‏إظهار الرسائل ذات التسميات التربية المدرسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التربية المدرسية. إظهار كافة الرسائل

16/09/2020

العلم والحيرة


تتعلق الافكار التالية بحالة مغفلة وربما غير مستساغة ، مع انها تشكل – في رايي – جوهر مفهوم التعليم وسر المعرفة. ولذا سأغامر بالادعاء بان قبولها او رفضها يحدد طبيعة العلاقة المفترضة بين المعلم والمتعلم. دعني اسمي هذه الحالة ب "الاطمئنان او الحيرة".

التعريف المبسط للاطمئنان ينسبه للشعور المتولد في نفس الانسان ، حين ينجح في حل مشكلة ، أو يجيب على سؤال يشغل ذهنه. أما الحيرة ، فهي حالة الانسان الذي يقف امام المشكلة عاجزا عن حلها ، وغير عارف بالطريق الذي يوصله الى الجواب. عندئذ يسيطر السؤال على ذهنه فيشغله عن كل شيء. ولعلك سمعت يوما من يقول بان انشغاله الذهني قد سبب له الارق. وربما ترى شخصا ساهما ، منشغلا عن كل ما يدور حوله ، فهو معك بجسده ، لكن عقله وقلبه في مكان بعيد. فهذه امثلة عن الحيرة.

مادمنا بدأنا بالحديث عن التعليم ، فالمؤكد ان اذهانكم مشغولة الان بسؤال: هل يستهدف التعليم توفير الاطمئنان في نفس التلميذ ام اثارة حيرته؟.

قبل الجواب ، يهمني استبعاد التقنيات البسيطة ، التي يقع الناس في خلط بينها وبين العلم. حين تشتري ثلاجة مثلا ، يطلب منك صانعها ان تقرأ دليل الاستعمال ، الذي يحوي معلومات تقنية ابتدائية ، لكن هذا الدليل لايخبرك عن هندسة التبريد او المفاهيم العلمية التي بنيت على ضوئها الثلاجة. ولو اخبرك بهذه التفاصيل لاوقعك في حيرة شديدة. ولهذا ينصحون عادة بجعل دليل الاستعمال مصورا ، يحوي الكثير من الاشكال والالوان والقليل من الكلام ، وان يكون بسيطا "كي لايشوش ذهن المستعمل".

أما الطالب الذي يدرس هندسة التبريد في الجامعة ، فانه لايقرأ دليل استعمال الثلاجة ، بل يبحث عن مصادر مليئة بالتفاصيل والشروح الفنية الدقيقة والمعادلات.. الخ. بعبارة اخرى فان المهندس يبحث عن العلم ، مع انه كثير التفاصيل ، وقد يؤدي الى تشويش ، بخلاف مستعمل الثلاجة الذي لم يكن بصدد البحث عن العلم اصلا. المقصود اذن ليس "دليل الاستعمال" او التقنيات الابتدائية.

العلم لايؤدي للاطمئنان ولا اليقين. يتولد العلم من السؤال والشك ، وكلما ازداد العلم ، ازداد معه التشويش والشك الذي يثيره. ثم ان العلم لايعطيك جوابا نهائيا ، بل يقودك من سؤال اولي الى سؤال متقدم او شك مضاعف. من يبحث عن الاطمئنان واليقين ، فلن يجده في العلم. والمقصود هنا هو البحث العلمي الذي غرضه التوصل الى اجوبة او حقائق جديدة ، او نقد اجوبة قائمة.

*** هل ينبغي لنا ان نجعل هذا عمود الخيمة في تعليم الاطفال والشباب؟

*** الجواب نعم.

أعلم ان كثيرا من الناس يريدون بابا مواربا. فيقولون مثلا: دعنا نشحن عقول اطفال الابتدائية والمتوسطة بالمعلومات الجاهزة ، فاذا انضموا للثانوية والجامعة ، نقلناهم الى مرحلة البحث والتفكير ، لانهم اذ ذاك ناضجون يحتملون الشك والحيرة.

