10/06/2015

حول نظام حماية الوحدة الوطنية


 بداية هذا الاسبوع اعلن مجلس الشورى عن ادراج "حماية الوحدة الوطنية" ضمن مشروعات القوانين التي سيناقشها الاعضاء في الدورة الحالية. هذا خبر مفرح ، بعد رفض المجلس محاولتين سابقتين من هذا النوع في سنوات سابقة. وارجو ان يتعامل المجلس الموقر بأقصى قدر من الاهتمام مع هذا الموضوع الخطير ، سيما بعد الحوادث المريعة التي شهدتها البلاد في الاسبوعين الماضيين.
افترض ان بعض الناس سيشعرون بالقلق حين يبدأ النقاش الجدي حول مشروع القانون. ذلك انه سيحوي بالضرورة بنودا تؤكد على اولوية الهوية الوطنية ، وعلى تجريم إثارة الكراهية ، بناء على مبررات دينية او قبلية او عرقية. نعلم ان فكرة "الوطن" كمبدأ تأسيسي للعلاقة بين المواطنين ،  وبينهم وبين الدولة ، ليست حتى الان من القضايا الناجزة في ثقافتنا العامة. ثمة بين اهل الرأي ، ولا سيما في التيار الديني ، من يقول صراحة ان الولاء الوطني بدعة ، وان الولاء يجب ان يكون خالصا للدين ، دون مزاحمة من اي هوية أخرى. هذا الرأي ينصرف طبيعيا الى التمييز بين الناس على اساس الدين والمذهب. وقد يحتمل في بعض الاحيان تمييز اعلى اساس عرقي او قبلي ، بالرجوع الى بعض ما ورد في تراث قدامى الفقهاء ، كما في قصة اشتراط "تكافؤ النسب" المعروفة. كما ان التأزمات السياسية في الشرق الاوسط تبعث من جديد نزاعات مذهبية وطائفية ، يجدها البعض وسيلة مناسبة لتصفية حسابات قديمة او تحقيق مكاسب. هناك ايضا من يخشى من تحول النظام (القانون) المنتظر الى مبرر لتحجيم حرية التعبير.
هذه كلها مبررات للقلق قابلة للتفهم ويجب ان تعالج في اطار القانون نفسه.
لكي يكون نظام "صيانة الوحدة الوطنية" كاملا وفعالا ، ينبغي ان نفكر فيه ضمن منظور أوسع من التحديد والتحجيم والتجريم. نعلم ان للقانون وظيفتان: وظيفة مقيدة للحرية ، وفيها يقرر واجبات على المواطنين وينص على انواع من المخالفات والعقوبات المقابلة لها. اما الوظيفة الثانية فهي ارشادية تضع اطارا للسياسات والاعمال التي يتوجب على الدولة القيام بها لتحقيق اغراض القانون.
تميل المجتمعات التقليدية للتركيز على النوع الاول من تلك الوظائف ، لان ثقافتها تهتم بالتكاليف في المقام الاول. سيما التكاليف المفروضة على عامة الناس. واحتمل ان معظم الناس سيتعامل مع هذا الجزء ويهمل الجزء الاخر الارشادي. واني اخشى ان يؤثر هذا الميل على اعضاء مجلس الشورى في نقاشاتهم ايضا. سيما مع ما يشهده المجال العام من تصاعد لنبرة الحزم والحسم والضرب بيد من حديد ، وأمثال هذه المفاهيم.
القانون ضرورة. لكن صيانة الوحدة الوطنية لا تتحقق بمحض اصدار القانون. نحن بحاجة الى استراتيجية متعددة الابعاد ، طويلة الامد ، تعالج خطوط الانكسار في الهوية الوطنية والسلم الاهلي. وقد سبق ان اقترحت استراتيجية ذات ثلاثة مسارات: سياسي يركز على اقرار مستوى من التعدد والتنوع الظاهر في الحياة العامة ، وثقافي يعالج الموروث الثقافي المعاكس لمبدأ المواطنة ، واقتصادي يركز على توسيع الخيارات المتاحة للناس ، من اجل تعزيز الأمل في المستقبل.
سوف اتعرض لهذه المسارات في مقالات لاحقة. لكن يهمني في الوقت الحاضر التشديد على الحاجة الى قانون موسع يضع اطارا للاستراتيجية المنشودة. الجانب الارشادي يوفر اساسا مناسبا للمواطنين القادرين على المساهمة في التحول المنشود الى دولة المواطنة المتساوية التعددية ، كما يقرر الزامات على اجهزة الدولة ، كي لا تساهم – دون قصد - في نقض الوحدة الوطنية او اضعافها ، بسبب غفلة الاداريين او ربما انحيازهم ، او بسبب انعكاس التوترات الداخلية والخارجية على نفوسهم.
الوحدة الوطنية هي راس المال الحقيقي للبلد ، وهي الضمان الاهم لمستقبل ابنائه. ولهذا فنحن بحاجة الى التعامل معها باقصى قدر من الجدية والحيادية. كما اننا بحاجة الى تفكير واسع لا يتوقف عند حدود التجريم والعقاب. 
الشرق الاوسط 22 شعبان 1436 هـ - 10 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13343]
http://bit.ly/1BCL80G

