20/03/2008

مكاشفات الدكتور عبدالعزيز قاسم


 تمثل مكاشفات الزميل د. عبد العزيز قاسم نمطا غير معتاد في الصحافة السعودية. هذه المكاشفات هي حوارات مطولة مع شخصيات عامة حول قضايا اشكالية مطروحة من جانب الضيف او عليه.
بدأ قاسم مكاشفاته في مطلع العقد الجاري على صفحات جريدة «المدينة»، وانتقل حديثا الى جريدة «عكاظ» التي نشر فيها حوارات مفصلة مع المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله.
يحسب للزميل قاسم انه اخترق جدارا من الوهم طالما وقفت الصحافة السعودية عاجزة امامه. نشأت هذه الاوهام نتيجة للرقابة الذاتية المشددة التي فرضتها الصحافة المحلية على ذاتها وكتابها ازمانا متطاولة. ومن بينها خصوصا «حقيقة» او «افتراض» وجود حظر رسمي على اسماء او طوائف او مذاهب او قضايا معينة.
نشر الدكتور قاسم حوارات طويلة مع محمد سعيد طيب، وتركي الحمد، وعايض القرني، وعابد خزندار، وحسن الصفار، وسعيد السريحي، وعبدالرحمن الراشد، وكان آخرها حواره المفصل مع فضل الله. جميع هذه الاسماء هي محاور لمجادلات في المجتمع السعودي، تسمعها في المجالس وتقرأها في منتديات الانترنت.
وقد نقل قاسم جميع تلك الجدالات وترك لضيوفه ان يردوا عليها واحدا واحدا. ساهم هذا العمل في تعميق النقاشات الاجتماعية، واخراجها من اطار المحاكمات الغيابية الساذجة والمتحيزة الى اطار اكثر موضوعية وشفافية.
تختلف المكاشفات المذكورة في موضوعاتها ومحاور تركيزها، فحوارات السريحي وخزندار انصبت على جدل الحداثة والاصالة، لا سيما في الادب، بينما تركزت حوارات الحمد والقرني والراشد على العلمانية والحياة الدينية ودور المؤسسة الدينية بجانبيها الاهلي والرسمي، ودارت حوارات الصفار وفضل الله حول الشيعة والجدل المذهبي.
وتمثل هذه المحاور موضوعات جدل ساخن في المجتمع السعودي، في مقابل اختلاف الموضوعات فان جميع الحوارات المذكورة تتفق في انبعاثها عن محرك واحد، واتفاقها في نوعية المقاربة وفي التوظيف الاجتماعي للاشكاليات المثارة.
يمكن القول مع بعض التحفظ إن جميع الاسئلة التي وجهها الزميل قاسم هي اعادة صياغة لذات الاسئلة التي يتبادلها اتباع التيار السلفي في المملكة العربية السعودية، ولهذا ايضا تجد ان المستهدفين بالاسئلة كانوا في الغالب من الرجال الذين يتوجه اليهم النقد والشتم في المنتديات السلفية مثل منتدى الساحة واشباهه من منتديات التطرف الديني.
تمنيت لو أن الزميل قاسم حاول ابداع اسئلة جديدة. ليس بالضرورة اسئلة لا يطرحها احد، بل الاسئلة التي تشكل خلفية لكثير من الاشكاليات الحادة في حياتنا الثقافية والاجتماعية، ومنها على سبيل المثال تفسير العلاقة بين ثلاثة عوامل نشطة في حياة المجتمع السعودي، اي تضخم النشاط الديني من جهة، وتصاعد التطرف والعنف السياسي من جهة ثانية، وازدياد الانحرافات السلوكية من جهة ثالثة.
لاحظت ايضا ان القراءة الاجتماعية للقضايا الاشكالية كانت غائبة الا نادرا في مكاشفات الدكتور قاسم فهو يسأل ضيوفه عن آرائهم ومعتقداتهم في موضوعات ذات طبيعة تاريخية ومتحركة ومتأثرة بالتحولات المادية في المجتمع، لكنه يركز على المتغير النظري دون النظر في الاسباب المادية للتغيير، كما لو ان العقول تتحرك في فراغ، مستقلة عن بيئتها وعن التطور التاريخي لهذه البيئة. على ان الغائب الاكبر في هذه المكاشفات هو التعريف الدقيق للاشكاليات المشتركة التي تمثل في ظني جوهر الجدل في المجتمع السعودي، وفي التيار الديني على نحو سواء.
من بين هذه الاشكاليات على سبيل المثال : اشكالية تجديد الحياة الدينية والثقافة الدينية، ومعوقات النهوض العلمي، لا سيما المعوقات التي تنسب الى الدين او الى تقاليد المجتمع الديني. واسباب التفارق بين التيارات الثقافية في المجتمع المحلي، والعجز المشهود عن استثمار هذا التنوع في اغناء الحياة الثقافية بدل تسطيحها، او تمزيقها واعاقتها.
لعل اهم ما يحسب للزميل قاسم ان مكاشفاته ساهمت في تفصيح وعقلنة الكثير من الاسئلة، كما سجلت جانبا من تاريخ ثقافي سيحتاجه الباحثون بعد مرور الزمان. بغض النظر عن الملاحظات السابقة؛ فقد وفرت المكاشفات مرجعا موثقا لمواقف وآراء شخصيات رئيسية في المجتمع السعودي، يمثل كل منها بنشاطه وآرائه شاهدا على زمنه وجزءا من تاريخه الحي.
صحيفة الأيام البحرينية  20 / 3 / 2008م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...