عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث دور العقل. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات
عرض المشاركات المصنفة بحسب مدى الصلة بالموضوع لطلب البحث دور العقل. تصنيف بحسب التاريخ عرض كل المشاركات

01/05/2019

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

|| النقاش حول دور العلم والعقل ، يتناول في الجوهر دور الانسان في صياغة وتعديل الفكرة الدينية||

مقالة الاستاذ نجيب يماني المعنونة "بل العقل سابق للنص" المنشورة في عكاظ 29 ابريل 2019 ، مثال على المراجعات الراهنة في التفكير الديني ، ولا سيما القيم المعيارية السابقة للاحكام الشرعية والضابطة لصحتها.
وقد استاثرت مكانة العقل في الاسلام وفي تشريع الاحكام ، بنصيب الأسد من هذه النقاشات. لكني أظن اننا قد تقدمنا خطوات صغيرة فحسب ، نحو استعادة العقل لهذا الدور. وهذا بدوره يستدعي التساؤل عن سبب التأخر ، مع كثرة النقاش حوله ، وسعة الشريحة المؤمنة بالحاجة اليه.
ويظهر لي ان هذا جزء من مشكلة عميقة جدا. لكنها من نوع المشكلات التي لا يطيق الناس نقاشها بانفتاح ، أعني بها علاقة الانسان بالدين ، والتي يتفرع عنها بطبيعة الحال علاقة العلم والعقل بالدين.
دعنا نبدأ من الفرع كي نفهم الأصل. فقد سالت انهار من الحبر في مناقشة العلاقة بين الاثنين. اما في الغرب فالفرضية السائدة في غالب الدراسات ، هي التفارق بين عالمي الدين والعلم. اما في العالم الاسلامي فاتخذ البحث مسارا تبجيليا واعتذاريا. 
كان محور المسار التبجيلي هو التأكيد على ان الاسلام رفع من قيمة العلم وكرم اهله ، وانه لا تفارق بينهما. وركز المسار الاعتذاري على التشكيك في قيمة العلم وقطعيته ، بالقول مثلا ان نتاج العلم ليس احكاما يقينية ، بل نظريات محتملة التغيير ، وان العالم لا يخلو من قضايا تتجاوز ما يستطيع عقل الانسان ادراكه ، وامثال هذا من الاعتذارات ، التي  غرضها الرد على دعوى عدم التوافق بين الدين والعلم.
هذا المنهج في النقاش ، بمساريه التبجيلي والاعتذاري ، عتم على العنصر المحوري في القصة كلها ، أعني به دور الانسان في صياغة وتعديل الفكرة الدينية. نعلم طبعا ان العلم نتاج بشري ، وان الجدل بشانه ، وكذا الجدل بشان العقل ودوره ، يتناول - في حقيقة الامر - دور الانسان وعلاقته بالدين. تبدأ هذه العلاقة بسؤال: هل جاء الدين من أجل الانسان ام خلق الانسان من اجل الدين؟. ثم: هل الدين مبني على اساس منطقي ، اي متوافق مع عقل الانسان ، وبالتالي هل القضايا الدينية مما يمكن للانسان استيعابه ، ام تنتمي لعالم آخر يتجاوز المنطق البشري.
فاذا كان متوافقا وقابلا للفهم ، فهل يمكن – او يسمح – للعقل بالتدخل في تعديله ام هو ممنوع عليه. واذا كان مما يتجاوز قابليات الانسان ، فكيف يكون الانسان ملزما به ، ونحن نعلم ان فهم الامر واستيعابه شرط للتكليف به ، والا كان من نوع تكليف ما لايطاق ، المخالف لأصل العدل.
هذه المجادلة توضح اذن ان النقاش حول دور العلم والعقل ، يتناول في الجوهر دور الانسان في صياغة وتعديل الفكرة الدينية. فاذا قلنا بان للانسان دور حاسم وتام في تصميم وصياغة الفكرة الدينية ، سيرد علينا بان هذا سينتهي الى نزع الصفة الالهية عن الدين ، وجعله بشريا تماما. واذا قلنا ان للانسان دور جزئي ثار سؤال: من يضع الحدود.
ثمة اسئلة اخرى لا يتسع لها المجال. لكني اود الاشارة قبل الختام الى ان دور الانسان ، رغم كثرة الجدل ضده ، لازال اقرب الى روح الدين ، واقرب الى منطق الحياة ايضا ، من القول بعدمه. لكن هذا يحتاج الى حديث أوسع ،  قريبا ان شاء الله.
الشرق الاوسط الأربعاء - 25 شعبان 1440 هـ - 01 مايو 2019 مـ رقم العدد [14764]

مقالات ذات صلة

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

17/04/2019

عقل الاولين وعقل الاخرين

الذين يعارضون اعتماد العقل مصدرا للتشريع والمعرفة الدينية ، يقيمون موقفهم على منظومة استدلال  ، يرونها مناسبة لحمل تلك الدعوى.

