03/06/2015

اين كنا .. اين صرنا: كيف غير الارهاب همومنا ونقاشاتنا



لن ينهزم السعوديون امام الارهاب ، ولن يفرطوا في وحدة وطنهم وسلامه الاجتماعي ، مهما حاول "داعش" او غيره. هذا امر لا نقاش فيه ولا تبرير ولا أدلة. هو هكذا لأن السعوديين يريدونه هكذا. لن نسأل احدا ان كان هذا الايمان صالحا او غير صالح ، ولن نسأل احدا ان كان يصلحنا ام يضرنا. لقد سألنا قلوبنا تكرارا فوجدناها على الدوام معا في نفس الدائرة. تتمايز الوانها وتختلف وجوهها ، لكنها تبقى في الجوهر واحدة.
لكن الناس يتساءلون ، وهم على حق: ماذا دهانا ، وكيف صرنا نتلقى الصدمة تلو الصدمة ، فنكتفي ببليغ القول ونرفع اصواتنا بالدعوة لاستدراك الاخطاء ، ثم تمر أيام فننشغل بغير تلك  الصدمة ، وننسى الثغرات التي دخل منها غربان الشر ، ثم لا ننتبه الا بعد الصدمة التالية ، فنعيد الكرة ، وهكذا.
هل تحولنا من التفكير الجاد في فهم وتفسير مشكلاتنا الى التسلي بالكلام المكرر حول تلك المشكلات؟ ام عجزنا عن اصلاح امورنا ، فعوضنا عن هذا العجز بالبحث عن مشاجب نعلق عليها فشلنا او قلة رغبتنا في الاصلاح؟.
في مثل هذه الايام قبل اربعة اعوام كنا نناقش تصورات متقدمة حول المجتمع المدني والاصلاح السياسي والحريات العامة وحقوق الانسان ومكافحة الفساد وصيانة المال العام واصلاح التعليم وتطوير القضاء ومكافحة البطالة وتغيير المسار الاقتصادي ، وأمثال هذه القضايا الكبرى.
أما اليوم فصحافتنا مشغولة بالتنديد بالقتلة ،  ومجالسنا مشغولة بالجدل حول ما يجري في الاقطار التي حولنا. ويتبادل بعضنا رسائل التحذير من الفتنة... الخ. بعبارة اخرى فقد نسينا تماما التفكير في القضايا التي كنا نراها – قبل اربع سنين – رهانات تقدم في مجال الاقتصاد والمجتمع والتربية والادارة.
من المعلوم ان المنشغل بالقلق على وجوده لا يفكر الا نادرا في قضايا التطوير والتقدم. لكن اليس من المحتمل ان تناسينا لتلك القضايا ، ايا كان سبب هذا التناسي ، هو الذي أدى الى انشغالنا بالقلق على وجودنا ووحدتنا وسلامة مجتمعنا؟.
ليلة البارحة سألني صديقي: اليس من الممكن ان يكون سبب التراجع هو توقفنا في منتصف الطريق يومذاك؟. فحوى هذا السؤال ان المجتمعات المنشغلة بالتقدم تعالج مشكلاتها الكبرى ، فتنحل مشاكلها الصغيرة من دون عناء. اما حين تتخلى عن قضايا التقدم ، فسوف تنشغل بالمشكلات الصغيرة ، ومع مرور الوقت سوف تتضخم انعكاسات المشاكل الكبرى ، وينتقل تاثيرها من موضوعاتها الخاصة الى الوجود الاجتماعي والوطني بمجمله.
قضايا مثل الحوار الوطني والتعصب والتشدد الديني وتطوير التعليم ، كان ينظر اليها كعناوين لتحولات ضرورية في جوانب محددة من حياة المجتمع السعودي. لكننا لم نتقدم فيها الا قليلا. فها نحن اليوم نتحدث عن العلاقة المباشرة بين كل من هذه العناوين وبين الثغرات الامنية التي أدت الى مقتل عشرات من مواطنينا ، مدنيين وعسكريين ، خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة.
تلك القضايا كانت تعبيرا عن فهم محدد للمشكلات التي يواجهها بلدنا ، وقد ترتب عليه يومئذ ما يشبه الاجماع الوطني على طرق العلاج. لكن تناسينا لتلك القضايا وانشغالنا بما حولنا ، ادى واقعيا الى اهمالها او ابطائها. هذا ادى بطبيعة الحال الى انبعاث جديد للمشكلات التي كنا نريد علاجها يومذاك ، انبعاث في ثوب مختلف وبواجهات اكثر قسوة واشد ايلاما ، لأنها واقعة فعليا وليست مجرد استشراف للمستقبل كما كان الامر قبل اربع سنين.
الهجمات التي شنها "داعش" استثمرت ظرفا فوضويا ، هو احد نتائج الانهيارات السياسية في المحيط الاقليمي. واظن ان رد الفعل الاستراتيجي والصحيح على هذه الثغرة ليس أمنيا فقط ، بل بالعودة الى احياء قضايا الاصلاح الوطني ، واعادة الزخم السياسي والجماهيري لمشروع الاصلاح الذي شكل في وقت من الاوقات موضوعا للاجماع الوطني ورمزا لارادة الحياة والتقدم في بلدنا.
الشرق الاوسط 15 شعبان 1436 هـ - 03 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13336]
http://bit.ly/1K2KISk

