27/06/2007

تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة

؛؛ الدين يحتاج للعلم في جوانب، والعلم يحتاج الدين في جوانب أخرى. لكن كلا منهما عالم مستقل بمناهجه ومعاييره واغراضه؛؛

هذا تعليق على مقالة اخرى جميلة للاستاذ احمد عائل فقيهي (عكاظ 21 يونيو2007 )، يدعو فيها الى عودة التلاقي بين الجامعة والجامع، كتمهيد لصياغة وعي جديد بين جيل المسلمين الحاضر. وأظن ان معظم قراء الاستاذ فقيهي قد وافقوه فيما ذهب اليه، فغالبية الناس تميل الى سبيل المصالحة، وتفضل اللقاء على الفرقة، والوئام على الخصام. 

أحمد عائل فقيهي

لكن ليسمح لي الاستاذ فقيهي وقراؤه المكرمون بادعاء ان هذه دعوة مستحيلة ضمن الشروط الاجتماعية – الثقافية الراهنة عندنا، رغم انها ممكنة على المستوى النظري.

ولو كنت في محل الكاتب لبدأت بسؤال : لماذا نشكو اليوم من انفصال المؤسستين؟. فالواضح ان احدا لم يقرر هذا الفصل او يسعى اليه. والواضح ان معظم الناس يرغبون في مصالحة بين الدين والعلم، تعيد الى الحياة ما يقال عن تاريخ المسلمين القديم من توافق وتفاعل بين الدين وعلم الطبيعة والتجريب والفلسفة. 

دعنا نحاول سؤالا آخر ربما يسبق ذلك السؤال:

-          ما الذي نعنيه بكلمة «انفصال»؟.

فالواضح ان كثيرا من رواد المساجد قد تخرجوا من جامعات، واكثرية طلاب الجامعات ملتزمون بدينهم. نحن لا نتحدث اذن عن انفصال اهل الدين عن اهل العلم. 

-  هل المقصود هو منح العلوم هوية دينية؟.

بعض الدعاة تحدث عن اسلمة العلوم، واظن ان اهتمام هؤلاء كان منصبا على العلوم الانسانية مثل الفلسفة والاجتماع والادب الخ. لكن فريقا منهم ذهب الى ما هو ابعد فتحدث عن طب اسلامي وكيمياء اسلامية الخ.

انطلق دعاة اسلمة العلوم من فكرة ان العلم المعاصر قد تطور في بيئة معرفية تنكر دور الدين. ولهذا السبب فقد يتطور العلم بعيدا عن الاخلاق، وقد يتحول من خدمة الانسان الى استغلاله. لكن على اي حال فان هذه الدعوة لم تجد قبولا واسعا، لانها ظهرت في بيئة لا تنتج العلم ولا تجري فيها نقاشات علمية حرة. بعبارة اخرى فان اسلمة العلوم غير قابلة للتحقق الا اذا اصبح العالم الاسلامي منتجا للعلم. اما اذا بقي مستهلكا للنتاج العلمي الاجنبي، فان الكلام عن اسلمة العلم يبقى مجرد بلاغة لفظية تشبه اعلان سيتي بنك الامريكي عن انشاء «وحدة مصرفية اسلامية» لاستقطاب زبائن جدد في الخليج.

اظن ان جوهر مشكلة الانفصال التي تحدث عنها الاستاذ فقيهي، تكمن في عجز كل من الجانبين، الديني والعلمي، عن تحديد نقاط التداخل ونقاط التخارج بينهما. فالمؤكد ان الدين يحتاج الى العلم في جوانب، والمؤكد ان العلم يحتاج الى الدين في جوانب أخرى. لكن يبقى كل منهما عالما مستقلا بذاته، له مناهجه ومعاييره واغراضه وأدوات تطوره الخاصة.

نتيجة لغموض نقاط التداخل والتخارج، اصبحنا عاجزين عن تحديد المكان الذي ينبغي ان نستعمل فيه المنهج الديني والاداة الدينية، والمكان الذي ينبغي ان نستعمل المنهج والاداة العلمية. 

الدين بطبعه عالم يسوده اليقين والتسليم والتنازل والخضوع. بخلاف العلم الذي يسوده الشك والجدل والنقد والتعارض وانكار المسلمات. دور الدين هو توفير الاجوبة لانسان يبحث عن الاطمئنان، اما دور العلم فهو اثارة الاسئلة وهدم كل جواب سابق. 

اظن ان اتضاح الخط الفاصل بين مجالات العلم ومجالات الدين، هو الخطوة الاولى لعودة التفاعل الايجابي بينهما، وبالتالي قيام تواصل بناء بين العالمين. لكن هذا يتوقف مرة اخرى على توفر نقاشات حرة ونشطة تنتج علما او تطور العلم. ان تحديد النقاط المشار اليها ليس من الامور التي نرجع فيها الى آراء السابقين وما تركوه من تراث، بل هو نتاج لاكتشاف حاجات معاصرة وأسئلة جديدة تضع على المحك الاجوبة المعتادة والآراء المنقولة من ازمنة سابقة وتثير الشك في ما يبدو بديهيا ومتعارفا.

 https://www.okaz.com.sa/article/114404

عكاظ الأربعاء 12/06/1428هـ ) 27/ يونيو/2007  العدد : 2201

20/06/2007

نهاية حماس الاسلامية : بداية حماس الفلسطينية



سيطرة حماس على قطاع غزة سيقود الى نهاية حماس الاسلامية، و بداية حماس الفلسطينية، اي نهاية الحركة التي قامت لمقاومة الاحتلال وبداية الحركة التي تعمل في السياسة كوظيفة أو «أكل عيش» كما هو شأن جميع التنظيمات الفلسطينية الاخرى.

