في
الموقف من الفلسفة ودخالتها في تشكيل المفاهيم الدينية ، انقسمت المدرسة الدينية
الشيعية الى فريقين: فريق اعتبر الفلسفة تهويما في عوالم بعيدة عن الطبيعة
المباشرة والبسيطة للنص ، وفريق اعتبر العقل شريكا للنص في ادراك الحقيقة المركبة
والمعقدة للوجود.
ملاهادي السبزواري |
في
حديثه عن نعم الله على عباده ، ذكر الشيرازي خلق الحيوانات: "وبعضها للاكل..
وبعضها للركوب والزينة.... وبعضها للنكاح". ويستفاد من العبارة ان النساء نوع
من الحيوان. واستدل عليها بالاية المباركة (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا). وعلق السبزواري على هذا بقوله "ادراجها في سلك الحيوانات ايماء لطيف إلى أن النساء
، لضعف عقولهن وجمودهن على ادراك الجزئيات ورغبتهن إلى زخارف الدنيا ، كدن ان
يلتحقن بالحيوانات الصامتة حقا وصدقا. أغلبهن سيرتهن كالدواب. ولكن كساهن صورة
الانسان ، لئلا يشمئز عن صحبتهن ويرغب في نكاحهن. ومن هنا غلب في شرعنا المطهر
جانب الرجال وسلطهم عليهن في كثير من الاحكام". (الحكمة المتعالية للشيرازي ، ط3 دار احياء التراث العربي-بيروت، 3/136 -الهامش)
تذكرت
هذا النص وأنا أقرأ مقالا للدكتور ابراهيم المطرودي (الرياض 3 ابريل 2013) نقل فيه
نصا مماثلا للمفسر الشهير الفخر الرازي ، في تفسير الآية (خلق
لكم من أنفسكم أزواجا) حيث اعتبرها دليلا على أن "النساء خلقن كخلق
الدواب والنبات ... خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا، وتكليفهن لإتمام
النعمة علينا، لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا... لأن المرأة ضعيفة
الخلق، سخيفة، فشابهت الصبي".
ويستدرك
المطرودي بأن الرازي "يسحب ثقافته التي
كوّنها عن المرأة بنفسه أو شاعت في زمانه، ويجعلها جزءاً من النص الديني، فتتحوّل
بفعله الكتابي التفسيري من موقف شخصي أو ثقافي اجتماعي إلى معنى ديني، يجد سنده في
النص الديني نفسه، ويصبح بعد ذلك جزءا منه".
مضت
قرون منذ كتب الاعلام الثلاثة تلك الكتب ، وتوالى عليها علماء كثيرون بالقراءة
والشرح والتدريس. لكن احدا من هؤلاء – فيما نعلم - لم يوجه نقدا لمثل المقولات
المذكورة أعلاه. وهي للمناسبة متكررة بصيغ شتى عند فقهاء ومحدثين آخرين.
صحيح
ان فقهاء اليوم ما عادوا يكتبون اشياء كهذه. وصحيح ايضا ان المئات ممن قرأوها طيلة
القرون الماضية لم يتعرضوا لها بالنقد ، لم يقولوا انها بعيدة عن روح الدين ،
غريبة على الذوق الانساني السليم.
اعلم
ان بعض الناس سيشعر بالصدمة حين يقرأ تلك النصوص. وبعضهم سيقول ان "لكل فارس
كبوة" ولا يؤاخذ عالم بهنة هنا او هناك. لكن ما يهمنا بيانه هو ان تلك
الأقوال نتاج لثقافة سادت في زمن ، ثم جرى تثبيتها وتمريرها عبر الأزمان ، فباتت
جزء من تكويننا الثقافي ورؤيتنا للعالم حولنا. ان رؤيتنا المشوشة للطبيعة
الانسانية ، حقوق الانسان ، حرية الاعتقاد والتفكير ، المساواة ، ومواقفنا في
حالات الخلاف والاختلاف ، متأثرة بعمق بذلك النوع من الموروث الثقافي الذي استوعب
قدرا غير قليل من التصورات الاسطورية ، وأعاد انتاجها كجزء من الرؤية الدينية
للعالم.
الشرق الاوسط الأربعاء - 22 شهر
ربيع الثاني 1439 هـ - 10 يناير 2018 مـ رقم العدد [14288]
مقالات ذات علاقة
مسائل تمهيدية للبحث في
المكان الاجتماعي للنساء(1-3)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق