22/07/2020

في خطأ التمييز بين الاسلام والمسلمين



يستهدف هذا المقال مجادلة الفكرة الشائعة التي تفصل بين الاسلام والمسلمين ، حين تثار قضايا تستدعي النقد او العيب. اني واثق بانكم سمعتم عبارة من قبيل "التقصير من المسلمين ولا يتحمله الاسلام" ، او لعلنا قلناها مرة أو اكثر. ولهذا نعرف على وجه الدقة معناها والداعي لقولها.
ولا أعلم متى بدا استعمال هذا النوع من التبرير  ، ومن الذي استعمله أول مرة. سوى اني اذكر قراءة قديمة تنسب للمرحوم محمد عبده ، ونسبت في مكان آخر للمرحوم رفاعة الطهطاوي ، قولا فحواه انه زار اوربا فرأى اسلاما بلا مسلمين ، وعاد الى الشرق فرأى مسلمين بلا اسلام. ومراده ان حياة الغربيين سمتها النظافة والنظام والمساواة وسيادة القانون وحرية الفكر. وهي تطبيقات لقيم اسلامية ، او – على الأقل – حري بها ان تكون موضع احترام وتطبيق عند المسلمين. وقد وجد العكس من كل ذلك في بلاد المسلمين ، فحكم بان حياتهم بعيدة عن معايير الدين وأغراضه. وزبدة ما قال ان الاسلام كامل وفيه كل خير ، لكن المسلمين بعيدون عن الأخذ بهذا الخير او الالتزام بمقتضياته.
اني اجد الفصل بين الاسلام والمسلمين ، مجرد تعبير عاطفي انتقائي ، غرضه التهرب من نقاش اشكالية جدية ، برميها على غائب ، والعبور منها الى تبرئة الذات.
 في رأيي انه لا يوجد دين (بالمعنى الواقعي) ما لم يكن له اتباع واطار اجتماعي يتمظهر فيه. نعرف عن عشرات من الاديان والمذاهب القديمة التي زالت ونسيت ، لان اتباعها تخلوا عنها او ربما تناقصوا حتى انتهوا ، فتلاشى الدين او المذهب معهم. صحيح ان المرجع الاول للدين الاسلامي الحنيف هو القرآن الكريم ، والمصحف الذي بين الدفتين محفوظ بأمر الله. لكن مفهوم الحفظ الرباني هنا ، قد ينصرف الى ان الارض لن تخلو من المؤمنين بالاسلام والقرآن حتى يوم القيامة.
من هنا فان الاسلام النظري موجود في القرآن ، وفي مئات الكتب التي تشرح شريعته. اما الاسلام كديانة ، اي موضوع التزام وعمل في الدنيا ، فهو لا يقوم الا باتباعه ، ولا يتجسد الا في ممارساتهم الحياتية اليومية. نحن لن نعرف الدين الا من خلال فهم اتباعه لاحكامه ، وتفسيرهم لمصادره ونصوصه الأصلية. ولهذا فلو قلت لاي شخص: عرفني على الاسلام بكلمات موجزة ، لردد عليك كلام علماء الاسلام وائمته ، ولو جاء غريب الى بلدك وقال: ارني شيئا من دينكم ، فسوف تأخذه الى مسجد أنيق او داعية متمكن ، او ربما اعطيته كتابا يعرض رؤية طيبة عن الدين. وحين يبحث اي شخص عن صورة تدل دلالة جامعة مانعة على الاسلام ، فسوف يختار صورة لاحد المساجد الشهيرة ولاسيما المسجد الحرام.
فهذه الامثلة تدلنا جميعا ، على ان الدين لا يستطيع البقاء ما لم يتجسد في مظاهر مادية ، وأبرزها المجتمعات التي تدين به ، وتجسد احكامه في مناشطها اليومية ، من الازياء الى العبادات والعمران والاعمال واللغة والفولكلور والعلم والثقافة الخ.
الاسلام ثقافة مندمجة في حياة اتباعه ، يؤثر فيها ويتأثر بتحولاتها ،  وليس مجرد كتاب محفوظ في مكتبة. ولانه على هذا النحو ، فان النهر قد يلتقط بعض الزبد من هنا او هناك ، الامر الذي يستدعي التصفية بين حين وآخر. وهذا سر دعوات التجديد المشار اليها ايضا في الحديث المنسوب للنبي (ص).
ولنا عودة قريبة لهذا النقاش واشكالاته ان شاء الله.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 ذو الحجة 1441 هـ - 22 يوليو 2020 مـ رقم العدد [15212]

