11/12/2012

كي نتحاشى امارات الطوائف


صرفت بعض الوقت هذا الاسبوع في قراءة مجلة "البيان" التي يصدرها تيار حركي محلي. وسررت لان المجلة خصصت مساحة طيبة للكلام عن الوحدة الوطنية ومشكلة الاقليات. كما هو المتوقع، فقد عولجت هذه القضايا الكبرى من منظور ضيق الافق نوعا ما. لكني ما زلت مسرورا لاهتمامهم بالموضوع. سررت لاني ارى ان جانبا مهما من اسباب الازمة في مصر الشقيقة يكمن في اهمال الاسلاميين لمسألة "الاجماع الوطني". الاجماع في علم السياسة غير الاجماع المعروف في اصول الفقه. فهو يعالج مسألتين حيويتين:

 الاولى : اتفاق مجموع المواطنين، على فهم مشترك للعلاقة التي تجمعهم.
الثانية : توافق المجتمع السياسي على طريقة موثقة لحل الخلافات وتعارضات الافكار والمصالح فيما بينهم.
كتب الاخوان المسلمون وغيرهم عشرات الكتب حول فضائل الحكم الاسلامي. وهي جميعا تفترض حكاما مؤمنين طيبين وشعبا مسلما مطيعا، مع قليل من غير المسلمين. هذه الكتب غرضها الاشادة باخلاقيات الاسلام وليست البحث العلمي بالمعايير بالاكاديمية. ولهذا فهي نادرا ما تناولت الاشكالات النظرية والعملية في علاقة المجتمع والدولة ومصادر التفارق بينهما.

من قرأ تلك الادبيات فسينتابه – بالتاكيد- قلق من سيطرة الاخوان او نظرائهم على السلطة في حكومة شديدة المركزية مثل حكومة مصر. صحيح انهم يتحدثون اليوم عن مبدأ المواطنة، وصحيح انهم اختاروا مسيحيا ليكون نائبا لرئيس حزبهم. لكن هذا المبادرات المحدودة لا تكفي لاقناع المتشككين والقلقين.

قدرة الاخوان على تعبئة الشارع ، ثم انتصارهم الباهر في الانتخابات النيابية والرئاسية، اعطاهم حقا ثابتا في القانون. وكان عليهم الانتقال الى المرحلة التالية ، اي نزع رداء الحزب المنتصر والعمل كقائد لقطار يحمل الشعب كله ، انصارهم واعداءهم. الحزب المنتصر يبقى حزبا مهما كبر ، وهو ليس الشعب كله ولا نصفه ولا ربعه، فلا يصح له استثناء الاخرين ولا سيما المهزومين.
خطاب الاسلاميين يغفل بشكل واضح "المواطنة" كمبدأ جوهرى في الدولة الحديثة. وهو يتعامل مع المخالفين باعتبارهم "اقلية" لا تستحق الانتباه. يتحدثون عن الاقليات الدينية والمذهبية والقومية والتيارات الحديثة اليسارية والليبرالية وامثالها كنخب ثانوية او فلول او طابور خامس يخدم اجندات اجنبية، وغير ذلك من الاوصاف التي نسمعها هذه الايام.
هذا الفهم السقيم للمشهد السياسي يؤسس – بالضرورة – لحالة استقطاب سياسي واجتماعي بين الفريق السياسي الذي يرفع شعارات اسلامية وبين الفرقاء الاخرين. واسوأ ما في هذه الحالة هو تحول الاسلام كمنظومة قيم سامية الى موضوع للجدل والخلاف بين المسلمين انفسهم.

الاسلاميون ، هنا وفي كل مكان ، مطالبون بمراجعة الطروحات القديمة التي ما عادت نافعة، بل ربما كانت سدا يعيق تطور المجتمع والدولة. واظن ان تقديم تصور صحيح وعصري لمبدأ المواطنة ومبدأ الاجماع الوطني هو اهم ما نحتاجه اليوم. اخشى ان يؤدي التخشب والاصرار على القديم الى تحويل التيار الديني من داعية للدين الى مجرد مجموعة حزبية  مهمومة بالغلبة. ما لم تجر مراجعة معمقة ، سيما من جانب الحركيين، لمفهوم العلاقة بين شركاء الوطن ، فان وصول الاسلاميين الى السلطة لن يكون مقدمة لتطبيق الشريعة ، بل تمهيدا لتحويل الاستقطاب السياسي الى انقسام اجتماعي – سياسي يعيد من جديد امارات الطوائف.

الاقتصادية: الثلاثاء 27 محرم 1434 هـ. الموافق 11 ديسمبر 2012 العدد 7001

مقالات ذات علاقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...