ماذا تستفيد حماس من السيطرة على قطاع غزة غير تأكيد كونها حزبا حاكما ؟. لكن حماس لم تتأسس – كما يقول ميثاقها - كي تحكم بل كي تقاوم الاحتلال. وحتى اذا قررت اليوم التحول الى حكومة، فان فرصتها لاقامة حكم ناجح معدومة تماما بل مستحيلة. ويكفيها تجربة الاشهر الماضية وما جرى فيها كي تتأكد ان النوايا وحدها لا تكفي لاقامة حكومة فعالة. الحكومة الفلسطينية ليست خيار الفلسطينيين، بل هي مركب من إرادات دول عديدة مؤثرة، اضافة بالطبع الى اللاعب الرئيس اي اسرائيل.
نتيجة بحث الصور عن شرطة حماساراد الفلسطينيون حكومة تقودهم نحو الاستقلال، وارادت تلك الدول حكومة تقرأ الفاتحة على ما بات يعرف بالقضية الفلسطينية، اي تحرير الاراضي المحتلة وعودة اللاجئين. خيار الفلسطينيين مجرد حلم لا نرى في الساحة من يرغب في حمل اعبائه. فالتنظيمات الفلسطينية على اختلاف مسمياتها وايديولوجياتها قررت من دون مواربة الاكتفاء بالبضاعة المعروضة، اي ثلث فلسطين التاريخية. وما جرى من توافقات واتفاقيات، ابرزها اتفاقية اوسلو، هي اعلان عن قبول منظمة التحرير بذلك الثوب ايا كانت التحفظات الجزئية عليه.

مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية اوائل العام الماضي ثم تشكيلها الحكومة هو قبول ضمني بالارضية التي يقوم عليها النظام السياسي الفلسطيني. القبول بفلسفة اتفاق اوسلو وما ترتب عليه ادى بالطبع الى تكييف نفسي لاعضاء حماس وقادتها، وهو ما تجلى حين وافقت على وقف الهجمات الفدائية على اسرائيل، وحولت جهدها العسكري من المقاومة الى ضبط الامن في الشارع الفلسطيني، شأنها في ذلك شأن اي حكومة اعتيادية.

هذه التحولات هي مقدمة منطقية لانخراط حماس في الصراع على السلطة مع فتح، منافسها الرئيس. لكن ما فعلته في هذا الصراع فاق كل توقع بعدما اقدمت على تقسيم الاراضي الفلسطينية. المشهد السياسي الفلسطيني هو اليوم اسوأ مما كان في اي وقت سابق.

فشرعية المقاومة اصبحت موضع شك، والبدائل التي يمكن للناس ان يعلقوا عليها امالهم مشغولة بالسلطة والحرب من اجلها، والمواطن الفلسطيني الذي كان يظهر على شاشات التلفزيون فيما مضى مدافعا عن خيار المقاومة ومتحديا ماكينة القتل الاسرائيلية، اصبح اليوم مهموما بلقمة عيشه وسلامة اولاده المهددين ببنادق فتح وبنادق حماس على حد سواء. لم يعد الفلسطيني متحديا كما اعتدنا عليه، بل كست ملامحه سيماء الاحباط والقرف والهوان.

لن تتحول غزة الى قاعدة للامارة الاسلامية كما يحلم الفرحون بخطوة حماس الاخيرة، ولن تعود حماس الى مقاومة الاحتلال كما يعدنا قادتها. بل ستنشغل بالدفاع عن سلطتها وستكابد آلام الحصار الفلسطيني والحصار العربي والحصار الاسرائيلي والحصار الدولي، بدرجة مكثفة عن النموذج الذي رأيناه خلال العام المنصرم. كل هذا سيأكل من رصيد حماس الشعبي ومن حماسة اعضائها. لكن ما نخشاه حقيقة هو ان يؤدي ذلك المنزلق الى تفككها، اي نهاية القوة الوحيدة التي بدت لفترة انها امل الفلسطينيين الوحيد في الاستقلال والكرامة.

لم يعد ثمة حل، كل ما هناك هو مخارج اضطرارية لتقليل الخسائر، ولعل ابرز هذه المخارج هو تخلي حماس عن السلطة وتسليم غزة الى القوى الفلسطينية الاخرى عدا فتح. مثل هذه الخطوة ستحدث دمارا هائلا في بنية حماس، لكنها على الاقل سوف تنقذها من احتمال التفكك والانهيار الكلي.

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070620/Con20070620119518.htm
عكاظ الأربعاء 05/06/1428هـ -- 20/ يونيو/2007  العدد : 2194

06/06/2007

التغطية الفقيرة لتقرير حقوق الإنسان



تقرير حالة حقوق الانسان في المملكة الذي اصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الانسان يستحق متابعة اكبر مما وجدناه حتى الآن في وسائل الاعلام المحلية. كان ينبغي للجمعية ان تحتذي نهج المنظمات المماثلة التي تجعل اطلاق تقاريرها السنوية الحدث الابرز في عملها خلال العام. ويجري الاعداد لاطلاق التقارير السنوية قبل وقت طويل وتقوم اقسام متخصصة بالاتصال بوسائل الاعلام حتى يستقطب التقرير ما يستحقه من اهتمام اعلامي واجتماعي وسياسي.
نشر التقرير على موقع الجمعية على الانترنت هو عمل توثيقي وليس اعلاما. الاعلام هو ايصال التقرير، كخبر او كتفاصيل، الى نسبة من المواطنين المستهدفين لا تقل عن نصف قراء الصحف ومشاهدي التلفزيون. وهذا يتطلب بطبيعة الحال حملة علاقات عامة مع وسائل الاعلام هدفها المحدد حجز مساحة محددة من حيث الوقت والمكان للاعلان عن موضوع التقرير والجمعية التي اصدرته. ونعرف من خلال التغطية الفقيرة للتقرير ان ذلك لم يحدث او انه لم يحدث بالشكل المناسب.

