حملة «ولي أمري أدرى بأمري»
تستحق التقدير والإشادة لسبب وحيد هو كونها أحد البواعث المحتملة لقيام الحركة
النسائية التي نعتقد أنها ضرورية للمجتمع السعودي. بعض القراء سوف يغرق في الضحك
من هذا التحليل. لكن دعنا نؤخر الضحك إلى النهاية لعلنا نكتشف أسبابا أخرى أو نعيد
النظر. وأشير هنا إلى نقطتين:
تتعلق الأولى بمشاركة المرأة في الشأن
العام، والتي تعتبر مسلمة معروفة في تجارب التنمية البشرية أو الشاملة. تمكين
المرأة يعني تمكين نصف المجتمع، وهو يكتسي أهمية خاصة في المجتمعات التقليدية نظرا
لأن معظم الجهد التنموي يستهدف إعادة توزيع القيم وتجديد التقاليد الاجتماعية بما
يناسب الحياة المعاصرة. أما النقطة الثانية فتتعلق بالحركية الاجتماعية social mobility التي
تعتبر معيارا لقابلية المجتمع للتغيير والتطور. الحركية الاجتماعية في أرقى
أطوارها تتمثل في تحول بعض شرائح المجتمع من منفعل سلبي بنشاطات الآخرين إلى فاعل
أو مشارك في الفعل.
إذا تزايدت الشرائح التي تقوم بمبادرات وتسعى للتأثير في
المجال العام، فإن المجال العام بذاته سيكون نشطا ومتنوعا. كل مبادرة تولد حراكا
في جانب يستنهض حراكا موازيا، مماثلا أو معاكسا. ويفتح الطريق أمام أنواع جديدة من
المبادرات. مسمى المبادرة التي نتحدث عنها اليوم وأسماء المشاركين فيها ليست مهمة،
حجمها عند الولادة ليس معيارا، أهدافها المعلنة ليست مؤشرا نهائيا على طبيعتها. ما
هو مهم هو نفس المبادرة والتموج الذي نتوقع أن يحدث بعد قيامها.
تاريخيا كان الدور الاجتماعي
للمرأة السعودية محدودا أو معدوما. وأقصد بالتحديد دورها كفاعل اجتماعي أو كصانع
لتيار اجتماعي. النشاطات القليلة التي قامت بها السيدات السعوديات كان أغلبها
ملحقا بنشاطات رجالية أو خاضعا لأجندات رجالية.
المجتمع السعودي بقي خاليا من حركة
نسائية مثل تلك التي نعرفها في البلدان المجاورة وبلدان العالم الأخرى. الثقافة
العامة والتقاليد الموروثة أعطت للرجال احتكارا فعالا وكاملا للمجال العام وما
يدور فيه من نشاطات. ونتيجة لهذا لا ينظر المجتمع السعودي إلى المرأة كعامل تأثير
في الثقافة أو الحركة الاجتماعية أو منظومات القيم. بل إن كل شيء يتعلق بالمرأة
نفسها يصدر عن الرجال، من معايير السلوك إلى الثقافة إلى القرار...إلخ.
المبادرة الجديدة تقدم فرصة
لتغيير في المعادلة القائمة، أي المعادلة التي تفرض على النساء البقاء في الصفوف
الخلفية وانتظار أن يحدد لهن الرجال أدوارهن وأعمالهن وطريقة تفكيرهن ونظام
معيشتهن. أفهم بطبيعة الحال أن مبادرة بهذا الحجم الصغير لن تصنع ذلك التغيير، كما
أن هذه المبادرة بالذات تؤكد على بقاء النساء في الصفوف الخلفية، ولذلك فليس
متوقعا أن تقود بذاتها إلى عكس ما تسعى إليه. لكني أنظر ـــ كما أسلفت ـــ إلى
المبادرة من حيث هي، وإلى التموجات الموازية التي يمكن أن تحدثها. المبادرات
التأسيسية، أي تلك التي تنطلق من واقع جامد أو متوقف، تعطي للجميع نموذجا محتملا.
إذا دعوت الناس إلى تحمل المسؤولية في مجتمع ساكن، فسوف يتردد معظمهم وسوف يحتجون
بصعوبة العمل أو استحالته. سيقول لك الناس: لو كانت الدعوة عملية وواقعية أو ممكنة
لتسابق إليها عشرات من الناس. انكفاء الناس جميعا دليل على وجود مانع حقيقي، قد
يكون القانون أو العرف أو رد فعل المجتمع أو أي عائق آخر، المهم أن انعدام النموذج
يساوي ـــ في رأي الناس ـــ عدم إمكانيته أو عدم جدواه.
لهذا السبب، ولهذا السبب
فقط، أجد في حملة «ولي أمري أدرى بأمري» إشارة تبعث على التفاؤل، وأعتقد أنها
ستفتح الباب أمام مبادرات موازية، مماثلة أو معاكسة كما أشرت.
أفهم أن هذه المبادرة تنطلق
من مفهوم رجعي أو نكوصي للعلاقات الاجتماعية، ولهذا السبب ربما اعتبرها بعض
الناشطين والناشطات معيقا للتطور. ومع تقديري لهذا القلق، فقد فضلت مناقشة الحدث
من زاواية مختلفة. أما مناقشة مضمون الحملة فسوف أتركها لمقال مقبل بعون الله.
الاثنين, 24 أغسطس 2009