لكن التأمل في هذه الادلة يكشف عن نقاط ضعف اساسية ، أبرزها في ظني هو ان الاطار الذي يدرس فيه الموضوع ، ليس محددا على نحو دقيق. ولهذا دخلت فيه قضايا واستدلالات لا علاقة لها به ، كما اختلطت في سياقه العبارات الوصفية والتفسيرية ، بتلك التي تنطوي على احكام وقيم. بل وجرى استعمال هذه في موقع تلك وبالعكس. 

ومن ذلك مثلا القول الشائع ، بأن ابليس تحول من ملك الى شيطان رجيم ، حين اتبع عقله فعصى أمر ربه. ونعلم ان هذا ليس دليلا في هذا الموضع ، واستعماله فيه نوع من الحشو والقصص لا العلم.

ولعل الفوضى المهيمنة على النقاش سببها اتخاذه صفة المساجلة بين خصمين ، لا يريد احدهما معرفة حجج الآخر ، الا لغرض وحيد هو تثبيت موقفه. ولهذا ايضا لا أرى امكانية لتوصلهما الى رؤية موحدة. فكلاهما يعبر عن موقف فكري مرتبط بدائرة مصالح اجتماعية ، على النحو الذي أسماه توماس كون بالبرادايم ، او ما نسميه أحيانا بالنسق. ذلك الموقف اذن امتداد لمنظومة متبنيات ثقافية وانحياز اجتماعي ، لن تنفك اجزاؤه عن بعضها البعض ، بمجرد النقاش.

في زاوية ثانية نلاحظ ان النقاش حول دور العقل ، يعاني – كمعظم النقاشات المماثلة في الفكر الاسلامي – من ضعف واضح في تحديد المفاهيم المحورية ، التي يتوجب الاتفاق على تعريفها  كي يكون النقاش متصلا. مبرر هذه الحاجة هو ان بعض المفاهيم ، مثل "العقل" ، "النص" ، "الشريعة" و"الجماعة" الخ .. تحولت بشكل عميق ، لاسيما خلال القرن العشرين ، عن التركيب الذي كان معهودا حين بدأ هذا الجدل ، مع اشتهار منهج الامام ابو حنيفة في الاجتهاد ، قبيل منتصف القرن الثاني الهجري.

لابأس بالتذكير هنا بأن مفهوم "العقل" الذي عرفه الاسلاف ، كان اقرب للمفهوم الذي اشتهر عند فلاسفة اليونان ، اي اعتباره اداة مستقلة قادرة بمفردها على ادراك الكمالات ومواضع الجمال ، وبالتالي تمييز  الحقائق والفضائل والحكم على موضوعاتها.

اما "العقل" الذي نناقشه اليوم  فهو مختلف في تعريفه وفي تقييم عمله. ولعل أقرب المفاهيم القديمة اليه ، هو ما كان يطلق عليه "بناء العقلاء" ، الذي تشبه صورته الاصلية مفهوم العرف العام. جدير بالذكر ان الامام الغزالي كان قد اشار في ذيل كتاب العلم من "احياء علوم الدين" الى ان الخلاف على المفاهيم وحدودها ، كان واسعا حتى في زمنه (450-505ه) ، وحسب تعبيره فان أكثر "التخبيطات إنما ثارت من جهل أقوام طلبوا الحقائق من الألفاظ فتخبطوا فيها لتخبط اصطلاحات الناس في الألفاظ".

كذلك الحال في مفهوم "النص" الذي كان ينظر اليه في السابق كتعبير منفرد ونهائي عن الحقيقة ، بينما ينظر اليه اليوم كوعاء للحقيقة ، وفي بعض الحالات قيدا عليها. ولذا نحتاج أحيانا لتجاوزه ، من اجل تحرير الحقيقة او الرسالة المنطوية فيه ، من قيود التاريخ وانعكاسات الظرف عليه وعلى فهمه.

