10/08/2016

العرب السعداء



اظن ان معظم العرب قد فرحوا بفشل الانقلاب العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. بعضهم فرح لانه في الاساس ضد الانقلابات. وبعضهم فرح لانه مع الديمقراطية ، بغض النظر عن موقفه الخاص من الحزب الحاكم او قادته. لكن المؤكد ان تيار الاسلام الحركي كان اسعد الناس بما جرى ، للأسباب السابقة ، ولأسباب اخرى يعرفها الجميع.
ما وجدته مهما في المسألة كلها ، هو معنى الفرح العربي بما جرى. واستذكر هنا حلقة نقاش عميق عقدت قبل عقد من الزمن ، حول سؤال: هل سيكون وصول الاسلاميين الى السلطة عاملا في تجديد الدين ، ام سببا لتلويثه بعيوب السياسة؟.
لفت نظري في تلك الحلقة حديث حماسي لاحد زعماء الاخوان الخليجيين حول خطورة ما اسماه بالاسلام الامريكي ، الذي قال ان مؤسسة "راند" البحثية المعروفة تعمل على تسويقه. وفحوى تلك الفكرة ان واشنطن وضعت خطة كلفتها نصف مليار دولار ، تستهدف فرز الجماعات الاسلامية القادرة على التكيف مع النظام الدولي من تلك المعادية له. ثم فتح أبواب السياسة امام الصنف الأول. وقال المتحدث ان المقصود في نهاية المطاف هو تصنيع تيار مائع ذي مضمون علماني او شبه علماني ، يتغطى بعباءة الاسلام. وذكر في السياق عددا من الجماعات الاسلامية التي دخلت فعليا في هذه الخطة ، من بينها حزب العدالة والتنمية ، الذي لولا تنازلاته في الجانب السياسي والعقيدي ، لما سمح له الغربيون بالفوز في الانتخابات التركية.
 بعد سنتين تقريبا من ذلك النقاش ، التقيت صدفة بالرجل ، فأخبرني انه عاد للتو من اجتماع شارك فيه نظراء له من دول عربية عديدة ، وانه نصحهم بتبني خطاب سياسي ديمقراطي ، لأن الساحة تغيرت ، وان الديمقراطية هي طريق المستقبل لمن أراد ان يؤثر في عالم اليوم.

سألته ان كان لنجاحات حزب العدالة والتنمية تاثير في تغير المزاج السياسي لاعضاء الجماعة. فقال انه التقى شخصيا بعدد من زعماء الحزب ورجال الدين الذين يدعمونه ، فاكتشف ان الخطاب الديمقراطي الذي يتبناه ، أقرب الى مرادات الدين في هذا العصر ، وان فكرة "خلافة على منهاج نبوة" ليست قابلة للتحقيق في عالم اليوم ، ولذا فالتمسك بها عبث لا طائل تحته. وذكر عددا من الأمثلة على هذا.
اميل شخصيا الى الظن بأن السعادة الغامرة للاسلاميين تأتي في سياق المقارنة بين ما جرى في تركيا وما جرى في مصر سنة 2013. وضمن هذا الاطار فهي نوع من الشعور برد الاعتبار السياسي. الا ان من المهم التأمل في اللغة المستخدمة للتعبير عن هذا الموقف. وهي لغة يغلب عليها الاقرار – ولو ضمنيا – بفضائل الديمقراطية وتمجيد الحريات المدنية وتقبيح "التغلب" كوسيلة للوصول الى السلطة.
هذا لا يرقى بطبيعة الحال الى مستوى التبني الكامل للخطاب الديمقراطي ، والنبذ النهائي للعنف والمعتقدات التي تدعم الاقصاء والاستئثار بالسلطة او النفوذ. الا انها تشير بالتأكيد الى ان التيار الديني الحركي يتخلى بالتدريج عن إرثه التاريخي العتيق.
اعتقد ان تحول الثقافة السياسية للمجتمع العربي هو أمر في غاية الأهمية ، ولو كان بطيئا. كما اعتقد ان التحول في التيار الديني يكتسب أهمية خاصة ، لأنه لعب خلال نصف القرن الماضي دور حارس التقاليد ، والمولد الرئيس لقلق الهوية.
امام العرب طريق طويل قبل اكتمال التحول في الثقافة السياسية. لكن بالنسبة لمراقبين مثلي ، فان التحولات الصغيرة المتوالية ، تشكل دليلا على ما نخاله ضوء في آخر النفق.
الشرق الاوسط 10 اغسطس 2016

http://aawsat.com/node/710731

03/08/2016

المعنى الدنيوي لتجديد الدين



معظم القراء يعرفون على الارجح الدكتور محمد يونس ، الذي فاز بجائزة نوبل في 2006. أسس يونس مجموعة مشاريع تستهدف اجتثاث الفقر في ارياف بنغلادش ، أشهرها "بنك غرامين" الذي أصبح أمثولة عالمية لمكافحة الفقر، سيما بين النساء.
د. محمد يونس

