عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث شحرور. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث شحرور. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

08/05/2019

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

انه خيار يبدو بسيطا. لكن عاقبته عسيرة جدا. ولهذا يتجنب غالبية الناس المخاطرة به. موضوع هذا الخيار هو الفكرة التي طرحتها في الاسبوع الماضي ، اي دعوى أن للانسان دورا في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

وقد عالجت الفكرة من زاوية مألوفة نوعا ما ، وهي كون العقل مصدرا للتشريع ، موازيا للمصادر الثلاثة الاخرى (الكتاب والسنة والاجماع). وقلت يومئذ ان القبول بدور العقل هذا ، والقبول بالعلم (البشري) اداة لتشخيص موضوعات القيم والتعاليم الدينية ، يعني – بالضرورة – ان الانسان شريك في وضع الاحكام الشرعية والقيم الدينية.

الذين يتبنون هذه الفكرة ، يرونها تعبيرا عن منطق الامور ، وليست خيارا نأخذه او نتركه. فحتى الذين يرفضون  دور العقل كمصدر مستقل للقيم الدينية ، مضطرون للقبول به كوسيط لتفسير مفهوم الحكم الشرعي وتحديد  موضوعه وكيفية تطبيقه.

من المفهوم ان كلا الفريقين يتحاشى الذهاب بالمسألة الى نهاياتها المنطقية. وبيانها على الوجة الآتي: النهاية المنطقية لقبول الدور التشريعي للعقل ، هو القبول بتهميش كبير او صغير لدائرة الاحكام التي ورد فيها نص في القرآن والسنة. لأن موضوعاتها زالت من الوجود او تغيرت بشكل جذري ، ووضع احكام جديدة لم ترد سابقا في اي نص.

اما النهاية المنطقية لرفض ذلك الدور ، فهي القبول بعدم وضع اي حكم جديد ، بالوجوب او بالتحريم ، على اي موضوع لم يذكر في الكتاب والسنة. لأن وضع الاحكام – حسب هذه الرؤية – حق لصاحب الشريعة (اي الرسول عليه الصلاة والسلام) دون غيره. وهذا يعني ان "جميع" المسائل الحديثة ، او ما يسمى بالنوازل ، تقع من حيث الاختصاص ، خارج نطاق التشريع. فلا يصح السؤال عنها ولا يجوز للفقهاء وضع احكام تخصها. كما لا يجوز لهم قياس مسألة جديدة على سابقة لها ، او حكم في موضوع على حكم قبله. لأنه من أنواع الاجتهاد ، الذي يؤدي – بالضرورة – الى ضم مسائل جديدة الى دائرة الشرعيات ، وابتكار حكم لها لم يرد في الكتاب والسنة. وهذه – وفق التعريف الدقيق – من وظائف الرسول لا الفقيه.

نعرف ان مجموع آيات الأحكام – وفق المشهور عند الفقهاء - لا يتجاوز 500 آية ، وان أحاديث الاحكام لا تزيد في أكثر التقادير  عن 1200 حديث. وهو نقل ابي يعلى محمد بن الحسين الفراء عن الامام احمد بن حنبل. الالتزام الدقيق بما ورد عن الرسول ، يستوجب ان لا يزيد العدد الأقصى للاحكام الشرعية ، بما فيها من واجبات ومحرمات ، عن مجموع الايات والاحاديث المذكورة ، اي نحو 1700 حكم.

ويترتب على هذا ان كل موضوع لم يسبق ان ورد فيه حكم ، سيبقى خارج دائرة التشريع ، وانه ليس للفقهاء من دور سوى تذكير الناس بالموضوعات التي لا تزال قائمة ، ولم تخرج من دائرة الحياة. لكن هذا المسار سيؤدي مع مرور الوقت الى تقلص الشريعة الى العبادات فقط. لأن غالبية موضوعات الاحكام الاخرى ، تتغير مع تحولات الحياة والمصالح العامة ، فتخرج احكامها من دائرة الاستعمال وتصبح مجرد ارشيف.

اظن ان هذا الشرح قد قدم صورة واضحة عما يترتب – منطقيا - على اعتراض المعترضين على دور العقل ، اي دور الانسان في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

نعلم ان كلا الخيارين سيؤدي الى خروج الكثير من قضايا الشريعة من دائرة الحياة. وهذا امر مشكل. لكن الواضح ان القبول بدور الانسان في انشاء التشريع ، هو الاقرب الى مقاصد الشريعة ومصلحتها من القول الآخر.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 3 رمضان 1440 هـ - 08 مايو 2019 مـ رقم العدد [14771]

https://aawsat.com/node/1712131

21/08/2019

في القيمة الدنيوية لاحكام الدين



لا تستهدف هذه المقالة تمجيد الفيلسوف والفقيه الاندلسي ابي الوليد بن رشد (1126-1198م) مع أنه يستحق التمجيد دون أدنى شك. غرضي محدود في بيان سبق ابن رشد الى مسائل في فلسفة الدين ، لازالت محل نقاش حتى اليوم. ربما يؤخذ هذا دليلا على ان أذهاننا لا تزال حبيسة الماضي وجدالاته. وهذا وارد طبعا. لكن دلالته الاقوى هي ان عبقرية الرجل قد سبقت زمنه.
تمثال ابن رشد في قرطبة-اسبانيا
كتب ابن رشد ما يزيد عن 100 كتاب في مختلف العلوم ، من الفقه الى الفلسفة والفيزياء والمنطق والفلك. لكن غالبية من اطلعوا عليها مالوا الى تركها جانبا ، لأن نهاياتها المنطقية ، لا تلائم الرؤية السائدة بين أهل العلم الديني ، في ذلك الزمان وفي هذا الزمان على السواء.
سوف اعرض باختصار مسألة واحدة أثارها ابن رشد ، وهي لازالت مثيرة لاهتمامنا اليوم ، أعني بها المعيار الدنيوي للبرهنة على صلاح الدين. فقد قرر ابن رشد أولا ، ان احكام الشريعة قائمة كلها على اساس منطقي عقلاني. إذ يستحيل ان يحصر الخالق التكليف في العقلاء ، ثم يأمرهم بما لا يقبله العقل. ويترتب على هذا ، ان عقول البشر قادرة على استيعاب حكم الاحكام ومناسباتها وكيفية تطبيقها. وبالنسبة للاحكام الناظمة للتعاملات بين الناس ، فان معنى كونها عقلانية هو استهدافها لمصالح مقبولة عند العقلاء. ويخرج من هذا أمران ، الأول: الاحكام التي لا نعرف حكمتها او حقيقة المصالح التي تستهدفها ، فهذه تبقى مفتوحة لغيرنا ممن يعرف ، اليوم او في المستقبل. والثاني: ان بعض ما يقبله العقلاء من أهل بلد بعينه او دين بعينه ، قد لا يقبله غيرهم. وهذا لا يخل بعقلانية الحكم او حكمته. ذلك ان بعض المعقولات مشترك بين كافة عقلاء العالم ، وبعضها مقيد بأعراف محلية ، أو قيم أخرى تسهم في تشكيل مفهوم المصلحة ، لكن قبولها لا يتجاوز نطاقا جغرافيا او ثقافيا محددا.
تتعارض هذه الفكرة جوهريا مع فرضية مشهورة في التفكير الديني ، تصل الى حد المسلمات ، اعني بها قولهم ان عقل البشر محدود فلا يستطيع ادراك بعض احكام الشريعة او عللها. مع انه لا يستطيع - في الوقت نفسه - انكار كونها جزء من الشرع.
تتعارض هذه الفكرة أيضا مع الرؤية التي يتبناها كافة الاخباريين وبعض المتاثرين بهم من الاصوليين ، وفحواها ان المصالح والمفاسد او الحسن والقبح الذي يراه البشر في الافعال ، لا يترتب عليه قيمة شرعية من حيث الاصل والمبدأ ، الا اذا أقرها الشارع. اي ان الدنيا ليست دار اختبار او تعيين لما يصلح وما لا يصلح. يعتقد هذا الفريق (وهو يشكل التيار العام في التفكير الديني التقليدي) ان الغرض الاول للدين هو تعبيد الناس لرب العالمين ، عسى ان يحضوا بالنجاة في الآخرة. أما الدنيا فهي مجرد طريق يعبره الانسان الى دار القرار ، لا نربح شيئا اذا كسبناها ولا نخسر شيئا اذا فقدناها.
خلافا لهذا رأى ابن رشد ان صلاح الدنيا غرض جوهري من اغراض الدين. وان افساد الانسان لدنياه قد يذهب بآخرته. بناء عليه فان صلاح الاحكام والاعمال الدينية بشكل عام ، يجب ان يظهر أثره في الدنيا ، وليس في الآخرة ، مثل القول: افعل هذا وستعرف فائدة الاستجابة بعدما تموت. لقد نزل الدين رحمة للعالمين ، في الدنيا أولا. وان اثبات فائدته لا يتحقق الا برؤية أثره الدنيوي.
الشرق الاوسط الأربعاء - 20 ذو الحجة 1440 هـ - 21 أغسطس 2019 مـ رقم العدد [14876 https://aawsat.com/node/1865066/

11/09/2019

الحلول الفضائية

|| الحلول الميتافيزيقية هي تلك الاجوبة السجالية التي تدعونا للبحث عن الحلول والاجوبة في التراث. هؤلاء يرون التراث دينا من عند الله ، وهو يحوي جوابا لكل سؤال وحلا لكل مشكلة||

قبل سنوات قال سياسي عراقي ان تحقيقا داخليا كشف عن آلاف "الجنود الفضائيين" على قوائم رواتب الجيش. وعلمنا فيما بعد ان المقصود بالفضائي هو الاسم الذي لا مسمى له. فقد يكون اسما لشخص ميت ، أو لشخص لم يولد أصلا.
"الحلول الفضائية" مثل نظيرها العراقي ، اسماء بلا مسمى ، لكنها بالطبع ليست في الجيش. بل في الجدالات اليومية لدعاة الاصلاح الديني.
Image result for mujtahid shabestari
د. محمد مجتهد شبستري
ويغلب على ظني ان كافة القراء الاعزاء يعرفون الحلول والنظريات الفضائية ، ولعل بعضهم يستعملها أيضا. وكنت  التفت اليها حين قرأت للفقيه المعاصر محمد مجتهد شبستري ، حديثا عن "الحلول الميتافيزيقية" ، وهي مرادفة لأختها الفضائية. وتنطبق على قصة رجل جيء به لمحكمة يرأسها عالم رفيع الشأن. فتحدث الشيخ أولا عن عدل الاسلام ، وسبقه للغرب في اقرار حقوق الانسان وضمانه لكافة الحريات الانسانية. لكنه في نهاية الجلسة ، حكم على المتهم بالسجن ، لتأليفه ونشره كتابا يعارض آراء فقهية مشهورة ، ويدعو لاستبدالها بقانون وضعي.
وفقا لتعريف شبستري ، فان الحلول الميتافيزيقية هي تلك الاجوبة السجالية التي تقول انه يتوجب علينا البحث عن الحلول والاجوبة في التراث ، لانه من عند الله ، فهو يحوي جوابا لكل سؤال وحلا لكل مشكلة.
حسنا نحن نصدق هذا.. لكننا نريد ان نراه في ارض الواقع. لسنا بحاجة لمن يخبرنا عن سبق الاسلام للغرب في اقرار الحريات الشخصية ، بل نحتاج للاقرار بحق الاشخاص الذين معنا  في ان يعبروا عن رأيهم ، حتى لو تعارض مع معتقداتنا او فقهنا. نحن ندعو حراس العقيدة الى تبني مبدأ حرية الاعتقاد والعبادة والتعبير عن الراي في الدين وغير الدين ، كي نصدق انهم يؤمنون بما قالوه عن سبق الاسلام الى حقوق الانسان وتفوقه على الغرب في حمايتها. ان حديث القاضي عن عدالة الاسلام ليس سوى حل فضائي لا علاقة له بالواقع أصلا. أما الذي جرى في الواقع فهو ان شخصا عوقب بالسجن دون أن يرتكب جرما ، سوى تعبيره عن رأيه بطريقة متمدنة.
اظن ان الصلة بين الجنود الفضائيين والحلول الفضائية قد اتضحت الآن. فهذه وتلك اسماء وحقائق مفترضة ، يتحدثون عنها ويقيمون لها اعتبارا ، لكنها غير موجودة في أرض الواقع.
لقد ذكرت مثال حرية التعبير  ، سيما نقد الخطاب الديني ، لأنه واضح ومتكرر. ولأن منع النقد مدعوم بفتاوى وروايات.  ولأن اشخاصا قتلوا واخرين سجنوا أو جردوا من حقوقهم المدنية ، بعدما مارسوا ما يفترض انه حق اصلي في التعبير عن الرأي.
لكن عدا هذا فهناك مسالة التجديد ، ومكافحة الفقر ومنع الاستغلال وحماية الضعفاء وقضايا المساواة والعدالة التوزيعية الخ.
والذي ألاحظه ان اصحاب الحلول الفضائية يمارسون لعبة ظريفة: حين تقول مثلا ان المعاملات التي ابتكرها الفقهاء لتحليل معاملات البنوك ، لا تعالج المشكل الاصلي اي الاستغلال ، سيردون عليك بآيات وأحاديث تؤكد على العدالة والرحمة بالضعيف الخ.. فاذا جادلتهم بان هذا مجرد توجيه وارشاد ، وان المهم هو ما حوله الفقهاء الى فتوى او قانون ، أجابوك بأنهم اهل الاختصاص في معرفة النص ، وربما تواضعوا قليلا فقالوا ان تقصير الفقهاء لا يعني قصور الاسلام. لكننا نعلم ان هذه الاجوبة كلها فضائية ، تحاول ابعاد الانظار عن موضوع السؤال الاصلي ، بطرح موضوع جديد ، يحول النقاش الى نقاش حول الاسماء ، بدل الموضوعات والوقائع. هذه ببساطة فكرة الحلول الفضائية.
الشرق الاوسط الأربعاء - 12 محرم 1441 هـ - 11 سبتمبر 2019 مـ رقم العدد [14897]
https://aawsat.com/node/1896956/