16/07/2020

طرائف التاريخ وأساطيره


يقال ان الملحمة الشعرية الهندية "مهابهاراتا" هي اطول قصيدة حفظها تاريخ البشر. ويصل عدد ابياتها الى 220 الفا ، وتتألف من 18 فصلا. وجرى تحويلها الى مسلسل تلفزيوني من 95 حلقة. وبلغ من تأثيرها ان بعض المدن الهندية ، كانت شوارعها تخلو من المارة ، ساعة بث المسلسل. تروي الملحمة قصة الصراع الدائم بين الخير والشر ، وتعرض العديد من القيم والحكم والاخلاقيات ، والآداب والأعراف المشهورة في الثقافة الهندية.


تقدم الملحمة افكارها في قالب اسطوري يتجاوز حدود الخيال. خذ مثلا ذلك الأمير الشجاع الذي غضب ، فحرك بيديه الغيوم ، فسالت أمطارا حولت الارض انهارا ، فاغرقت جيش عدوه عن آخره. وخذ قصة الحكيم الذي القى جثة الاميرة في نهر من ماء الورد ، فأعادها الى الحياة. وخذ قصة القائد الذي خانه احد ضباطه ، فأطلق سهما طار عبر الجبال والأودية والغابات ، وبحث عن الضابط الهارب ، حتى وجده مختبئا في كهف ، فأصابه في قلبه وقتله. ويعلم القاريء بطبيعة الحال اننا نتحدث هنا عن سهم في التاريخ القديم ، وليس عن صاروخ كروز او طائرة درون.

والحق اني لم اكترث بقصة "المهابهاراتا" ، حتى قيض لي لقاء مع أديب هندي ، فتحدثنا عن الفن والفلسفة الهندية ، فذكرت قصة السهم الخارق ، على سبيل النكتة ، فتوقف الرجل وسألني بجد:

لماذ ترى ان هذا الشيء مستحيل؟..  اليس محتملا أن بعض الناس ، في وقت ما في الماضي ، استطاعوا فعل أشياء نعتبرها اليوم خوارق؟

والحق اني فوجئت بالسؤال ، فلم اتوقع ان أحدا يحمل قصة كهذه على محمل الجد. لكني وجدت بعد ذلك بسنوات ان مثل تلك المعتقدات شائعة جدا ، وان هناك من حاول ربطها بمعتقدات دينية ، فاصبحت مصونة من النقد العلمي والتاريخي ، اي تحولت من اقاصيص الى مسلمات. 

واخبرت استاذا لي عن القصة فشرح لي الدليل الذي يكثر استعماله في هذا النوع من الجدالات ، والذي يسمونه "قاعدة الامكان" او "دليل الامكان". وخلاصته انه اذا كان الشيء غير ممتنع بذاته ، على الله او على الناس ، فان حدوثه في الواقع ممكن ، ولا ينبغي انكاره دون تحقيق. والحق اني اقتنعت بالفكرة ، لكنه – رضوان الله عليه – بادر بالرد عليها ردا مفصلا ، خلاصته ان الله قادر على فعل مايشاء. لكن النقاش ليس في قدرة الله ، بل في حدوث الحادثة في التاريخ. ما لم يكن لدينا دليل على حدوثها ، فان الاصل انها لم تحدث ، ومجرد قول احدهم انها حدثت لا يغني عن الحاجة الى التحقق منها ، مثلما نتحقق من اي رواية تاريخية.

صبرة (صحيفة الكترونية)  16-يوليو- 2020 

 https://www.sobranews.com/sobra/71031 

مقالات ذات علاقة 

أزمان طيبة وأخرى .....!

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

اعادة بناء القرية .. وسط المدينة

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا

بقية من ظلال الماضين

الخروج من قفص التاريخ

 سجناء التاريخ

سياسة الامس وتاريخ اليوم

علم الوقوف على الاطلال

العودة إلى ثقافة الزمن المنقضي

العيش في ثياب الماضين

 فضائل القـرية وحقائق المدينة

الفكــرة وزمن الفكـرة

 في مبررات العودة الى التاريخ

  الكراهية

كيف تكون رجعيا.. دليل مختصر

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد

 