03/06/2015

اين كنا .. اين صرنا: كيف غير الارهاب همومنا ونقاشاتنا



لن ينهزم السعوديون امام الارهاب ، ولن يفرطوا في وحدة وطنهم وسلامه الاجتماعي ، مهما حاول "داعش" او غيره. هذا امر لا نقاش فيه ولا تبرير ولا أدلة. هو هكذا لأن السعوديين يريدونه هكذا. لن نسأل احدا ان كان هذا الايمان صالحا او غير صالح ، ولن نسأل احدا ان كان يصلحنا ام يضرنا. لقد سألنا قلوبنا تكرارا فوجدناها على الدوام معا في نفس الدائرة. تتمايز الوانها وتختلف وجوهها ، لكنها تبقى في الجوهر واحدة.
لكن الناس يتساءلون ، وهم على حق: ماذا دهانا ، وكيف صرنا نتلقى الصدمة تلو الصدمة ، فنكتفي ببليغ القول ونرفع اصواتنا بالدعوة لاستدراك الاخطاء ، ثم تمر أيام فننشغل بغير تلك  الصدمة ، وننسى الثغرات التي دخل منها غربان الشر ، ثم لا ننتبه الا بعد الصدمة التالية ، فنعيد الكرة ، وهكذا.
هل تحولنا من التفكير الجاد في فهم وتفسير مشكلاتنا الى التسلي بالكلام المكرر حول تلك المشكلات؟ ام عجزنا عن اصلاح امورنا ، فعوضنا عن هذا العجز بالبحث عن مشاجب نعلق عليها فشلنا او قلة رغبتنا في الاصلاح؟.
في مثل هذه الايام قبل اربعة اعوام كنا نناقش تصورات متقدمة حول المجتمع المدني والاصلاح السياسي والحريات العامة وحقوق الانسان ومكافحة الفساد وصيانة المال العام واصلاح التعليم وتطوير القضاء ومكافحة البطالة وتغيير المسار الاقتصادي ، وأمثال هذه القضايا الكبرى.
أما اليوم فصحافتنا مشغولة بالتنديد بالقتلة ،  ومجالسنا مشغولة بالجدل حول ما يجري في الاقطار التي حولنا. ويتبادل بعضنا رسائل التحذير من الفتنة... الخ. بعبارة اخرى فقد نسينا تماما التفكير في القضايا التي كنا نراها – قبل اربع سنين – رهانات تقدم في مجال الاقتصاد والمجتمع والتربية والادارة.
من المعلوم ان المنشغل بالقلق على وجوده لا يفكر الا نادرا في قضايا التطوير والتقدم. لكن اليس من المحتمل ان تناسينا لتلك القضايا ، ايا كان سبب هذا التناسي ، هو الذي أدى الى انشغالنا بالقلق على وجودنا ووحدتنا وسلامة مجتمعنا؟.
ليلة البارحة سألني صديقي: اليس من الممكن ان يكون سبب التراجع هو توقفنا في منتصف الطريق يومذاك؟. فحوى هذا السؤال ان المجتمعات المنشغلة بالتقدم تعالج مشكلاتها الكبرى ، فتنحل مشاكلها الصغيرة من دون عناء. اما حين تتخلى عن قضايا التقدم ، فسوف تنشغل بالمشكلات الصغيرة ، ومع مرور الوقت سوف تتضخم انعكاسات المشاكل الكبرى ، وينتقل تاثيرها من موضوعاتها الخاصة الى الوجود الاجتماعي والوطني بمجمله.
قضايا مثل الحوار الوطني والتعصب والتشدد الديني وتطوير التعليم ، كان ينظر اليها كعناوين لتحولات ضرورية في جوانب محددة من حياة المجتمع السعودي. لكننا لم نتقدم فيها الا قليلا. فها نحن اليوم نتحدث عن العلاقة المباشرة بين كل من هذه العناوين وبين الثغرات الامنية التي أدت الى مقتل عشرات من مواطنينا ، مدنيين وعسكريين ، خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة.
تلك القضايا كانت تعبيرا عن فهم محدد للمشكلات التي يواجهها بلدنا ، وقد ترتب عليه يومئذ ما يشبه الاجماع الوطني على طرق العلاج. لكن تناسينا لتلك القضايا وانشغالنا بما حولنا ، ادى واقعيا الى اهمالها او ابطائها. هذا ادى بطبيعة الحال الى انبعاث جديد للمشكلات التي كنا نريد علاجها يومذاك ، انبعاث في ثوب مختلف وبواجهات اكثر قسوة واشد ايلاما ، لأنها واقعة فعليا وليست مجرد استشراف للمستقبل كما كان الامر قبل اربع سنين.
الهجمات التي شنها "داعش" استثمرت ظرفا فوضويا ، هو احد نتائج الانهيارات السياسية في المحيط الاقليمي. واظن ان رد الفعل الاستراتيجي والصحيح على هذه الثغرة ليس أمنيا فقط ، بل بالعودة الى احياء قضايا الاصلاح الوطني ، واعادة الزخم السياسي والجماهيري لمشروع الاصلاح الذي شكل في وقت من الاوقات موضوعا للاجماع الوطني ورمزا لارادة الحياة والتقدم في بلدنا.
الشرق الاوسط 15 شعبان 1436 هـ - 03 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13336]
http://bit.ly/1K2KISk