زبدة القول ان العقل الذي يدور حوله الجدل الذي استعرضناه في الاسبوعين الماضيين ، ليس واحدا او محددا. ان ما يقال عنه وعن دوره ، تأييدا او رفضا ، قد يتعلق بعقل متخيل ، تتعدد صوره ومفهوماته بقدر ما يتعدد المشاركون في الجدل حوله.  ولذا فلعل الأجدى ان يبدأ الناس بتحديد مفهوم العقل الذي يعنونه.

 


الشرق الاوسط الأربعاء - 11 شعبان 1440 هـ - 17 أبريل 2019 مـ رقم العدد [14750]

مقالات ذات علاقة

08/05/2019

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

انه خيار يبدو بسيطا. لكن عاقبته عسيرة جدا. ولهذا يتجنب غالبية الناس المخاطرة به. موضوع هذا الخيار هو الفكرة التي طرحتها في الاسبوع الماضي ، اي دعوى أن للانسان دورا في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

وقد عالجت الفكرة من زاوية مألوفة نوعا ما ، وهي كون العقل مصدرا للتشريع ، موازيا للمصادر الثلاثة الاخرى (الكتاب والسنة والاجماع). وقلت يومئذ ان القبول بدور العقل هذا ، والقبول بالعلم (البشري) اداة لتشخيص موضوعات القيم والتعاليم الدينية ، يعني – بالضرورة – ان الانسان شريك في وضع الاحكام الشرعية والقيم الدينية.

الذين يتبنون هذه الفكرة ، يرونها تعبيرا عن منطق الامور ، وليست خيارا نأخذه او نتركه. فحتى الذين يرفضون  دور العقل كمصدر مستقل للقيم الدينية ، مضطرون للقبول به كوسيط لتفسير مفهوم الحكم الشرعي وتحديد  موضوعه وكيفية تطبيقه.

من المفهوم ان كلا الفريقين يتحاشى الذهاب بالمسألة الى نهاياتها المنطقية. وبيانها على الوجة الآتي: النهاية المنطقية لقبول الدور التشريعي للعقل ، هو القبول بتهميش كبير او صغير لدائرة الاحكام التي ورد فيها نص في القرآن والسنة. لأن موضوعاتها زالت من الوجود او تغيرت بشكل جذري ، ووضع احكام جديدة لم ترد سابقا في اي نص.

اما النهاية المنطقية لرفض ذلك الدور ، فهي القبول بعدم وضع اي حكم جديد ، بالوجوب او بالتحريم ، على اي موضوع لم يذكر في الكتاب والسنة. لأن وضع الاحكام – حسب هذه الرؤية – حق لصاحب الشريعة (اي الرسول عليه الصلاة والسلام) دون غيره. وهذا يعني ان "جميع" المسائل الحديثة ، او ما يسمى بالنوازل ، تقع من حيث الاختصاص ، خارج نطاق التشريع. فلا يصح السؤال عنها ولا يجوز للفقهاء وضع احكام تخصها. كما لا يجوز لهم قياس مسألة جديدة على سابقة لها ، او حكم في موضوع على حكم قبله. لأنه من أنواع الاجتهاد ، الذي يؤدي – بالضرورة – الى ضم مسائل جديدة الى دائرة الشرعيات ، وابتكار حكم لها لم يرد في الكتاب والسنة. وهذه – وفق التعريف الدقيق – من وظائف الرسول لا الفقيه.

نعرف ان مجموع آيات الأحكام – وفق المشهور عند الفقهاء - لا يتجاوز 500 آية ، وان أحاديث الاحكام لا تزيد في أكثر التقادير  عن 1200 حديث. وهو نقل ابي يعلى محمد بن الحسين الفراء عن الامام احمد بن حنبل. الالتزام الدقيق بما ورد عن الرسول ، يستوجب ان لا يزيد العدد الأقصى للاحكام الشرعية ، بما فيها من واجبات ومحرمات ، عن مجموع الايات والاحاديث المذكورة ، اي نحو 1700 حكم.

ويترتب على هذا ان كل موضوع لم يسبق ان ورد فيه حكم ، سيبقى خارج دائرة التشريع ، وانه ليس للفقهاء من دور سوى تذكير الناس بالموضوعات التي لا تزال قائمة ، ولم تخرج من دائرة الحياة. لكن هذا المسار سيؤدي مع مرور الوقت الى تقلص الشريعة الى العبادات فقط. لأن غالبية موضوعات الاحكام الاخرى ، تتغير مع تحولات الحياة والمصالح العامة ، فتخرج احكامها من دائرة الاستعمال وتصبح مجرد ارشيف.