27/05/2015

اليوم التالي للمذبحة


تفجير المصلين في مسجد الامام علي بالقديح قد يكون مجرد مبادرة جنونية معزولة ، وقد يكون جزء من مخطط واسع النطاق. ثمة كلام كثير يشير الى الاحتمال الثاني ، لكن ليس لدينا معطيات مادية تؤكده. في الوقت ذاته يصعب تخيل ان هذ الجريمة فورة غضب محدودة او منفصلة.
اكتشاف حقيقة الهجوم ومغزاه الفوري مهم دون شك. لكن الاكثر أهمية هو التفكير في انعكاساته الموضوعية ، اي تلك الآثار التي تترتب بشكل طبيعي على مثل هذا العمل ، سواء كانت مقصودة بذاتها او غير مقصودة. يقولون عادة ان الحرب تستخرج اسوأ ما في الانسان. ذلك انها – على خلاف الصراعات السلمية المعتادة – تثير الخوف الغريزي على الوجود. وليس في الغرائز ما هو اقوى من غريزة البقاء ، عند البشر والحيوان على السواء. اذا شعر الانسان بان وجوده مهدد فسوف يفعل أي شيء لمقاومة هذا التهديد ، ولن يفرق آنذاك بين الافعال العاقلة وتلك الجاهلة التي لا تليق بالانسان.
الخوف على الوجود يبدأ كحالة شعورية ، فاذا صادف تمثيلات واقعية لذلك التهديد فان الشعور يتحول الى انشغال ذهني وروحي بالبحث عن وسائل الدفاع عن الذات وانشغال مواز بالانفصال عن جهة التهديد المفترضة. تبدأ الصراعات على هذا النحو ، ثم تتطور وفق ديناميات جديدة ، قد لا تكون ذات علاقة بالدافع الاول.
خلال السنوات الثمان الماضية ، وبالتحديد منذ العام 2006 كشفت وثائق لتنظيم "القاعدة" تتحدث صراحة عن مثل هذا السيناريو باعتباره استراتيجية يمكن ان تختصر الطريق الى الهدف المركزي للتنظيم ، اي اقامة "الدولة الاسلامية". ثمة رسالة لزعيم القاعدة السابق في العراق ابو مصعب الزرقاوي ، يتحدث عن خطة محددة ، غرضها الفوري هو دفع الناس للتفكير في اقامة منظومة للامن الذاتي. وهو يفترض انها ستكون تحت هيمنة رجاله.
الخطوة الاولى اذن هي افشال الدولة وفصلها عن الجمهور ، من خلال اقناعهم بأن عليهم ان يحموا انفسهم بانفسهم وليس بقوة الدولة وقانونها. المرحلة الثانية تأتي بشكل طبيعي. من يفكر في امتلاك قوة خاصة فلا بد ان يحدد في الوقت ذاته العدو المفترض الذي سيكون هدفا لهذه القوة. هذا الهدف يجب ان يكون واحدا من ثلاثة: اما الدولة الوطنية او دولة اجنبية او طيفا آخر من المجتمع يصنف كعدو.
بالعودة الى المذبحة التي نفذتها داعش في مسجد الامام علي في القديح. فقد يكون الهجوم من تدبير مجموعة مجنونة ، تصرفت ربما بدافع الكراهية الطائفية ، او بدافع الانتقام من الدولة ، او بغرض اثبات الوجود والقدرة على الضرب في كل مكان. ايا كان الدافع ، فما يهمنا هو الفعل نفسه والانعكاسات التي يمكن ان تترتب عليه ، والتي قد تكون اشد خطرا منه. يوم الاحد قال بسام عطية ، العميد بوزراة الداخلية ان داعش تتبني فعليا استراتيجية لتقسيم المملكة الى خمسة اجزاء ، وان هجوم القديح جزء من هذه الاستراتيجية.
هذا يؤكد ان الامر لم يعد في نطاق الاحتمالات ، او على الاقل ان جهاز الامن الوطني يتعامل معه كخطة قيد التنفيذ وليس كاحتمال. نحن اذن امام تحول جوهري في اتجاه الارهاب الموجه للمملكة. فيما مضى كنا نتعامل مع جرائم الارهاب باعتبارها محاولات ازعاج غرضها الضغط على الحكومة ، او اثبات الوجود ، او حتى الانتقام ، وفي احيان اخرى كنا ننظر اليها كانعكاس للتوترات الخارجية. اما اليوم فالامر يتعلق بمخطط له اهداف سياسية محددة ، ابرزها تقسيم البلد. هذه قضية مختلفة تماما ، تتطلب استراتيجية عمل هدفها على وجه التحديد هو معالجة البنى الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية التي تشكل ارضية او بنية مناسبة لانجاح المخطط التقسيمي.
كنت قد تحدثت تكرارا عن الحاجة لقانون واستراتيجية عمل لصيانة الوحدة الوطنية وتجريم اثارة الكراهية. واجد اليوم ان المسألة ما عادت تحتمل الانتظار ، لأن أعداء الوحدة الوطنية قد بدأوا فعلا بتنفيذ مشروعهم. نحن بحاجة الى تفكير جديد وارادة جديدة لافشال هذا المشروع الخطر ، كي لا نذهب الى مستقبل كارثي.
الشرق الاوسط  8 شعبان 1436 هـ - 27 مايو 2015 مـ رقم العدد [13329]
 http://bit.ly/1MUUUf3

