19/08/2015

عودة للعلاقة بين الخطاب الديني وتوليد العنف



 كثير من الاصدقاء ازعجه مقال الاسبوع الماضي لانه – بحسب تقديرهم – برأ الخطاب الديني من توليد العنف السياسي او تبريره. والحق اني أرى مبالغة غير محمودة في اعتبار هذا الخطاب ، مولدا وحيدا او رئيسيا للتطرف والعنف. ذلك اني اميز بين توليد الفعل وبين تبريره. كما اني غير مقتنع بأن عامة الناس يعملون بتدبير مسبق على تشكيل ثقافتهم ، اي الخلفية الذهنية التي تتحكم في الاعم الاغلب من افعال الفرد وردود فعله. أقنعني البحث والتأمل في أحوال الناس بأن ذهنيتهم تتغير غالبا بعدما يتغير موقفهم من تحولات الحياة الواقعية ، او حينما يتغير موقعهم في النظام الاجتماعي.
المرحوم د. راشد المبارك
بعبارة اخرى فان دور اللغة الدينية يقتصر غالبا على توصيف او توجيه موقف اتخذه سلفا فرد او جماعة. هذا الموقف قد لايكون منشؤه دينيا ، بمعنى ان موضوعه ليس من داخل الدين ، او بمعنى انه ليس مستمدا من قيم دينية. بل استخدم الدين كعباءة لموقف شخصي او اجتماعي او سياسي او ايديولوجي.
 لا نستطيع بطبيعة الحال الحكم على من فعل هذا بانه كان حسن النية او سيء النية. بل اظن ان استخدام اللغة الدينية او التبرير الديني منشؤه في الغالب سهولة تقديمه الى عامة الناس ، او ربما غياب الفاصل بين الذات الفردية او الجمعية وبين الذات الدينية ، او اختلاط الهوية الاجتماعية بالهوية الدينية ، على نحو يلغي المسافة بين ما هو ديني وما هو شخصي. وهذه ظاهرة ملحوظة في الحياة العامة ،  سيما في المجتمعات المحافظة. ومن ابرز تمثيلاتها التي نراها كل يوم تقريبا ، ردود فعل الاشخاص على انتقاد مجتمع او جماعة دينية. حين تقول ان مجتمعا ما مثلا احتقر انسانا او انتهك حقوق الانسان ، سوف تسمع على الفور جوابا فحواه ان الاسلام ضمن حقوق الانسان او انه سبق الغرب في اقرار حقوق الانسان. المعنى الضمني لهذا الجواب هو ان المجيب افترض ان نقد المجتمع (الذات الجمعية) يعادل نقد الدين ، وان اقحام الدين في الجواب سوف يحوله من رأي شخصي الى موقف جمعي. هذا النوع من رد الفعل ليس موقفا دينيا بل اجتماعي او سياسي يستخدم لغة الدين.
الصراع ضد الحداثة هو احد نماذج استعمال اللغة الدينية في صراعات اجتماعية/سياسية. خلال سبعينات القرن العشرين عملت شخصيات وجماعات اسلامية على خلط الموقف السياسي من الدول الغربية ، بالموقف من منتجات الحضارة الغربية والفكر الانساني بشكل عام ، في سياق عمل مخطط او عفوي لبث الهمة في نفوس المسلمين. وكان السياق العام لهذا العمل هو اقناعهم بانهم يتعرضون لعدوان غاشم ، وانهم قادرون على هزيمته اذا نهضوا. هذا نوع من التعبئة الروحية استهدف الترويج لتيارات محددة ، ويبدو انه قد حقق نجاحا باهرا في الاقطار التي تفتقر للتعدد الثقافي او الحياة السياسية المفتوحة. لكننا نعلم ان هزيمة الغرب تتجاوز قدرة الداعين  اليها. فكانت نتيجة التعبئة هي تحويل الشعور بالظلم والرغبة في مقاومة العدوان ، الى ارتياب وكراهية للغرب وكل ما يرمز اليه.
يعتقد المرحوم د. راشد المبارك ان الموقف من الغرب هو احد مولدات التشدد ومن ثم الكراهية (راجع المبارك: فلسفة الكراهية). ويعتقد داريوش شايغان ان العجز عن الانتقال من الارتياب في الغرب الى استخدامه او منافسته ومن ثم تجاوزه ، كان من اسباب التأزم الداخلي في المجتمعات الاسلامية. وهو تأزم ادى الى تطبيع التصارع الداخلي الذي يشكل بيئة طبيعية للتشدد والعنف (د. شايغان: النفس المبتورة).
لازلنا اذن نتحدث عن مواقف تصاغ بلغة دينية. أوليس هذا تأكيد لمسؤولية  التيار الديني والثقافة الدينية عن توليد العنف او تبريره؟.
في رايي لا. علينا ان نفصل بين المواقف المؤسسة على ارضية القيم الدينية ، وبين استخدام اللغة الدينية كوعاء لعرض المواقف والاراء التي تمثل مصالح اجتماعية او سياسية. اعلم ان مثل هذا التمييز عسير. لكنه ضروري كي نرى الاشياء كما هي في الواقع ، بدل ان نستكين للتفسيرات المجردة ولو كانت مريحة.


