![]() |
فرانسيس بيكون |
مدونة توفيق السيف . . Tawfiq Alsaif Blog فكر - تجديد - قلم بلا قيد همه تفصيح الأسئلة. راسلني: talsaif@yahoo.com
23/09/2015
الصنم الخامس
20/04/2022
أصنام الحياة
"صنم المسرح" هو العنوان الذي أطلقه الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون (1561-1626) على الآراء والتقاليد والعناصر الثقافية الأخرى ، التي نرثها عن أسلافنا ، وتسهم في تشكيل الجانب الأبرز من ذهنيتنا ، اي خلفية سلوكنا وتفكيرنا في الحياة والأشياء.
كلنا نتأثر بتراث الأسلاف ، فهو الوسط
الطبيعي لحياتنا المبكرة. وهو الذي يربطنا بالأشخاص الآخرين في محيطنا العائلي ، منذ
لحظة ولادتنا. وحين نشب عن الطوق ، ونبدأ في التعرف على العالم خارج إطار العائلة
، عندها نتعرض لمصادر تأثير أخرى ، أطلق عليها بيكون اسم "صنم السوق".فرانسيس بيكون
"صنم السوق" هو ما
نسميه اليوم الرأي العام أو الثقافة العامة ، اي الانطباعات
الاجمالية التي يحملها غالبية الناس ، وطريقة تعبيرهم عن مواقفهم تجاه ما يحبون
وما يكرهون ، ومنها أيضا نظرتهم للآخرين: الزعماء والشخصيات المشهورة ومصادر
التأثير الثقافي ، وكذا نظرتهم للحوادث والنزاعات والقضايا المثيرة للاهتمام.
"صنم المسرح" و "صنم
السوق" اثنان من أربعة
أصنام ، اتخذها الفيلسوف نموذجا تحليليا لفهم حركة العقل البشري ، والطريقة
التي يتبعها في تفكيك الاشياء وانتاج المعاني التي تعيد ربطها بحركة الحياة. كان
بيكون يسعى للاجابة على سؤال في غاية الجدية ، نلخصه على الوجه التالي:
-
حين
نفكر في موضوع ، هل تعمل عقولنا بصورة مستقلة ، فتنظر للاشياء نظرة محايدة. ام أنها
– على العكس - تعمل كمرآة تكثف ما يوجد في البيئة الاجتماعية ، وتقرأ الخط الجامع
فيما بينها ، ثم تعيد انتاجه على شكل قاعدة أو فكرة؟.
حاول بيكون والعديد من الفلاسفة
وعلماء الاجتماع الذين جاؤوا من بعده ، وضع خط يميز ما هو نتاج حقيقي للعقل ، اي
ما نسميه التفكر ، عما هو مجرد تكرار لما يعرفه الناس وما اعتادوا عليه. حاول
هؤلاء المفكرون ايضاح ان العقل لا يعمل في فراغ ، بل هو عرضة للتأثر بعوامل مختلفة
، بعضها نابع من داخل الانسان (مثل حاجاته الشخصية وهمومه وميوله ونتائج التجارب
التي خاضها بنفسه) وبعضها الآخر هو انعكاس للمعارف والمواقف والهموم الدائرة في
المجتمع ، والتي توجب على اعضائه ان يتبنوا منها موقفا منسجما مع التيار الاجتماعي
الاوسع.
بعبارة اخرى فان عقل الانسان – من حيث
المبدأ – ابن بيئته. لكن هذا الاساس لا يبقى على الدوام. بقدر ما ينفتح الانسان
على أجواء مختلفة ويلتقي مع اشخاص جدد ، ويقرأ أفكارا غير مألوفة ، فان عقله سيبدأ
باكتشاف ذاته المستقلة عن تأثيرات المحيط وتراث الاسلاف. في هذه المرحلة يتخذ
العقل دور المحقق الذي يسائل ما استقر في تلافيف الذاكرة ، ويجادل ما يتوجه اليه من
الخارج ، قبل ان يقبله أو يرفضه.