لاحظت الجمعية في التقرير المذكور ان ثقافة حقوق الانسان ليست شائعة في المجتمع السعودي، او ان اكثرية السعوديين ليسوا على وعي تام بالمفهوم وبالجهات العاملة في هذا المضمار، ومنها بطبيعة الحال جمعية حقوق الانسان نفسها. 

ولهذا السبب فقد توقعنا ان تستثمر الجمعية هذه الفرصة الهامة للتعريف بنفسها وبنشاطها. يتضمن التقرير الاول عن حالة حقوق الانسان في المملكة مادة في غاية الاهمية، وربما لم يسبق لهيئة محلية ان عالجتها على هذا النحو من التوسع والمباشرة. واظن ان هذه المادة بذاتها هي اقوى وسيلة لتقريب فكرة حقوق الانسان كمفهوم وكممارسة فردية او كنشاط جمعي الى عقول عامة المواطنين.

من المفهوم ان كثيرا من الناس متشكك في جدوى هذا النشاط او في قدرة الجمعية على معالجة الخروقات المتكررة لحقوق الانسان من قبل هيئات رسمية او غير رسمية. لكن مادة التقرير تدل بصورة قاطعة على ان الجمعية قادرة – رغم المعوقات والحدود المعروفة – على مباشرة المسألة ومعالجة بعض اجزائها، او على اقل التقادير تسليط الضوء عليها وتعريتها من المبررات.

ليس من المنتظر ان تقوم منظمات حقوق الانسان بدور الدولة، وهي لا تستطيع ذلك حتى لو ارادت. فدورها في الاساس رقابي، يتمحور حول المتابعة والمقارنة وتسليط الضوء على الافعال التي تنطوي على انتهاك للحقوق الاساسية للمواطنين، ثم مطالبة الجهات الرسمية بمعالجة المشكلة المرصودة. اما تنفيذ العلاج فهو مسؤولية الجهة الرسمية التي جرى الخرق في اطارها. بالنظر الى هذه الحدود، فان ما ورد في التقرير من معلومات ومعالجات يكشف عن جهد يستحق التقدير. ويبدو لي ان معظم من اطلع على التقرير قد توصل الى مثل هذا الاستنتاج.

لن يكون عمل الجمعية ذا تأثير اذا كان عدد المتابعين له او العارفين بتفاصيله محصور في اقلية صغيرة. ولا اظن اهل الجمعية غافلين عن اهمية الاعلام في صناعة المكانة والتأثير. لا يزال الوقت مناسبا للقيام بحملة اعلامية موسعة تستهدف اطلاع عامة المواطنين على التقرير. وينبغي ان تضع الجمعية قيمة كمية، تمثل حدا ادنى للتغطية الناجحة، تتضمن فقرات خبرية حول التقرير نفسه وحول الجمعية، وفقرات اخرى يشار ضمنها الى ما ورد في التقرير من مادة ذات علاقة، ومقابلات مع اعضاء الجمعية اوالخبراء في مجال حقوق الانسان او الاشخاص الذين كانوا طرفا في مشكلات عالجها التقرير.

هذا النشاط الاعلامي الموسع يحتاج الى تنظيم استثنائي خارج اطار الاعمال اليومية للجمعية. تختلف الحملة الاعلامية عن النشاط الاعلامي الاعتيادي في انها تستهدف صناعة جو جديد وفهم جديد عن الجمعية وعملها. ويتحقق هذا من خلال سلسلة من الاعمال المتزامنة تدور حول حدث محدد (هو التقرير) وتستهدف غرضا محددا، هو الوصول الى نسبة معتبرة من متابعي وسائل الاعلام.

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070606/Con20070606116135.htm
الأربعاء 20/05/1428هـ ) 06/ يونيو/2007  العدد : 2180

02/06/2007

اول تقرير وطني عن حقوق الانسان في المملكة


 رغم ما اتسم به من تعميم واضح، فان التقرير الاول عن حالة حقوق الانسان في المملكة يعد وثيقة هامة، يمكن ان تشكل قاعدة للكثير من النقاشات، سواء على المستوى القانوني – التشريعي او على المستوى السياسي. رسم التقرير الذي اصدرته الجمعية الوطنية لحقوق الانسان صورة بانورامية تسلط الضوء على مواضع القصور وعيوب الممارسة، لكنها تتحاشى التفصيلات وسرد الوقائع. وهذا نقص في التقرير لا يفوت اي مطلع على هذا النوع من الاعمال.

اتبع التقرير منهجية مقارنة، تبدأ بتحديد الاطار الديني الذي يرجع اليه في كل بند، ثم الاطار القانوني المحلي، وموقعه من مواثيق حقوق الانسان الدولية، قبل ان يعرض تقييم الجمعية لاداء الهيئات الحكومية فيما يتعلق بذلك البند. ويكشف الجزء الاخير عن تطور كبير في تعامل الجمعية مع المهمات الموكلة اليها. فقد جرت العادة على غمض العين عن انتهاكات حقوق الانسان في حقول معينة، سيما تلك التي تتعلق بهيئات دينية او أمنية. لكن التقرير تحدث عنها تكرارا وبأسلوب محدد وصريح، رغم اغفاله ذكر وقائع بعينها، كما هو منتظر في مثل هذا النوع من التقارير.