اظن ان هذا الشرح قد قدم صورة واضحة عما يترتب – منطقيا - على اعتراض المعترضين على دور العقل ، اي دور الانسان في انشاء القيم الدينية وصياغتها وتعديلها.

نعلم ان كلا الخيارين سيؤدي الى خروج الكثير من قضايا الشريعة من دائرة الحياة. وهذا امر مشكل. لكن الواضح ان القبول بدور الانسان في انشاء التشريع ، هو الاقرب الى مقاصد الشريعة ومصلحتها من القول الآخر.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 3 رمضان 1440 هـ - 08 مايو 2019 مـ رقم العدد [14771]

https://aawsat.com/node/1712131

10/08/2022

اناني وناقص .. لكنه خلق الله

ذكرت في الأسبوع الماضي ، ان المسار الصحيح لنقاش العلاقة بين النقل والعقل/العلم ، ينبغي ان يبدأ عند السؤال الاشكالي الخاص بموقع "الانسان في الدين". هذه مسألة لا بد منها لتمهيد الطريق ، للنقاش في دور العقل او مكانته بالقياس الى النقل. وهي مسألة لم تطرقها مدارس العلم الشرعي الا لماما أو عابرا. ولهذا اعتبرتها عاملا خفيا ، وزعمت ان اغفالها ساهم في تعقيد النقاش الخاص بالعلاقة بين العقل والنقل ، او بين العلم والدين. وذكرت ان "موقع الانسان في الدين" يفهم على ضوء عناصر ثلاثة ، أولها يتعلق بالفطرة الأولية للإنسان ، هل هي صالحة ام فاسدة ، بمعنى ان الناس لو تركوا وشأنهم ، فهل سيتقاتلون ويهلكون الحرث والنسل ، أم يجتهدون في تنظيم علاقتهم ببعضهم ، كي يدرأوا الشرور عن مجموعهم.


توماس هوبز (1588-1679)

لكن ما هي علاقة الفطرة بجدل العقل والنقل؟

جواب هذا السؤال يظهر في الحجج التي تتكرر من جانب الرافضين لدور العقل. وأحتمل ان كثيرا من القراء الأعزاء ، قد واجهوها فعلا في النقاشات المتعلقة بالموضوع. ان محور تلك الحجج هو الميول الذاتية/الانانية التي تتحكم في تصرفات الانسان وفي تفكيره. وهي تظهر من خلال انسياق الانسان وراء الغرائز والانفعالات. وهذه سمة عامة عند البشر ، لانها جزء من تكوينهم. لابد من الإشارة طبعا الى ان الميول الانانية درجات ، فقد تجد جماعة يصل بهم الحال الى التقاتل او حرب الجميع على الجميع ، وفق تصوير توماس هوبز. وقد تجد جماعة اميل الى التسالم ، لكنهم مع ذلك لا يجتمعون على الصلاح والإصلاح.

وبناء عليه فان الانسان غير مؤهل – وفق هذه الرؤية – لانشاء احكام قيمية تورث الاطمئنان ، من دون اعتماد مرجع آخر غير عقله. بعبارة أخرى فان العقل بحاجة الى جدار يستند عليه ، ويستمد منه القيم التي سوف يطبقها لاحقا على أفعال صاحبه ، وما يراه من أشياء أو حالات في محيطه.

لدينا اذن بعدان.. بعد معرفي خلاصته: ان عمل العقل مشوب بالنقص الذي هو طبيعة في الانسان ، مهما بلغ من العلم. وبعد أخلاقي خلاصته ان تأثير العواطف والغرائز ، يعزز الميل الأناني الذي هو اصل في تكوين الانسان.

وبناء على هذا ، فانه لا يصح تفويض العقل الإنساني ، صلاحية انشاء حكم شرعي نيابة عن الخالق سبحانه. البديل الصحيح هو الاستماع للأشخاص المتصلين بمصدر الشريعة ، أي النبي او القرآن ، الذين ينقلون الينا ما نقله النبي عن ربه. اما عقول البشر فيكفيها الانشغالات الدنيوية.

