23/02/2022

التعصب كمنتج اجتماعي


حين تقع نزاعات ، فان الناس يبادرون الى اتهام من يسمونهم "متعصبين". هذا يعني ضمنيا ان الاتجاه العام هو عدم التعصب ، أو ان التعصب يعتبر استثناء من القاعدة الاخلاقية ، او شذوذا عن العرف السائد. لهذا السبب ، فليس هناك من يعتبر نفسه متعصبا ، او يتقبل اتهام الناس له بالتعصب. اما الجماعات السياسية والدينية ، فهي ترى وصمها بالتعصب نوعا من العدوان والافتراء. وهذا ينطبق تماما على مرادفات التعصب ، نظير الغلو والتطرف والتشدد والاصولية ، وأشباهها.


هذا يثير سؤالا بديهيا: اذا كان الأمر على هذا النحو ، فكيف نبت التعصب.. هل يمكن لمجتمع متسامح ان ينبت اعدادا كبيرة من المتعصبين ، نظير ما شهده العالم الاسلامي في العقود الأربعة الماضية؟.

يبدو لي ان التعصب سمة مستقرة في بنية المجتمع. ولولا وجوده لما أمكن اطلاق وصف التسامح او الاعتدال على أحد. التسامح والتعصب ، كلاهما وصف مقارن ، يعرف ويتميز في وجود نقيضه. لكن أستطيع القول ان هناك مجتمعات اكثر تسامحا من غيرها ، اي – بعبارة اخرى – ان هناك مجتمعات اكثر تعصبا من غيرها.

المجتمعات المتسامحة هي التي تتقبل – بشكل عام – المختلفين عنها في الدين او الثقافة او نمط العيش ، اي التي تتسامح تجاه الافكار الجديدة والقيم المختلفة عما اعتادت عليه. هذا وصف عام ، ويمكننا ان نتخيل مجتمعات ينطبق عليها الوصف السابق بدرجات اعلى ، اي انها متسامحة جدا ، ومجتمعات في الاتجاه الآخر ، فهي متسامحة قليلا.

التعصب لا ينبت فجأة. بل هو ثمرة لعوامل توجد في البنية الاجتماعية او في المحيط الطبيعي ، وتؤثر بدرجات متفاوتة على تفكير الأفراد او مصادر عيشهم ، فتحولهم الى متعصبين او متسامحين.

بسبب تعدد العوامل المؤثرة وانبساطها زمنيا ، فليس هناك مجتمع كل افراده متعصبون بالحد الاقصى ، وليس هناك مجتمع كل افراده متسامحون بالحد الاقصى. هناك دائما من يقع في طرف المسطرة ومن يقع في وسطها ، وثمة بين هذا وذاك آخرون ، يتحركون باتجاه الوسط حينا وباتجاه الطرف حينا آخر.

لا شك ان الثقافة العامة السائدة ، وتلك التي يتلقاها الاطفال في البيت والمدرسة ، هي أقوى المؤثرات التي تشكل ذهنية الفرد. لكن لا ينبغي اغفال العوامل الأخرى غير المنتظمة ، لاسيما الأزمات الكبرى التي تعصف بالمجتمع ، نظير الكوارث الطبيعية والحروب والتحولات الاقتصادية الكبرى ، والأزمات السياسية طويلة الأمد. كل من هذه يترك أثرا عميقا في تفكير الفرد ورؤيته للعالم. وهي تحدد الى حد بعيد المنظار الذي يرى من خلاله الأشياء ، منظار صاف (واقعي) ام معتم (متشائم).

حين تقع أزمة ، فان ذهن الفرد ينفتح على مصراعيه لما تقوله المنابر العامة. المنابر التي تلقي بالمسؤولية على الاخرين ، أعداء او أصدقاء ، وتلك التي تقدم وعودا بان جهات أخرى ستتولى معالجة المشكلة ، تلعب دورا سلبيا ، حيث تعزز الميل التشاؤمي ، ومن ثم التوتر النفسي ، الذي يترجم على شكل تعصب في فهم الأشياء والتعامل مع الناس. وفي المقابل فان القنوات والمنابر التي تحاول تشريح المشكلة إلى أدق التفاصيل ، وتؤكد على قدرة الانسان بصورة عامة على حل مشكلاته ، او قابليته لتجاوزها بمرور الزمن ، هذه القنوات تحيي الامل في النفوس وتعزز المنظور الإيجابي للحياة ، أي الميل التفاؤلي /التسامح. غني عن القول ان التوتر النفسي يعزز الميل للتعصب ، بينما السكينة والاطمئنان يعزز الميل للتسامح.