الشرق الاوسط 19-8-2015
http://aawsat.com/node/432766

12/08/2015

التعليم الديني كمولد للعنف


منذ العام 1995 كانت ظاهرة الارهاب موضوعا ثابتا في الصحافة السعودية. وهو انشغال يتضاعف حين تقع اعمال ارهابية كالذي حدث في عسير الاسبوع الماضي. خلال العشرين عاما الماضية كتبت الاف المقالات واقترحت عشرات المعالجات. لكنك لو نظرت الى صحافة الاسبوع الماضي مثلا فسوف ترى نفس الافكار والمقترحات التي قيلت طوال السنوات الماضية. هذه المقالة تستهدف مساءلة التفسيرات الرائجة ، والمعالجات التي اقترحت على اساسها.
معظم هذه الكتابات يشير الى التشدد الديني كسبب وحيد لظاهرة العنف. وثمة تمايز في تحديد المسؤولية. فهناك من ينسب المشكلة الى الحضور المتضخم للدين في الحياة اليومية ، من المدرسة الى الاعلام فضلا عن النشاطات الرسمية والاهلية الاخرى. وهناك من يقصر المسؤولية على الجانب السلبي من ذلك الحضور ، اي ما يعتبره مزاحما او ناقضا لوجوه الحياة الاعتيادية الاخرى ، مثل الفن والترفيه والثقافة. وبينهم من يقصر المشكل على أحادية الحضور الديني ، اي انحصار الدعوة والتوجيه والثقافة في منهج واحد ومذهب واحد.
فحوى هذا التفسير ان التشدد نتاج للتثقيف الرائج في المحيط الاجتماعي. ومن هنا فالعلاج المقترح يركز على التعددية الدينية والثقافية ، الانفتاح الاجتماعي ، وتقليل الحضور الديني في الحياة اليومية. فهم يدعون مثلا الى تشجع الفنون واصلاح مناهج التعليم العام ، بما فيها تقليل ساعات التعليم الديني ، واستبدالها ببرامج اكثر علاقة بالحياة العصرية.
التيار الديني متفق في المجمل على معارضة التفسير السابق. وهو ايضا شديد الارتياب في علاجاته. لكنه ليس متفقا بنفس القدر على تفسير واحد. التيار العام التقليدي يرى في ظاهرة الارهاب انبعاثا مستجدا لفرق بائدة. ويشير خصوصا الى "الخوارج" الذين عرفتهم عصور الاسلام الاولى. بعبارة اخرى فهو يعتبر الظاهرة انحرافا عقيديا او فقهيا. وتبعا لهذا يقترح دواء من نفس الجنس ، يركز على النصيحة والمجادلة المستندة الى التعاليم الدينية ، بهدف اقناع الارهابيين بالعودة الى الطريق المستقيم. ويبدو ان الاتجاه الرسمي يميل الى هذا التفسير والعلاج. وفي السنوات الماضية كان الاسم الرسمي لجماعات الارهاب هو "الفئة الضالة". والصلة بين الاسم والتفسير واضحة.