يحدد واضعو التقرير ثلاثة اسباب رئيسية لانتهاكات حقوق الانسان في المملكة، اولها ضعف البنية القانونية التي تحدد الحقوق والالتزامات. والثاني هو غياب التنظيم الاداري المناسب لمتابعة ومنع تلك الانتهاكات.

 اما الثالث فهو ضعف الثقافة الحقوقية بين الموظفين الرسميين، لا سيما في المواقع التي تنطوي على احتكاك يومي قد يقود الى خروقات. ويضرب التقرير مثلا بنظام الاجراءات الجزائية الذي يعد اطارا للعلاقة بين الجهاز القضائي والمواطنين فهذا النظام يحوي كثيرا من الضمانات الحقوقية الجيدة، لكنه لا يطبق بصورة كاملة لأنه اولا يفتقر الى لائحة تنفيذية، ولأنه ثانيا غير معروف او غير مستوعب من جانب كثير من الموظفين في الاجهزة ذات العلاقة، سواء من القضاة او رجال الامن. ويعرض التقرير اشكالا عديدة من انتهاك حقوق الانسان في هذه الاجهزة، ترجع بمجملها الى احد الاسباب الثلاثة المذكورة.

يعرض التقرير قائمة طويلة من التوصيات تصلح برنامج عمل للجمعية في السنوات القادمة من بينها مثلا التوصية باقامة هيئة عليا للفصل في دعاوى مخالفات القواعد الشرعية والنظام الأساسي للحكم والاتفاقيات الدولية التي انضمت المملكة اليها. وافترض ان الهيئة المقصودة هي نظير للمحكمة الدستورية او المحكمة العليا في الدول الاخرى، التي تعتبر المرجع في تفسير القوانين او تعطيل الاجراءات الادارية فيما يؤدي الى خرق لحقوق الانسان.

واظن انه كان من الاوفق تسليط الضوء على عمل هيئة التمييز وديوان المظالم، وهما مرجع ذلك النوع من المنازعات في الوقت الراهن، والمطالبة بتطويره بدل اقتراح هيئة جديدة. ولعل ابرز موارد التطوير المطلوبة هو اعادة تنظيم الهيئتين على نحو يجعل كلا منهما محكمة متكاملة، تجري فيها المرافعات وتحال اليها القضايا من دون المرور بهيئات السلطة التنفيذية.

أشار التقرير ايضا الى مشكلة التمييز في الوظيفة العامة على اساس مذهبي او قبلي او مناطقي، وهي من المشكلات الشائعة. وكان حريا بالجمعية ان تتعامل مع قضية خطيرة كهذه بجدية اكبر مما يبدو من السطور القليلة التي حشرت فيها، خاصة مع تأكيدها على ان التمييز «يهدد وحدة الشعب ويؤثر سلباً على مفهوم الانتماء إلى الوطن كما يعزز العصبية والانتماء إلى جماعات عرقية أو إقليمية». فضلا تعارضه مع استراتيجيات الحكومة وقيم الشريعة الغراء.

تحدث التقرير ايضا عن انتهاك حقوق العاملين الاجانب، واشار الى جوانب ثقافية وسلوكية، كما دعا في التوصيات الختامية الى الغاء او استبدال نظام الكفيل. واظن ان المشكلة اوسع كثيرا من هذه الحدود.

بصورة ملخصة سلط تقرير الجمعية الضوء على عدد من الحاجات الجوهرية للمجتمع السعودي، لعل ابرزها هو الحاجة الى اعتماد مباديء حقوق الانسان عند وضع القوانين والتشريعات والتعليمات التي تنطوي على الزامات او عقوبات. كما دعا الى نشر ثقافة حقوق الانسان. لكنه من زاوية اخرى اغفل التعليمات الادارية التي تصدر من دون اساس قانوني وتنطوي على تدخل في حياة المواطنين الشخصية او انتهاك لحقوقهم المضمونة بموجب القانون. كما اغفل الاشارة الى «هيئة حقوق الانسان» وهي الجهة الحكومية المكلفة بمراقبة التزام الهيئات الحكومية بهذه المباديء. وكان حريا بواضعي التقرير ان يعرضوا تقييمهم الخاص لهذه الهيئة، ولا سيما قدرتها على انجاز المهمة الموكلة اليها بعد اكثر من عام على تاسيسها.

خلاصة القول اذن ان التقرير الاول عن حقوق الانسان في المملكة يعد وثيقة في غاية الاهمية، وقد نجح في ازاحة بعض الخطوط الحمراء التي جرى التعارف عليها فيما مضى، واحسب ان تقرير «هيئة حقوق الانسان» الحكومية الذي ننتظره بفارغ الصبر سيبدأ من حيث انتهي تقرير الجمعية، فالمتوقع ان تكون الهيئة اكثر تحديدا وادق ملامسة للمشكلات، لا سيما تلك التي احجمت الجمعية الوطنية عن التوسع فيها واكتفت بالمرور عليها مرور الكرام.
 2 / 6 / 2007م 