لا اعرف ان كان يونس متدينا بالمفهوم المتعارف. لكني أعلم انه بالتأكيد يقيم بعض أعظم شعائر الدين ، وهي احياء النفوس "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". احياء النفوس هو ارث الانبياء وعظماء العالم وجوهر الرسالة الدينية ، كما في الآية المباركة "يا ايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ".
لم ينجز يونس هذا الدور عن طريق الدعوة اللفظية الى الدين ولا مصارعة الكافرين. فلسفة عمله تتلخص في عنصرين:
أ‌-        معظم الناس لا يعرفون طريق التحرر من ربقة الفقر او ربما لا يستطيعون تدبير الحاجات الاولية اللازمة لصعود الدرجة الاولى في السلم.
ب‌-    معظم الأثرياء لم يرثوا ثرواتهم بل استثمروا الفرص العظيمة التي أتاحها الاقتصاد الحديث. وهي فرص يجهلها اكثرية فقراء الريف. ولو عرفوا بوجودها فهم على الاغلب يجهلون كيفية الوصول اليها واستثمارها.
آمن يونس بأن الانقطاع الثقافي بين الريف والمدينة ، أو بين الطبقات الفقيرة ونظيرتها الثرية هو الذي جعل سكان الريف اسرى لميراث الفقر القديم. فقرر ان يبدأ مشروعه بالعنصر الثاني ، اي استغلال الفرص التي جاء بها الاقتصاد الحديث.
تضم قائمة المشروعات التي اقترحها يونس او دعمها ، مئات من الافكار البسيطة ، مثل خياطة الملابس لبيعها على بوتيكات المدن ، وتربية الاسماك لبيعها على المطاعم ، واستقبال المكالمات من ابناء القرية العاملين في الخارج .. الخ. هذه مشروعات لم يكلف اكبرها الف دولار. لكنها اقامت نموذجا عما يمكن للناس ان يفعلوه لانفسهم ، اذا حرروا أذهانهم من عزلتها ، واندمجوا في عصرهم ، واستوعبوا فرصه وحاجاته.
في الوقت الحاضر يشعر ملايين الناس في بنغلادش ، بالامتنان لجهود محمد يونس ، الذي فتح عيونهم وعقولهم على طريق للخلاص من بؤسهم واعادة بناء حياتهم من جديد.
يقول يونس في حديث تلفزيوني انه لم يوزع اي صدقة. بل قدم قروضا وتوجيهات. واكتشف ان فقراء الريف اكثر التزاما بتعهداتهم ، لأنهم اكثر خوفا من الله. تبرهن التقارير التي ينشرها بنك غرامين ان نسبة سداد القروض تفوق 90% وهي نسبة تتجاوز تلك التي تحققها البنوك التي قصرت قروضها على الاثرياء.
قبل ثمانين عاما تقريبا كتب الفيلسوف والشاعر الهندي محمد اقبال ، ان مهمة تجديد الدين الاسلامي لن تنجز على الارجح على يد الفقهاء والمفكرين ، بل على يد المجتمع. المجتمعات الحية الناهضة تنتج فكرا حيا متجددا ، بينما تعيد المجتمعات الساكنة موروثها الثقافي وتكرر حياة أسلافها.
طريقنا الى تجديد الحياة الدينية يمكن ان يبدأ باستثمار الايمان في تحسين دنيا الناس. اذا نهضنا بحياتنا فسوف نفهم ديننا على نحو متفاعل مع عصرنا ، اي مع ثقافاته وفرصه والزاماته. الخطوة الاولى في هذا الطريق هي التحرر من أوهام التاريخ وقصصه ، الانفتاح على عصرنا بكل فضائله وآثامه ، التفاعل مع تيارات التقدم والتجديد الهادرة فيه ، ثم اعادة انتاج التجربة الانسانية المعاصرة ضمن اطارنا المعرفي الخاص ، وصولا الى انتاج القوة التي تجعلنا شركاء متساوين في المدنية المعاصرة.
الشرق الاوسط 3-اغسطس – 2016

27/07/2016

مساهمة التعليم العام في تفكيك الميول العنفية



يمكن للمدرسة ان تسهم في تفكيك ظاهرة الارهاب ، من خلال تكوين أجيال منفتحة ذهنيا ومرنة روحيا ، قادرة على البحث بين البدائل ، وميالة الى المشاركة بدل المغالبة ، والتعاون مع الآخرين بدل الانعزال ، والمصالحة مع الذات والعالم بدل الارتياب فيه او الرغبة في قهره. جيل يحمل هذه الصفات سوف يكون عصيا على محاولات التغرير مهما لبست من عباءات.