في التيار الديني ايضا ثمة من يتهم جماعات دينية- سياسية محددة بالمسؤولية عن انبعاث ظاهرة التشدد. ويذكر عادة اسم الاخوان المسلمين ، باعتبارهم وراء ضخ المضمون السياسي في الثقافة الدينية المحلية. لكن فريقا آخر ، وبينهم كثير من المتأثرين بالاخوان ، يرى في تشدد الشباب وانزلاقهم الى العنف رد فعل على تفشي مظاهر الحداثة في المجتمع. بعبارة اخرى فهو يميل الى التفسير السيوسيولوجي الكلاسيكي للظاهرة المعروفة بصدمة الحداثة. ويقترح تبعا لذلك علاجا انسحابيا ، يتمثل في كبت تمظهرات الحداثة في المجتمع ، ولا سيما في الاعلام والسلوكيات الشخصية.
في العقد الماضي كان ثمة تيار يشدد على دور العوامل الخارجية في بروز ظاهرة الارهاب. فهو لا يرى في المجتمع المحلي قابلية لاستنبات توجهات متطرفة او عنيفة ، وان ما حدث هو ثمرة لنشاط خارجي يستهدف تصدير العنف الى المملكة على وجه التحديد. هذا التفسير لم يعد رائجا في هذه الايام ، لكنك ثمة من لازال يؤمن به ويضرب الادلة عليه.
واضح ان جميع هذه المقاربات تنظر للتشدد كمشكلة ذهنية/ثقافية ، وانها نتاج لعمل تربوي - تثقيفي في المحيط الاجتماعي او حوله. ضمنيا تنظر هذه المقاربات الى الظاهرة باعتبارها مشكلة افراد انفلتوا من النسق العام ، وليست ظاهرة عامة ، ولهذا فليس فيها قابلية لاحتواء جماعات على نحو يتجاوز الفروق الفردية داخلها.
غرضي من هذه الكتابة هو الاشارة الى ان الاعم الاغلب من النقاشات المتعلقة بالارهاب في المملكة لا يهتم بالعوامل غير الذهنية/الثقافية ، او انه لم يحاول مقاربة العوامل السابقة لتشكل الذهنية ، اي العوامل الاجتماعية ، الاقتصادية ، والسياسية التي تسهم في تشكل رؤية الانسان لذاته وللمحيط.
اهمال هذه العوامل ادى في تقديري الى قصور في فهم المشكلة. اني اظن ان تاثير العوامل التي اشرت اليها اكثر عمقا وثباتا ، وان العامل الذي جرى التركيز عليه ، اي التثقيف الديني ، له دور تسويغي وليس تأسيسيا في الغالب. اعتقد ايضا ان معالجة العامل الديني جزء اساسي من معالجة الظاهرة ، لكن وفق مسارات مختلفة عن تلك التي طرحت حتى الآن. ولعلنا نعود الى الموضوع في وقت آخر.
 الشرق الاوسط لأربعاء - 26 شوال 1436 هـ - 12 أغسطس 2015 مـ رقم العدد [13406]

29/07/2015

لا بد من تغيير المسار



توقع صندوق النقد الدولي ان تسجل ميزانية المملكة في هذه السنة (2015) عجزا في حدود 488 مليار ريال. وتم تاكيد سحب 244 مليارا من الاحتياطي العام حتى الان. محللون توقعوا ان يتكرر العجز في ميزانية العام القادم ، الا اذا خفضت بشكل كبير بحيث تقتصر على المصروفات الجارية والقليل فقط من المشاريع العمرانية.
هذا يعيد الى طاولة النقاش جدلا قديما حول حاجة المملكة للتحرر من الارتهان شبه الكلي لمبيعات البترول الخام. يتحدث الجميع تقريبا عن ضرورة التوسع في الصناعة ، حتى تصبح منافسا للبترول في توليد الدخل القومي.
 اعلم ان كثيرا من الناس ، وبعضهم في مواقع القرار ، غير متفائل بقدرتنا على التحول الى اقتصاد صناعي خلال وقت معقول. بعض الكتاب يشكك في قدرة العالم على الاستغناء عن البترول كمصدر رئيس للطاقة. احد المصرفيين كتب يوما ان الصناعة ليست ضرورية طالما كان لدينا المال. كل ما تحتاجه معروض في السوق ، في هذا البلد او ذاك. احدهم قال لي يوما "سمعنا الكلام عن الصناعة والتحذير من الارتهان لاسواق البترول منذ السبعينات ، لكننا – بعد اربعين عاما – ما زلنا اغنى واقوى من الذين حذرونا". هذا وذاك كلام صحيح ، لكنه يكشف نصف الحقيقة فقط. المشكلة اننا لن نستطيع رؤية النصف الثاني الا اذا وقعنا فيه. في الفترة بين 1983-1990 واجهنا نموذجا مصغرا لظرف من هذا النوع. والمؤسف اننا لم ندرس الانعكاسات الكارثية لما حدث في تلك الفترة القصيرة نسبيا. واعني بها الانعكاسات الثقافية والسياسية ، فضلا عن الاقتصادية ، لانخفاض عائدات البترول يومذاك. ولهذا لم نعتبر بما جرى.
لكن الصناعة ليست مسألة اقتصادية فحسب. ثمة جوانب ثقافية وعلمية وسياسية لا تقل أهمية عن جانبها الاقتصادي. كنت قد اشرت في مقال سابق الى دورها في تعزيز الهوية الوطنية والاعتزاز بالوطن. كلنا نعرف ان التطور الصناعي ينعكس على شكل فخر بالوطن والجماعة الوطنية وشعور بالاكتفاء الروحي والثقافي. وهذا يقود الى تعميق الاحساس الداخلي بالانتماء.
كما ان التحول الى اقتصاد صناعي سيوفر ارضية واقعية لانتاج العلم وتطوير التقنيات التي نحتاجها. نحن اليوم ننفق مئات الملايين لتعليم ابنائنا في مختلف الفنون. لكن ظهور مجتمع علمي ، اي توطين العلم والتقنية ، ليس ممكنا دون تحول العلم والتقنية الى مصدر معيشة قائم بذاته. في الوقت الحاضر يستهلك ابناؤنا المتعلمون حياتهم في تطبيق تقنيات طورها غيرهم. مع التحول الى اقتصاد صناعي سيشاركون هم في تطوير التقنيات التي يحتاجونها ، وبهذا يتحول العلم الذي تلقوه في جامعاتهم الى راسمال قابل للاستثمار ومصدر معيشة مستقل.
ثمة من يقدم رؤية متشائمة ، مبنية على قلة كفاءة مجتمعنا وصعوبة انعتاقه من تقاليده. يخبرنا بعضهم ان المجتمع الذي اعتاد الرفاهية السهلة وآمن بالاساطير والتقاليد الخرافية لا يستطيع التحول الى مجتمع صناعي.
وهذا الكلام مثل سابقه ، اقرب الى الهندسة العكسية. في حقيقة الامر هو يرى واقع الحال ،  ويفترض انه قائم بذاته او انه سبب لذاته. لو تأملنا بعمق لوجدناه نتيجة لما فعلنا خلال نصف القرن الماضي. لقد شارك اباؤنا في اقامة مؤسسة متقدمة مثل ارامكو ولم يعجزوا عن التعلم حينما اتيحت لهم الفرصة. اما اليوم فأمامنا فرص اكثر. اطفالنا الذين لا زالوا في على مقاعد الثانوية يملكون من المعلومات اضعاف ما عرفناه يوم كنا في اعمارهم ، وهم منفتحون على التكنولوجيا والتيارات العلمية بما يزيد على حصيلة معظمنا ، رغم فارق السن بيننا وبينهم.
صحيح اننا مجتمع استهلاكي ومتساهل. لكن هذا هو الحال الذي اوصلتنا اليه مقدمات سابقة. وهو قابل للتغيير ، سيما مع اجيالنا الجديدة ، اذا قررنا تغيير المسار.
اعلم ان تغيير المسار ، ليس قرارا سهلا. اعلم ان له تبعات كبيرة ، على الاقتصاد الكلي وعلى معيشة كثير منا. لكني اعلم ايضا ان هذا هو الخيار الوحيد لمستقبل آمن ، ليس فقط في مجال المعيشة ، بل ايضا كي نشعر باننا قدمنا شيئا للاجيال التالية ، قدمنا وطنا يستحقونه ويستحق الفخر به.
الشرق الاوسط  12 شوال 1436 هـ - 29 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13392]
http://goo.gl/mCPOVW