الشرق الاوسط الأربعاء - 22 رجب 1443 هـ - 23 فبراير 2022 مـ رقم العدد [15793]

 https://aawsat.com/node/3490696

مقالات ذات صلة

ان تكون مساويا لغيرك: معنى التسامح

التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف

 تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

ثقافة الكراهية تجريم الكراهية

الحق الواحد والحق المتعدد: هل تراه معقولا؟

سؤال التسامح الساذج: معنى التسامح

الفلسفة في المدرسة

في التسامح الحر والتسامح المشروط

 في ان الخلاف هو الاصل وان الوحدة استثناء

في بغض الكافر

في معنى التعصب

من الاجوبة الى النهايات المفتوحة

من القطيعة الى العيش المشترك

الهوية المتأزمة

 

16/02/2022

في معنى التعصب


عمر هذه القصة يزيد عن ثلاثين عاما. وقد جرت في فندق بسيط قرب محطة سكة حديد الحجاز بمدينة دمشق. جئت الفندق زائرا شاعر العرب عبد الله البردوني. فوجدت عنده زائرا آخر من أهل العلم والأدب ، لا أذكر اسمه الآن. وقد رأيت على طاولة الغرفة كتابا للشيخ محمد سعيد البوطي ، ويبدو انه التقى البردوني من قبل. فهمت هذا من خلال حديث الرجلين عن آرائه. ومن بين ما بقي في ذاكرتي قول الضيف بان البوطي شديد التعصب ، وضرب مثلا برأيه في حجاب النساء وتقليد الأئمة. وبالغ الرجل في نقد البوطي ، حتى وصفه بالتخلف وقلة العلم. فقاطعه البردوني متسائلا: ما هو التعصب الذي نتحدث عنه .. متى يكون الانسان متعصبا؟.

المرحوم عبد الله البردوني

لقد نسيت بقية الحديث. لكني التقيت البوطي بعد بضع سنين ، فوجهت له نفس هذا السؤال ، فأجابني بان التحول من نقد الرأي الى ذم اصحاب الرأي ، وجه من وجوه التعصب. ثم قارن بين حالتين من البيئة الدمشقية: حالة المتعصب الذي لا يقبل رأيا غير الذي اعتاد عليه. لكنه لا يجادل الناس ولا يلزمهم برأيه. وحالة المتعصب الذي يشن معارك على الآخرين ويحاربهم ، لمجرد الاختلاف في صغريات المسائل. وذكر أمثلة عن نقاشات خاضها مع هؤلاء وأولئك ، وقال انها لم ترجع بفائدة ، بل ربما أججت عداوات لم يكن لها أي داع.

قفزت هذه القصة القديمة الى ذهني ، قبل بضعة أيام ، حين سألني أحد الاصدقاء ذات السؤال: من هو المتعصب ، وما هو نقيض التعصب؟.

 في كل الاوقات هناك من يوصف بأنه متعصب للدين او المذهب. ولابد ان كلا منا قد عرف أو سمع عن شخص متعصب لدينه او مذهبه او قومه ، أو لعله فكر في شخص ما باعتباره نموذجا للتعصب. لا يخلو مجتمع من اشخاص متمسكين بمعتقدات وآراء يرفضون مساءلتها كليا. ولا يخلو من اشخاص يتبنون قضايا ومذاهب يدعون الناس اليها ويهاجمون من يخالفها.

لكن... ما الذي نعنيه حين نطلق صفة التعصب على واحد من الناس.. ما هو معنى التعصب على وجه التحديد؟. هل هو مجرد التمسك بفكرة ، ام الدعوة اليها ، أم محاربة أفكار الآخرين؟.