حسنا.. هل لدى القائلين بهذا الرأي دليل قطعي ، ينفي تماما أدلة الرأي المقابل؟. الواقع انه لا يوجد. دعنا نساير مؤقتا القائلين بنقص الانسان وميوله الشريرة. ثم ننظر الى التجربة الفعلية للبشر ، مع انفسهم ومع ربهم سبحانه. سوف نجد أولا ان البشر الذين تقاتلوا وافسدوا ، هم انفسهم البشر الذين عمروا الأرض وحولوا العالم المتخلف (المشرك بالله) الى عالم في غاية التقدم (موحد لله) على المستوى المادي والروحي والمعرفي. دعنا ننظر أيضا الى نداءات الله المتكررة للإنسان (الاناني) ، وتحفيزه المتكرر لاستعمال العقول (الناقصة).. هل ثمة خطأ في هذه النداءات ، ام انها تخبرنا ان هذا الانسان ، مع أنانيته ونقص عقله ، هو المخلوق الطبيعي الذي خوطب بالرسالات السماوية ، وهو أيضا الذي قضى الباري سبحانه ان يكون خليفته في أرضه ، رغم اعتراض الملائكة.

الحقيقة أني اريد المجادلة بان نقص العقل (نقص المعرفة) والميل الاناني (الميل للتكاثر) هما مبرر امر الخالق لعباده بالسعي للكمال ، ولولاه لما كان ثمة مبرر للديانات. لكن دعنا نؤجل هذا لوقت آخر.

الشرق الأوسط الأربعاء - 12 محرم 1444 هـ - 10 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15961]

https://aawsat.com/node/3807006/

 

20/07/2022

ثنائية الاتباع والابتداع

أميل للظن بأن مسار التحديث ، سيقود الى توسيع الشريحة المؤمنة بقيمة العقل والعلم ، وبالتالي تعزيز الاتجاه العقلاني في الثقافة العامة والسلوك الجمعي. لكن ستبقى – مع ذلك – شريحة معتبرة ، متمسكة بالركون الى الإرث الثقافي والديني ، حيثما تعارضا مع املاءات العقل او العلم الحديث.

في أزمنة قديمة ، ابتكر بعض العلماء ثنائية "الاتباع والابتداع" كوصف للجدل بين الاخباريين والاصوليين ، مع ان غرضها الرئيس – فيما يبدو - هو التشنيع على القائلين بتحكيم العقل في أمور الدين. ان معظم المشككين في دور العقل ، في عصرنا الراهن ، انما يعبر عن موقفه الخاص من تلك الثنائية ، باختيار الجانب الأول ، لأن مشايعة الجماعة ارجى للسلامة. والمقصود بالاتباع هو التعويل على رأي قدامى العلماء وتفسيرهم الخاص للنص الديني. أما الابتداع فيشير الى ترك تلك الآراء واعتماد تفسيرات جديدة ، قد لا تكون مطابقة تماما لمألوف الجماعة وميولها.


والمعلوم ان الابتداع بذاته ، لا يخالف القواعد الشرعية ، ولو جادلت أصحاب هذا الوصف لأخبروك عن الأصل اللغوي للكلمة ، حيث يطلق اسم البدعة على كل بديع ، حسنا او سيئا. لكن كثرة استعمالها في وصف الخارجين عن الجادة ، القى عليها ظلالا سلبية كثيفة ، بحيث لم يعد الاخباريون يطلقونها الا في مقام الذم والانكار.

ثمة ادلة كثيرة جدا ، من الكتاب والسنة والتجربة التاريخية ، على ترجيح الاخذ بالأدلة العقلية ومستخلصات العلم ، وجعلها أصلا من أصول الشريعة ، موازيا للكتاب والسنة. الا اني لست متفائلا بأن النقاش سيحسم الخلاف بين الطرفين ، دعاة العقل ومخالفيه. ونحن جميعا نعرف السبب ، وهو ببساطة: التأكيد على اللامسؤولية كطريق للنجاة.

بيان ذلك: يقول الاخباريون ان النص معصوم او صادر عن المعصوم. اما نتائج العقل ومستخلصات العلم فليست معصومة. بل هي اقرب الى النقص والخطأ ، لتأثرها بالغرائز والشهوات والنزعات الانفعالية ، التي لا يخلو منها انسان. يترتب على ذلك ان اتباع النص والأشخاص الملتزمين به ، يجعلك متبعا – وان بصورة غير مباشرة – للمعصوم. ولهذا أيضا فان الخطأ غير محتمل عندك. ولو جئت ربك يوم الحساب ، فيكفي الاحتجاج بانك اتبعت قول المعصوم. اما لو اتبعت عقلك او حكم العقل بصورة عامة ، فسوف يتوجب عليك ان تبرهن على صحة اختيارك في كل جزء وكل نقطة ، لأن الانسان مسؤول عن خياراته وأفعاله الارادية.

