يقول الاستاذ جمال سلطان إنه
ضرب كفا بكف بعدما وجدنا نستعيد جدلا حول العلاقة بين الدين والعلم، انتهى منذ نصف
قرن أو أكثر. ولا ينسى الإشارة إلى أن هذه الاستعادة هي ثمرة انبهار بالتطور
التقني في الغرب، وانها قد تعمق العجز عن النهضة. وهو لا يرى في هذه النقاشات
جدوى، لأنها تماثل الإسلام الذي يعلي شأن العلم مع الديانات التي لا تقيم له وزنا
(عكاظ 17 ابريل 2008).
عبد العزيز قاسم |
يرى الأستاذ سلطان اذن ان المشاركين في هذا الجدل لا يعرفون عما
يتحدثون؛ فهم يخلطون بين الموضوعات والإشكاليات. وبحسب روايته في مقالة أخرى فقد رأى
قبل عشر سنوات شبابا سعوديين يغلب عليهم ما وصفه بـ(المراهقة الثقافية) في
نقاشاتهم حول الدين ودوره (المصريون 1 ابريل 2008). ولعله وجد الجدل الحاضر دليلا على
استمرار تلك المراهقة بين المثقفين السعوديين، لا سيما كاتب هذه السطور وزميله في
النقاش. واني لأعجب لمثقف يكتب مثل هذا الكلام.
الاستاذ سلطان يكرر كلام
الزميل د. قاسم حول إعلاء الإسلام لشأن العلم. وهذا ليس موضوعا لنقاشنا ولم أتطرق
إليه البتة. واستغرب قوله بأن المتحاورين يخلطون بين الإسلام وغيره في موقفهم من
العلم. على العكس من ذلك فقد أكدنا على أن الروح العلمية في الإسلام تقتضي
بالضرورة تحديد نطاقات مختلفة لكل من الدين والعلم. وقد شرحت هذا المعنى في أكثر
من مقال. وأكدت تكرارا أن الدين مصدر للقيم والأحكام، أما العلم فغرضه كشف الواقع
وتفسير حركة الاشياء التي هي أجزاء لهذا الواقع وكيفية تطورها والعلاقة بينها وسبل
التحكم فيها وتسخيرها.
هذه النقطة بالذات كانت
موضوعا لمقالتين كتبهما د. خالد الدخيل (الاتحاد الاماراتية 2، 16 ابريل)، وهو
يضيف الى النقاش بعدا جديدا. اضافة الى هذه، عرض الدخيل نقطة جديرة بالاهتمام في
النقاش حول الدين ودوره، ألا وهي القلق الايديولوجي الذي يسكن كثيرا منا، القلق من
أن الجدل حول الدين ربما يستبطن (نية) للتهوين من شأن الدين أو قيمته الدنيوية أو
لاقصائه عن الحياة اليومية. ونجد تمثيلات لذلك القلق في صورة اتهام صريح أو مبطن
بأن المشاركين في الجدل منبهرون بالغرب أو ثقافته أو قوته، كما نجده في صورة اتهام
بأن من يجادل لا يعرف الإسلام، أو على شكل تحدٍ انفعالي.
هذه الظنون والأحكام اراء
محترمة لأصحابها، وهم لا يحتاجون الى التخفيف منها او تليين الكلام حولها. إني لا
أشك ابدا أن المحرك الرئيس للنقاش حول الدين ودوره هو شعور بعض المسلمين بالأسى
لما آلت إليه الأمور. تولد هذا الشعور في رحم المقارنة بين حالنا وحال العالم. قد
تسمي هذا انبهارا وقد تسميه انفتاحا وقد تسميه تأملا في الذات. سمّه ما شئت، لكن
جميع العقلاء يعرفون ان التفكير لا يبدأ الا اذا حركه دافع خارجي. وأبرز الدوافع
هو اكتشاف الفارق بين الواقع والمثال، أو بين مستوى من مستويات الواقع والمستوى
الاعلى منه.
الإسلام ليس في قفص الاتهام،
ولن يزيده أو ينقصه قلمي أو قلم غيري. نحن، أهل الاسلام، في قفص الاتهام، ثقافتنا
وافهامنا وتطبيقاتنا، وعلاقتنا بالدين والدنيا، كلها موضوعات للنقاش. ما يعمق
الاحباط والعجز ليس النقاش في الدين كما اشار الاستاذ سلطان، بل الخوف من مجادلة
المسلمات التي اصطنعها البشر من مسلمين وغير مسلمين، من حملة العلم الديني وغيره،
فضلا عن عامة الناس. بعض هذه المسلمات هي أغلال على عقولنا وأغلال على حياتنا.
وهي
بين العلل الأولى لتخلفنا عن مسيرة المدنية في عالم اليوم. نحن لا نفهم العلم
والتقنية كنشاط خرافي، كما رأى سلطان، بل نعرفه كمنتج إنساني لصيق بتاريخه وبيئته.
ونعرف أيضا أن الخلط بين الدين والخرافة ورفع الخرافات إلى مقام القيم الدينية هو
واحد من أسباب التخلف والعجز. نحن ندعو الى إعلاء مقام العقل وتحرير البحث العلمي
من قيود القيم والتصورات، وهدفنا هو كشف الخط الفاصل بين القيمة الدينية والخرافة،
بين ما هو موضوع للوحي وما هو موضوع للعقل، بين ما يتجه إلى الأشياء وما يتجه إلى
الإنسان.
عكاظ 23 ابريل 2008
https://www.okaz.com.sa/article/179735