 لكن هذا وعد مستحيل. اذا بدأ تلميذ الابتدائية بالركض وراء الاسئلة ، فسوف يواصل وينضج في المراحل التالية. واذا بدأ بنظام "تكديس البيانات في الخزنة" اي التلقين ، فلن يستريح لأي طريقة بديلة. لقد جربت شخصيا الطريقة المعتادة في حلقات العلم الشرعي ، وهي تدمج بين الطريقتين: السعي لتوليد الاطمئنان + البحث عن فكرة جديدة ، لكني وجدت ان الطريقة الاولى هي التي ستهيمن في كافة الاحوال ، الا القليل النادر. ولهذا فلن يفيدنا التفكير في ابواب مواربة او طرق مشتركة او حلول وسط.

الأربعاء - 29 محرم 1442 هـ - 16 سبتمبر 2020 مـ رقم العدد [15268]

https://aawsat.com/NODE/2510041/

 مقالات ذات علاقة

02/09/2020

التخلي عن التلقين ليس سهلا

 


لا أغالي لو قلت ان جميع من دعوا لتطوير التعليم المدرسي ، متفقون على نقطة واحدة في الحد الأدنى ، وهي التخلي عن اسلوب "التلقين" واعتماد التعليم التفاعلي ، حيث يمسي الطالب شريكا في تشكيل موضوع الدرس. لكني ايضا ازعم ان غالبية المعلمين المؤمنين بهذه الفكرة لايطبقونها أبدا.

فكرة التخلي عن "التلقين" ترجع الى 30 عاما على الأقل. وقد كتب عنها عدد من وزراء التربية ووكلائهم ، قبل تولي مناصبهم او بعد تقاعدهم ، مما يؤكد قناعتهم بالفكرة. لكننا رغم مرور تلك المدة الطويلة ، لانزال مشغولين بمناقشة الموضوع ، ونشعر انه لم ينضج بعد.  اليست هذه مفارقة محيرة؟.

أعلم ان نظام التعليم العام قد تطور بشكل ملموس خلال العقد الجاري. كما اعلم ان المعلمين باتوا أكثر كفاءة واستيعابا لمناهج التعليم الحديث وما تنطوي عليه من تحديات.

لكن دعنا نطرق زاوية ، ربما لم يلتفت اليها اكثر الناس ، او لم يرغبوا في نقاشها. وهي تشكل التحدي الأهم في التعليم التفاعلي ، اعني بها ما ينتج عنه من بروز لفردانية الطالب واستقلاله.

بيان ذلك: لو سالني معلم عن محور التعليم التفاعلي وجوهره ، لقلت انه استثارة ذهن الطالب وتشجيعه على ان يفكر ، اي ان يرتكب الأخطاء دون خوف. وهذا بدوره يعزز فردانية الطالب واستقلاله. سوف اعود في مقال لاحق لشرح العلاقة بين التعليم وارتكاب الاخطاء ، لكن دعنا نركز الآن على نقطة الاستقلال والفردانية:

تبرز فردانية الشاب حين يعتاد على البحث والتجريب بنفسه. سيقوده البحث الى عوالم وآراء جديدة ، وسيتصل بمحيط اجتماعي/ثقافي ، وراء المحيط المحمي باعراف الجماعة ، اي انه سيعيد تكوين هويته واكتشاف ذاته المستقلة والمختلفة عن ابيه ومعلمه ، بل عموم الجيل الذي يتوقع من الابناء ان يكونوا "مطيعين" وملتزمين بالاداب والاعراف المتوارثة.

التعامل مع هذا التحدي أمر مقلق حقا للآباء والمعلمين ، ومن يوازيهم في المرتبة او الدور. نحن ننظر الى نظام التعليم المدرسي كامتداد للتنشئة العائلية. ونفكر في ابنائنا كامتداد مادي وثقافي لاشخاصنا ، وننزعج أشد الانزعاج اذا سمعنا انهم تباعدوا عنا ، في تفكيرهم او سلوكياتهم او التزامهم باعراف الجماعة وتقاليدها ، بل حتى لو لبسوا أزياء غير ما اعتدنا لبسه.