23/05/2007

حان .الوقت للتخلي عن السعودة القسرية



أغلبية العاملين في السوق مقتنعون اليوم بأن الاستراتيجية التي تبنتها وزارة العمل لإحلال العمالة السعودية محل الاجنبية قد ادت غرضها واستنفدت مفعولها، وقد حان الوقت للتخلي عنها. قرار مجلس الوزراء بإعفاء المقاولين الذين ينفذون مشروعات حكومية من قيود تلك الاستراتيجية، ولا سيما في تحديد نسبة العمال السعوديين في كل منشأة، هو اقرار بالحاجة الى مراجعة كلياتها وتفاصيلها. ربما نجح كبار المقاولين في ايصال صوتهم الى اصحاب القرار. لكن صغار المستثمرين قد اوصلوا صوتهم ايضا. المشكلة ليست اذن في عدم علم الوزارة بالازمة التي تواجه هذا القطاع، بل في اصرارها على المضي في سياساتها المتشددة ولو كان الثمن غالياً.
أتمنى ان يقوم معالي وزير العمل او وكلاء الوزارة بجولة في المناطق الصناعية في أي مدينة من مدن المملكة كي يروا انعكاسات تلك السياسة، او لعلهم يخصصون وقتا للاستماع الى صغار المقاولين واصحاب الورش والحرفيين، كي يكتشفوا ان المشكلة اليوم لم تعد فتح مؤسسات وهمية لتاجير العمال كما صرح وزير العمل في وقت سابق. المشكلة التي يواجهها صغار المقاولين والحرفيون اليوم هي بالتحديد عدم القدرة على العمل وعدم القدرة على التوسع، وبكلمة مختصرة العجز عن الاستجابة لقوى السوق. خلال السنوات الثلاث الماضية حافظ الاقتصاد السعودي على حركية متنامية، أدت بالضرورة الى ارتفاع كبير في الطلب على البناء والخدمات المختلفة، وهذا يستدعي زيادة في قوة العمل. 
يمكن للوزارة الاحتجاج بانها تريد استثمار زيادة الطلب هذه في تشغيل ما تبقى من المواطنين العاطلين. لكن هذه الحجة تنطوي على تبسيط مخل لفكرة التشغيل ومعالجة البطالة. نعرف جميعا ان زيادة الاستثمار ستؤدي اتوماتيكيا الى خلق فرص جديدة متنوعة للسعودي والاجنبي على حد سواء. وفي كثير من الاحيان فان فرصة العامل السعودي مرهونة بنظيره الاجنبي. لناخذ كمثل ورش صيانة السيارات : يمكن لمستثمر صغير، قد يكون شابا حديث التخرج او عاملا سابقا، او متقاعدا من شركة، او ربما متدربا طموحا، يمكن له ان يفتح ورشة يعمل فيها بنفسه ويوفر فرصة لسعودي آخر. لكنه قطعا لا يستطيع الاقتصار على فنيين سعوديين، لان هؤلاء سيحصلون ببساطة على فرص في شركات كبرى تقدم رواتب اعلى وضمانات وظيفية افضل.
بعبارة اخرى فان الورشة يمكن ان تقدم فرصة للتدريب والعمل لاول مرة او ربما عملا ثابتا لاصحابها، لكنها لا تستطيع منافسة الشركات الكبرى التي يتزايد طلبها على الفنيين المؤهلين. اذا منع صاحب الورشة من استقدام ما يكفيه من الفنيين الاجانب فلن يستطيع فتح ورشته، واذا لم يفتحها فسوف نضيع فرصة تشغيل لشخص او شخصين، ونضيع فرصة استثمار يمكن ان يسهم في تنشيط قطاعات اخرى من السوق. تجولت هذا الاسبوع في منطقة صناعية تضم عشرات من ورش الصيانة والاعمال المختلفة، فوجدت كثيرا منها شبه عاطل. حين تسأل يقولون لك ببساطة : ليس لدينا عمال ولا نستطيع تلبية طلبات العملاء. تحدثت ايضا الى عدد من المقاولين فاتفقوا جميعا على انهم يعتذرون يوميا عن اخذ عقود جديدة لانهم غير قادرين على تنفيذها. والسبب مرة اخرى هو قلة العمال. هذه الفرص الضائعة هي استثمارات يمكن ان تسهم في توليد وظائف او توفير فرص جديدة، لكنها تذهب هدرا بسبب التشدد في سياسات العمل. لكل استراتيجية مدى محدد تؤدي خلاله غرضها وتفتح الباب امام استراتيجية بديلة.
استراتيجيات العمل تتبع منحنى يشبه ما يسمى في الاقتصاد السياسي بمنحنى الاشباع الحدي، اي نقطة الذروة في التأثير. من بعد هذه النقطة يبدأ التراجع وصولا الى نقطة الضرر، اي تحول الاستراتيجية المفيدة الى معطل ومعيق للتقدم. من المتفق عليه ان القطاع الخاص هو الدينامو الاقوى للاقتصاد، وان صغار المستثمرين والمستثمرين الجدد هم قوة التجديد والتصعيد. ولهذا فان اي استراتيجية قطاعية، مثل تلك المتعلقة بمعالجة البطالة، ينبغي ان تخضع للاهداف الكلية لحركة الاقتصاد ومن ابرزها اجتذاب المزيد من المستثمرين الجدد الى منظومة الانتاج. العلاج الطويل الامد للبطالة يكمن في زيادة الاستثمار، وزيادة الاستثمار تتوقف على اجتذاب الرساميل الصغيرة واصحاب الطموح من صغار المستثمرين. يمكن لاستراتيجية وزارة العمل الحالية ان توفر فرصا لمئات من الشباب العاطلين، لكنها في الوقت نفسه تعطل فرصا استثمارية قد توفر آلافاً من الوظائف الجديدة. واظن انه قد حان الوقت لمراجعة هذه الاستراتيجية التي استنفدت اغراضها.
عكاظ 23   مايو 2007  العدد : 2166
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070523/Con20070523112683.htm

16/05/2007

شراكة التراب وعدالة النظام الاجتماعي

||مفهوم "شراكة التراب" يعني ان جميع اعضاء المجتمع السياسي ، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه.||