27/05/2015

اليوم التالي للمذبحة


تفجير المصلين في مسجد الامام علي بالقديح قد يكون مجرد مبادرة جنونية معزولة ، وقد يكون جزء من مخطط واسع النطاق. ثمة كلام كثير يشير الى الاحتمال الثاني ، لكن ليس لدينا معطيات مادية تؤكده. في الوقت ذاته يصعب تخيل ان هذ الجريمة فورة غضب محدودة او منفصلة.
اكتشاف حقيقة الهجوم ومغزاه الفوري مهم دون شك. لكن الاكثر أهمية هو التفكير في انعكاساته الموضوعية ، اي تلك الآثار التي تترتب بشكل طبيعي على مثل هذا العمل ، سواء كانت مقصودة بذاتها او غير مقصودة. يقولون عادة ان الحرب تستخرج اسوأ ما في الانسان. ذلك انها – على خلاف الصراعات السلمية المعتادة – تثير الخوف الغريزي على الوجود. وليس في الغرائز ما هو اقوى من غريزة البقاء ، عند البشر والحيوان على السواء. اذا شعر الانسان بان وجوده مهدد فسوف يفعل أي شيء لمقاومة هذا التهديد ، ولن يفرق آنذاك بين الافعال العاقلة وتلك الجاهلة التي لا تليق بالانسان.
الخوف على الوجود يبدأ كحالة شعورية ، فاذا صادف تمثيلات واقعية لذلك التهديد فان الشعور يتحول الى انشغال ذهني وروحي بالبحث عن وسائل الدفاع عن الذات وانشغال مواز بالانفصال عن جهة التهديد المفترضة. تبدأ الصراعات على هذا النحو ، ثم تتطور وفق ديناميات جديدة ، قد لا تكون ذات علاقة بالدافع الاول.
خلال السنوات الثمان الماضية ، وبالتحديد منذ العام 2006 كشفت وثائق لتنظيم "القاعدة" تتحدث صراحة عن مثل هذا السيناريو باعتباره استراتيجية يمكن ان تختصر الطريق الى الهدف المركزي للتنظيم ، اي اقامة "الدولة الاسلامية". ثمة رسالة لزعيم القاعدة السابق في العراق ابو مصعب الزرقاوي ، يتحدث عن خطة محددة ، غرضها الفوري هو دفع الناس للتفكير في اقامة منظومة للامن الذاتي. وهو يفترض انها ستكون تحت هيمنة رجاله.
الخطوة الاولى اذن هي افشال الدولة وفصلها عن الجمهور ، من خلال اقناعهم بأن عليهم ان يحموا انفسهم بانفسهم وليس بقوة الدولة وقانونها. المرحلة الثانية تأتي بشكل طبيعي. من يفكر في امتلاك قوة خاصة فلا بد ان يحدد في الوقت ذاته العدو المفترض الذي سيكون هدفا لهذه القوة. هذا الهدف يجب ان يكون واحدا من ثلاثة: اما الدولة الوطنية او دولة اجنبية او طيفا آخر من المجتمع يصنف كعدو.