مقالات ذات علاقة 
 الحداثة كحاجة دينية  (النص الكامل للكتاب(

22/10/1998

الهجوم على الثوابت .. اين هي الثوابت ؟



استهل الأستاذ عبد الله الحصين مقاله يوم الأحد الماضي (لماذا الهجوم على الثوابت) بالاشارة إلى أن التساؤلات التي طرحها مفكرون وباحثون حول التراث الإسلامي ، قوبلت (بالتحفظ الشديد مرة وبالرفض مرات أخرى) ثم عرض نماذج لاولئك المفكرين ولما قالوا. لكنه غفل عن ذكر الثوابت التي هجموا عليها ، أو لعله افترض أن النماذج التي عرضها هي من نوع الثوابت ، لكنه لم يخبرنا عن الأساس الذي اعتمده في تقرير هذا الاعتبار لها .
المرحوم د. محمد عابد الجابرى
والواضح أن الأستاذ الحصين قد انطلق من حرص مطلوب ومستحسن على التراث الإسلامي ، وخشية محمودة من أن تطاله أيدي العابثين والجهال ، لكن التوفيق لم يكن حليفه حين اختار الأمثلة التي عرضها للتدليل على مدعاه ، فالأساتذة الذين عرض أسماءهم ، لا سيما محمد عابد الجابري ومحمد أركون ومحمد شحرور ، لا يمكن تصنيفهم ضمن الجهال أو العابثين أو المعادين للمذهبية الاسلامية .
كتب الجابري عشرات من الدراسات القيمة ، محاولا البحث عن الجانب المضيء في التراث الإسلامي ، الجانب الذي يجسد مجد العقل والفعل الانساني ، وإنسانية الشريعة وكفاءتها ، أما محمد أركون فقد وضع النتاج العلمي للمسلمين ، في أزمان مجدهم الغابر ، على طاولة التشريح ، محاولا التأكيد على أن إلحاق هذا التراث الكبير بالشريعة والتفكير الديني ، لا ينبغي أن يؤخذ كمسلمة ، اذ لا بد من الفصل في كل حال بين النص الديني ، المعصوم والمتعالي على حدود الزمان والمكان ، وبين فهم البشر وتفسيرهم للنص ، المحدود والمقيد بأحوال الزمان وهموم المكان ، وكذلك فعل شحرور الذي ذهب إلى مدى أوسع فطالب بتركيز النظر على القرآن الكريم والغوص في بحوره ، منطلقا من افتراض أن محاولات المسلمين السابقين ليست نهائية ولا نتائجها قطعية  .
ولعل الاساتذة المذكورين قد خانهم الحظ في اقناع الاستاذ الحصين بالنتائج التي توصلوا إليها ، وهذه طبيعة العلم الذي يأبى أن يأتي موافقا لكل ميل ، لكن من جهة أخرى ، فان الاختلاف مع النتائج التي توصل إليها باحث ، لا تصح أساسا للتشكيك في نواياه أو الغمز من زاوية (حقه) في البحث ، بمثل القول انه (تخرج من جامعة الحادية تعتبر الالحاد ثابتا من ثوابت مناهجها) ذلك أن البحث في الاسلام ، ليس حكرا على طبقة من الناس ، ولا على أصحاب اختصاص معين ، أو خريجي مدرسة معينة ، أو المنتمين إلى مذهب فكري أو اجتماعي خاص .

 البحث في الاسلام ، كالبحث في  أي موضوع علمي آخر ، متاح لجميع الناس ، دون أن اعتبار النتائج التي توصل إليها الباحث أيا كان ، ملزمة لأي كان ، إلا بدليل آخر ، مثل أن يكون مقلدا له ، كما يفعل العامة مع المجتهدين ، أو أن تتحول نتيجة البحث إلى نظام ملزم للعامة أو الخاصة ، بعد أن تصدر وفق الأصول الشرعية المؤسسة للالزام القانوني .

حق البحث ليس حكرا على أحد ، والنتائج التي يتوصل إليها الباحث ليست ملزمة لأحد ، وانما هي مساهمة في الارتقاء بالعقل الانساني ، ليصبح أقدر على فهم الشريعة ، نصوصها وتجارب البشر في تطبيقها ، وهي مساهمة ذات طابع مؤقت ، تمهد لما هو أرقى منها ، فاذا وصل المتلقي إلى هذا المستوى الجديد استغنى عنها واستعاض بجديده عن قديمها .

ويستذكر الكاتب قصة مشهورة في  النهي عن بناء الحكم على الريبة في النوايا ، حين وضع أسير كافر في إحدى غزوات الرسول (ص) بين الاسلام والنطع ، فرفع صوته بالشهادة ، فأراد الخليفة عمر قتله قائلا انه اسلم خوفا من السيف ، فأجابه المصطفى صلوات الله عليه بقوله (هلا شققت قلبه فنظرت ما فيه) والأصل في الجدل العلمي أن يؤاخذ الباحث بما قال ، لا بما ينوي أن يقول ، أو بما يقصد من وراء القول  ، إلا أن يكون قصده صريحا بينا ، ولا يهم إذا ذاك أن يكون قد تخرج من جامعة توحيدية أو من جامعة الحادية ، خاصة في هذا الزمان الذي يصعب فيه تحديد ما هو الحادي وما ليس إلحاديا ، كما يندر أن تجد جامعة أو مدرسة للدراسات العليا ، ليس في مناهجها أو أساليب تعليمها شيء من الالحاد ، والالحاد هو الميل أو الانحراف عن الجادة الصحيحة ، أو شوب ما هو مستقيم بما هو أعوج ، ولو أردنا الخوض في هذا لما سلم جامعي من الريبة فيما يقول ويفعل ، إلا من عصم الله .

وما دام الاستاذ الحصين قد طرق موضوع التراث ، فقد ألزمنا بتكرار ما ينبغي التذكير به في كل حين ، وهو أن ما نطلق عليه (التراث الإسلامي) هو شيء آخر غير (الشريعة الاسلامية) فالشريعة المقدسة هي عبارة عن النص القرآني المحفوظ بأمر الله سبحانه ، وحديث الرسول (ص) الذي اجتهد المسلمون في توثيقه والمحافظة عليه ، منذ غيابه صلوات الله عليه إلى اليوم ، ومنذئذ ، وخلال مئات من السنين التالية ، عمل المسلمون في النص الديني شرحا وتفسيرا واستلهاما منه .