يتميز النظام الاجتماعي العادل عن غيره بثلاثة اركان اساسية، اولها قيامه على ارضية المساواة والتكافؤ بين الناس. وقد اشرت في مقال الاسبوع الماضي الى انكار عدد من قدامى المفكرين لهذه الفكرة وقبولهم بوجود تمايز عضوي بين الناس، يبرر اقامة نظام اجتماعي على اساس التمييز بين البشر. ونعلم مثلا ان بعض المذاهب السياسية (كالنازية مثلا) اعتبرت اتباعها (ابناء العرق الجرماني) ارقى من سواهم.
Formal Equality vs. Substantive Equality in the Workplace - Video ...
وقد اقامت نظامها السياسي على هذا الاساس. وكذلك الامر في نظام التمييز العنصري الذي اتبعته الولايات المتحدة الامريكية حتى منتصف القرن الماضي. كما ان بعض القبائل العربية مازالت ترى في نسبها القبلي الخاص عنصر امتياز على الغير. ولا بد ان القراء يذكرون حكم احد القضاة قبل شهور بالتفريق بين زوجين بعدما وجد ان الزوجة اعلى نسبا من قرينها. وهو حكم يستند الى مرجعية معروفة في التراث الفقهي، لكن اساسه هو القول بامكانية التفاوت العرقي او الطبيعي بين الناس.
اضافة الى هذا، فهناك من يقر بتكافؤ البشر عند الولادة، لكنه يقبل ايضا بفكرة التفاوت المكتسب. اي التفاوت بين الناس بسبب انتماءاتهم. ونعرف ان بعض الاقطار (ومنها الكويت مثلا) تتبع نظام مواطنة مزدوجا، يقسم الناس الى مواطن درجة اولى وثانية، ويترتب على هذا الفارق تفاوت في بعض حقوق المواطنة. ومن الامور الرائجة في كثير من البلدان التمييز بين المواطنين المنحدرين من اصول محلية وبين المهاجرين. وثمة فقهاء مسلمون يحكمون بنجاسة غير المسلمين عامة، وهناك من يقصر الحكم على المشركين دون اهل الكتاب. وذهب بعض فقهاء العصور السالفة الى اشتراط الاصل العربي في التأهل للخلافة وإمرة المسلمين، واشترط آخرون النسب القرشي دون سائر العرب، وحصرها بعضهم في بني هاشم دون سائر قريش.
هذه الاراء جميعها تنطلق من اساس فكري واحد، خلاصته ان السلطة والموارد العامة هي امتياز تختص به الفئة المميزة، سواء كانت عرقا او قبيلة او دينا او مذهبا سياسيا او غير ذلك. وبناء عليه فانه يمكن تصور النظام الاجتماعي القائم على هذا الاساس كنظام ذي هيكلية مزدوجة يسمح لمختلف الناس ان يعيشوا في ظله، لكن من دون التمتع بالمساواة في الحقوق والامتيازات.
خلافا لهذا فقد ذهبت الفلسفة السياسية المعاصرة (ولا سيما في المدرسة الليبرالية) الى مفهوم مختلف تماما للعلاقة بين ابناء البلد الواحد يقوم على قاعدة «الشراكة في التراب». طبقا لهذا المفهوم فان جميع اعضاء المجتمع، سواء ولدوا فيه او انتموا اليه لاحقا، شركاء في ملكية الارض التي يقوم عليها هذا المجتمع وتخضع لنظامه. ويطابق هذا المفهوم الى حد كبير فكرة «الخراج» المعروفة في الفقه الاسلامي القديم، التي تؤكد على ملكية عامة المسلمين للموارد الطبيعية ملكا مشاعا. 
بناء على هذا المفهوم فان الناس يولدون متساوين متكافئين ويبقون كذلك طيلة حياتهم. لا لأن احدا أقر لهم بهذه الصفة، بل لكونهم شركاء في ملكية النظام الاجتماعي بمجمله. ومن هنا فان اي عضو في هذا النظام لا يستطيع الغاء عضوية الاخر، لأنها ليست منحة بل حق مترتب على ملكية مشروعة.
واجه هذا المفهوم الأولي الكثير من المجادلات في بداية ظهوره، لكنه تطور في اطار الفلسفة الليبرالية، وتحول من ثم الى قاعدة للعمل السياسي في الدول الحديثة. كان اول التمثيلات السياسية لمفهوم الشراكة في التراب، هو نظرية العقد الاجتماعي. ثم اصبح اساسا لفكرة المجتمع المدني التي تعد ابرز اطارات المشاركة السياسية في عالم اليوم. وثمة بين الفلاسفة المعاصرين، من يدعو الى نظرية مماثلة على المستوى الكوني. واخص بالذكر استاذنا البروفسور جون كين الذي يدعو الى نظام عالمي يشترك فيه جميع البشر او من يمثلهم، من اجل تطوير الموارد الكونية ومكافحة التدمير الذي تتعرض له بيئة الارض، لانها ملك للجميع. 
خلاصة القول إذن، ان الركن الاول للنظام الاجتماعي العادل، هو التكافؤ والمساواة بين اعضائه. فالناس جميعا اكفاء لبعضهم ومتساوون منذ ولادتهم وحتى يموتوا. هذا الوصف لا يتوقف على اقرار احد معين، بل هو حق طبيعي مترتب على شراكة اعضاء المجتمع في التراب الذي يقوم عليه النظام الاجتماعي وما ينطوي عليه من موارد.
عكاظ 16 مايو 2007  العدد : 2159  https://www.okaz.com.sa/article/101700
مقالات ذات علاقة 