 لقد نظرت في الشروحات التي كتبها من يصفون غيرهم بالتعصب ، فلم أجد وصفا جامعا مانعا. بل لقد رأيت بينهم من ينتقد هذا ، ثم – في مكان آخر - يمتدح سلوكيات تدل على تعصب. لكنها منسوبة لمن يسمون في القانون "شخصيات محمية" اي يمنع نقدها. من ذلك مثلا ان احد اهل العلم من اصدقائي ، انتقد بشدة جماعة سياسية قتلت بعض اعدائها او نكلت بهم. ثم انتقد بشدة تدوينة لي دعوت فيها لالغاء عقوبة الاعدام ، واحتج بان الله اوجب القتل لتطهير الارض من الفاسدين. ثم امتدح صحابيا جلد احد العصاة ، وقتل آخر من دون حكم قضائي ، وقال انه شجاع ولا تأخذه في الله لومة لائم. وقد لفت نظره الى هذه المفارقات ، فأجابني باسما: لكل مقام مقال.

لا استطيع وضع تعريف جامع للتعصب. لكني وجدت أن جميع السلوكيات التي توصف بالتعصب ، تبدأ من منطلقات متماثلة ، ابرزها عدم التسامح ، وقد سبق ان عرفت التسامح بانه الاقرار بحق كل انسان في اتباع املاءات عقله او ارثه المعرفي. ويظهر لي الآن ان التسامح هو النقيض السلوكي للتعصب.

الشرق الاوسط الأربعاء - 15 رجب 1443 هـ - 16 فبراير 2022 مـ رقم العدد [15786]

https://aawsat.com/node/3477671

09/02/2022

النقد الأخلاقي للتراث: مجادلة أولى

 

ذكرت في مقال الاسبوع الماضي ان الأفعال قد تكون حسنة في زمن وقبيحة في زمن آخر. وضربت مثلا بفتوحات المسلمين القديمة. وقلت ان الفكرة نفسها قابلة للتطبيق على الروايات التي تحكي حياة تلك الحقبة ، بما فيها روايات عن النبي والصحابة.

ولم تجد هذي الفكرة هوى عند بعض القراء الأعزاء. فجادلوا بأن الحسن أو القبح لا يمكن ان يختلف. فهل يمكن وصف الظلم يوما بأنه حسن ، أو وصف العدل بأنه قبيح.. وهل يختلف حسن العدل وقبح الظلم بين الحاضر والماضي؟.

رسم تخيلي عن سوق الرقيق القديمة

جوابي على هذا ان للفعل حالتان: حالة ذهنية تصورية مجردة ، وحالة فعلية تطبيقية. فالعدل النظري المجرد لا خلاف فيه ، بل في تطبيقه على حدث بعينه. دعنا نأخذ مثالا بالعبودية التي تداولها اسلافنا كفعل عادي لا كظلم قبيح ، مع انها تعد الآن من اقبح التصرفات. فلو سألت شخصا ، من أي دين او بلد ، عن رأيه في استعباد الناس ، فهل سيجيبك بأنه فعل حسن وعادل ، وانه يتقبل ان يكون عبدا لشخص آخر ، وأن تكون زوجته أمة لذلك الشخص؟. اعلم ان احدا لن يرضى بهذا.

لكن تجارة العبيد واقتناءهم كانت متاحة ومباحة في الماضي ، في بلاد المسلمين وغيرها. وكانت قوافل السبايا جزءا ثابتا في غنائم الحروب. ويندر ان تجد بين السلف رجلا ذا مال ، وليس عنده عبيد وإماء ، بمن فيهم الخلفاء والائمة والعلماء ، فضلا عن سائر الناس. ولذا حوت اغلب كتب الفقه القديمة بابا خاصا بأحكام الرقيق ، احكام بيعهم وشرائهم واقتنائهم ، والاحكام الخاصة بهم والتي تختلف عن الاحكام الخاصة بالأحرار ، نظير حجاب الاناث وزواجهن ، ونظير دية القتيل وإرث الميت.. الخ.