ومع تقدم المعرفة في ظل ارتقاء الحضارة الاسلامية ، أبدع المسلمون علوما وفنونا جديدة غير مسبوقة ، واستعانوا في كثير من الحالات بما أخذوه وما ترجموه من علوم الأمم الأخرى غير الاسلامية ، وأصبح لدينا في المحصلة النهائية كم هائل من المعارف ، المرتبطة بالنص ، أو المستقلة عنه ، في موازاة تجربة الحياة الاسلامية ، خلال بضعة قرون من الكفاح والارتقاء ثم الهبوط ، تشكل بمجموعها ما نسميه تراث الامة الاسلامية .

ان النتاج الثقافي والمعرفي لأي أمة هو تعبير عن مستواها الفكري وطبيعة أوضاعها الاجتماعية في ذلك الوقت ، فالفكر لا يتطور مستقلا عن الظرف الاجتماعي الذي يوجد فيه ، ولهذا السبب أيضا فان طبيعة التراث ومكوناته متطورة من حال إلى حال ، فهي لا يمكن ان تكون جامدة ، ولا عابرة للزمان ، ولو لم تكن متحولة ، لعجزت عن التفاعل مع المحيط الاجتماعي الذي أوجدها أو استثمرها ، ولأصبحت غير ذات قيمة .

ثم وصل العالم الإسلامي إلى المرحلة الدنيا من مراحل انحطاط حضارته ، فاصبح لا ينتج علما بل ينشغل باجترار ما أبدعه السالفون ، وفي وقت لاحق بدأ يبحث عند الغير عما يستغني به عن تجربة أسلافه .

غير أن الدعوات التي تكررت سابقا ، إلى البحث في الذات والتجربة التاريخية عن معين صاف ، لاعادة تكوين هوية العالم الإسلامي في هذا العصر ، هذه الدعوات تجد اليوم أصداء في كل مكان ، من جانب مثقفين وباحثين يريدون إعادة وصل ما انقطع بين مسلم العصر وبين مصادر هويته الثقافية ، ليس انقطاعا بالمعنى المادي ، بل بغلبة التفسيرات والأفهام المحدودة على النص المرجعي ، بحيث لم يعد المسلم قادرا على قراءة القرآن أو السنة بصورة مباشرة ، أي متحررة من التصور المسبق عن المقصود ، وهو تصور قد يصدق أحيانا وقد يخون ، أو قد يكون قاصرا عن بلوغ تمام المقصود .

 ومع غلبة الافهام والتفسيرات وشيوعها ، واضطرار المسلم المعاصر للأخذ بما انجزه الماضون ، فقد أصبح النص الديني أسيرا لتلك القوالب ، والتي مهما بالغنا في تقدير صحتها ، فانها لن تكون أكثر من تعبير عن عصرها ، بما فيه من أوضاع اجتماعية ، وبما بلغه أهله من مستوى عقلي ومعرفي ، بينما يقتضي خلود النص وعبوره لحواجز الزمان والمكان ، ان يكون نبعا متجددا ، يرده أهل كل عصر فيجدونه معينا عذبا ، قادرا على الاجابة على ما يطرحه زمانهم من اسئلة جديدة ومن تحديات .

نحن بحاجة إلى فهم متجدد للقرآن والسنة ، كل جيل بحاجة إلى فهم خاص ، يستثمر تطور العقل الانساني الذي لا يتوقف في زمن ، ويستثمر نتاج التجربة الانسانية من معارف وعلوم . لكي نجدد فهمنا للقرآن فسوف نحتاج إلى النظر اليه بعين عصرنا لا بعين العصور الماضية ، سوف نحتاج إلى التخلص ـ ولو مؤقتا ـ مما يعتبر بديهيات وثوابت ، تحكمنا قبل ان نصل إلى النص ، ينبغي ان لا تكون ثمة عوائق بين العقل والنص ، بين الانسان وروح النص ، لكي يحاوره متحررا من كل ضغط ، ومن كل التزام مسبق بالوصول إلى نتيجة محددة .

لكي نتخلص من ضغط الفهم المسبق ، فاننا بحاجة إلى نقد التجربة التاريخية للمسلمين ، والتراث المعرفي الذي نتج عنها ، نقد لا يؤدي بالضرورة إلى تسفيه ما كان ، بل إلى الفصل بين ما هو مرجعي وما هو عارض قليل القيمة أو معدومها ، لكي نعيد إحياء ما اندثر من ثقافتنا ، سوف نحتاج إلى نضع أنفسنا في قلب الدائرة ، ثم ننظر إلى ما ورثناه نظرة الحاكم على ما يملك ، لا نظرة السجين إلى شباك هذا القفص الذي نسميه التاريخ .

24/09/2013

في جذور الاختلاف

لفترة طويلة شغلت ذهني المقولة الشائعة بين طلبة العلوم الدينية: "نحن اتباع الدليل حيثما مال نميل". وظننتها مفتاحا لأسرار الخلاف بين اهل العلم. لكني وجدت نفسي دائما امام أدلة توفرت لهذا العالم او ذاك ، فلم يأخذ بها ولم يولها اي اهتمام ، بينما استدل بها غيره ، فخرج هذا بنتيجة ، غير التي توصل اليها الآخر. وعلمت لاحقا ان "المذهب" و "المدرسة" يشكلان اطارا شبه قسري لما يقبل او يترك. لا يعد الدليل معيارا ثابتا ونهائيا ، مالم ينسجم مع المقولات الاساسية للمذهب الذي يتبعه العالم ، والمدرسة التي يميل اليها.

دانييل ليرنر

شغلتني من ثم مسألة "المدرسة": لماذا يتبع هذا العالم مدرسة محددة دون غيرها ، بينما يختار غيره مدرسة اخرى؟. قال لي استاذي يوما ان الانسان نادرا ما "يختار" مدرسته. فهو ، في معظم الاحوال ، يجد نفسه فيها. وجدت هذه الفكرة أكثر تطرفا عند دانييل ليرنر ، المفكر الامريكي (1917-1980) الذي قدم عددا من الابحاث المرجعية في قضايا التنمية والتحديث في الشرق الاوسط. في كتابه "موت المجتمع التقليدي" تحدث ليرنر عن الظروف الجغرافية كمؤثر قوي في تشكيل ذهنية الفرد ، وبالتالي ميوله وسلوكه العفوي. ورأى مثلا ان الميل للتشدد الفكري اكثر احتمالا في المجتمعات المنقطعة عن العالم. بخلاف المدن المفتوحة ، التي يتعرف ساكنها على هويات مختلفة ، ويبني علاقات مع اشخاص لا يعرفهم خارج اطار الوظيفة او الشراكة التجارية او الجوار السكني.

اتذكر في هذا الصدد الدراسة القيمة التي نشرها  د.سعيد الغامدي بعنوان "البناء القبلي و التحضر في المملكة العربية السعودية" ، 

وهي من الدراسات الاجتماعية النادرة ، التي تناولت ظرف الانتقال من اقتصاد الكفاف الزراعي ، الى الاقتصاد النقدي في المملكة. تحدث د. الغامدي عن وصول اول رجل "غريب" للاقامة في القرية موضوع الدراسة ، وكيف تحول هذا الحدث الى قضية كبرى ، استلزمت نقاشات وبحثا عن حلول ، واثمرت عن تحولات كثيرة في السلوكيات المعتادة في تلك القرية ، التي كانت قبلئذ شبه منقطعة عن العالم.

ساعدتني هذه القراءات وامثالها على تفهم اعمق لواقع التنوع والاختلاف بين الناس. ساعدتني على اكتشاف ان اتفاق الناس على منهج واحد ومذهب واحد واسلوب واحد في العيش ، هو حلم مستحيل ، بل ربما يكون وسوسة شيطانية. الاختلاف والتنوع جزء من طبيعة العالم. تخريب هذه الطبيعة سيقود ، لا محالة ، الى الاضرار بحياة الانسان. الاحادية من لوازم العزلة. فمن شاء الراحة من الاختلاف ، فليعتزل الناس. اما من اراد العيش في العالم الطبيعي ، فليتقبل ارادة الله ، الذي جعل الناس شعوبا ومشارب ومذاهب ، كي يتدافعوا ويتفاعلوا ، وبهذا يعمرون الارض وتزدهر الحياة.

 http://www.aleqt.com/2013/09/24/article_788023.html
 

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...