في المقابل ، فان الغرض الأول للتعليم المدرسي ، هو اعداد الجيل الجديد لزمن مختلف وتحديات مختلفة. ولهذا احتاج الى معلمين محترفين. نحن نرى هذا كل يوم في حديث الناس ، عن عدم التواؤم بين مايسمونه "مخرجات التعليم" وحاجات سوق العمل. اني اخالف هذه الفكرة. لكن تكرارها على السن الناس ، يؤكد قناعتهم بان على المدرسة ان تؤدي دورا مختلفا عن ذلك الذي يؤديه الابوان في المنزل.

نحن إذن امام تعارض جدي بين إرادتين تنشطان في اتجاهين متعاكسين: ارادة تريد أن يكون الابناء استمرارا للآباء وتاريخهم ، وارادة تريد قطع الحبل السري الذي يشدهم الى هذا التاريخ ، كي يكونوا جزء من مستقبل مختلف.

السؤال الذي يجب طرحه هنا: الى اي درجة يود المعلم ان يرى طلابه مستقلين عنه ومتحررين من توجيهه؟. والى اي حد يسمح الآباء لابنائهم بالاستقلال ، في ثقافتهم وسلوكهم وما يتبنونه من قيم؟. وأخيرا ، وهذا هو الاكثر جدية في نظري: هل تريد الادارة الرسمية القائمة على التعليم بلوغ هذه النقطة ، ام ان حديثها عن "التعليم التفاعلي" ينصرف الى  المعنى التقني فحسب؟.

الأربعاء - 15 محرم 1442 هـ - 02 سبتمبر 2020 مـ رقم العدد [15254]

https://aawsat.com/node/2482806/

مقالات ذات علاقة

26/08/2020

فتاة فضولية

 

سمعت القصة التالية من شابة تتحدث في برنامج وثائقي ، عن تاريخ الكمبيوتر. وخلاصة القصة انها كانت في المرحلة الثانوية ، يوم طلبت مدرستها بحثا في 1000 كلمة عن الذاكرة العشوائية للحاسب ، التي تسمى اختصارا "رام". واخبرتهم ان تقديم بحث متقن ، يعني النجاح القطعي في مادة الحاسب للفصل الدراسي باكمله. 

تقول الشابة انها سألت زملاءها ثم أباها وأمها ، فاكتشفت انهم جميعا لا يعرفون شيئا عن الرام ، مع انهم يستعملون الكمبيوتر في البيت والعمل او المدرسة. على ضوء هذا الاخفاق ، وضعت جدولا يحوي 50 سؤالا ، وبدأت في القراءة بحثا عن اجوبة ، كما راسلت بعض الخبراء. واستغرق هذا العمل نحو شهر ، قدمت في نهايته موجزا من 1000 كلمة ، وشرحا عليها في نحو 6000 كلمة. ومن ضمن ما احتواه الشرح ، مقترحات لمنع خسارة البيانات ، حين يحصل تذبذب في الطاقة.

   تقول هذه الشابة ان موضوع ال "رام" بات شغلها الشاغل طيلة العقد التالي ، وانها ركزت عليه خلال  دراستها الجامعية في مرحلتي البكالوريوس والماجستير. وهي اليوم من أبرز الخبراء في هذا المجال. سألها المذيع: لماذا احبت ان تروي القصة؟. فقالت انها تحوي جوهر فكرة التعليم التي لا يعرفها أغلب الآباء. ولو عرفوها لعلموا اولادهم فوق مايحصلون عليه في المدرسة.  الفكرة ببساطة ، ان المعلمة كانت تريد اثارة فضولهم للمعرفة. كانت تريدهم ان لايمروا بشيء دون التوقف عنده والتأمل فيه. وكانت تخبرهم أن العباقرة لايملكون ادمغة اكبر من سائر الناس ، لكن ميزتهم هي الفضول والتخيل. بداية العبقرية هي الالتفات الى كل شيء حولك.

 الفرد العادي لايلتفت للاشياء البسيطة المألوفة.   نحن – في العادة – نهتم بالاشياء الغريبة فقط ، بل ربما نمعن النظر فيها. لكن ، لاننا عودنا عقولنا على عدم التفكير في الاشياء ، فان التفاتنا يكون انطباعيا احساسيا ، اي انه لايتضمن "تفكيرا" في الشيء ، بل يقتصر على التفاعل العاطفي.  