هذه هي مرحلة الانعتاق والتحرر
الداخلي ، التي ينبغي لكل انسان ان يجاهد كي يبلغها. وهي مرحلة لا تخلو من عسر ، بل
كفاح مرير للتحرر من هيمنة القناعات التي ترسخت في ذهن الانسان وتحولت الى بديهيات
لا يفكر فيها الانسان ولا يسائلها ، واشياء ارتبطت بها مصالحه وعلاقاته ونظام
معيشته ، فليس من السهل ان يتنكر لها او يخاتلها. هذه هي الاصنام التي اسماها
بيكون "اصنام المسرح" و "اصنام السوق".
من
المهم ان نفهم جيدا هذا السياق ، لأننا سوف نواجه – اليوم او غدا – تلك الاسئلة
العسيرة. نحن بحاجة لتوجيه الأسئلة الصحيحة الى انفسنا قبل الغير ، الاسئلة
الضرورية لتنوير انفسنا وعقولنا ، سواء اقتنع الآخرون بها ام لا.
الشرق الأوسط الأربعاء - 19
شهر رمضان 1443 هـ - 20 أبريل 2022 مـ رقم العدد [15849]
https://aawsat.com/node/3601166
مقالات ذات علاقة
اشكالية الهوية والتضاد الداخلي
الخيار الحرج بين الهوية والتقدم
القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة
06/02/2025
الدين والايديولوجيا: من يزاحم الاخر؟
الواضح ان مفهوم الأيديولوجيا وتطبيقاته ، يثير حساسية ملحوظة عند الجمهور ، فضلا عن السياسيين والمفكرين. سيبقى هذا الراي انطباعيا ، نظرا لشكنا في كون المفهوم واحدا عند جميع الناس ، فوق اننا لا نعرف المسافة بين ما يريده الناس من هذا المفهوم وما يرفضونه فيه.
على أي حال ، قد يكون مفيدا المرور سريعا على اصل المفهوم وسبب الخلاف حوله ، ولا سيما الموقف المتشكك فيه او الرافض له.
تقول المصادر ان الذي صاغ مصطلح
الأيديولوجيا ، هو
المفكر الفرنسي ديستوت
دي تريسي سنة 1796. كان دي تريسي يحاول وضع قواعد تفسيرية توضح كيفية انتقال
البيانات من الحواس الخمس التي تتفاعل مع البيئة المحيطة بالإنسان ، الى عقله ،
حيث تستعمل في تشكيل منظومات الأفكار. ويقال ان تريسي تأثر بالفيلسوف الإنجليزي فرانسيس
بيكون ، الذي رأى ان تفكير الانسان
في الأشياء ، محكوم بذاكرته التاريخية من جهة ، وبمكونات الظرف المحيط به ، وهي
النظرية التي يشار اليها عادة باسم "اصنام
العقل الأربعة". أراد
دي تريسي وضع قاعدة عامة ، تفسر حركة الأفكار منذ ولادتها حتى تتموضع في سلسلة ،
فتشكل منظومة متكاملة ، واطلق على هذا المشروع اسم "علم
الافكار ideology ".
كان
تريسي مقتنعا تماما بأن أي فكرة تولد داخل عقل الانسان ، يجب ان تولد ضمن منظومة
او تنظم لاحقا الى منظومة ، لأنه لا توجد في العقل أفكار منفردة غير متصلة باي
فكرة أخرى.
حصل المصطلح على رواج اكبر بعدما ظهر في كتابات كارل
ماركس ، منتصف القرن التاسع عشر. وكانت المفارقة ان ماركس بدأ ناقدا للأيديولوجيا
، التي قال انها تخلق وعيا زائفا بالواقع ، لكنه اتجه لاحقا الى تشكيل منظومة
فكرية متكاملة ، تمثل نموذجا لما نسميه أيديولوجيا. والواضح ان ماركس لم يتخذ هذا
المنحى في غفلة ، بل يبدو انه أراد عامدا انشاء العقيدة الشيوعية كأيديولوجيا شاملة
ومغلقة الى حد كبير. وخلال القرن العشرين أنشأ معظم الأحزاب الشيوعية الكبرى قسما
خاصا للتعليم والتدريب الأيديولوجي ، وبعضها يحمل هذا الاسم دون مواربة.
ثمة اعتراضات كثيرة على الأيديولوجيا
، بما هي ومن حيث المبدأ ، وقد ذكرت في المقال السابق قول من قال انها "حجاب
الحقيقة" او الشجرة التي تحجب الغابة. لكني أود التركيز على ما أظنه ابرز
الاعتراضات ، وهو تلبسها بما يشبه عباءة الدين.