بعبارة أخرى فان الطريق الأول يخليك من المسؤولية ، بينما الثاني يحملك إياها. هذا هو خلاصة الاحتجاج الخاص باتباع النقل والعقل. بقية الاحتجاجات هي نقل لأقوال علماء سابقين اتخذوا هذا المنهج ، لذا فان قولهم تأكيد على رأيهم وليس دليلا على الرأي المضاد.

واضح ان هذه الرؤية تتعامل مع الدين باعتباره صندوقا محكما لا يحق للإنسان فتحه ، ومع علماء الدين باعتبارهم حراسا على بيت الله. اما الرؤية العقلية فتنظر للدين كمنهج حياتي ، يتجدد من خلال التجربة والتفاعل بين رؤاه النظرية وتطبيقات اتباعه. ربما يخطئون هنا او هناك ، لكنهم - في الاطار العام - يحفظونه حيا ، بتمكينه من استيعاب التحديات التي يأتي بها الزمان وأهله.

هذا هو السبب الذي يجعل دعاة الالتزام بالنقل ، ملتزمون أيضا بالتاريخ ورجالاته وقضاياه. بل ان بعضهم يصف نفسه بالأثري والعتيق ، للتأكيد على انه امتداد لآثار السابقين واعمالهم ، اثري وعتيق ، وان عاش في عصر جديد. بينما ينتسب العقلانيون الى العصر الحاضر وعلومه ومناهجه ،  كما يتحدثون عن تحدياته.

الشرق الأوسط الأربعاء - 20 ذو الحجة 1443 هـ - 20 يوليو 2022 مـ رقم العدد [15940]

https://aawsat.com/node/3767556

13/07/2022

دين العقلاء .. أي دين نتحدث عنه؟

دعوت في مقال الأسبوع الماضي للاعتراف بالعقل مرجعا مستقلا ، في وضع الاحكام الشرعية ، موازيا للكتاب والسنة. وقلت يومها ان هذا نقاش قديم في الفكر الإسلامي.

سوف أعرض اليوم ما احسبه امورا بديهية ، تجيب على السؤال الذي زعمت انه مركز الجدل في دور العقل ، سؤال: هل الفعل بذاته ينطوي على قيمة (صحيح/خطأ ، حسن/قبيح). وهل العقل قادر على تشخيص تلك القيمة في الأفعال؟.

اعتقد ان كل عاقل "في هذا الزمان" يعرف الجواب. ويطبقه فعليا: تخرج من بيتك صباحا فترى الاف الناس قاصدين أعمالهم مثلك. تراهم يقودون سياراتهم في الاتجاه الصحيح وليس العكس. وحين يصلون أعمالهم ، سينجزونها بالصورة المتفق عليها. وفي نهاية الدوام سيقصدون بيوتهم وسيأكلون ما يعرفون انه صحي. خلال هذا اليوم نقابل عشرات الناس ، ونراهم يحددون مصالحهم ويتبادلونها فيحصل معظمهم على بعض ما أراد. في اليوم نفسه نكتشف أشياء نعتبرها خاطئة ، مثل شخص يسوق سيارته بتهور ، او موظف يتلاعب في معاملة ، او ربما نذهب للبقالة فنجد الحليب فاسدا ، او نقرأ خبرا في جريدة فنقبله او نرفضه.

أطباء بلاحدود

نحن نقوم بهذه الأفعال اليومية لأننا نظنها صحيحة. ونعترض على أخرى نراها خاطئة. فهل قرأنا في أي نص ديني وصفا لهذه الأفعال وحكما عليها ، ام أن عقولنا هي التي عرفتها فحكمت بصحتها او خطئها وبأنها تستحق الشكر او  التنديد؟.

هذا ببساطة ما نسميه ذاتية الحسن والقبح في الأفعال ، وقدرة العقل على ادراكها. ترى هل يختلف الناس في الموقف من السائق المتهور ، أو تحديد قيمة الموظف المتلاعب ، او وصف الطالب المجتهد في دراسته؟.