دعني اقترح على اعزائي المعلمين فكرة مماثلة: اسألوا طلابكم عن التفاصيل الفنية لمكيفات الهواء في بيوتهم: اسالوهم عن موديل المكيف وسنة صنعه والشركة التي صنعته ، وكفاءة استهلاكه للطاقة وعدد الوحدات الحرارية والمساحة التي يشغلها ، والمساحة التي يخدمها ، ومعنى المصطلحات السابقة ، وكيفية الحصول على خيارات افضل.. الخ. اسألوهم عن سياراتهم: كيف يقيسون قوتها ومعنى ان تكون 200 حصان او اقل او اكثر ، والفرق بين السيارة الكهربائية والعادية ، وكم يكلف اقتناء السيارة حتى نهاية عمرها الفني. هذه الاسئلة ستثير عقولهم وتجعلهم يفكرون كثيرا كلما مروا بواحدة ، وستجعلهم يقرأون حولها ، واذا كان  ثمة من يواصل ارشادهم ، فقد يكونوا ممن يقدم افكارا جديدة في عالم المكائن والسيارات ، في قادم الايام.

احتمل ان اكثر ابنائنا لايعرف غير "ماركة" السيارة. وهم يمرون بها وبالثلاجة والمكيف وجدار البيت والباب والهاتف والطاولة والكتاب والمصباح ، لكنها لاتثير فضولهم ولاتدفعهم للتأمل فيها ، لان التفكير والتأمل في المسلمات والعاديات ليس عادة دارجة في ثقافتنا  ، مع ان مساءلة المسلمات وتفكيكها (اي التفكير فيها) هي اهم تجليات العقل المبدع.  من اراد التمييز بين اهل الذكر والغافلين ، فليتوقف الآن عند اي شيء يمر عليه ، وليتأمل فيه ، وليفكر في ما تراه عينه وما تخفيه (لان العين ترى اشياء ثم تخفيها عنك). عندئذ سيكتشف الفارق بين الذاكرين والغافلين.

الشرق الاوسط الأربعاء - 8 محرم 1442 هـ - 26 أغسطس 2020 مـ رقم العدد [15247]

https://aawsat.com/node/2469316

مقالات ذات علاقة

 اول العلم قصة خرافية

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

الحق أولا

حقوق الانسان في المدرسة

حول البيئة المحفزة للابتكار

دعـــــوة الى التعــــليم الخــــــيري

سلطة المدير

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

صناعة الشخصية الملتبسة

كتب الطبخ هي الاكثر رواجا في معارض الكتب

المدرسة وصناعة العقل

المدرسة ومكارم الاخلاق

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

مكافحة الفساد بدء من المدرسة

الوطن هو الناس وليس الجغرافيا

يوكل علم ؟ ... يعني مايفيد !

19/08/2020

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق



ركز مقال الاسبوع الماضي على حاجتنا لتطوير النظام التعليمي ، على ضوء التحولات التي سيشهدها العالم مع نضج "الثورة الصناعية الرابعة". مع هذه الثورة سنرى عالما جديدا واقتصادا غير ما عهدناه. وأذكر هنا بما شهد العالم من تحول في الثقافة والاقتصاد بعد الثورة الاولى ، يوم صنع المحرك البخاري في اواخر القرن الثامن عشر ، وما حصل عقب الثورة الصناعية الثانية ، التي تنسب الى ظهور الكهرباء ومكائن الاحتراق الداخلي ، والثورة الثالثة التي ترتبط بظهور الكمبيوتر والانترنت والادوات الرقمية عموما. نحن الان نفهم التحولات الهائلة في حياة البشرية التي أثمرت عنها هذه الثورات ، ونعلم ان الثورة القادمة ستحمل تحولات اعمق واوسع ، ليس فقط في الاقتصاد ، بل في الاخلاق والثقافة أيضا.

