في مثل هذه الأيام يتوقع الناس جميعا ، ان يخرج احد
الوزراء المكلفين بالشؤون الاقتصادية ، ليخبرهم عن تقييم الحكومة للظرف الاقتصادي
الراهن. نعلم ان اي وزير سيقول ان الوضع لا يبعث على التشاؤم ، وسوف نصدقه
كالعادة. لكننا بحاجة للاطلاع على مبررات هذا التطمين او التبرير. لأن الأوصاف
المجردة والتصريحات الموجزة ما عادت تقنع احدا.
على اي حال هناك شعور عام بأن الوضع الاقتصادي ليس طيبا.
وهناك مبررات قوية (مادية) تدعم هذا الشعور. تقديرات الاقتصاديين تؤكد وجود مشكلة
، لكنها في الوقت نفسه تحذر من المبالغة في القلق. لازلنا بعيدين – بحسب تقديرات الاستاذ عبد الحميد العمري
- عن ازمة شبيهة بما حصل في 2009 ، فضلا
عن اختها الاشد وطأة في منتصف ثمانينات القرن المنصرم.
هذا أمر طيب وربما يوفر علينا بعض القلق غير الضروري.
لكن سواء بقي الوضع على حاله حتى الربع الاخير من العام القادم ، كما يقدر بعض
المحللين ، او ازداد تأزما ، فاننا بحاجة للتخطيط المبكر لاستيعاب الانعكاسات
السلبية للأزمة ، كي لا نؤخذ على حين غرة.
لقد دعوت سابقا الى دراسة معمقة لانعكاسات الازمة
الاقتصادية التي مرت بها المملكة بين 1983 حتى 1990. وهي في رأيي واحدة من اكثر
الحقب حرجا في تاريخنا المعاصر. بل اظن انها اسهمت بالنصيب الأوفر في تكوين ارضية
الازمات التي واجهناها في العقد المنصرم ، وبعضها لا يزال قائما حتى اليوم ، ومنها
– على سبيل المثال لا الحصر- تبلور تيار العنف السياسي وتفاقم التعصب في المجتمع.
لست خبيرا في الاقتصاد ولا استطيع سوى التعويل على اراء
الاقتصاديين وأهل الاختصاص. لكني اعرف من بحوثي ومراقبتي للحراك الاجتماعي ، ان
الاقتصاد هو المحرك الاقوى للتحولات الاجتماعية ، في الاتجاه الايجابي أو في
الاتجاه السلبي. ومن هذا المنطلق فاني اشعر بقلق يتجاوز الاشكالات الخاصة بالمعيشة
، والتي عبر عنها عدد من الاقتصاديين في الصحافة السعودية خلال هذا الاسبوع. محور
هذا القلق هو تكرار تجربة الثمانينات التي اشرت اليها ، سيما في ظل ظروف اقليمية
سيئة جدا ، ستلعب بالتأكيد دورا موجها للتأزم الاجتماعي لو حصل لا سمح الله.
من هنا فاني ادعو الى وضع ما يمكن وصفه بشبكة أمان
اجتماعي ، محورها هو حماية الشرائح الاجتماعية الاكثر عرضة لانعكاسات الازمة
الاقتصادية ، سواء بقيت على حالها الراهن او تفاقمت. ثمة شرائح تعيش ضمن هامش مناورة ضيق ، ولا
تستطيع تحمل ادنى انخفاض في الدخل او ارتفاع في كلفة المعيشة. قد يكون هؤلاء من
أطيب الناس وأكثرهم كدا. لكن الازمات الاقتصادية لا ترحم أحدا ، وغالب ضحاياها
ينتمون الى هذه الشرائح. وقد قيل قديما "كاد الفقر ان يكون كفرا" وللحق فان
التفاوت الشديد في الدخل ، وما يؤدي اليه من عجز عن مواجهة ضرورات المعيشة قد يكون
المولد الاكبر للكفر بالمجتمع وأعرافه ونظامه القيمي.
دعونا نفكر في مشروع موسع لاحتواء الازمة ، يستهدف خصوصا
الحد من انعكاساتها السلبية على مستوى المعيشة ، والحيلولة دون تحولها الى محرك
للتمرد والتعصب. الكلفة الاقتصادية والسياسية والقيمية لمشروع كهذا ، اقل كثيرا من
الكلفة الباهضة لتفاقم التأزم الاجتماعي ،
ويجدر بنا ان نبادر اليوم قبل ان نواجه الاسوأ.