دعنا الان نضرب امثلة من تاريخ البشرية القريب. ونبدأ باتفاقيات جنيف (1949) التي وضعت ضوابط الزامية لتصرفات المقاتلين في الحرب ، غرضها حماية المدنيين ومنع الإبادة ، وتخفيف الخسائر في البشر والعمران. خذ أيضا المواثيق الدولية لحماية البيئة الكونية ، مثل اتفاقية باريس للمناخ (2015) التي غرضها تنظيم الجهد الإنساني الطويل الأمد ، لتلافي الكوارث البيئية. وخذ أيضا المبادرات الكبرى ، مثل منظمة أطباء بلا حدود ومنظمات السلام الأخضر ، ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية ، وغيرها. ثمة امثلة كثيرة جدا من التاريخ القديم والحديث ، تخبرنا عن قدرة الانسان على تحديد ما يصلح حياته وما يفسدها. ان المسيرة التصاعدية في التاريخ البشري دليل قاطع على هذه القابلية.

تلك الأمثلة تحقق دون شك ، غايات يريدها الدين ، كالتراحم بين الناس وتنظيم مجتمعهم وتطوير معارفهم وحماية بيئتهم ومصادر عيشهم ، وكبح انزلاق النزاعات الى فجائع. هذه الأمثلة وكثير غيرها ، تبلورت ونضجت خارج اطار الدين ، أقامها عقلاء البشر حين رأوها  مصلحة راجحة او دفعا لفساد جسيم.

لاحظ اننا نتحدث عن اتفاقات تنظم العلاقات بين دول ، ويشارك في تنفيذها ملايين الافراد ، جميعهم يسعى نحو هدف واحد. ترى.. اذا كان العقل البشري مؤهلا لانجاز مهام كهذه ، فما هي المهام التي يعجز عنها في اطار الدين؟. واذا كان العقلاء قادرين على إدارة الاختلاف بين عقولهم ، على نحو يقيم اتفاقات بالحجم الذي اشرنا اليه ، فلماذا تعجز العقول المختلفة عن فعل الشيء نفسه في الاطار الديني؟.

اليس موضوع الدين هو سلوك البشر وافعالهم. اليس مقصود الفقه هو تنظيم هذا السلوك ، كي يؤدي اغراضا محددة .. فما هي الصعوبة الهائلة التي تسمح لعقل الانسان بوضع اتفاقية تنظم العمل المشترك في 194 دولة ، لكنه يعجز عن وضع حكم شرعي ينظم العلاقة بين شخصين؟.

هل نريد الحديث عن دين في واقع الحياة ، وقد عرضنا بعض جوانب هذا الواقع ، ام نتحدث عن دين اسطوري يحلق في أجواء الخيال وبين الكتب؟.

الشرق الأوسط الأربعاء - 13 ذو الحجة 1443 هـ - 13 يوليو 2022 مـ رقم العدد [15933]

https://aawsat.com/node/3754591


مقالات ذات صلة

 الاستدلال العقلي كاساس للفتوى

تأملات في حدود الديني والعرفي

جدل الدين والتراث ، بعد آخر

حول الفصل بين الدين والعلم

حول المسافة بين الدين والمؤمنين

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

الـدين والمعـرفة الدينـية

شرع العقلاء

عقل الاولين وعقل الاخرين

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

كي لايكون النص ضدا للعقل

كيف تتقلص دائرة الشرعيات؟

ماذا يختفي وراء جدل العلاقة بين العلم والدين

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نسبية المعرفة الدينية

نقاشات "عصر التحولات"

هكذا خرج العقل من حياتنا

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

01/11/2017

حين تكره الدنيا: طريق البشر من الخرافة الى العلم


|| تاريخ التقدم الانساني هو مسار الخلاص من الخرافة ، ونفي الحتميات الموهومة والمسلمات الجامدة ، وتكريس حاكمية العقل وفوقية العلم ، انه قصة الانتقال من رهبة الطبيعة الى استثمارها والتحكم فيها.||

اراد القاضي البريطاني دينيس لويد (1915-1992) تقديم شرح موجز لتطور القانون. لكن كتابه القيم "فكرة القانون" قدم ما هو أكثر من ذلك. فقد فسر بذكاء العامل المشترك في كل تقرير تاريخي عن المعرفة والانسان ، اعني به: تراجع الاسطورة وتقدم العلم.

