اظن ان معظم العرب قد فرحوا بفشل الانقلاب
العسكري ضد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. بعضهم فرح لانه في الاساس ضد
الانقلابات. وبعضهم فرح لانه مع الديمقراطية ، بغض النظر عن موقفه الخاص من الحزب
الحاكم او قادته. لكن المؤكد ان تيار الاسلام الحركي كان اسعد الناس بما جرى ،
للأسباب السابقة ، ولأسباب اخرى يعرفها الجميع.
ما وجدته مهما في المسألة كلها ، هو معنى
الفرح العربي بما جرى. واستذكر هنا حلقة نقاش عميق عقدت قبل عقد من الزمن ، حول
سؤال: هل سيكون وصول الاسلاميين الى السلطة عاملا في تجديد الدين ، ام سببا
لتلويثه بعيوب السياسة؟.
لفت نظري في تلك الحلقة حديث حماسي لاحد
زعماء الاخوان الخليجيين حول خطورة ما اسماه بالاسلام الامريكي ، الذي قال ان
مؤسسة "راند" البحثية المعروفة تعمل على تسويقه. وفحوى تلك الفكرة ان
واشنطن وضعت خطة كلفتها نصف مليار دولار ، تستهدف فرز الجماعات الاسلامية القادرة
على التكيف مع النظام الدولي من تلك المعادية له. ثم فتح أبواب السياسة امام الصنف
الأول. وقال المتحدث ان المقصود في نهاية المطاف هو تصنيع تيار مائع ذي مضمون
علماني او شبه علماني ، يتغطى بعباءة الاسلام. وذكر في السياق عددا من الجماعات
الاسلامية التي دخلت فعليا في هذه الخطة ، من بينها حزب العدالة والتنمية ، الذي
لولا تنازلاته في الجانب السياسي والعقيدي ، لما سمح له الغربيون بالفوز في
الانتخابات التركية.
بعد
سنتين تقريبا من ذلك النقاش ، التقيت صدفة بالرجل ، فأخبرني انه عاد للتو من
اجتماع شارك فيه نظراء له من دول عربية عديدة ، وانه نصحهم بتبني خطاب سياسي
ديمقراطي ، لأن الساحة تغيرت ، وان الديمقراطية هي طريق المستقبل لمن أراد ان يؤثر
في عالم اليوم.
سألته ان كان لنجاحات حزب العدالة
والتنمية تاثير في تغير المزاج السياسي لاعضاء الجماعة. فقال انه التقى شخصيا بعدد
من زعماء الحزب ورجال الدين الذين يدعمونه ، فاكتشف ان الخطاب الديمقراطي الذي
يتبناه ، أقرب الى مرادات الدين في هذا العصر ، وان فكرة "خلافة على منهاج
نبوة" ليست قابلة للتحقيق في عالم اليوم ، ولذا فالتمسك بها عبث لا طائل
تحته. وذكر عددا من الأمثلة على هذا.
اميل شخصيا الى الظن بأن السعادة الغامرة
للاسلاميين تأتي في سياق المقارنة بين ما جرى في تركيا وما جرى في مصر سنة 2013.
وضمن هذا الاطار فهي نوع من الشعور برد الاعتبار السياسي. الا ان من المهم التأمل
في اللغة المستخدمة للتعبير عن هذا الموقف. وهي لغة يغلب عليها الاقرار – ولو
ضمنيا – بفضائل الديمقراطية وتمجيد الحريات المدنية وتقبيح "التغلب"
كوسيلة للوصول الى السلطة.
هذا لا يرقى بطبيعة الحال الى مستوى
التبني الكامل للخطاب الديمقراطي ، والنبذ النهائي للعنف والمعتقدات التي تدعم
الاقصاء والاستئثار بالسلطة او النفوذ. الا انها تشير بالتأكيد الى ان التيار
الديني الحركي يتخلى بالتدريج عن إرثه التاريخي العتيق.
اعتقد ان تحول الثقافة السياسية للمجتمع
العربي هو أمر في غاية الأهمية ، ولو كان بطيئا. كما اعتقد ان التحول في التيار
الديني يكتسب أهمية خاصة ، لأنه لعب خلال نصف القرن الماضي دور حارس التقاليد ،
والمولد الرئيس لقلق الهوية.
امام العرب طريق طويل قبل اكتمال التحول
في الثقافة السياسية. لكن بالنسبة لمراقبين مثلي ، فان التحولات الصغيرة المتوالية
، تشكل دليلا على ما نخاله ضوء في آخر النفق.
الشرق الاوسط 10 اغسطس 2016
http://aawsat.com/node/710731
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق