، حتى انتشرت إلى معظم مناطق المملكة ومزارع النخيل ، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة -حسب علمي- بدراسة أو علاج لهذه السوسة؟".

هذه المقالة الساخرة في جانب ، والمؤلمة في جانب آخر ، نموذج عن شعور عام بالارتياب في التكافؤ المتوقع بين الميزانيات الضخمة المخصصة للتعليم الجامعي ، وبين مخرجاته ، على الصعيد العلمي خصوصا. في منتصف 2010 اطلقت جامعة الملك سعود موجة عظيمة من التفاؤل ، يوم اعلنت عن نجاح النموذج الاول من سيارة "غزال" التي دشنت في احتفال باهظ الكلفة. لكنها ما لبثت ان تنصلت من الموضوع ، حين وصفته بانه "مشروع بحثي" ، رغم انها يوم الاعلان الاول استضافت عددا من رجال الاعمال ، وحدد مسؤولوها قيمة الاستثمار المتوفر ، وكلفة المنتج النهائي وتاريخ البدء في التصنيع ، وما اشبه ذلك من معلومات تنفي كونه مجرد "مشروع بحثي".

نعلم طبعا ان "غزال" تحولت لاحقا الى نكتة في أفواه الناس ، ومثالا على سلسلة طويلة من الاخفاقات في القطاع الاكاديمي. لكننا لم نعلم ما اذا كانت هذه وأمثالها قد خضعت للمراجعة والمحاسبة من جانب أي جهة ، سيما مجلس الشورى ، الذي يفترض أنه مسؤول عن التفريط في المال العام وآمال العامة.

المسألة على اي حال ليست "كورونا" ولا "غزال". المسألة اننا نملك – على الورق على الاقل – عددا غير قليل من المنظومات الادارية ، التي تستهلك قدرا غير قليل من المال العام ، ازاء ما يفترض انه بحث علمي او اشراف على الابحاث العلمية او توطين التقنية. المفترض ايضا ان جامعاتنا لم تعد "فتية" او "حديثة التأسيس" كما يقال عادة في سياق الاعتذار. جامعة الملك سعود ، جامعة المؤسس ، وجامعة البترول تجاوزت الاربعين من العمر الان. وتخرج منها مئات الالاف من الطلبة في شتى التخصصات. لكننا مازلنا نستنجد بشركات اجنبية حين نحتاج الى تصميم مصنع او جسر على طريق ، او بناية كبيرة او مدينة جديدة. وسمعت قريبا ان المؤسسة العامة للتعليم المهني منحت شركة بريطانية مليار ريال مقابل تصميم برنامج لتطوير المعاهد المهنية والكليات التقنية. وأعلم ان شركات اجنبية هي التي تبني المصانع ومصافي البترول.

·       ترى اين الخلل؟.

المسألة ليست فقط في قدرة الجامعات على تقديم حلول لحاجات البلد ومشكلاته. بل في موقع القطاع الاكاديمي ككل ضمن النظام الاقتصادي والثقافي للبلد. ترى هل دور الجامعات منحصر في توفير موظفين للدوائر الحكومية ام الارتقاء بالمستوى العلمي للبلد ام بحث مشكلاته وحلولها؟. اذا كنا نؤمن حقا بالطريق العلمي لفهم وحل مشكلاتنا ، فأين هو المكان الطبيعي لهذا العلم ... اليس الاكاديميا الوطنية.

بعبارة اخرى: الم يحن الوقت لوضع جردة حساب ، توضح اسباب فشل الاكاديميا الوطنية في تحقيق اغراضها. الم يحن الوقت كي نضع النقاط على الحروف فنعيد هيكلة التعليم الجامعي ، على نحو يجعله قناة واقعية لانتقال العلم وتوطين التقنية في بلدنا؟.

مقالات ذات صلة

 

الشرق الاوسط 2-9-2015

http://aawsat.com/node/443326

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...