23/05/2015

كلمة عزاء لأهلي في القديح العزيزة


"الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون"
لا توجد كلمة تصف هول الفاجعة التي اصابت ابناء القديح الأبية. دماء المؤمنين وأشلاء العابدين المصلين التي تناثرت في بيت الله اشد هولا من ان تصفها كلمة. لا نستطيع سوى استعادة قول الحق سبحانه "انا لله وانا اليه راجعون".

أعزي ابناء القطيف جميعا واهل القديح خاصة في الانفس الزكية التي أزهقت لا لجرم ولا جريرة سوى تمسكهم بدينهم وحبهم للمصطفى وأهل بيته صلوات الله عليهم وعلى محبيهم واتباعهم. لقد دفع اتباع اهل البيت ارواحهم الغالية في الماضي والحاضر من أجل الحفاظ على ميراث محمد ، وسيفعلون الشيء نفسه في المستقبل دون خوف ولا وجل ولا تردد. وليعلم التكفيريون والقتلة والجهلة ان ميراث محمد واهل بيته جزء من وجودنا ، وسوف نصونه بالغالي والنفيس ولو كان فناء دنيانا.

ليعلم أبناء ابي لهب ان حطبهم سيحرقهم اليوم او غدا ، وان دعوتهم البائسة الى زوال مهما طال الزمن وتراكمت الخطوب. هذا وعد الله وهو ميعادنا "كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين". لو كنا سنهون او ننكل ، لفعلنا ذلك يوم بدر او يوم الاحزاب او يوم صفين او يوم عاشوراء او يوم التوابين. لكننا ، منذ عرفنا ربنا وعرفنا انفسنا ، آمنا بأن الله غالب على أمره ، وان الدم ينتصر على السيف. ربما لم يعرف دعاة جهنم هؤلاء زينب ولا سمعوا كلمة  زينب التي خطت تاريخنا: "فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها. وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين". 
يادعاة السوء ، ياقتلة المصلين ، ياشهود النار، تبا لكم وترحا. لو حولتم ديارنا قفارا ، ولو أسلتم دماءنا انهارا ، فسننهض ثانية من تحت الركام ، وستجدونا دائما شوكة في حلوقكم وغصة في قلوبكم ، الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، وعند الله تحتكم الخصوم.