بالعودة الى المذبحة التي نفذتها داعش في مسجد الامام علي في القديح. فقد يكون الهجوم من تدبير مجموعة مجنونة ، تصرفت ربما بدافع الكراهية الطائفية ، او بدافع الانتقام من الدولة ، او بغرض اثبات الوجود والقدرة على الضرب في كل مكان. ايا كان الدافع ، فما يهمنا هو الفعل نفسه والانعكاسات التي يمكن ان تترتب عليه ، والتي قد تكون اشد خطرا منه. يوم الاحد قال بسام عطية ، العميد بوزراة الداخلية ان داعش تتبني فعليا استراتيجية لتقسيم المملكة الى خمسة اجزاء ، وان هجوم القديح جزء من هذه الاستراتيجية.
هذا يؤكد ان الامر لم يعد في نطاق الاحتمالات ، او على الاقل ان جهاز الامن الوطني يتعامل معه كخطة قيد التنفيذ وليس كاحتمال. نحن اذن امام تحول جوهري في اتجاه الارهاب الموجه للمملكة. فيما مضى كنا نتعامل مع جرائم الارهاب باعتبارها محاولات ازعاج غرضها الضغط على الحكومة ، او اثبات الوجود ، او حتى الانتقام ، وفي احيان اخرى كنا ننظر اليها كانعكاس للتوترات الخارجية. اما اليوم فالامر يتعلق بمخطط له اهداف سياسية محددة ، ابرزها تقسيم البلد. هذه قضية مختلفة تماما ، تتطلب استراتيجية عمل هدفها على وجه التحديد هو معالجة البنى الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية التي تشكل ارضية او بنية مناسبة لانجاح المخطط التقسيمي.
كنت قد تحدثت تكرارا عن الحاجة لقانون واستراتيجية عمل لصيانة الوحدة الوطنية وتجريم اثارة الكراهية. واجد اليوم ان المسألة ما عادت تحتمل الانتظار ، لأن أعداء الوحدة الوطنية قد بدأوا فعلا بتنفيذ مشروعهم. نحن بحاجة الى تفكير جديد وارادة جديدة لافشال هذا المشروع الخطر ، كي لا نذهب الى مستقبل كارثي.
الشرق الاوسط  8 شعبان 1436 هـ - 27 مايو 2015 مـ رقم العدد [13329]
 http://bit.ly/1MUUUf3

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...