22/07/2015

تأثير الاتفاق النووي على بنية السلطة في ايران



الاتفاق النووي مع ايران ، مثل اعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا ، يعتبران – في واشنطن تعبيرا عن سياسة جديدة فحواها تشجيع التحول داخل الانظمة المعادية بدل مقاطعتها او العمل على اسقاطها.
يوم الاثنين الماضي أقر مجلس الامن الدولي بالاجماع اتفاق لوزان النووي بين ايران والمجموعة السداسية ، كما أقره في اليوم نفسه مجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي. وبهذا تبدأ مهلة التسعين يوما السابقة لدخول الاتفاق حيز التنفيذ.
منذ اعلان الاتقاق بدا ان العالم يتعامل مع نتائجه كموضوع على اهبة التحقق فعلا. الشروط الكثيرة التي تضمنها الاتفاق لن تغير من حقيقة ان ايران وشركاءها الدوليين قد فتحوا صفحة جديدة ، مختلفة بعمق عما كان عليه الحال منذ العام 2006.
في داخل ايران  ، ثمة مؤشرات قوية عن انبعاث جديد للتيار الاصلاحي الذي يتبنى الآن طروحات اكثر ليبرالية مما كان عليه في ظل الرئيس الاسبق محمد خاتمي. برز هذا التيار خلال عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني (1989-1997) وكان محور خطابه هو الانتقال الى مرحلة الدولة المدنية. حافظ التيار على وجود معقول في السلطة حتى 2005 ، لكنه كان على  الدوام هدفا لحرب ضروس من جانب تيار المحافظين ، الذي اعتبره تهديدا لمكاسب الثورة وقيمها.
انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا للجمهورية في 2005 حسم الصراع لصالح المحافظين. لكنه كان ايضا الذروة التي تخفي وراءها المنحدر. فقد تباطأ النمو الاقتصادي الذي عرفته البلاد في العقد السابق ، كما توترت علاقاتها مع دول العالم ، وخضعت لعقوبات شديدة ، سيما بعد قرار مجلس الامن رقم 1696  لعام 2006 ، فضلا عن ستة قرارات مماثلة في الاعوام التالية.
تباطؤ الاقتصاد اثمر عن تمرد اجتماعي غير مسبوق ، اجج التنازع بين حكومة نجاد وداعميها المحافظين. كان السلوك التحرري للرجال والنساء في شوارع طهران والمدن الكبرى مثيرا لانزعاج رجال الدين ، الذين رأوا فيها استمرارا لما كان يجري في ظل منافسيهم الاصلاحيين. بينما كانوا يطالبون برقابة اشد ، وقمعا صريحا لكل سلوك يتنافى مع تقاليد المجتمع الديني الخاصة بالمظهر واللباس.
في 2011 تحول المحافظون الى كتل مفككة متصارعة. وبدا ان عودة الاصلاحيين الى الحكم هي المخرج الوحيد من مسلسل الازمات. حين اعلن حسن روحاني ترشيح نفسه للرئاسة في 2013 قال انه استبق ذلك بعرض برنامجه السياسي على مرشد الثورة علي خامنئي ، وان هذا البرنامج يتضمن خصوصا ترميم علاقات ايران الدولية واطلاق مصالحة وطنية.
من المفهوم ان زعماء المحافظين وقادة الحرس الثوري ليسوا سعداء بخطوات روحاني. بل ان قائد الحرس الثوري قال صراحة ان قرار مجلس الامن الذي أقر اتفاق فيينا قد "خرق الخطوط الحمراء للجمهورية الاسلامية". من المتوقع ايضا ان يواجه وزير الخارجية مساءلة قاسية في مجلس الشورى الذي يسيطر عليه المحافظون حين يعرض عليهم الاتفاق. لكن الجميع في طهران يعلم ان المجلس سيوافق ، لأن المحافظين لا يملكون خيارات بديلة ، ولأن الحكومة ذات الميول الاصلاحية تراه حجر اساس في سياساتها الداخلية والخارجية.
هذا يعني اننا نقترب من تحول جذري في المشهد السياسي الايراني ، عنوانه انبعاث التيار الاصلاحي من جديد. اذا نجح روحاني في تثمير اتفاق فيينا على صعيد الاقتصاد ، من خلال اعادة تحريك المشاريع المجمدة ، وزيادة الاستثمار المحلي والاجنبي ، اي – بشكل عام – اخراج الاقتصاد الايراني من حالة الانكماش الحالية ، وتحسين مستوى المعيشة لعامة الناس ، فانه سيعزز صورة التيار الاصلاحي كخيار وحيد لقيادة البلاد. هذا سيؤدي بالضرورة الى تراجع النفوذ السياسي لرجال الدين المتشددين وقادة الحرس الثوري ، لصالح الصناعيين ورجال الاعمال.
بالنسبة للرئيس الامريكي باراك اوباما فان تشجيع تحولات مثل هذه ، حتى مع بقاء النظام ، يعتبر هدفا يستحق العناء. وهي سياسة اتبعها مع كوبا ايضا ، خلافا للاستراتيجية الامريكية السابقة التي تؤكد على تفكيك الانظمة السياسية المعادية وليس اصلاحها.
الشرق الاوسط 5 شوال 1436 هـ - 22 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13385]
https://aawsat.com/node/412161/

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...