فهل سنشجب فعل أسلافنا وصناع تراثنا ، أم نتهمهم بالجهل او ضعف المشاعر الإنسانية؟. واذا قررنا ان فعلهم خاطيء وذميم ، فهل سنقبل اجتهاداتهم ومروياتهم ، أي مساهمتهم في التراث وعلوم الشريعة التي نعتمدها حتى اليوم؟.

اعلم ان بعض القراء سيقول مثلا ان التشريعات الخاصة بالعبودية صيغت على نحو يقلصها حتى ينهيها. ويقال هذا عادة في سياق التبرير  لفعل الاسلاف. لكن الذي حدث في الواقع هو  ان الرق في بلاد المسلمين تلاشى نتيجة لتطور مفاهيم حقوق الانسان ، لاسيما عقيب الحرب العالمية الأولى. واذكر  "اتفاقية تحريم الرق" التي تبنتها "عصبة الأمم" سنة 1926. ومن ثمارها انك لا ترى رجلا او امرأة يباعون في السوق ، كما كان الحال قبل ذلك التاريخ.

لم تعد العبودية اذن فعلا عادلا او مقبولا عند الناس والقانون. وتبعا لهذا فلو صرح فقيه او زعيم سياسي بأنه يريد احياءها ، لان الشرع (كان) يقبلها في الماضي ، لهاج المسلمون وماجوا منكرين ، ولأفتى فقهاء آخرون ضد هذه الدعوة التي ، فوق قبحها ، مسيئة للمسلمين ودينهم.

لا نحتاج في الحقيقة الى ادانة فعل الاسلاف ، ولا القول بان الرق امر طيب. الرق كان منذ البدء فعلا قبيحا ، بل هو ناقض لحرية الاختيار الضرورية لتوحيد الخالق سبحانه. لكن هذا القول بذاته ، أي اعتبارنا ان الرق قبيح ، هو فكرة جديدة ، تبناها البشر بعدما تطورت معارفهم وشعورهم بذاتهم الفردية. وهذا كله ثمرة لهيمنة العلم على مجالات الحياة.

وقد تأثرنا بهذا الاتجاه بعد اندماجنا في اقتصاد العالم وثقافته. ولو كنا منعزلين مثل كوريا الشمالية ، فلربما تقبلنا ممارسات شبيهة بالرق. اندماجنا في اقتصاد العالم لا يغير معيشتنا فقط ، بل أيضا يطور فهمنا لذاتنا وتكويننا الثقافي وهويتنا الفردية. هذا التطوير ينعكس على شكل إعادة تقييم للافعال والاشياء ، وإعادة صياغة لمنظومات القيم والمعايير ، التي نستعملها في التعامل مع الأفكار والعناصر المادية ، في محيطنا الطبيعي والاجتماعي.

 الأربعاء - 8 رجب 1443 هـ - 09 فبراير 2022 مـ رقم العدد  [15779] https://aawsat.com/node/3463796       /

مقالات ذات صلة

 الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

حول تطوير الفهم الديني للعالم

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

هيروهيتو ام عصا موسى؟

حول النقد الأخلاقي للتراث ‏

02/02/2022

حول النقد الأخلاقي للتراث ‏

 لا أذكر حقبة من الزمن شهدت نقدا للتراث والمعارف الدينية ، نظير ما نشهد ‏اليوم. لعله حصل في ستينات القرن العشرين ، ايام ما كان يعرف بالمد الشيوعي. لكني ‏لم اعاصره كي أحكم عن خبرة ، ولا اطلعت على تسجيل تاريخي لما جرى  ، كي اسند اليه. ‏وغرضي هنا هو تنبيه الناقدين الى الاطار التاريخي للفكرة او الممارسة موضع النقد. ‏وأذكر هنا عنصرين على وجه التحديد: ‏

الاول: قيمة الفكرة او الفعل في زمنه الخاص ، رجوعا لمعيار الحسن والقبح ‏العقليين. ‏

الثاني: موقع الفكرة او الفعل في سياق التطور العام للأفكار والممارسات ‏الاجتماعية. ‏

دعنا نأخذ مثالا نعرفه جميعا ، هو الفتوحات الاسلامية. فالمتفق عليه ان غزو البلاد ‏الاجنبية ليس أمرا طيبا. ولو دعا أحد اليوم الى غزو اي دولة ، صغيرة او كبيرة ، لنشر ‏دعوة الاسلام ، لقابله غالب المسلمين بالانكار والاستهجان. ‏

-       لماذا؟ ‏

‏-  لأن نشر الدين بالقوة لم يعد "فعلا حسنا" في منظومات القيم السائدة اليوم. ‏ولأن غالب سكان العالم متفقون على احترام القانون الدولي وسيادة الدول ، أيا كان ‏دينها. واحترام السيادة يقتضي عدم غزوها او إلزامها بعقيدة لا ترضاها. 