طرحت الدعوة الى اصلاح مناهج التعليم بالتوازي مع اولى خطط التنمية (1971) كجزء من استراتيجية اعداد المجتمع لاستيعاب حاجات ومخرجات الاقتصاد الجديد. وخلال العقدين الماضيين ، تطورت الفكرة الى تطوير النظام التعليمي ككل ، فلسفته ومناهجة واستهدافاته. فيما يلي ثلاث من ابرز الاغراض التي تنطوي عليها هذه الدعوة:
اولا: تعزيز النشاط الذهني ، وجعل الطالب أليفا للقراءة والبحث والتفكير. ومفتاح هذا هو تحبيب البيئة المدرسية الى نفسه ، وجعله تواقا للانخراط في النشاطات العلمية. يركز هذا المحور على تحسين المباني وعلاقة الادارة والمعلمين بالطلبة ، وربط التعلم بالمتعة والمرح. ويتوقع ان يثمر عن كسر هيبة العلم وتخفيف الانفعال الشخصي بقضاياه ، وصولا الى جعله موضوعا اعتياديا من موضوعات الحياة ، التي يشعر الطالب انه مسيطر عليها متحكم فيها ، وليس العكس.
ثانيا: تعديل الهدف المحوري للتعليم الى بناء العقل النقدي بدل العقل الحافظ.  وهو جزء من اتجاه جديد يرى أن حفظ المعلومات لم يعد ضروريا ، لان الوصول اليها بات ميسرا لكل الناس. بل ان كثرة المعلومات والميل الشديد الى التخصص ، يجعل الاستفادة الكاملة من محفوظاتها مستحيلا. البديل الصحيح هو توجيه الطلاب للبحث في مصادر المعلومات ، وتمكينهم من نقدها ومجادلتها واعادة انتاجها بانفسهم. وفي نهاية المطاف تحويل الطالب من مستهلك صرف للمعلومات ، الى شريك في اعادة بنائها واغنائها بالمزيد من الاحتمالات أو التطبيقات.
يميل العقل الناقد الى التأمل في المعلومات ومجادلتها والتفكير في دليلها ، بل ويجادل ما يعتبر مسلما وبديهيا ، ويسعى وراء ما يخفيه من أسئلة واحتمالات. خلافا للمنهج القديم القائم على حفظ المتون والاحتفاء بأراء مؤلفيها وانطباعاتهم. الغرض النهائي من هذا المحور هو تخفيف الميل للأدلجة والقسر  الذهني ، واحلال التفكير العلمي الذي يهتم بالوصف والفهم والنقد والتفسير واعادة انتاج الافكار.
ثالثا: ترسيخ فكرة الشراكة في عمران العالم. تحقق مفهوم "القرية الكونية" وانفتاح العالم على بعضه اثار إشكالا عميقا ، حول علاقة كل منا مع البشر المختلفين عنا بثقافاتهم وتقنياتهم ودياناتهم. وكذلك موقعنا في العالم الجديد: هل نحن مهددون في ديننا وتراثنا ومعيشتنا ، ام شركاء مع المختلفين عنا ، في بناء العلم والتقانة وصيانة البيئة والطبيعة على المستوى الكوني. هل نعظم ثقافة التشارك مع الغير ام اعتزالهم. لاحظ الباحثون ان فلسفة التعليم في العالم العربي ككل ، تؤكد على الخصوصية والتمايز. ان تعظيم الماضي الزاهر واستسهال الحكم على الآخر المختلف بدلا من محاولة فهمه ، يؤدي غالبا الى ترسيخ الميل الانعزالي المخاصم للعالم او المرتاب فيه.
 هذا يتطلب بالضرورة اصلاحا لمناهج العلوم الانسانية ، واهتماما بالنشاطات اللاصفية التي تؤكد على قيمة العصر والعلم الجديد وتشجع على معرفة العالم.
هذه الافكار مفيدة ليس فقط في تعزيز ميول المسالمة والتفاعل الايجابي عند الشباب ، وبالتالي تحييد النزعات الصدامية والعنفية. انها تساعد – اضافة الى هذا – في تعزيز الميل للانتاج والابداع ، وصناعة جيل اكثر احتراما لذاته ووطنه وأقوى رغبة في الاسهام في بنائه.
الشرق الاوسط 27 يوليو 2016   http://aawsat.com/node/699156

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...