15/07/2020

بماذا ننصح اينشتاين



ما وصل الينا من علوم المسلمين الاوائل ، كان في الاصل ميراثا وصلهم من أمم أخرى سبقتهم. ثم تعلم الاوروبيون من علوم العرب وطوروها. حتى وصل الدور الينا ، فتعلمنا بعض ما انتج الاوروبيون من معارف.
هذه طبيعة المعرفة. يتفاعل البشر من خلال الترجمة والسفر والعمل المشترك والنقاش والتعاون في تطوير الافكار والمشروعات ، بل كل عمل ينطوي على تفاعل بين فكرتين ، فينتج فكرة ثالثة جديدة.
البرت اينشتاين الضاحك غالبا (1879-1955)
سمعت الافكار السابقة في نقاش حول الدور المحتمل للطلبة المبتعثين ، في نقل "روح الحضارة" من المجتمعات التي درسوا فيها ، الى مجتمعنا. بعض المتحاورين أبدى تفاؤلا ، ومال آخرون الى التشاؤم. لكني وجدت النقاش بذاته مثيرا للاهتمام ، لأن المشاركين فيه كانوا جميعا من الطلبة المبتعثين ، ويتضح من نقاشهم ادراك تام للفارق بين دراسة علم ما واكتشاف روح العلم او روح الحضارة.
نعلم ان مئات الالاف من الطلبة العرب قد درسوا في الجامعات الغربية خلال العقد الحالي ، او شاركوا في برامج علمية او تدريبية في اطارات مماثلة.
ترى ما هي احتمالات ان يساهم هؤلاء في اطلاق نهوض حضاري ، او نقل روح الحضارة التي مكنتهم من تعلم شيء كان مفقودا في بلدانهم؟
لقد وجدت معظم المتحاورين متشككا في هذا. وهم يقولون ببساطة ان الذين عادوا سينفقون وقتا غير قليل في البحث عن وظائف ، ثم تستهلكهم دوامة الحياة الجارية ، فينسون ما فكروا فيه في سنوات الدراسة ، ويكتفون بما يفعلون اليوم.
وشعرت بالأسف وانا اسمع هذا التصوير. فقد كان مخيبا للأمل بقدر ما كان واقعيا . نعلم انه واقعي لأننا رأيناه عند آلاف الطلبة ، الذين تخرجوا من الجامعات المحلية والاجنبية في سنوات سابقة. هؤلاء لم يكونوا اقل طموحا ، ولا أقل رغبة في بناء وطنهم. ثم ان عددا منهم قد حصل على الفرصة التي يسعى اليها ، فاقترب من مركز القرار او بات جزء منه. لكن التغيير الذي احدثه كان ضئيلا. فهل كانت العلة فيه ام في المجتمع ، ام في عوامل اخرى غير هذا وذاك؟.
راود ذهني تفسير الاستاذ ابراهيم البليهي ، الذي يدعي اننا عاجزون عن تقليد الامم المتحضرة ، فضلا عن منافستها ، لسبب واحد هو شعورنا بالاستغناء عن الآخرين. يتخذ هذا الشعور صورا متعددة ، من بينها المبالغة في تصوير قيمة موروثنا العلمي او تاريخنا السياسي والديني ، او حتى واقعنا الراهن.
واقع الحال أننا مثل بقية الأمم ، لدينا نقاط قوة ونقاط ضعف. ونعلم لو صارحنا انفسنا ، بان نقاط ضعفنا أكثر ، لأن المعيار اليوم ليس عندنا بل في الغرب. معايير القوة والتقدم والعظمة هي المتعارفة في الغرب وليس غيره.
يقول البليهي ان الواحد منا لو التقى  البرت اينشتاين ، ابرز علماء العصر ، لبادر في التنظير عليه وتعليمه. اني اجد هذا متجسدا في عجزنا عن الاستفادة من بعضنا البعض ، واصرار كل واحد فينا على ان يكون معلم الآخرين ، من الأهل والاغراب ، بل رأيت من يعلم الامريكان كيف ينتخبون زعماءهم.
أحاول ان لا اقتنع بهذا الرأي. لكني اجد كل يوم من يبالغ في تصوير الواقع ، كما يبالغ في انكار نقاط الضعف ، بينما ينشغل في تفاصيل عيوب الآخرين ونواقصهم. قد لا يكون هذا المثال معبرا عن الواقع بأكمله. لكن لا شك ان تكراره سوف يؤكد شعور "الاستغناء" ، ولو التقينا اينشتاين لربما حدثناه عما ابدعه اسلافنا في الفيزياء.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 ذو القعدة 1441 هـ - 15 يوليو 2020 مـ رقم العدد [15205]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...