وخلال الثلاثين عاما الماضية ، جرب بعض المسلمين استعمال القوة والقهر في ‏فرض عقيدتهم. لكنا نعلم ان عدد الذين التحقوا بهذه  المشاريع ، لم يتجاوز بضع مئات ‏، وان كثيرا ممن ساندهم أول الأمر ، ما لبث ان تراجع وأنكر  حين انكشف ما تحمله هذه ‏المشروعات من كوارث. 

هذا يثير بذاته سؤالا حرجا: اذا كان الفتح ونشر الدين بالقوة امرا طيبا ، فلماذا لا ‏يسعى له المسلمون اليوم؟. واذا كان سيئا ، فلماذا لا يتبرأون من فتوحات اسلافهم؟. ‏

الجواب ببساطة: ان الفعل ذاته قد يكون حسنا في زمن وقبيحا في زمن آخر. ‏مرجع التحسين والتقبيح ليس كتب التراث. الاخلاق اعتبارات عرفية ، وعرف العقلاء ‏يتطور ويتغير بتأثير عوامل عديدة. بعبارة أخرى فان الغزو لأغراض ‏جيوبوليتيكية ، او لنشر الدين او تعزيز الاقتصاد ، كان "فعلا حسنا" عند عقلاء الأزمنة ‏القديمة. ‏لكن دول العالم قررت تقبيح هذا الفعل في منتصف القرن السابع عشر ، حين ‏اتفقت دول اوربا على معاهدة وستفاليا سنة 1648 ، واعتبرت الحدود ‏القائمة لكل منها ، نهائية ، وان التجاوز عليها عدوان يستحق الادانة. 

منذ ذلك الوقت اتجه العالم لاستحداث بدائل للحرب ، حتى وصلنا الى وقت بات ‏فيه الغزو وتجاوز الحدود "فعلا قبيحا" عند الجميع. ‏

ما اردت الوصول اليه هو ان نقد اي قول او فعل في الماضي ، انطلاقا من ‏دوافع اخلاقية بحتة ، يجب ان يراعي أيضا موقعه الزمني ، لا أن يطلقه إطلاق المسلمات العابرة للزمان والمكان. فلو استنكر أحدنا الحروب القديمة ، انطلاقا من اخلاقيات اليوم ، ‏فلن يكون منصفا. ولو دعانا للحرب مستدلا بسيرة الأسلاف ، فلن يكون مصيبا ، لأن ‏قيمة الأفعال لها إطار زمني وليست مطلقة. 

مثال الفتوحات قابل للتطبيق على نظائر كثيرة ، بما فيها أحاديث نبوية وروايات ‏عن الصحابة ، وكذلك افعالهم ومسارات حياتهم. فقيمتها متصلة بزمنها ، سواء صنفت ‏يومئذ كأفعال حسنة او  قبيحة  ، وسواء كانت يومها مقبولة او مرفوضة. 

زبدة القول: ما نستنكره اليوم ربما كان حسنا في وقته ، اي قبل ألف عام أو أكثر ، ‏وما نقبله اليوم ، ربما كان مستنكرا وقبيحا في ذلك الزمان ، فلا ينبغي لوم الناس او ‏اعتبارهم خاطئين ، لمجرد الاختلاف في تقييم قول او فعل.

الأربعاء - 1 رجب 1443 هـ - 02 فبراير 2022 مـ رقم العدد [15772]

https://aawsat.com/node/3450701

مقالات ذات صلة

 الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

حول تطوير الفهم الديني للعالم

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

هيروهيتو ام عصا موسى؟

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...