توصف الأيديولوجيا بانها نظام
كلي ، ينظم في نسق واحد المعرفة والسلوك الشخصي وعلاقة الانسان مع الاخرين
والطبيعة. وهذه على وجه التحديد وظيفة الدين ، ولذا قيل ان الأيديولوجيا تقوم – عمليا
– بالاستيلاء على مكانة الدين من خلال مزاحمته على الوظائف التي يفترض انه مختص
بها.
نعلم ان المسافة واسعة جدا بين الدين
والايديولوجيا: فالاول من عند الله بينما الثانية من صنع البشر. يركز الدين على
داخل النفس وليس الخارج. الواجب المحدد للإنسان هو الحفاظ على نظافة قلبه ، ومواصلة
تطهيره من خلال اتهام النفس بالقصور او التقصير والاعتذار الى الله عنه. الدين
حالة انجذاب من الانسان الى الخالق ، وليس اندفاعا من الانسان الى بقية البشر. أما
الأيديولوجيا فتركز على المحيط الحيوي
للإنسان ، بناء على فرضية مسبقة بأن الأيديولوجيا التي يحملها كاملة ، وان القصور
في المحيط وليس فيها ولا في حاملها. بعبارة أخرى فان حركة الأيديولوجي تتجه من
داخله الى خارجه ، وتسعى لتغيير المحيط باعتبارها في مرتبة أعلى من هذا المحيط ،
ولا تحتمل الخطأ.
السؤال الآن: ماذا يحصل لو ان
مجموعة اشخاص شكلوا تيارا يحمل اسم الدين ويتحدث بلغته ويرفع شعاراته ورسومه ،
ويعتبر نفسه ممثلا للدين وحاميا لحماه ، لكن المضمون الجوهري لهذا التيار وتعاليمه
كلها ، من صنع البشر ، فهل نصنف هذا الخطاب في جانب الدين ام في جانب الأيديولوجيا
، أي هل نركز على الصورة الإلهية للخطاب ام على مضمونه البشري؟.
الخميس - 07 شَعبان 1446
هـ - 6 فبراير 2025 م
https://aawsat.com/node/5109202-
مقالات
ذات صلة
الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية
حول القراءة الايديولوجية للدين
كتاب اخر يستحق القراءة : كارل بوبر "منطق البحث العلمي
حول القراءة الايديولوجية للدين
ايديولوجيا الدولة كعامل انقسام: كيف يحدث التفارق
الآيديولوجي والثقافي؟
04/01/2023
ما رايك في ماء زمزم؟
في ماضي الزمان ، كان يقال ان التجربة برهان قطعي على صحة الفكرة/الفرضية او خطئها. وكانت هذه القاعدة جارية في العلوم التجريبية والنظرية على حد سواء. لكن هذه الرؤية خسرت قوتها منذ ان نشر فرانسيس بيكون (1561-1626) كتابه "الاورغانون الجديد". في هذا الكتاب تحدث بيكون عن "اصنام العقل الأربعة" التي تسهم في تشكيل ذهنية الانسان ، وتؤثر بالتالي في فهمه للعالم وفي احكامه.
الواقع ان الفكرة كانت معروفة قبل بيكون. لكن عمله رفع وزنها العلمي ، وأوضح
مبررات ومسارات تأثيرها الحاسم في تفكير الأفراد. منذئذ بات ثابتا في الدوائر
العلمية ان كل تأمل ذاتي ، وكذا التفكير في العالم خارج الذات ، سيكون متأثرا –
بالضرورة – بالصور والقناعات التي سبق ان توصل اليها الانسان ، من خلال تجاربه
الشخصية ، او انتقلت اليه من محيطه ، او اقتنع بها بعد مكابدات فكرية مقصودة.