أما انتم يا أهل القديح خاصة ، ويا أهل القطيف عامة ، فاعلموا ان عصابة التكفيريين التي قتلت ابناءكم مجرد أداة ، وأن الفاعل الحقيقي هو من حرض على قتل الشيعة وقهرهم من شيوخ متعصبين وصحافة جاهلة ، وقد رأينا ذلك كل يوم خلال الاشهر الماضية. ان هدفهم هو الانتقام من التزامكم ومدنيتكم وتعاونكم واخلاصكم وايمانكم بربكم وأهل بيت نبيكم وايمانكم بذاتكم ومجتمعكم وثقافتكم.
فليكن ردنا جميعا على هؤلاء الجهلة المتعصبين هو المزيد من الالتزام ، التمسك بالمدنية وتعميق التعاون والاخلاص والايمان. لن ننزلق الى فتنهم ، ولن ننزل الى مستواهم ، ولن نسعر الحطب الذي حملوه.

لقد شهدت مثلكم في يوم الجمعة ، في وسط الفاجعة ، شهدت الالاف يتجهون الى المستشفيات للتبرع بالدم لأخوانهم الجرحى ، وشهدت العشرات من الطواقم الطبية ، من أطباء وممرضين ، وسائقي سيارات الاسعاف ، قطعوا اجازاتهم واتجهوا الى المستشفيات للمساعدة حيث استطاعوا ، وقد حصل ذلك بعد اقل من 90 دقيقة من شيوع خبر الهجوم البربري ، ونداء المستشفيات للتبرع بالدم. فهنيئا لك من مجتمع ينهض فيه الصغير بهمة الكبير ويلتحم فيه القريب والبعيد ، جسدا واحد وروحا واحدة. هنيئا لكم بهذه الروح الوثابة ، وهنيئا لنبيكم بكم ، بشجاعتكم وتفانيكم في سبيل اخوتكم.

هذه ليست الفاجعة الاولى.
قبل ثمانية أشهر حدث مثلها في الدالوة الحبيبة. وقتذاك دعونا حكومتنا للتعجيل بوضع قانون يوقف حملات التكفير والتخوين والكراهية. وقد تبنى هذه الدعوة المئات من نخبة المملكة ، من علماء ومفكرين ورجال اعمال واعضاء في مجلس الشورى وناشطين ورجال قانون من السنة والشيعة. لكن الحكومة لم تصغ لهذا النداء. بل على العكس فقد الغت قرار وزير الاعلام الموقر بوقف قناة "وصال" الخارجية التكفيرية.
 لقد فضلت مجاملة أقلية من الشيوخ المتعصبين ودعاة الفتنة على الاصوات الداعية لتعزيز وحدة الوطن وصون السلام الاهلي ونبذ القتل والكراهية. وخلال الشهرين الماضيين تصاعدت موجات التكفير وتأجيج الكراهية والبغضاء ، وخصوصا ضد الشيعة. وها نحن اليوم نرى  ثمرة اخرى لهذه الشجرة الملعونة. فمتى ستصغي حكومتنا الى أصواتنا ، متى ستضع القانون الذي يصف اثارة الكراهية والتحريض المذهبي والطائفي كجريمة تستوجب العقاب؟

يارجال الدولة: هل تنتظرون مزيدا من الجثث حتى تصغوا لاصوات الناصحين؟
هل يجب ان يموت الالاف بالنار التي يسعرها دعاة البغضاء والكراهية حتى تقتنعوا بالحاجة الى القانون الذي يهذب الاخلاق ويحمي البلد من شر هؤلاء الأفاكين وتجار الدم؟.