02/05/2007

حقوق الإنسان في الإطار المحلي



إذا تحدثت الى رئيس هيئة حقوق الانسان الاستاذ تركي بن خالد السديري فسوف يخبرك من دون مواربة بانه يتفهم تساؤلات الناس عن دور الهيئة وربما شكوكهم في قدرتها على تلبية توقعاتهم الكثيرة. والمؤكد ان مثل هذا الشعور موجود لدى شقيقتها الاهلية (الجمعية الوطنية لحقوق الانسان).
والحق ان الانسان ليشفق على المؤسستين من صعوبة المهمة التي التزمتا بحملها نيابة عن المجتمع او نيابة عن الدولة. تكمن الصعوبة في ان مفهوم حقوق الانسان يعتبر جديدا على الثقافة العامة في المجتمع السعودي. ولعل كثيرا من الناس لا يفهم مغزاه او الحاجة اليه. والمؤكد ان بعض الناس سوف ينظر اليه بعين الارتياب او العداء. ربما يتذكر بعض القراء ما كان يقال في سنوات سابقة من ان «حقوق الانسان» وجمعياتها هي مجرد ادوات للغزو الفكري او التدخل الاجنبي. نفهم ايضا ان بعض البيروقراطيين، سيما في المراتب الوسطى من الادارة الحكومية والقطاع الخاص، لا يستسيغ فكرة الرقابة من خارج النظام الاداري لمؤسسته، ويزداد الامر سوءا اذا وصل الى نقد ادائه الشخصي، في تطبيق القانون او التعامل مع الغير
قد تمثل هذه الصعوبات عذرا للقائمين على المؤسستين. لكن القصور مثل التقصير ليس من النتائج التي يرغب الانسان في الاتصاف بها على اي حال. ولا اظن احدا في هذا القطاع او في اي قطاع آخر يرغب في الوقوف امام الناس او الصحافة يوما كي يخبرهم بانه عجز عن الوفاء بوعوده، حتى لو كان لديه مبررات واعذار. الفشل هو الفشل، مهما كان تبريره
اذا صح القول بان المؤسستين تواجهان مشكلة سببها غربة مفهوم «حقوق الانسان» عن الثقافة العامة المحلية، فسوف يتوجب عليهما وضع برنامج عمل «تثقيفي» غرضه المحوري هو تمهيد الطريق امام عملهما. يستهدف البرنامج ايصال فكرة حقوق الانسان وشرح موضوعها الى جميع الاطراف ذات العلاقة. واقترح تحديد الاستهدافات على النحو التالي:
أ- على المدى القصير: الهيئات الحكومية والخاصة التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين، من وزارات او مؤسسات عامة او شركات اهلية. يتركز العمل في هذا الاطار على التفاوض مع رؤساء تلك الهيئات وقياداتها الوسطى، لشرح مفهوم حقوق الانسان وموضوعاته والخروقات المحتملة والاجراءات التأديبية او العقابية المقررة او التي يمكن ان تتقرر في المدى المنظور. الهدف الرئيس من هذا العمل هو تفهيم رؤساء الادارات بان سلطاتهم مهما عظمت لا تسمح لهم بخرق حقوق الغير، سواء كان مواطنا عاديا او مراجعا ذا مصلحة او وافدا اجنبيا، وصولا الى اقناع كل دائرة بوضع لائحة اجراءات تنفيذية محورها احترام حقوق الانسان. ويمكن ان تنفذ خطة العمل في هذا الجانب على مدى سنتين.
ب- على المدى المتوسط: التوجيه الاعلامي من خلال الصحافة والتلفزيون والمنتديات الخاصة والعامة والاتصال المباشر بالجمهور بكل وسيلة ممكنة. ومحور هذا العمل هو تبيئة مفهوم حقوق الانسان وتطبيقاته وجعلها اليفة عند الناس ومتصلة بثقافتهم، واقناعهم بفوائدها لاشخاصهم ومجتمعهم. اما غرضه الرئيس فهو ايجاد علاقة تفاعلية بين مؤسسات حقوق الانسان وبين الجمهور العام، وكشف المجالات والسبل التي يمكن لكل فرد ان يسهم فيها ومن خلالها في دعم الجهد الوطني الهادف الى حماية حقوق الانسان.
ج- على المدى البعيد: ادماج مفهوم حقوق الانسان ضمن برامج التعليم العام والنشاطات اللاصفية، ولا سيما في المراحل قبل الجامعية. ومحور هذا العمل هو تحويل مفهوم «حق الفرد ومسؤولياته» الى جزء اعتيادي في التربية المدرسية. وغرضه الرئيس هو انتاج قاعدة ثقافية لحقوق الانسان وتخليق مفاهيم مرادفة في الاطار المحلي، فضلا عن تعريف الفرد بنفسه كانسان حر، مستقل، ومتساو مع الغير، وتعويده على احترام مسؤولياته في هذا الاطار. هذا الجزء من البرنامج يحتاج الى مدى زمني لا يقل عن عشر سنوات.
خلاصة القول ان ترسيخ مبادئ حقوق الانسان قانونيا واداريا، يحتاج الى تبيئة وتوطين المفهوم. من هذه الزاوية فان برنامجا تثقيفيا واسع النطاق كالذي نقترحه يمثل وسيلة ضرورية لمعالجة ما اظنه غربة اجتماعية لهذا النشاط ومؤسساته.
عكاظ  2 مايو 2007  العدد : 2145

https://www.okaz.com.sa/article/104811

29/04/2007

عدالة ارسطو التي ربما نستحقها


 العدالة الاجتماعية هي واحد من الاسئلة المحورية في الفلسفة السياسية. بل قد لا نبالغ اذا اعتبرناها السؤال الاول لهذا الحقل من العلوم منذ قديم الزمان وحتى اليوم. ونشير بالمناسبة الى ضآلة الابحاث المتعلقة بالموضوع في الفكر الاسلامي القديم والمعاصر، رغم الاهمية الكبيرة التي توليها النصوص الاسلامية لمسألة العدل.
تمثال ارسطو
وقد سألت شيخي في قديم الايام عن سر افتقار المكتبة العربية الى بحوث معمقة في الموضوع فقال لي ان فكرة العدالة مفقودة في التراث الديني الغربي ولهذا احتاج الغربيون الى بحثها. بينما اعتقد المسلمون ان ما وصلهم عنها من اسلافهم فيه غنى وزيادة، فلم يجدوا حاجة الى مزيد بحث عنها. وظننت انني قد قنعت بهذا التبرير.