ان السمة الابرز في التحولات الجارية اليوم ، هي اتساع الأفق. التكامل الفائق بين الآلات في احجامها الصغيرة ، مع انظمة الذكاء الصناعي والاتصالات العالية السرعة ، ادى فعليا الى توسيع المساحات التي يراها الانسان ويستوعبها ، على نحو غير مسبوق. الواقع ان انتشار الانترنت خلال العقدين الماضيين ، قد مهد هذا الطريق ، فبات كل انسان قادرا على رؤية أجزاء من العالم ، لم يتخيل وجودها سابقا.
لكن ما نعرفه حتى الآن هو نموذج مصغر ، عما سيعرفه العالم في السنوات القادمة. مع توفر انظمة الاتصال الفوري بكلف منخفضة ، فان كافة شرائح المجتمع ستكون متصلة بالعالم الافتراضي ، ولن تعود مصادر المعلومات قصرا على المثقفين او المهندسين او من يتقن اللغات الاجنبية.
كل شخص على هذا الكوكب ، سيكون قادرا على التفاعل المباشر مع أسواق ومجتمعات ، ومصادر عيش ووسائل عمل وترفيه ومصادر معلومات ، لم يتواصل معها سابقا بسبب حواجز اللغة او المال او القيود السياسية. هذه كلها ستزول تدريجيا ، ان كثافة المعلومات وسرعة الاتصال ، سوف تجعل المراقبة والحجب المادي مكلفة وغير فعالة ، اما حاجز اللغة فهو زائل بالتأكيد مع تطور برامج الترجمة الفورية الذكية.
ان غالبية الناس يهتمون بالتعليم ، لأنه الطريق الوحيد تقريبا لضمان حياة مستقرة لابنائهم. التقديرات المتوفرة فعلا ، تشير الى ان الثورة الصناعية الرابعة ستلغي 700 نوع من الوظائف ، او تحولها الى الآلات. هذا يعني ان على الآباء ان يفكروا في وظائف لابنائهم ، من نوع مختلف عما اعتادوا عليه.
في ظني ان الموضوع الذي ينبغي ان يشغل القائمين على التعليم هو  "سعة الافق" اي السمة الرئيسية للثورة الصناعية الرابعة. سعة الافق تعني مثلا الاستعداد التام للتكيف ، مع اقتصاد جديد واشخاص جدد وثقافات مختلفة ، وانماط عيش غير مألوفة. ومنها أيضا اعداد الشباب كي "يخلقوا" مصادر عيشهم ، ولا ينتظروا وظيفة في دائرة حكومية او شركة. هذا يعني ان يركز التعليم على تعزيز كفاءات التفكير والابداع عند كافة الشباب ، كي لا تكون الوظيفة بالمعنى التقليدي غاية ما يطمحون اليه.  
تطور التقنية سيلغي مئات الوظائف التي نعرفها. لكنه سيأتي أيضا بفرص جديدة كثيرة جدا. المهم في كل الاحوال هو تجهيز ابنائنا بوسائل احتواء التحدي ، ومن أهمها التفكير العلمي ، حيوية الذهن ، الابداع  ، الاعتماد المطلق على الذات والرغبة في التعلم.
ان الخطوة الاولى في تطوير التعليم ، هو تحريكه بهذا الاتجاه ، اي مساعدة الشبان كي يكونوا مستقلين ، راغبين في التعلم ، ومستعدين للمغامرة.
الشرق الاوسط الأربعاء - 29 ذو الحجة 1441 هـ - 19 أغسطس 2020 مـ رقم العدد [15240]