الدولة مسؤولة عن كل قطرة دم تراق في البلد ، مسؤولة عن أحزان كل أم فقدت ابنها في هذه الكوارث المتنقلة. لافرق في ذلك بين شهيد في القديح او القصيم او الدالوة او جدة او الرياض او غيرها. الدولة مسؤولة سياسيا واخلاقيا عن كل هؤلاء. الذين قتلوا في القديح ، مثل الذين قتلوا في القصيم وغيرها ، قتلوا بسلاح واحد هو التحريض والتكفير وتأجيج الكراهية. من يقوم على هذا الفعل الشنيع معروف باسمه ، فلماذا لا تضربون على ايديهم ، ليس بسيف الظلم بل بهيبة القانون. لا يمكن لأي دولة في العالم ان تضع شرطيا على كل شارع ، لكن القانون هو الذي يهذب الاخلاق وهو الذي يمنع الجريمة قبل ان تقع.
أول الحل ان كنتم حريصين على وحدة البلد وسلام البلد هو اعلان المساواة بين المواطنين وقانون تجريم الكراهية  ، ايا كان صاحبها ومهما كان مبررها. نحن نعلم اننا سندفع ايضا ثمنا لمثل هذا القانون ، لكننا راضون بذلك لان صون وحدة البلد وسلامة ابنائه اعلى عندنا من اي اعتبار. من يقع ضحية للكراهية في اي شبر من بلادنا هو اخ لنا وعزيز علينا ، وليس عند الله وعند عباده شيء اعظم قيمة من الدم الحرام.
لا مبرر ابدا للتراخي والتأخر. المجتمع السعودي كله يعاني من دعاة الكراهية المذهبية والقبلية والمناطقية والعرقية وأمثالها ، وأول الحل هو صدور قانون يجرم هذه الدعوات. ان لم تفعلوا فانكم تفرطون في مسؤوليتكم ، تفرطون في أمن البلد وسلامه وكرامة أهله  ، ولا أحسبكم تريدون هذا.

أقول لرجال الدين والحركيين الذين وصفناهم يوما بالمتنورين والمعتدلين: لقد انزلقتم – ويا للاسف – في مستنقع الكراهية والتحريض ، وبعضكم لازال الى اليوم غير مكترث بالدماء التي سالت والارواح التي ازهقت ، قدر اهتمامه بتأجيج الكراهية والبغضاء. اقول لهؤلاء: لقد استخدمكم الصغار والجهلة لاجنداتهم ، وقد ارتضيتم ان تكونوا شركاء صغارا في حمل الحطب التي اججت هذه النار ، وقد رأينا حصادكم المر ويا للاسف.

اما انتم يا شيوخ القطيف ويا أهل الرأي فيها ، فلتكن هذه الفاجعة الجرح الذي ينفذ منه نور الله الى قلوبكم. ادعوكم ، وأنتم أهل للاستماع الى اصغر اخوتكم ، لبذل كل جهد ممكن لتطييب خواطر اهالى القديح العزيزة ومواساتهم وحث جميع اهل البلاد على التكاتف والتعاون ونبذ الفرقة والتحوط من السلبيات. رجائي لكم ان يكون ردكم على هذا المصاب هو الدعوة الى  المدنية ونبذ التعصب وسد الطريق امام الصغار ودعاة الفتنة.

وادعو في ختام هذه السطور شباب القطيف الشجعان الى اتخاذ ما جرى درسا وعبرة لنبذ شجرة التعصب الملعونة. فليس فيها من ثمر غير المرارة والالم. كما ادعوهم واحدا واحدا لتكريس حياتهم من اجل التفوق والتقدم في كل مجالات الحياة. اعداؤكم غرقوا في مستنقع الماضي والتقاليد المتخلفة فانتجوا هؤلاء القتلة الذين يزرعون الدم والدمار اينما حلوا. فليكن عملكم عكس عملهم ، اي صناعة المستقبل المتفوق. ابذلوا كل جهد للتفوق في دراستكم وعملكم. كونوا كما قال امامكم الصادق صلوات الله عليه: "كونوا دعاة لنا بغير السنتكم... كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا .. حتى اذا رآكم الناس قالوا هذا ادب جعفر". لا تسجنوا انفسكم في آلام التاريخ ، بل كونوا صناع مستقبلكم ومستقبل البلد. حفظكم الله.

كما ادعوا جميع أهل القطيف ، عامتهم وشيوخهم ورجال الفكر والثقافة فيهم ، الى المشاركة الفاعلة في تأبين الشهداء ورعاية اهليهم معنويا وماديا. كلكم اهل مصاب وعزاء ، وكلكم شركاء فيه.
عظم الله لكم الاجر وانعم عليكم بلطفه ومحبته والحق شهداءنا بالحبيب المصطفى وأهل بيته في مستقر رحمته ، وصان بلادنا من كل مكروه.
اصغر اخوتكم
توفيق السيف


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...