خلال القرن العشرين ، جرى التركيز بصورة خاصة على التجارب المتعلقة بالعلوم
الطبيعية والتجريبية ، بغرض اكتشاف إمكانية التوصل الى نتائج محايدة ، أي غير
متأثرة بخلفية الباحث الذهنية. وكان الاعتقاد السائد قبل ذاك ان الانحياز الذهني
مقتصر على العلوم الإنسانية دون الطبيعية والتجريبية ، لانها تتكون وتتطور في
الذهن ، بخلاف العلوم الأخرى التي تتكون وتتطور في الخارج ، فلا تتأثر – حسب ذلك
الاعتقاد – بميول الانسان. لكن تلك المسيرة انتهت بتوافق عام تقريبا ، على ان الانحيازات
المسبقة تترك آثارها على كافة الاعمال العلمية ، نظرية كانت او طبيعية او تجريبية.
وقيل ان ذلك التأثير يبدأ منذ الملاحظة الأولية ، ثم المراقبة المقصودة للمواد
الخام والتجارب المعملية ، وصولا الى اعلان النتائج. فحين يبدأ الباحث بمراقبة
المواد الخام او جمعها ، فانه ينطلق من فرضيات خاصة ، متاثرة بقناعات مسبقة. ان
اختيار هذه الفرضيات دون غيرها ، يحاكي في غالب الأحيان ، الميول الرائجة في
الاطار الاجتماعي او الاكاديمي للباحث ، بل وحتى ميوله الدينية والسياسية في بعض الأحيان.
دعنا نأخذ مثالا على هذا بخبير أوكلت اليه مهمة تحليل "ماء زمزم" للتحقق من القول
السائر بان فيها شفاء من الامراض. فاذا كان هذا الباحث مسلما ، فمن المؤكد انه
سيدخل في التجربة بنية إثبات فوائد ماء زمزم ، الطبية او غير الطبية. ومن المستبعد
ان يبدأ باحتمال ان يكون هذا الماء ضارا بالصحة ، أي بعكس الفرضية التي يريد كافة
المسلمين الايمان بها.
حين ينظر الانسان الى شيء ، سواء كان فكرة او مادة او شخصا ، فانه لا يراه
بعينيه بل يراه بعقله. انت تفهم الشيء الذي تراه ، لأنك تصورته سلفا في عقلك ، أي
وضعت اطارا لفهمه واستيعاب معناه. وفي هذا الاطار لا يختلف الباحث في العلوم عن
الشخص العادي ، فكلا منهما يتأثر بمسبقاته الذهنية. ومن هنا فان عدة اشخاص ينظرون
الى شيء واحد ، فيفهمه كل منهم على نحو مختلف ، وقد يستمعون الى الخبر نفسه فيتأثر
به بعضهم الى درجة البكاء ، بينما يقف الآخرون موقف المندهش ، لأن الخبر لم يلامس
قلوبهم او يستثير عواطفهم ، بمعنى انهم لم يدركوا الحمولة التي تنطوي في داخل الخبر
، او ان هذه الحمولة لا تعني لهم شيئا ذا بال.
زبدة القول انك مثلي ومثل كل شخص آخر ، لا تنظر للاشياء نظرة محايدة ، ولا
تفكر فيها متجردا من انحيازاتك. هذه الانحيازات ليست شيئا قررته ، بل هو جزء من
تكوين عقلك ، وقد ترسخ عبر مراس طويل الأمد. ولذا فان ما تعتبره موضوعيا او حقيقة
واضحة ، ليس – في الواقع – سوى تصوراتك الشخصية التي البستها تلك العباءة.
الأربعاء -
11 جمادى الآخرة 1444 هـ - 04 يناير 2023 مـ رقم العدد [16108] https://aawsat.com/home/article/4078766/
مقالات ذات صلة
أصنام الحياة
الاموات الذين يعيشون في بيوتنا
الصنم الخامس
عـلم الوقـوف على
الاطـلال
العودة إلى ثقافة
الزمن المنقضي
القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة
كهف الجماعة
كيف تكون رجعيا.. دليل مختصر
كيف تولد الجماعة
مهابهاراتا.. أعظم ملحمة في تاريخ الانسان
نسبية المعرفة الدينية
14/06/2017
كهف الجماعة
مقالات ذات علاقة
تعريف مختلف للوعي/ تحييد صنم القبيلة
بعد الحديث عن الثقافة في الأسبوع الماضي ، حان وقت الكلام عن "الوعي". واحسب ان كثيرا من الناس يفترضون – من حيث المبدأ – ان كل مثقف...