 لكن سرعان ما اطاح بهذه القناعة اسئلة اخرى مثل: اذا كان لدينا نصوص او بحوث سابقة، فقد كان احرى ان تشق الطريق الى مزيد من البحث والدراسة، لا أن تترك او تهمل. ثم قرأت مجادلات الاسلاميين حول الماركسية والرأسمالية وفضل الاسلام عليهما، فوجدت معظمهم يتجنب - غفلة او عمدا - الجوانب الاشكالية من مسألة العدل الاجتماعي وتطبيقاتها، ولا سيما علاقتها بالتنظيم الاقتصادي والسياسي وهيكل القيم الناظمة للعلاقات الاجتماعية وتطبيق الاحكام والاعراف.. الخ.

بعض الذين تطرقوا الى مسألة العدالة، ولا سيما من قدامى الاسلاميين ومن سار على نهجهم من المعاصرين، ذهبوا مذهب الفيلسوف اليوناني ارسطو الذي رأى ان جوهر العدالة يكمن في معاملة المتساوين بالسوية، والتمييز بين غير المتساوين.

 قامت نظرية ارسطو على فرضيات سابقة حول التمايز بين الناس، كانت متعارفة ومقبولة في زمنه، وقد اضاف اليها ومنحها مبررات فلسفية واجتماعية. من ذلك مثلا ان نظام المدينة اليونانية كان يميز سكان اثينا على غيرهم، ويميز الرجال على النساء، والاحرار على العبيد، والجنود على الزراع والحرفيين، واهل الملكات الفكرية كالفلاسفة والاطباء على بقية العاملين، ورجال السياسة على سائر الناس.

بطبيعة الحال فان هذا التمييز ليس مقبولا في عالم اليوم. لكنه - في ذلك الزمان على الاقل - لم يكن اعتباطيا، فقد استند الى قائمة من المبررات التي بدت لاصحابها معقولة. وابرز تلك المبررات هو القول بان الناس ليسوا متساوين اساسا، فبعضهم اعلى - معنويا - من غيره لاسباب ذاتية او عضوية، وبعضهم كافح لاكتساب ملكات اضافية فاصبح اعلى من غيره. ومن النوع الاول مثلا منع النساء من المشاركة في السياسة والامور العامة لان المرأة - حسب رأي ارسطو - عاجزة عضويا عن التفكير السليم في الامور العامة والسياسة. وكذلك الامر بالنسبة لابناء المهاجرين الى اثينا، لانهم لم يتشربوا روح المدينة وقانونها، ومثلهم اصحاب الحرف اليدوية الصغيرة لان عقولهم غير نشطة.. الخ.

ولو اتيحت لك الفرصة للتأمل في بعض ما كتبه قدامى الاسلاميين واتباعهم من المعاصرين حول النساء وحقوقهن، وحول العلاقة مع غير المسلمين، بل وحتى المسلمين من غير اهل الديار، وحول حقوق الطبقات الاجتماعية المختلفة والقيم الناظمة للعلاقة بينها، فسوف تجد هذه الاراء نفسها او قريبا منها بنفس المبررات او مع مبررات اضافية.

يشير هذا - من ناحية - الى واحد من الاسئلة الهامة حول مبدأ العدالة وموقعه من سلم القيم الاساسية في حياة البشر. من الواضح ان التطبيق اليوناني لمبدأ العدالة كان مشروطا بالتنظيم الخاص لمدينة اثينا، ولعل بعضنا يرى ان التطبيق الاسلامي لمبدأ العدالة ينبغي ان يخضع ايضا للتنظيم الخاص للمجتمع الاسلامي.

ومعنى ذلك ان العدالة ليست من القيم العقلية المستقلة - كما يدعي جميع الفلاسفة-، وليست جزءا من الجوهر الانساني للانسان - كما يدعي الاخلاقيون - وليست معيارا اعلى لصلاح النظام الاجتماعي - كما يدعي علماء الاجتماع والسياسة. بل هي قيمة اجتماعية يتحدد مفهومها ومعناها وتطبيقها تبعا لثقافة المجتمع وما توافق عليه من نظم وأعراف. بعبارة اخرى فان المضمون النهائي لهذا الفهم يقرر ان العدالة ليست من القيم المطلقة الموضوعية، بل هي قيمة نسبية، وليست مصدرا لقواعد العمل بل فرع عنها.

وهو يشير - من ناحية اخرى - الى سؤال جوهري، يتعلق بالعامل الاساس في تحديد قيمة الانسان. يمكن صياغة السؤال على النحو التالي :

 هل تتحدد قيمة الانسان قبل ولادته ؟. بعبارة اخرى هل يتساوى جميع المواليد من حيث القيمة - وبالتالي الاهلية لاستحقاق نفس القدر من العدالة، ام ان بعضهم يولد ارقى من غيره، اي مستحقا لشريحة اعلى من العدل؟. هذا يقودنا بالتاكيد الى جدل حول ما يستحقه الفرد بالولادة وما يستحقه بالكفاءة والجهد. طبقا للرؤية الاولى فان نسب الفرد ولونه ودينه او مذهبه وانتماءه الى بلد معين هي قدر لا مفر منه، فهي التي تحدد قيمة الفرد وحياته. والفرق بين الرؤيتين لا يخفى على بصير.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...