في كل خطوة على طريق التاريخ الطويل ، يظهر واضحا ان تحرر الانسان ارتبط بازدهار الاتجاهات العقلية. يتسع دور العقل فيتطور العلم ، فيزداد فهم البشر للطبيعة ، فترتفع قدرتهم على استثمارها ، فيتقدمون ماديا ، فتبرز انعكاسات التقدم المادي على علاقة الناس ببعضهم ، فيعودون الى ذات المعايير العقلية ليضعوا قواعد اكثر تقدما للعلاقة فيما بينهم. وهكذا يتطور المجتمع ماديا واخلاقيا ، ويتسع فهم الانسان لنفسه وعالمه الكبير.

ولفت انتباهي في دراسة لويد اشارته الى دور الرسالات السماوية في اغناء هذا المفهوم ، واسهامها – من خلاله - في تفكيك الاساطير الخاصة بالكون وعلاقة الانسان بالطبيعة.

المسألة على النحو التالي: في قديم الزمان ظن البشر ان الاعاصير والعواصف والسيول وبقية الظواهر الطبيعية المخيفة ، علامات على غضب الآلهة التي تتحكم فيها. اذا غضب اله النار حرك البراكين الخامدة ، واذا نازعه اله المطر حرك السيول الجارفة. لم يجد البشر الضعفاء حيلة للنجاة من غضب الالهة المزعومة ، سوى منحها القرابين والاعطيات. ويحكي القرآن الكريم قصة النبي يونس ، الذي القى به ركاب السفينة قربانا لإله البحر الغاضب ، كي لا يغرق سفينتهم.

زبدة القول ان القلق على الوجود شكل المؤثر الابرز في حياة الانسان القديم. ونعلم ان الانسان القلق على وجوده لا يفكر في شيء سوى النجاة بنفسه.

ركزت رسالات السماء على ان الكون يعمل وفق نظام دقيق ، منطقي وقابل للادراك ، كما ركزت على وحدانية الله ، خالق الكون الرحيم الذي لا يعبث ولا ينتقم من خلقه. مع هذا الفهم الجديد اضافة الى مجموعة الشرائع والقيم الاخلاقية ، تخلص الانسان من قلق الفناء والخوف من طغيان الطبيعة وآلهتها المزعومة ، وبدأيفكر في السيطرة عليها واستثمارها. ومن هذه النقطة بالتحديد تحرك قطار العلم والتقدم في مختلف الاتجاهات.

تاريخ التقدم الانساني إذن هو تاريخ الخلاص من الخرافة ، ونفي الحتميات الموهومة والمسلمات الجامدة ، وتكريس حاكمية العقل وفوقية العلم ، انه قصة الانتقال من رهبة الطبيعة الى استثمارها والتحكم فيها.

لا يخلو العالم من بواعث القلق ، ولن يستريح الانسان من التوتر. لكن الفارق بعيد وجذري بين قلق سببه العجز ازاء الطبيعة القاهرة ، وقلق منشؤه تمرد الانسان على واقعه ، وسعيه للتحكم في حياته وعالمه. القلق الاول يحيل الانسان الى الهروب نحو الوراء ، اي الخرافة وتغييب العقل ، بينما يحيله القلق الثاني للهروب نحو الامام ، اي الهجوم على المشكلة والبحث في عقله وعالمه عن حلها.

مثل بقية الاديان السماوية ، اراد الاسلام تفكيك الخرافة وعقلنة الفهم البشري للعالم ، وأكد على استثمار الطبيعة. لكن – لسبب ما – فان المسلمين قرروا في ازمان الانحطاط ، ان الطبيعة والدنيا كلها لا تستحق العناء. قرر جمهورهم ان الحياة الدنيا ظرف مؤقت ومهلة قصيرة في انتظار الحياة الاخرة. لم يعد المسلم قلقا من بؤس الحياة وتخلفها ، وهو لا يرى نفسه شريكا في بناء حضارة العالم. فكل همه هو النجاة من النار في الحياة التالية.

ترى.. هل يمكن للاسلام ان يسهم في تقدم الدنيا ، واتباعه منصرفون عنها ، مشغولون بما بعدها؟.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 12 صفر 1439 هـ - 01 نوفمبر 2017 مـ رقم العدد [14218]

http://aawsat.com/node/1069596

الطريق السريع الى الثروة

  يبدو ان المعلوماتية تتحول بالتدريج الى اسرع القطاعات نموا في الاقتصاد الوطني لكل بلدان العالم تقريبا. (في 2021 بلغت قيمة سوق المعلوماتية ...