14/11/2018

حول البيئة المحفزة للابتكار





العقول المبدعة تولد في البيئة المحفزة للابداع. كما ان العقول الخاملة هي النتاج المتوقع في البيئات المستكينة او المتشككة في  التغيير.
تحويل البيئة الى محفز للابداع يبدأ في المدرسة. ولا بد من القول ابتداء انه ليس متوقعا ان يتحول جميع الناس ، او جميع الطلبة ، الى مبدعين. ما قصدناه تحديدا هو زيادة نسبة المبدعين الى أقصى حد ممكن ، بالقياس الى المجموع.
يبدأ تحفيز الابداع بالتركيز على الاشياء العادية المحيطة بنا ، وتحويلها من عناصر جامدة او غير ملفتة ، الى موضوعات للبحث والتفكير: اجزاء جسدك ، الناس الذين معك ، التراب الذي تمشي عليه ، الجدار المحيط بالغرفة ، شجر الحديقة ، السيارة التي تركبها ، الثوب الذي ترتديه .. وكل شيء آخر تراه أو تسمع به أو تتعامل معه ، هي موضوعات جدية للتفكير والتساؤل. وسوف تنطق فتجادلك أو تخبرك بأسرارها ، لو وقفت منها موقف المتسائل والمتأمل.
كلنا ، كبارا وصغارا ، نرى هذه الاشياء كما نرى مئات غيرها. لكننا نادرا ما توقفنا وتساءلنا عن حقيقتها ، او عن سر وجودها في هذا المكان دون غيره ، والعلاقة التي تربط بينها وبين بقية الاجزاء والعناصر ، التي تشكل المنظومة الكبرى التي نسميها بالمحيط الحيوي او البيئة الطبيعية.
سيقول بعض القراء – وهم محقون – ان طلابنا يدرسون القواعد العامة ، التي تؤسس لفهم العلاقات الكلية بين تلك العناصر. وفي المراحل المتقدمة ، يدرسون القواعد الاكثر تخصصا وتفصيلا. اي انهم يبدأون بالكلي ، كي يفهموا تاليا الاجزاء والتفاصيل. مثاله البسيط اننا ندرس قواعد اللغة الانكليزية اولا ، وهي ستقودنا ، كما يفترض ، الى اتقان اللغة ذاتها. كما ندرس القواعد العامة في الفيزياء مثلا ، كي توصلنا الى فهم الظواهر الفيزيائية.
هذا واضح تماما ، وهو ما نفعله على الدوام. ونعرف انه لم يكن مجديا تماما. ولهذا ادعو الى اتخاذ الطريق المعاكس ، أي البدء بالعناصر والظواهر. هذه الطريقة تخدم هدفا مختلفا ، هو إثارة اهتمام الطالب بتلك العناصر ، ودفعه للتعامل مع بعضها كموضوع اهتمام شخصي ، كي يكتشف من خلالها الطريق الذي يظنه اقرب الى تحقيق خياراته الحياتية ، اي نوع الاكتشاف الذي سيحقق ذاته وسعادته الخاصة.
الفضول للمعرفة وكشف المجهول ، غريزة طبيعية في كل انسان. وهي في الشباب اقوى من غيرهم. ولولا هذا الفضول لما تعلم الناس اي شيء. دعنا اذن نأخذ هذه الغريزة الى مداها الاقصى ، بتركيزها على عنصر او جانب محدد ، وتشجيع الشاب على اختياره محورا لحياته.
الذين ابدعوا واخترعوا ، هم اولئك الذين استبد بهم الشغف بموضوع محدد ، حتى أمسى شاغلا لحياتهم ، يفكرون فيه طوال اليوم ، وربما يحلمون به. هذا لا يتحقق الا اذا انضمت العاطفة الى العقل ، أي حين يمسي ذلك العنصر او الموضوع هواية وحبا يملك حياة الانسان حتى ينسى ما عداه.
أقول ان هذا ممكن ، اذا تغافلنا قليلا عن الروتين والنظام واختبار نهاية العام ، وغضضنا الطرف عن الدروس التي لا تستهوي الطالب ، اذا ساعدنا الطالب على اختيار ما يهواه ويحبه ، واعتبرنا هذا نجاحا لبرنامجه المدرسي ، حتى لو أهمل كل شيء آخر.
أعلم ان هذا غير طبيعي ، ولذا فهو عسير. لكني اعلم ايضا ان شحن البيئة بمحفزات الابداع ، ليس في حقيقته سوى قلب المعايير المعتادة ، وتغليب المجهول على المعلوم.

الشرق الاوسط الأربعاء - 6 شهر ربيع الأول 1440 هـ - 14 نوفمبر 2018 مـ رقم العدد [14596]

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...