29/07/2020

دين العامة ودين النخبة




احتمل ان عامة الناس يتقبلون التمييز بين الدين والمعرفة الدينية ، اي بين الوحي الذي وعد الله بحفظه ، وبين التفاسير والاجتهادات التي انتجها البشر ، في سياق دراستهم للوحي واستنباط مغازيه.
تحدثت في مقال الاسبوع الماضي ، عن التمييز الشائع بين الدين والمسلمين ، في الامور التي تستدعي النقد او العيب ، والذي يتجلى في القول بان "التقصير من المسلمين ولا يتحمله الاسلام". والمفهوم ان هذا التمييز محصور في الافعال التي يراها بعض الناس معيبة. 
المؤكد ان بعضكم قد صادف مواقف ينقلها اصحابها ، بقصد الاشارة لهذا التمييز. ومن ذلك مثلا قول احدهم انه أتى دائرة حكومية ، فقدم رشوة لموظفة هناك كي تعجل بانجاز معاملته ، هذه الرشوة تتضمن مبلغا من المال ولوح شوكولاته ، فاخذت الموظفة النقود واعادت الشوكولاته ، لانها كانت صائمة في هذا اليوم. والمراد انها تصوم وترتشي في الوقت نفسه. ونقل آخر ان أحد موظفيه لايترك الصوم المستحب في الاسبوع الاول من شهر ذي الحجة. لكنه يمضي معظم وقت الدوام نائما. ونقل ثالث صورة لمصلين افترشوا شارعا رئيسيا في عاصمة اوروبية ، كي يصلوا الجمعة ، فعطلوا حركة الناس والسيارات. 
واعلم ان معظم القراء رأوا او سمعوا قصصا كهذه ، وبعضها صحيح والاخر مختلق. لكنا نعلم بصورة اجمالية انه ثمة بين المسلمين من يصلي ويرتشي ، وثمة من يعطل الناس كي لاتفوته صلاة الجماعة ، الى غير ذلك من افعال تشير للتفارق ، بين روح الدين وما يمارسه بعض الناس من شعائر.
 ولو حدث أن ذكرت قصة كهذه لاحدهم ، فسوف يرد عليك فورا بأن العيب في المسلمين وليس في الاسلام!.
- حسنا .. هل قولهم هذا صحيح ام خطأ؟..
اذا كان صحيحا ، فهل ينطبق أيضا على ما نراه من تأخر وفوضى واحتراب وفقر في بلاد المسلمين ، شرقها وغربها؟ اي ان المسؤولية فيها ايضا تقع على عاتق المسلمين ، والاسلام بريء.
واذا كان خطأ ، فهل يعني ان العيب في الاسلام والمسلمين معا ، اي ان الدين يتحمل وزر اتباعه ان أساؤوا العمل؟
غرضي من عرض السؤالين ، هو حث القاريء على التفكير معي في مآلات الأفكار. ولكي نفكر بجد ، نحتاج للتوقف لحظات ، كي نراجع الافكار والاقوال التي تجري بين الناس مجرى المسلمات ، ومن بينها الفكرة التي نحن بصددها.
حقيقة الأمر ان الاسلام يتحمل جانبا من المسؤولية عن أحوال اتباعه وممارساتهم ، الحسنة والسيئة. ولهذا نشيد بالدين الحنيف ، اذا فعل اتباعه ما يستحق التبجيل والاشادة. ونعلم ان مبدأ العدالة يقرر ان من له الغنم (اي المديح والتبجيل) فعليه الغرم ايضا.
لكن مهلا.. اي دين نعني ، هل هو الدين الذي نزل من السماء ، ام الدين الذي فهمه الناس ومارسوه؟.
 دعنا نذهب مع الرأي الشائع الذي ينزه الوحي السماوي ، ويحصر النقاش في الدين الارضي ، اي الدين الذي تلقاه البشر وفهموه وطبقوه. فالواضح ان لدينا - في هذا المستوى – صنفان: دين النخبة من فقهاء ومفسرين وعلماء. ويتلوه دين عامة الناس. فهل نقول ان دين النخبة والعامة منزه أيضا عن العيب ، وان الخطأ يقع على الفقهاء والعامة؟ ام نقول ان الفقهاء منزهون ايضا وان العيب يقع على العامة وحدهم؟.
افترض ان النهايات المنطقية لكل من السؤالين قد اتضحت الآن. ولنا عودة للنقاش قريبة ان شاء الله.
الأربعاء - 8 ذو الحجة 1441 هـ - 29 يوليو 2020 مـ رقم العدد [15219]
https://aawsat.com/node/2417261

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...